تعيش باكستان منذ أشهر على وقع انقسامات سياسية عميقة، يخشى كثيرون أن تنفجر في الساعات المقبلة مع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات العامة. والسبب؟ لعنة طاردت رؤساء وزراء باكستان على مدى عقود، منذ حصول البلاد ذات القدرات النووية على استقلالها من الحكم البريطاني في 1947.
فبعد استبعاد عمران خان، رئيس الوزراء السابق، من الاقتراع الانتخابي وسجنه بتهم فساد وإرهاب وزواج غير شرعي، نجح مرشحون مستقلون موالون لحزبه في انتزاع غالبية المقاعد البرلمانية، في مفاجأة فشل منافسه رئيس الوزراء السابق نواز شريف في توقّعها. رغم ذلك، أعلن شريف، الذي عاد إلى الساحة السياسية بعد سنوات من المنفى الاختياري هرباً من حكم جديد بالفساد، فوز حزبه بغالبية المقاعد وأكّد بحثه تشكيل ائتلاف حكومي، في تطوّر يهدد بتفاقم التوترات.
يواصل بذلك عمران خان ونواز شريف تاريخاً طويلاً شهد تعاقب رؤساء وزراء في باكستان لم يكملوا ولايتهم كاملة، أو سُجنوا، أو اغتيلوا.
تاريخ يتكرر
منذ عام 1947 حتى يومنا هذا، حكم جنرالات الجيش في مناسبات عديدة البلاد، وتداول إدارتها 20 رئيس وزراء، أزيح غالبيتهم قبل انتهاء ولايتهم بذرائع متباينة من بينها الفساد والانقلابات والإقالات القسرية جراء خلافات داخلية لدى الجماعات الحاكمة. أما الباقون فقد شغلوا المنصب لفترات محدودة، بوصفهم قائمين على حكومات تصريف أعمال، أو للإشراف على انتخابات جديدة.
وحمل عام 1993 الرقم القياسي في تداول كرسي رئاسة الوزراء، إذ شهد المنصب 5 تغييرات متتالية (نواز شريف، بلخ سير مزاري، نواز شريف مجدداً، معين الدين أحمد قرشي، بي نظير بوتو). وسجلت أقصر فترة رئاسة للحكومة الباكستانية عام 1971، وكانت 13 يوماً، أما أطول الفترات فمسجلة باسم نواز شريف الذي حكم 4 سنوات و53 يوماً متتالية.
وفيما يلي أبرز السياسيين الباكستانيين الذين سقطوا ضحية هذه «اللعنة السياسية».
حسين شهيد سهروردي
بدأت هذه الحكاية بحسين شهيد سهروردي، قبل أكثر من 60 سنة، عندما جرى اعتقاله في عام 1962، وإيداعه السجن المركزي في كراتشي، بتهمة «ارتكاب أنشطة ضد الدولة». شغل سهروردي منصب رئيس الوزراء الخامس لباكستان عام 1956، قبل انفصالها عن بنغلاديش (1971)، ثم استقال بعد عام واحد فقط، في فترة اضطرابات سياسية انتهت بانقلاب الجنرال أيوب خان في عام 1958.
ذو الفقار علي بوتو
ثاني رئيس وزراء باكستاني سيق إلى السجن، هو ذو الفقار علي بوتو، الذي شغل المنصب بين عامي 1974 و1977 في يوليو (تموز) من عام 1977، انقلب الجنرال ضياء الحق على حكومة بوتو، واعتقله مع أعضاء حكومته، شهراً.
وبعد خروجه من السجن، لم يتوقف عن الاحتجاج ضد ضياء الحق، فأعيد سجنه في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، بتهمة «التآمر لقتل خصم سياسي في عام 1974». بعد قرار بالإفراج عنه من محكمة لاهور العليا «لعدم قانونية اعتقاله»، عاد إلى السجن مرة أخرى، متهماً بـ«تهديد أمن البلاد»، ليُعاقَب بالإعدام في أبريل (نيسان) 1979.
بي نظير بوتو
من رحم تجربة والدها، ذو الفقار علي بوتو، كانت بي نظير بوتو، من أشد المعارضين لحكم ضياء الحق. وشغلت زوجة الرئيس السابق، آصف علي زرداري، منصب رئيس الوزراء، مرتين؛ الأولى بين عامي 1988 و1990، والثانية بين عامي 1993 و1996.
خاضت معارك سياسية عدة عن حزب «الشعب الباكستاني» الذي كانت تتزعمه وقتها، في مواجهة حزب «الرابطة الإسلامية الباكستانية»، بزعامة نواز شريف. وذاقت السجن لأول مرة عام 1985، حين وضعت قيد الإقامة الجبرية لثلاثة أشهر. وعُوقبت عام 1999 بالسجن 5 سنوات بتهمة «تلقي رشوة من شركة أجنبية»، قبل أن يُلغى الحُكم لاحقاً. وبعد صولات مماثلة، عادت لتوضع قيد الإقامة الجبرية في عام 2007، لأسبوع، لتقييد نشاطها الاحتجاجي ضد الجنرال برويز مشرف، آنذاك، ثم لحقت بوالدها قتيلة في حادث اغتيال استهدفها في روالبندي.
نواز شريف
بين السجن والمنفى، قضى نواز شريف، زعيم حزب «الرابطة الإسلامية» الباكستانية، سنوات كثيرة في تجربته السياسية ببلده.
شغل منصب رئاسة الوزراء لأول مرة بين عامي 1990 و1993، والثانية من 1997 حتى 1999 قبل أن يطاح به في انقلاب الجنرال برويز مشرف الذي نفاه إلى الخارج لعشر سنوات. في عام 2013، عاد نواز شريف إلى رئاسة الحكومة الباكستانية قبل أن تلاحقه اتهامات بالفساد في عام 2017، ليُسجن في يوليو (تموز) 2018، محكوماً بعشر سنوات، مع ابنته مريم، ثم أطلق سراحه بعد شهرين. في عام 2019، حوكم بتهمة الفساد، وصدر ضده حكم بالسجن، قبل أن يُسمح له بالمغادرة إلى لندن.
عاد شريف للساحة السياسية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وترشّح للانتخابات العامة في مواجهة عمران خان، الذي مُنع حزبه «حركة إنصاف» من خوض الاقتراع، وترشّح أنصاره كمستقلين.
شهيد خاقان عباسي
كان شهيد خاقان عباسي خلف نواز شريف في المنصب، بين 1 أغسطس 2017 و31 مايو (أيار) 2018، ثم اعتقلته هيئة «المساءلة الوطنية»، بتهمة «الفساد»، قبل أن يُطلق سراحه بكفالة في 2020.
عمران خان
حكم لاعب الكريكيت السابق بلاده في 18 أغسطس (آب) 2018، وفقد منصبه بعد سحب البرلمان الباكستاني الثقة من حكومته في أبريل (نيسان) 2022 بعد خلاف مع الجيش، اللاعب المؤثر في المشهد السياسي.
ومنذ ذلك الحين، وحتى صدور حكم سجنه، صعّد رئيس حركة «إنصاف» الباكستانية من خطابه، مدعوماً بأنصاره في الشارع. ومع ما واكب ذلك من أعمال عنف، شعر خصومه «الأقوياء» بضرورة «تحييد» الرجل من الملعب السياسي، لينتهي به الحال مقتفياً أثر الذين سبقوه: من سدة السلطة إلى ظُلمة السجن.
وبعد سلسلة من الاتهامات وأحكام بعدة سنوات في السجن، لا يزال خان يتمتع بشعبية واسعة بسبب مواقفه المناهضة للمؤسسات القائمة. وتحدّى رئيس الوزراء السابق الجيش بشكل مباشر، رغم دعمه له في عام 2018، متهماً إياه بالوقوف وراء سقوطه عام 2022 ومتاعبه القضائية.