حرب غزة تقلب طموحات الصين في الشرق الأوسط... لكن قد تخدمها لاحقاً

الحياد الصيني المُعلَن بشأن الحرب أزعج إسرائيل

شرطي صيني عند مدخل السفارة الإسرائيلية في بكين بعد تعرض موظف بالسفارة لهجوم في المدينة 13 أكتوبر  (أ.ف.ب)
شرطي صيني عند مدخل السفارة الإسرائيلية في بكين بعد تعرض موظف بالسفارة لهجوم في المدينة 13 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تقلب طموحات الصين في الشرق الأوسط... لكن قد تخدمها لاحقاً

شرطي صيني عند مدخل السفارة الإسرائيلية في بكين بعد تعرض موظف بالسفارة لهجوم في المدينة 13 أكتوبر  (أ.ف.ب)
شرطي صيني عند مدخل السفارة الإسرائيلية في بكين بعد تعرض موظف بالسفارة لهجوم في المدينة 13 أكتوبر (أ.ف.ب)

استضاف الرئيس الصيني شي جينبينغ، في يونيو (حزيران) الماضي، نظيره الفلسطيني في بكين، ودعا بعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لزيارة رسمية للدولة، وافق عليه بالفعل، وكانت بكين حينها تسير على الطريق الصحيح للقيام بدور أكبر في المنطقة.

ثم جاء هجوم حركة «حماس» ضد إسرائيل، ما جعل زيارة نتنياهو، التي كانت مقرَّرة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، غير مؤكَّدة، ووضع نهج بكين في الشرق الأوسط محل تساؤلات، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

ويعتقد خبراء أن الحياد الصيني المعلَن بشأن الحرب أزعج إسرائيل، لكن بكين قد تستفيد من هذا الحياد على المدى الطويل من خلال إقامة علاقات أوثق مع الدول العربية.

يقول شي ين هونغ، وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة «رنمين» الصينية في بكين: «ظلت سياسة بكين في الشرق الأوسط تعاني من الشلل، بسبب النزاع، لفترة من الوقت على الأقل»، مضيفاً أنه «بالنظر إلى أن الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل بقوة، منخرطة في هذه الأزمة، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، فمَن كان سيستمع إلى الصين؟».

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية تتحدث للصحافيين حول قلق الصين إزاء التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي (إ.ب.أ)

لكن هذا لم يمنع الصين من محاولة جعل صوتها مسموعاً، فقد تحدّث مبعوثها للشرق الأوسط، تشاي جيون، مع مسؤولين فلسطينيين ومصريين، عبر الهاتف، الأسبوع الماضي، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتقديم دعم إنساني للشعب الفلسطيني.

كما تَواصل جيون مع المسؤولين الإسرائيليين ليقول إن الصين «ليست لديها مصالح أنانية بشأن القضية الفلسطينية، لكنها تقف دائماً إلى جانب السلام والإنصاف والعدالة، وأن بكين مستعدّة للعمل مع المجتمع الدولي لتعزيز السلام وتشجيع إجراء المحادثات».

في حين تحدّث وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بقوة أكبر لصالح الفلسطينيين، قائلاً: «إن جوهر الأمر هو أن العدالة لم تتحقق للشعب الفلسطيني». وأضاف، خلال اتصال هاتفي مع أحد مستشاري الرئيس البرازيلي: «لقد أثبت هذا الصراع مرة أخرى، ولكن بطريقة مأساوية تماماً، أن الطريق لحل القضية الفلسطينية يكمن في استئناف محادثات السلام بشكل حقيقي في أقرب وقت، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني».

ولطالما دعت الصين إلى تبنّي حل الدولتين، الذي يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

توسط أميركي

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد اتصل بوانغ، أثناء سفره إلى الشرق الأوسط، خلال عطلة نهاية الأسبوع، ليطلب من الصين «استخدام أي نفوذ لها في المنطقة، لمنع الدول والمجموعات الأخرى من دخول الصراع وتوسيع نطاقه»، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية، التي رفضت ذكر رد الوزير الصيني.

ومن المعروف أن بكين تربطها علاقات تجارية وسياسية وثيقة مع إيران التي تدعم بدورها حركة «حماس»، و«حزب الله» اللبناني.

المحادثة التي جرت بين بلينكن ووانغ كانت أول اتصال رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والصين بشأن الوضع في الشرق الأوسط، منذ هجوم «حماس» فجر السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

المندوب الصيني لدى «الأمم المتحدة» تشانغ جون بعد انتهاء مجلس الأمن حول غزة 8 أكتوبر (أ.ف.ب)

تقول ماريا باباغورغيو، وهي محاضِرة في كلية السياسة والعلاقات الدولية بجامعة «إكستر»، ومحمد إسلامي وهو باحث بجامعة «مينهو»، في رسالة مشتركة بالبريد الإلكتروني، إن «بكين تريد، من خلال محاولتها الحفاظ على توازن دقيق، تصوير نفسها وسيطاً، بجانب ممارسة نفوذها في المنطقة»، وأن الدعم الأميركي لإسرائيل سيمنح الصين فرصة لتوسيع مبيعاتها من الأسلحة للدول العربية غير الراضية عن موقف الولايات المتحدة، لكن بكين، في الوقت نفسه، تريد حل الأزمة لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة.

انخراط في الشرق الأوسط

وكتب الباحثان، في رسالتهما: «من المتوقع أن يزداد انخراط الصين في الشرق الأوسط، خلال هذا الصراع، إذ ستلعب بكين دوراً معزَّزاً في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب، وتأمين مصالحها الاقتصادية، كما أنها تريد الاستفادة من إحباط الدول العربية تجاه الولايات المتحدة لترسيخ نفسها باعتبارها قوة عظمى في المنطقة». ومع ذلك فإن نهج بكين هذا يخاطر بإزعاج إسرائيل.

ووصف توفيا غيرينغ، الباحث في «مركز السياسة الإسرائيلية الصينية» بـ«معهد دراسات الأمن القومي» في تل أبيب، موقف بكين، بأنه «حياد مؤيد لفلسطين»، مثلما يشير موقفها من الغزو الروسي لأوكرانيا أيضاً إلى دعم «الكرملين».

وأضاف غيرينغ: «لا يمكنك أن تكون محايداً في شيء كهذا، فالصمت الآن يُعدّ أمراً سلبياً، وأعتقد أن المشكلة الأكبر لدينا هي أن الصين، بدلاً من أن تكون القوة الكبرى المسؤولة كما تدّعي، فإنها تستغل هذا الصراع لتحقيق مكاسب جيوسياسية».

وتابع: «تتطلع الصين إلى كسب دعم الدول العربية في القضايا المثيرة للجدل، مثل معاملة بكين أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية».

سياسة خارجية استباقية

وتتبع الصين، في عهد الرئيس شي، سياسة خارجية استباقية وحازمة في بعض الأحيان، كما أنها سعت إلى عقد علاقات أوثق في الشرق الأوسط؛ مصدر كثير من النفط الذي تحتاج إليه ونقطة الوصل في شبكة «الحزام والطريق»؛ وهو المشروع الضخم للرئيس الصيني لإنشاء البنية التحتية، وربط الأسواق في جميع أنحاء العالم، من خلال السكك الحديدية والطرق والموانئ البحرية والمطارات لتوسيع نفوذ بكين.

وقد ساعدت بكين، هذا العام، في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، ما أدى إلى اعتمادها بديلاً للولايات المتحدة في التوسط باتفاقيات السلام.

ويقول وانغ ييوي، وهو أستاذ العلاقات الدولية أيضاً بجامعة «رنمين»، إن «الصين باتت الآن في وضع أفضل من الولايات المتحدة للمساعدة في حل النزاعات، سواء بين المملكة العربية السعودية وإيران، أم روسيا وأوكرانيا، أم إسرائيل والفلسطينيين».

وأضاف: «إذا كنت تقف مع طرف واحد فقط، وتجعل الطرف الآخر يبغضك، فلا يمكنك أن تكون وسيطاً، لهذا السبب لم تنضمّ الصين إلى الغرب في فرض العقوبات على روسيا، أو احتوائها في حرب أوكرانيا»، إذ يُنظر إلى مقترحات بكين لإنهاء الحرب على أنها مفيدة لروسيا.

ويقول ديل ألوف، وهو مدير الأبحاث في «الشبكة العالمية الصينية الإسرائيلية والقيادة الأكاديمية»، وهي مؤسسة فكرية مقرّها إسرائيل، إن موقف الصين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يدور بشكل أكبر حول إظهار صورتها لاعباً عالمياً محايداً ومسؤولاً، لكن «ليس التصرف على هذا النحو».

«حماس» و«حل الدولتين»

ورأى ألوف أن إصرار الصين المستمر على تبنّي حل الدولتين يبدو «منفصلاً عن الواقع»، كما أنها أثارت استياء إسرائيل برفضها الانضمام إلى الولايات المتحدة ودول أخرى في تصنيف «حماس» منظمة إرهابية، ووصفتها، بدلاً من ذلك، بأنها «حركة مقاومة فلسطينية».

ومنذ بداية الحرب، هاجمت وسائل الإعلام الصينية الرسمية إسرائيل بشدة، واستشهدت بوسائل الإعلام الإيرانية في نشر تقارير تشير إلى «الاستخدام غير القانوني لقنابل الفسفور الأبيض من قِبل الجيش الإسرائيلي»، كما ألقت اللوم على الولايات المتحدة، المؤيِّدة الأقوى لإسرائيل، «في تأجيج التوترات بالمنطقة».

اجتماع الرئيس الصيني جينبينغ ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بكين مارس 2017 (أ.ب)

وبعد تعرضها لوابل من الرسائل العدائية، تقوم البعثة الإسرائيلية في بكين، الآن، بتصفية التعليقات على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، إذ تقول ياكيو وانغ، وهي مديرة الأبحاث في الصين وهونغ كونغ وتايوان لدى منظمة «فريدوم هاوس»، إن هناك موجة من المشاعر المُعادية للسامية في الإنترنت الصيني، مضيفة: «فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لطالما روّجت الحكومة الصينية لرواية تُلقي اللوم بشكل مباشر على إسرائيل، وهي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، لذا، فإن هذه المرة ليست استثناء».


مقالات ذات صلة

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو يمهد لإقالة رئيس أركان الجيش بموجة انتقادات

بعد أن نجح في التخلص من وزير دفاعه، يوآف غالانت، من دون خسائر فادحة، يتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإزاحة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي.

نظير مجلي (تل ابيب)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)

قتل 32 شخصاً على الأقل في أعمال عنف طائفية جديدة في شمال غربي باكستان، وفق ما أفاد مسؤول محلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (السبت) بأنه بعد يومين من هجمات استهدفت أفراداً من الطائفة الشيعية أسفرت عن مقتل 43 شخصاً.

ومنذ الصيف، خلفت أعمال العنف بين السنة والشيعة في إقليم كورام الواقع في ولاية خيبر بختونخوا الواقعة على الحدود مع أفغانستان، نحو 150 قتيلاً.

والخميس، أطلق نحو عشرة مهاجمين النار على قافلتين تقلان عشرات العائلات الشيعية بمواكبة الشرطة في هذه المنطقة الجبلية. وقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً ولا يزال «11 مصابا» في حالة «حرجة»، بحسب السلطات.

ومساء أمس (الجمعة)، بعد يوم طويل شيع خلاله الضحايا وساده التوتر في كورام على وقع مسيرات للشيعة نددت بـ«حمام دماء»، قال ضابط كبير في الشرطة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «الوضع تدهور». وأضاف «هاجم شيعة غاضبون مساء سوق باغان المحسوب خصوصاً على السنة» موضحاً أن «المهاجمين المزودين بأسلحة خفيفة ورشاشة وقذائف هاون أطلقوا النار» طوال ثلاث ساعات و«قام سنّة بالرد» عليهم.

من جهته، قال مسؤول محلي لم يشأ كشف هويته للوكالة إن «أعمال العنف بين المجموعتين الشيعية والسنية تواصلت (السبت) في أماكن مختلفة، وسجل مقتل 32 شخصاً في آخر حصيلة هم 14 من السنة و18 من الشيعة».

وذكر مسؤول محلي آخر هو جواد الله محسود أن «مئات المتاجر والمنازل تم إحراقها» في منطقة سوق باغان، لافتاً إلى «بذل جهود من أجل إعادة الهدوء، وتم نشر قوات أمنية والتأمت مجالس قبلية (جيرغا)».

ومحور النزاعات بين القبائل ذات المعتقدات المختلفة هو مسألة الأراضي في المنطقة، حيث تتقدم قواعد الشرف القبلية غالباً على النظام الذي تسعى قوات الأمن إلى إرسائه.