التكافؤ الاستراتيجيّ

إطلاق صاروخ «غراد» من راجمة صواريخ روسية على جبهة القتال مع أوكرانيا (إ.ب.أ)
إطلاق صاروخ «غراد» من راجمة صواريخ روسية على جبهة القتال مع أوكرانيا (إ.ب.أ)
TT

التكافؤ الاستراتيجيّ

إطلاق صاروخ «غراد» من راجمة صواريخ روسية على جبهة القتال مع أوكرانيا (إ.ب.أ)
إطلاق صاروخ «غراد» من راجمة صواريخ روسية على جبهة القتال مع أوكرانيا (إ.ب.أ)

تقول الكاتبة الأميركيّة - الكنديّة أسترا تايلور في كتابها «عصر انعدام الأمن»، إن العالم في طبيعته مبنيّ على انعدام الأمن (Insecurity). وفي هذا العالم، يسعى الإنسان إلى الأمان، عبر حيازة عناصر القوّة، والثروة، كما قد يسعى إلى الأمان ضمن القطيع (Herd Security). يتظهّر الأمان ضمن القطيع، عندما يأتي التهديد من قوّة خارجيّة كبيرة جدّاً. ألا يقوم حلف «الناتو» على دول صغيرة، وكبيرة في مواجهة التهديد الروسيّ، وسابقا السوفياتيّ؟

في مكان آخر، ومناقِض للأول، أي الأمن ضمن القطيع، يبتعد الإنسان عن أخيه الإنسان خلال الجائحات والأوبئة القاتلة (Social Distancing). والهدف دائماً، هو تحقيق الأمن والأمان والاستمراريّة. لكنّ هناك معضلة في تحقيق الأمن والأمان، اللذين يقومان على المبدأ التالي: «أمني على حساب أمن الآخر». كذلك الأمر هناك مفارقة تقوم عليها المنظومات الأمنيّة، ألا وهي: «كلما زاد مستوى الأمن، ارتفعت نسبة المعطوبيّة والهشاشة». هكذا يقاتل الفريق الأضعف، الفريق الأقوى منه، وذلك عبر التركيز على نقاط ضعفه وهشاشته ضمن منظومته الأمنيّة.

لا يمكن لدولة ما أن تكون متفّوقة بشكل مطلق على غيرها من الدول. فالأمن بطبيعته ليس مُطلقاً، ولا يمكن تحقيقه بنسبة مائة في المائة. فاللاتماثل (Asymmetry)، يشكّل جزءاً مهمّاً من تركيبة العلاقات الدوليّة، إن كان في السلم أو الحرب. حتى إن العلاقات البشريّة في تكوينها وتطوّرها مبنيّة على اللاتماثل. فإن تقدّمت دولة في مجال ما، وخرقت التوازن الذي كان سائداً. تسعى الدول الأخرى إلى إعادة التوازن على ما كان عليه، إن كان عبر امتلاك نفس السلاح، أو عبر ابتكار صلاح مُضاد له ليلغي مفاعيله. وهكذا يبدأ سباق التسلّح.

التكافؤ الاستراتيجيّ

لا تتساوى الدول في قدراتها العسكريّة بشكل عام. فلكلّ دولة ثقافة استراتيجيّة خاصة بها. تتكوّن هذه الثقافة الاستراتيجية بعد تراكمات من التجارب السياسيّة إن كان في الحرب أو السلم. يُضاف إلى هذه التجارب، العوامل الجغرافيّة كالموقع مثلاً. وعليه، ترسم كلّ دولة مسلّماتها الاستراتيجيّة (Geopolitical Imperatives) كي تستمر آمنة، مستقرّة ومزدهرة، لتنتج بعدها عقيدة القتال وتأمين الوسائل اللازمة للنجاح.

جنود مشاركون بمناورات لحلف «الناتو» في لاتقيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

إذاً لكل دولة عقيدة عسكريّة ومُسلّمات واستراتيجيات. تُختبر هذه المنظومات بشكل مستمرّ في حال كانت الدول المعنيّة في حالة صراع أو حرب. والأخطر إذا كانت هذه الدول متلاصقة وقريبة جغرافيّاً. لكنّ حدّة الصراع تكون مرتفعة جداً، في حال سعي هذه الدول للسيطرة على نفس منطقة النفوذ. وكلّما امتلكت دولة ما عناصر القوّة للسيطرة والتوسّع، كانت منطقة نفوذها أكبر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد أميركا في كل أرجاء العالم، خصوصاً عسكريّاً.

تتظهّر أهمية التكافؤ الاستراتيجيّ، عند السعي لتأمين الوسائل الكفيلة بنجاح الاستراتيجيّات. وإذا كان اللاتماثل (Asymmetry) موجوداً دائماً بين الدول. فلا بد لدولة ما أن تكون متقدّمة على غيرها في كميّة الوسائل، وفي نوعيّتها -التكنولوجيا المتقدّمة مثلاً. الأمر الذي يفرض على الدول المعادية، والأفقر في قدراتها، السعي للتعويض في الخلل الاستراتيجي عبر تأمين الوسائل بما توفّر، وبأقلّ تكلفة. لذلك يندرج التعويض في التركيز على نقاط الضعف والهشاشة لدى العدو. تشكّل نقاط الضعف والهشاشة، خريطة الطريق لبناء الاستراتيجيّة. في هذا الإطار، سعى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل عبر اعتماد استراتيجيّة كبرى، ترتكز على استراتيجيّات صغرى متعدّدة وهي:

للتعويض بأسلحة الدمار الشامل، خصوصاً أن إسرائيل تملك السلاح النوويّ، حتى ولو اعتمدت سياسة الغموض، سعى الأسد إلى بناء ترسانة سلاح كيميائي – فُكّكت المنظومة عام 2014.

محاولة الإمساك بالقضيّة الفلسطينيّة، من خلال صراع مستمرّ مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.

وأخيراً وليس آخراً، السعي إلى الإمساك بالورقة اللبنانيّة وذلك تحت القاعدة التي تقول: «سوريا مع لبنان هي دولة إقليميّة كبرى، ومن دونه هي دولة عاديّة».

في الختام، قد يمكن القول إن الدول تسعى لتحقيق التكافؤ الاستراتيجيّ، فقط بهدف رفع نسبة الانتصار في الحرب إلى نحو 50 في المائة. فكيف يمكن اليوم تطبيق هذا المبدأ على دول الشرق الأوسط المُلتهب؟


مقالات ذات صلة

تقرير: مرشح ترمب لمنصب وزير الدفاع يهاجم الأمم المتحدة و«الناتو» ويحث على تجاهل اتفاقيات جنيف

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يدلي بتصريح قبل الانتخابات مع مقدم البرامج في «فوكس نيوز» بيت هيغسيث الذي رشحه لمنصب وزير الدفاع (رويترز)

تقرير: مرشح ترمب لمنصب وزير الدفاع يهاجم الأمم المتحدة و«الناتو» ويحث على تجاهل اتفاقيات جنيف

استعرضت «الغارديان» البريطانية وجهات نظر بيت هيغسيث، مرشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الدفاع، تجاه كثير من التحالفات الأميركية الرئيسة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

تُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

تتبادل الولايات المتحدة وروسيا معلومات بشأن صواريخهما النووية طويلة المدى الاستراتيجية بموجب معاهدة «ستارت» الجديدة التي سينتهي العمل بها عام 2026

«الشرق الأوسط» (لندن)

نائبة الرئيس الفلبيني تتوعده بالاغتيال إذا تم قتلها

TT

نائبة الرئيس الفلبيني تتوعده بالاغتيال إذا تم قتلها

نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي (رويترز)
نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي (رويترز)

أعلنت نائبة الرئيس الفلبيني سارة دوتيرتي اليوم (السبت) أنها أمرت شخصاً بقتل الرئيس فرديناند ماركوس جونيور في حال تم اغتيالها، ما دفع المكتب الرئاسي إلى التعهد «باتخاذ لإجراء المناسب الفوري»، وفقاً لشبكة «سي إن إن».

في إشارة دراماتيكية إلى الخلاف المتزايد بين أقوى عائلتين سياسيتين في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، قالت دوتيرتي في مؤتمر صحافي إنها تحدثت إلى قاتل مأجور، وأمرته بقتل ماركوس وزوجته ورئيس مجلس النواب الفلبيني إذا تعرضت للاغتيال.

قالت دوتيرتي في الإحاطة المليئة بالشتائم: «لقد تحدثت إلى شخص. قلت له (إذا قُتلت، اذهب واقتل بي بي إم (ماركوس)، والسيدة الأولى ليزا أرانيتا، ورئيس مجلس النواب مارتن روموالديز)... لا مزاح... قلت له ألاّ يتوقف حتى يقتلهم».

كانت نائبة الرئيس ترد على أحد المعلقين عبر الإنترنت الذي حثها على البقاء آمنة، قائلاً إنها كانت في أرض العدو، حيث كانت في الغرفة السفلى من الكونغرس طوال الليل. لم تذكر دوتيرتي أي تهديد مزعوم ضدها.

الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور (أ.ب)

ورد مكتب الاتصالات الرئاسية ببيان قال فيه: «بناءً على بيان نائبة الرئيس الواضح الذي لا لبس فيه بأنها تعاقدت مع قاتل لاغتيال الرئيس إذا نجحت مؤامرة مزعومة ضدها، أحالت السكرتيرة التنفيذية هذا التهديد النشط إلى قيادة الأمن الرئاسي لاتخاذ إجراء مناسب فوري... يجب دائماً التعامل مع أي تهديد لحياة الرئيس على محمل الجد، خاصة أن هذا التهديد تم الكشف عنه علناً بعبارات واضحة ومؤكدة».

وتابعت نائبة الرئيس في الإحاطة: «هذا البلد ذاهب إلى الجحيم لأن شخص لا يعرف كيف يكون رئيساً وكاذب، يقوده».

وفي يونيو (حزيران)، استقالت دوتيرتي، ابنة سلف ماركوس، من مجلس الوزراء بينما ظلت نائبة للرئيس، مما يشير إلى انهيار التحالف السياسي الهائل الذي ساعدها وماركوس في تأمين انتصاراتهما الانتخابية في عام 2022 بهامش كبير.

وتُعدّ تصريحات دوتيرتي الأخيرة الأحدث في سلسلة من العلامات القوية للعداء في السياسة الفلبينية. في أكتوبر (تشرين الأول)، اتهمت ماركوس بعدم الكفاءة، وقالت إنها تخيلت قطع رأس الرئيس.

العائلتان على خلاف بشأن السياسة الخارجية والحرب القاتلة التي شنها الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي على المخدرات، من بين أمور أخرى.

في الفلبين، يتم انتخاب نائب الرئيس بشكل منفصل عن الرئيس وليس لديه مهام رسمية. وقد سعى العديد من نواب الرؤساء إلى المساهمة في أنشطة التنمية الاجتماعية، في حين تم تعيين بعضهم في مناصب وزارية.

وتستعد البلاد لانتخابات التجديد النصفي في مايو (أيار)، والتي يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لشعبية ماركوس وفرصة له لتعزيز سلطته وإعداد خليفة له قبل انتهاء فترة ولايته الوحيدة التي تبلغ ست سنوات في عام 2028.