تختتم مساء الثلاثاء المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، التي استمرت يومين في 13 محافظة، وسط جدل مستمر حول مخالفات انتخابية، ولا سيما شكاوى مرشحين ونشطاء حقوقيين، من شراء «الأصوات الانتخابية»، فيما دعا طيف من المعارضة إلى إلغاء الاستحقاق بالكامل.
مع بدء اليوم الثاني، شدّدت الهيئة الوطنية للانتخابات على الالتزام بالنزاهة والشفافية. وأكّد المستشار أحمد البنداري، المدير التنفيذي للهيئة، لـ«الشرق الأوسط»، أن غرفة عمليات الهيئة تتواصل باستمرار مع رؤساء اللجان لضمان الالتزام الكامل بالضوابط، وتحديد الجهات المخوّلة بحضور عمليات الفرز واستلام نماذج الحصر العددي الرسمية.
وأضاف البنداري: «اللجان الفرعية ستقوم بفرز الصناديق الفردية والقائمة بمحضرين مستقلين، لتعلن أعداد المقيدين والمصوتين وأصوات كل مرشح، وتسلم المحاضر للجنة العامة التي ترفعها للهيئة للفصل في الطعون خلال 24 ساعة». وأكد أن «ما يتم تداوله داخل اللجان هو حصر عددي مبدئي فقط، وليس إعلاناً للنتائج النهائية».
وسجّل المجلس القومي لحقوق الإنسان ارتفاعاً ملحوظاً في إقبال الناخبين، خاصة النساء والشباب، مؤكداً أن المرحلة الثانية شهدت تنافسية عالية. كما رصد «الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية» تشكّل طوابير للاستعلام الانتخابي، مع حضور لافت للعمال والنساء، وتراجع الإرباك التنظيمي رغم ازدحام بعض اللجان.

وتأتي هذه المرحلة بعد إلغاء نتائج 19 دائرة في الجولة الأولى بسبب «خروق مؤثرة»، مثل الدعاية أمام اللجان وعدم تسليم نسخ من محاضر الفرز للمرشحين، في خطوة وصفها المراقبون بأنها غير مسبوقة.
لكن المخالفات لم تتوقف، إذ نشرت المرشحة مونيكا مجدي مقاطع توثق، بحسب قولها، تجاوزات في دائرة روض الفرج وشبرا وبولاق، بينها نقاط حشد وشراء أصوات وطوابير صورية. ودعت الرئيس للتدخل لحماية نزاهة العملية الانتخابية.
بدوره، حذّر المحامي والناشط الحقوقي طارق العوضي من أن المخالفات الحالية تهدد هيبة الدولة وثقة المواطنين، مطالباً بتدخل عاجل لاستعادة الانضباط ومحاسبة المخالفين.
كما رصد حزب الدستور ما وصفه بـ«أجواء مشحونة تضمنت وقائع رشى انتخابية، وتكدساً منظماً، وضعفاً في إقبال المدن، وبطء التصويت في الريف بسبب دمج اللجان، إضافة إلى مشاكل في اعتماد التوكيلات وسرية التصويت».
كما وثّقت شكاوى حول استخدام النقل الجماعي لتوجيه الناخبين، مع استجابة الهيئة والشرطة لعدد من البلاغات.
وشملت محافظات المرحلة الثانية (القاهرة، القليوبية، الدقهلية، شبين الكوم، المنوفية، الغربية، كفر الشيخ، الشرقية، دمياط، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، شمال وجنوب سيناء). وقال محمود بسيوني، من المجلس القومي لحقوق الإنسان: «طالما رصدت الهيئة الوطنية للانتخابات مخالفات، سيتم مراجعتها»، معيداً التذكير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن الهيئة أبطلت لجاناً في المرحلة الأولى، ولم تتهاون مع أي انتهاك لنزاهة العملية الانتخابية، بدعم من انتشار مكثف لقوات الأمن حول اللجان.
وأضاف: «الحلّ يكمن في تطبيق رقابة صارمة، وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين، ومراقبة سقف الإنفاق، وتكثيف التوعية السياسية، بالتعاون بين المجتمع المدني والأحزاب».
وخلال 48 ساعة، ضبطت أجهزة وزارة الداخلية 10 وقائع تتعلق بشراء الأصوات وحيازة بطاقات وكروت دعاية واستخدام مكبرات الصوت، ما أدى إلى توقيف 28 شخصاً، مع استمرار المتابعة لتأمين اللجان والحفاظ على انتظام العملية الانتخابية.
وأشاد البرلماني المصري مصطفى بكري بـ«الدور الذي تقوم به وزارة الداخلية في القبض علي كل من يقوم بتقديم رشاوي انتخابية»، قائلاً إنه «يستحق الاحترام والتقدير، ويضمن عدم التأثير على أصوات الناخبين».
واعتبر بكري، في تدوينة له على «إكس»: «الرشاوي الانتخابية هي أحد أهم عوامل إفساد العملية الانتخابية»، منوهاً إلى أن «هناك بعض المرشحين يدفعون بمندوبيهم للقيام بهذه المهمة الإجرامية، التي تشكل جريمة تستوجب محاكمة أصحابها والمحرضين عليها».
وأضاف: «بعض المرشحين قاموا بتسليم أموال لبعض الجمعيات عن طريق بعض مسؤوليها، الذين وعدوا بضمان آلاف الأصوات لصالح هذا المرشح أو ذاك. تم ذلك في الخفاء، وقبل موعد الانتخابات بأيام».

وسط هذا الجدل، أوضح الدكتور حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني سابقاً، لـ«الشرق الأوسط»، أن كافة الحلول المطروحة «تعالج العرض، وليس جوهر المشكلة، ولا تحقق أهداف الدستور وفلسفته».
وشبّه نظام القائمة الانتخابية المطلقة القائم حالياً بأنه «تعيين مقنع»، مشيراً إلى أنه «لم يتم بعد نفي أو تأكيد ما يُتداول حول دفع مبالغ كبيرة لضمان وصول بعض المرشحين إلى هذه القوائم».
وأضاف: «الشكوك ما تزال قائمة بشأن أهلية بعض المرشحين في المقاعد الفردية، إلى جانب اتساع حجم الدوائر الانتخابية الحالية، الذي لا يضمن توزيعاً جغرافياً متوازناً، أخذاً بالاعتبار الخروقات المسجلة في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات».
وخلص بدراوي إلى القول إن الحلّ يكمن في «إعادة النظر في المناخ السياسي العام، وتعديل القوانين الانتخابية، بما يتيح تمثيلاً عادلاً ومتوازناً، ويفتح المجال أمام المعارضة السياسية الحقيقية».

وطالبت «الحركة المدنية الديمقراطية» بإلغاء الانتخابات، عادّة ما وصفته أنه «هندسة للانتخابات تهدف لاحتكار البرلمان وإقصاء الأصوات المعارضة»، وذهبت إلى القول إن «القوانين والدوائر صُممت لخدمة المال السياسي»، داعية إلى «اعتماد نظام انتخابي أكثر تمثيلاً ونزاهة».
في المقابل، أعاد حزب «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية النيابية في البرلمان الأخير) التأكيد على التزامه بالشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، قائلاً على لسان نائب رئيس الحزب حسام الخولي لـ«الشرق الأوسط» إنه جزء من العملية الانتخابية وملتزم بما تقرّه الهيئة الوطنية للانتخابات للخروج بانتخابات نزيهة وشفافة.
يشار إلى أن الانتخابات البرلمانية في مصر تُجرى تحت إشراف ومتابعة نحو 60 منظمة محلية رسمية، و14 منظمة دولية، من بينها بعثات مراقبة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي في مختلف المحافظات، وفق الهيئة الوطنية للانتخابات.









