بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

مع عدم اعتراف أي دولة بالحركة... توقفت المساعدات الإنمائية

لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)
لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)
TT

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)
لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم، تعاني أفغانستان ركوداً اقتصادياً كاملاً، فيما يغرق سكانها في الفقر وسط أزمة إنسانية متفاقمة، من دون أمل في تحسن الأوضاع في المستقبل المنظور.

فتاة أفغانية تبكي على الرصيف حيث كانت تقيم لمدة شهر تقريباً أمام مبنى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوصفهم طالبي لجوء معظمهم من مجموعة الهزارة العرقية في أفغانستان (أ.ف.ب)

عند سيطرة حركة «طالبان» على كابل، ورثت من السلطة السابقة إدارة بوضعها القائم. ومنذ ذلك الحين، انخفضت الأسعار وقاومت العملة الوطنية الضغوط ولم يعد الفساد مستشرياً كما كان من قبل وتجري جباية الضرائب بصورة أفضل.

من سوق الفاكهة في العاصمة كابل (أ.ف.ب)

والأهم من كل ذلك أن الأمن عاد إلى البلاد، مما أوجد أجواء مواتية للأعمال. وبعد سنوات من الحرب، بات بإمكان الأشخاص والبضائع التنقّل بصورة آمنة عبر البلاد، من كابل إلى هرات غرباً، ومن مزار شريف شمالاً إلى جلال آباد شرقاً.

غير أن الناتج المحلي الإجمالي شهد انكماشاً حاداً بنسبة 26 في المائة خلال 2021 و2022، حسب البنك الدولي الذي حذَّر من أن «النمو سيكون في مستوى الصفر للسنوات الثلاث المقبلة وستتراجع العائدات للفرد تحت الضغط الديمغرافي».

يشارك اللاجئون وطالبو اللجوء ومعظمهم من جماعة الهزارة العرقية في أفغانستان والموجودين في إندونيسيا منذ نحو 7 إلى 12 عاماً وآخرون من السودان والصومال وإثيوبيا في احتجاج للمطالبة بإعادة توطينهم والحصول على المساعدة الأساسية في مجال حقوق الإنسان (أ.ف.ب)

ومع عدم اعتراف أي دولة بحكومة «طالبان»، توقفت المساعدات الإنمائية، وانهارت المساعدات الإنسانية بحيث بات ثلث سكان أفغانستان البالغ عددهم 45 مليون نسمة يعيشون على الخبز والشاي، في ظل انتشار البطالة.

وتملك أفغانستان ثروات معدنية وإمكانات زراعية هائلة، لكنها تعاني هجرة الأدمغة ونقص البنى التحتية وانقطاع الخبرات الأجنبية ومصادر التمويل.

وقال سليمان بن شاه، الذي كان نائباً لوزير التجارة في الحكومة السابقة وهو اليوم مستشار في مجال الاستثمار، متحدثاً لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «عصب الحرب هو إيجاد شركاء استراتيجيين».

ونجحت كابل في ذلك، وقال نائب وزير التجارة والصناعة أحمد زاهد: «نتعاون كثيراً مع روسيا والصين وباكستان وإيران»، ذاكراً أيضاً جمهوريات آسيا الوسطى.

وأعادت كابل وبكين إطلاق مشروع «ميس عينك»، ثاني أكبر منجم للنحاس في العالم، بعدما كان متوقفاً منذ 2008.

لكن بن شاه لفت إلى أن الخروج من التخلف «يحتم إعادة فتح القنوات المصرفية» المتوقفة بفعل العقوبات الغربية وتجميد أرصدة البنك المركزي.

أميرجان ثاقب (في الوسط) نائب «طالبان» في أكاديمية العلوم يفتتح معرضاً للكتاب في كابل بأفغانستان يوم 30 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

وشرح أفغانيون من سكان كابل وهرات وغزنة (وسط)، قابلتهم وكالة الصحافة الفرنسية، ظروف عيشهم؛ إذ أبدى عزيز الله رحمتي (54 عاماً) الذي يملك مصنعاً للزعفران، ارتياحه للأوضاع، شارحاً أنه سيضاعف إنتاجه هذه السنة.

وقال: «كنا من قبل نسعى للاستثمار خارج البلاد، لكن مع عودة الأمن وتسهيل التصدير، فضَّلنا الاستثمار في أفغانستان».

وكان مصنعه «ريد غولد سافرون كومباني» يوظِّف حراساً لمرافقة شحناته إلى مطار هرات، لكنَّ رحمتي الذي يصدّر إلى 27 بلداً يؤكد: «لم يعد هناك أي مشكلة الآن».

ويوظِّف مصنعه نساء يقمن بجمع خيوط التابل الثمين يدوياً من الأزهار.

لكن 50 في المائة فقط من أرباب العمل يوظفون نساء في بلد يعاني اقتصاده القيود التي تفرضها «طالبان» على تعليم النساء ونشاطهن.

وقال رحمتي: «إن تحويل الأموال يطرح مشكلة حقيقية، وهي أنه يتعين علينا المرور عبر وكلاء صيرفة في دبي لإدخال أموالنا إلى أفغانستان».

وتابع: «إذا لم نحصل على تأشيرة دخول في الوقت المناسب للتوجه إلى المعارض الدولية، أو إذا لم نحصل على تأشيرة دخول على الإطلاق، فإننا سنخسر موقعنا بالكامل في السوق العالمية».

موسيقيّ عاطل عن العمل

كان وحيد نكزاي لوغاري، عازف الهارمونيوم والساريندا، وهي آلة أوتار أفغانية تقليدية، من أعضاء الأوركسترا الوطنية ويحيي حفلات موسيقية حتى في الهند.

روى الأفغاني البالغ 46 عاماً في منزله المتواضع في إحدى ضواحي كابل: «كنت أعول عائلتي بكاملها، كنا نعيش حياة جميلة».

وأضاف: «مع عودة (طالبان) حظرت الموسيقى». وقال: «الآن أنا عاطل عن العمل». يقود أحياناً سيارة أجرة لكسب معيشة عائلته المكونة من سبعة أفراد، ولم يعد يكسب سوى خمسة آلاف أفغاني في الشهر (65 يورو)، وهو ما لا يتعدى خُمس ما كان يجنيه من حفلاته الموسيقية.

وأوضح: «فتَّش عناصر (طالبان) منزلي على غرار كل منازل كابل، عثروا على آلاتي الموسيقية، قلت لهم إنني لم أعد أعزف، فلم يحطموها». وقال متحسّرا: «لم يقل لنا أحد: لا تعزف الموسيقى بعد الآن، لكننا سنجد لك وسيلة لإطعام عائلتك».

صالونات تجميل سرّية

قالت سيّدة، وهو اسم مستعار، إن أمر أغلاق صالونات التجميل العام الماضي «حطم قلبها»، لكنها انتقلت قبل أربعة أشهر إلى مكان آخر من كابل.

وأوضحت سيّدة البالغة 21 عاماً: «وجدنا هذا المكان هنا»، وهي تشغّله، «بشرط أن تأتي الزبونات بصورة متكتّمة جداً وأن تنام بعض موظفاتنا هنا حتى يظنّ الجيران أن عائلة تسكن المكان».

وأضافت: «كان لدينا في الماضي ما بين ثلاثين وأربعين زبونة في اليوم، أما الآن فلم نعد نستقبل سوى ست أو سبع زبونات» غير أنها احتفظت رغم ذلك بموظفاتها الـ25 حتى «يكون لكل منهنّ دخل».

وتراجعت عائدات الصالون إلى الثلث، فيما هبط كسب سيّدة من 25 ألف أفغاني إلى ما بين 8 آلاف و12 ألفاً.

وقالت: «نختبئ لنعمل، ولا ندري إلى متى سنستمر».

وأشارت إلى أن الشرطة «عثرت على بعض الصالونات (السرية) فحطمت المعدات وأساءت معاملة الموظفات» وفرضت غرامات.

أعضاء من حركة «طالبان» خلال عرض عسكري في كابل (رويترز)

مجاهد أصبح موظفاً في الدولة

كان طموح عبد الوالي شاهين على مدى 4 سنوات أن «يموت» في صفوف «طالبان». وبعد سيطرة الحركة على البلاد، تخلى عن قاذفة الصواريخ ليجلس خلف كمبيوتر في هيئة الإعلام والثقافة في غزنة.

وقال المقاتل السابق البالغ 31 عاماً: «لم أكن متوتراً كما أنا اليوم، لديَّ مسؤوليات أكبر تجاه الشعب».

وأضاف: «كل ما كنا نفعله كان الجهاد، الآن الأمر أكثر صعوبة».

وهو يتقاضى أجراً مقداره عشرة آلاف أفغاني، يكفي لإعالة عائلته من خمسة أفراد.

وأوضح: «أعطي علامة عشرة على عشرة للإمارة عن السنوات الثلاث الماضية، الأمور على ما يرام ولدينا أمل في المستقبل».

وأشاد بعودة الأمن، وهو برأيه «نجاح كبير»، وبمصادرة الأراضي والمباني العامة التي كانت مشغولة بصفة غير قانونية.

لكنه أقر بوجود «ثغرات» آملاً أن يجري «إصلاحها».

وختم: «يجب أن يستمر السلام».


مقالات ذات صلة

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقى حليفه دولت بهشلي الخميس الماضي وسط تأكيدات عن خلافات بينهما (الرئاسة التركية)

حليف إردوغان استبعد الخلاف معه... وهاجم مَن يخدمون «أولاد بايدن» بالتبني

أشعل رئيس حزب «الحركة القومية»، شريك حزب «العدالة والتنمية» في «تحالف الشعب»، جدلاً جديداً حول حلّ المشكلة الكردية في تركيا، ونفى وجود أي خلاف مع الرئيس إردوغان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

باكستان: 38 قتيلاً في هجمات على حافلات ركاب

شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
TT

باكستان: 38 قتيلاً في هجمات على حافلات ركاب

شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)

كشف نديم أسلم تشودري، رئيس وزراء إقليم خيبر بختون خوا الباكستاني، إن 38 قتيلاً على الأقل و29 مصاباً سقطوا عندما فتح مسلحون النار على حافلات ركاب الخميس، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضاف تشودري أن امرأة وطفلاً من بين قتلى الهجوم الذي وقع في منطقة كورام القبلية بشمال غربي البلاد.

وأردف قائلاً: «إنها مأساة كبرى، ومن المرجح أن يرتفع عدد القتلى. والتوتر مستمر بين الشيعة والسُّنة منذ عقود بسبب نزاع على أراضٍ في المنطقة القبلية المتاخمة لأفغانستان». ولم تعلن أي جماعة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم.

وقال زيارات حسين، وهو واحد من سكان باراتشينار، لـ«رويترز» عبر الهاتف: «كانت هناك قافلتان من حافلات الركاب، إحداهما تنقل الركاب من بيشاور إلى باراتشينار، والأخرى من باراتشينار إلى بيشاور، عندما فتح مسلحون النار عليهما».

وأضاف أن «أقارب له كانوا في القافلة المسافرة من بيشاور».

وندد الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، في بيان بشدة بالهجوم.