حضّ الرئيس الصيني، شي جينبينغ، السبت، الولايات المتحدة على عدم تجاوز «الخط الأحمر» في دعمها تايوان، وذلك قبل شهرين من عودة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض. واجتمع الرئيس الأميركي، جو بايدن، بنظيره شي لآخر مرة، السبت في بيرو، غداة تحذير الزعيمين من حقبة «اضطراب» تلوح في الأفق في ظلّ عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وهو اللقاء الثالث والأخير لهما قبل أن يسلّم الرئيس الديمقراطي (81 عاماً) زمام الرئاسة إلى خلفه الجمهوري في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.
انتقال سلس
وأكد الرئيس الصيني، شي جينبينغ، لنظيره الأميركي أن بكين «ستسعى جاهدة لضمان انتقال سلس» في علاقاتها بواشنطن، وأنها مستعدة للعمل مع إدارة دونالد ترمب. وفي هذه المحادثات، التي عُقِدت على هامش قمة «منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك)»، قال الرئيس الصيني لبايدن إنه تتعيّن على البلدين «مواصلة استكشاف الطريق الصحيحة» للتفاهم، و«تحقيق تعايش سلمي على المدى الطويل». وأضاف شي أن «الصين مستعدة للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة للحفاظ على التواصل وتوسيع التعاون وإدارة الخلافات، من أجل السعي لضمان انتقال سلس للعلاقات الصينية - الأميركية».
تقلبات وانعطافات
وحذّر شي، السبت، بأن العلاقات بين البلدين قد «تشهد تقلبات وانعطافات، أو حتى تراجعاً»، إذا عدّ أحد الجانبين الآخر خصماً أو عدواً. وقال شي إن «المنافسة بين الدول الكبرى يجب ألا تكون المنطق الأساسي للعصر»، لكنّه شدّد على أن موقف بكين المتمثل في «حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية بحزم، لم يتغير»، وفق ما نقلت عنه وكالة «شينخوا». وفي ولايته الرئاسية الأولى، انخرط ترمب في حرب تجارية مع الصين، وفرض رسوماً جمركية على ما يعادل مليارات الدولارات من المنتجات الصينية، في خطوات ردّت عليها بكين بتدابير انتقامية. وفي حملته الانتخابية الأخيرة، تعهّد ترمب باتّباع سياسات تجارية حمائية، بما في ذلك فرض رسوم على كل الواردات، خصوصاً على تلك الصينية. وأعلن بايدن، السبت، خلال اجتماعه الثنائي الأخير مع شي، أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين بذل كل ما في وسعهما لمنع المنافسة بينهما من «التحول إلى نزاع». وقال بايدن: «لا يمكن لبلدينا أن يسمحا لهذه المنافسة بالتحول إلى نزاع. هذه مسؤوليتنا، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية أعتقد أننا أثبتنا أنه يمكن الحفاظ على هذه العلاقة». ولم يُشر الرئيس الأميركي، الذي تعدّ هذه من آخر مشاركاته على الساحة الدولية، إلى خليفته ترمب، لكنّ ظِلّ الأخير خيّم على الاجتماع مع شي. غير أن بايدن قال لشي إنه «فخور بالتقدم الذي أحرزناه» نحو استقرار العلاقات بين واشنطن وبكين. وتابع الرئيس المنتهية ولايته: «أتذكر وجودي معك في هضبة التيبت، وأتذكر وجودي في بكين، وحول العالم، أولاً بصفتي نائباً للرئيس، ثم رئيساً». وأردف بايدن: «لم نكن نتفق دائماً، لكن محادثاتنا كانت دائماً صريحة»، مؤكداً أنهما كانا «صادقين معاً». ومضى بايدن يقول: «أعتقد أن هذا أمر ضروري. فهذه المحادثات تساعد على تجنب الحسابات الخاطئة وضمان عدم تحول المنافسة بين بلدينا إلى نزاع».
تايوان خطّ أحمر
وجدّد شي تحذيره للولايات المتحدة من تجاوز «خطوط بكين الحُمر». وقال إن «قضية تايوان والديمقراطية وحقوق الإنسان»، إضافة إلى النظامين؛ السياسي، والاقتصادي، للصين، ومصالحها في مجال التنمية، «هي خطوط الصين الحُمر الأربعة التي يجب ألا تكون موضع تساؤل»، وفق ما ذكر التلفزيون الصيني الرسمي «سي سي تي في»، وأضاف: «هذه هي أهم الضمانات وشبكة الأمان للعلاقات الصينية - الأميركية». وأدان شي «التصرفات الانفصالية» لزعماء تايوان، قائلاً إنها «تتعارض مع السلام والأمن» في المنطقة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وتعدّ الصينُ تايوان جزءاً من أراضيها، وقالت إنها لا تستبعد استخدام القوة لإعادة الجزيرة إلى سيطرتها. وفي السنوات الأخيرة، زادت بكين ضغوطها العسكرية عبر إرسال طائرات حربية وطائرات من دون طيار وسفن حول الجزيرة بشكل شبه يومي. والولايات المتحدة هي الداعم الأمني الرئيسي لتايوان، على الرغم من أنها لا تعترف بالجزيرة على الصعيد الدبلوماسي.
وخلال لقائه بايدن، أكد شي أيضاً أن واشنطن «يجب ألا تتدخل في نزاعات ثنائية (...) وألا تتسامح مع أعمال استفزازية أو تدعمها» في بحر الصين الجنوبي، وفق ما ذكر تلفزيون «سي سي تي في». وتطالب بكين بالسيادة على كل الشعاب المرجانيّة والجزر الصغيرة غير المأهولة في بحر الصين الجنوبي لأسباب تاريخيّة، متجاهلةً حكم محكمة دوليّة صدر عام 2016 بعدم وجود أساس قانوني لمطالباتها. ولدى كل من الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي وإندونيسيا مطالب في هذه المنطقة البحرية ذات الأهمّية التجارية والاستراتيجية الكبيرة.
وقد شهد الوضع تصعيداً في الأشهر الأخيرة؛ إذ وقعت أحداث عدة بين سفن صينية وأخرى فيتنامية وفلبينية.
«حمائية» متصاعدة
وكان شي دعا في وقت سابق، السبت، خلال القمة في بيرو، الدول الأعضاء في «مجموعة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك)» إلى «توحيد الصفوف» في مواجهة «حمائية» متصاعدة. وفي كلمة وجّهها إلى قادة الدول المنضوية في المجموعة، قبل ساعات من المحادثات التي أجراها لاحقاً مع بايدن، تطرّق شي إلى «تحديات، مثل الأوضاع الجيوسياسية، والأحادية، وازدياد الحمائية». وقال: «يجب أن نُوحّد الصفوف ونتعاون»، وفق تصريحات أوردتها قناة «سي سي تي في» الرسمية الصينية. وحضّ شي، السبت، أعضاء «آبيك» على التمسّك بحزم بتعددية الأقطاب والاقتصادات المفتوحة، مع الدفع باتجاه التكامل الإقليمي. وأبدى تأييداً لجهود تُبذل منذ سنوات لإنشاء منطقة تجارة حرة في «منطقة آسيا - المحيط الهادئ»، لافتاً إلى أن بكين مستعدة للتفاوض بشأن اتفاقيات تجارية في القطاعات الرقمية والمراعية للبيئة. وشي، الذي ستستضيف بلاده «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آبيك)» عام 2026، دعا إلى مزيد من التعاون في مجالات عدة، خصوصاً الذكاء الاصطناعي.