جدل «شراء الأصوات» مستمر مع ختام المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» المصري

مرشحون يشكون «مخالفات»... ومعارضون يدعون إلى إلغاء الاستحقاق

ناخبات مصريات في طابور أمام مركز اقتراع بمحافظة القاهرة الثلاثاء (أ.ش.أ)
ناخبات مصريات في طابور أمام مركز اقتراع بمحافظة القاهرة الثلاثاء (أ.ش.أ)
TT

جدل «شراء الأصوات» مستمر مع ختام المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» المصري

ناخبات مصريات في طابور أمام مركز اقتراع بمحافظة القاهرة الثلاثاء (أ.ش.أ)
ناخبات مصريات في طابور أمام مركز اقتراع بمحافظة القاهرة الثلاثاء (أ.ش.أ)

تختتم مساء الثلاثاء المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، التي استمرت يومين في 13 محافظة، وسط جدل مستمر حول مخالفات انتخابية، ولا سيما شكاوى مرشحين ونشطاء حقوقيين، من شراء «الأصوات الانتخابية»، فيما دعا طيف من المعارضة إلى إلغاء الاستحقاق بالكامل.

مع بدء اليوم الثاني، شدّدت الهيئة الوطنية للانتخابات على الالتزام بالنزاهة والشفافية. وأكّد المستشار أحمد البنداري، المدير التنفيذي للهيئة، لـ«الشرق الأوسط»، أن غرفة عمليات الهيئة تتواصل باستمرار مع رؤساء اللجان لضمان الالتزام الكامل بالضوابط، وتحديد الجهات المخوّلة بحضور عمليات الفرز واستلام نماذج الحصر العددي الرسمية.

وأضاف البنداري: «اللجان الفرعية ستقوم بفرز الصناديق الفردية والقائمة بمحضرين مستقلين، لتعلن أعداد المقيدين والمصوتين وأصوات كل مرشح، وتسلم المحاضر للجنة العامة التي ترفعها للهيئة للفصل في الطعون خلال 24 ساعة». وأكد أن «ما يتم تداوله داخل اللجان هو حصر عددي مبدئي فقط، وليس إعلاناً للنتائج النهائية».

وسجّل المجلس القومي لحقوق الإنسان ارتفاعاً ملحوظاً في إقبال الناخبين، خاصة النساء والشباب، مؤكداً أن المرحلة الثانية شهدت تنافسية عالية. كما رصد «الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية» تشكّل طوابير للاستعلام الانتخابي، مع حضور لافت للعمال والنساء، وتراجع الإرباك التنظيمي رغم ازدحام بعض اللجان.

طابور ناخبين في محافظة جنوب سيناء (تنسيقية شباب الأحزاب)

وتأتي هذه المرحلة بعد إلغاء نتائج 19 دائرة في الجولة الأولى بسبب «خروق مؤثرة»، مثل الدعاية أمام اللجان وعدم تسليم نسخ من محاضر الفرز للمرشحين، في خطوة وصفها المراقبون بأنها غير مسبوقة.

لكن المخالفات لم تتوقف، إذ نشرت المرشحة مونيكا مجدي مقاطع توثق، بحسب قولها، تجاوزات في دائرة روض الفرج وشبرا وبولاق، بينها نقاط حشد وشراء أصوات وطوابير صورية. ودعت الرئيس للتدخل لحماية نزاهة العملية الانتخابية.

بدوره، حذّر المحامي والناشط الحقوقي طارق العوضي من أن المخالفات الحالية تهدد هيبة الدولة وثقة المواطنين، مطالباً بتدخل عاجل لاستعادة الانضباط ومحاسبة المخالفين.

كما رصد حزب الدستور ما وصفه بـ«أجواء مشحونة تضمنت وقائع رشى انتخابية، وتكدساً منظماً، وضعفاً في إقبال المدن، وبطء التصويت في الريف بسبب دمج اللجان، إضافة إلى مشاكل في اعتماد التوكيلات وسرية التصويت».

كما وثّقت شكاوى حول استخدام النقل الجماعي لتوجيه الناخبين، مع استجابة الهيئة والشرطة لعدد من البلاغات.

وشملت محافظات المرحلة الثانية (القاهرة، القليوبية، الدقهلية، شبين الكوم، المنوفية، الغربية، كفر الشيخ، الشرقية، دمياط، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، شمال وجنوب سيناء). وقال محمود بسيوني، من المجلس القومي لحقوق الإنسان: «طالما رصدت الهيئة الوطنية للانتخابات مخالفات، سيتم مراجعتها»، معيداً التذكير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن الهيئة أبطلت لجاناً في المرحلة الأولى، ولم تتهاون مع أي انتهاك لنزاهة العملية الانتخابية، بدعم من انتشار مكثف لقوات الأمن حول اللجان.

وأضاف: «الحلّ يكمن في تطبيق رقابة صارمة، وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين، ومراقبة سقف الإنفاق، وتكثيف التوعية السياسية، بالتعاون بين المجتمع المدني والأحزاب».

وخلال 48 ساعة، ضبطت أجهزة وزارة الداخلية 10 وقائع تتعلق بشراء الأصوات وحيازة بطاقات وكروت دعاية واستخدام مكبرات الصوت، ما أدى إلى توقيف 28 شخصاً، مع استمرار المتابعة لتأمين اللجان والحفاظ على انتظام العملية الانتخابية.

وأشاد البرلماني المصري مصطفى بكري بـ«الدور الذي تقوم به وزارة الداخلية في القبض علي كل من يقوم بتقديم رشاوي انتخابية»، قائلاً إنه «يستحق الاحترام والتقدير، ويضمن عدم التأثير على أصوات الناخبين».

واعتبر بكري، في تدوينة له على «إكس»: «الرشاوي الانتخابية هي أحد أهم عوامل إفساد العملية الانتخابية»، منوهاً إلى أن «هناك بعض المرشحين يدفعون بمندوبيهم للقيام بهذه المهمة الإجرامية، التي تشكل جريمة تستوجب محاكمة أصحابها والمحرضين عليها».

وأضاف: «بعض المرشحين قاموا بتسليم أموال لبعض الجمعيات عن طريق بعض مسؤوليها، الذين وعدوا بضمان آلاف الأصوات لصالح هذا المرشح أو ذاك. تم ذلك في الخفاء، وقبل موعد الانتخابات بأيام».

المرشحة مونيكا مجدي خلال جولة دعائية مستقلة مع دراجتها (الحساب الرسمي للمرشحة)

وسط هذا الجدل، أوضح الدكتور حسام بدراوي، مستشار الحوار الوطني سابقاً، لـ«الشرق الأوسط»، أن كافة الحلول المطروحة «تعالج العرض، وليس جوهر المشكلة، ولا تحقق أهداف الدستور وفلسفته».

وشبّه نظام القائمة الانتخابية المطلقة القائم حالياً بأنه «تعيين مقنع»، مشيراً إلى أنه «لم يتم بعد نفي أو تأكيد ما يُتداول حول دفع مبالغ كبيرة لضمان وصول بعض المرشحين إلى هذه القوائم».

وأضاف: «الشكوك ما تزال قائمة بشأن أهلية بعض المرشحين في المقاعد الفردية، إلى جانب اتساع حجم الدوائر الانتخابية الحالية، الذي لا يضمن توزيعاً جغرافياً متوازناً، أخذاً بالاعتبار الخروقات المسجلة في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات».

وخلص بدراوي إلى القول إن الحلّ يكمن في «إعادة النظر في المناخ السياسي العام، وتعديل القوانين الانتخابية، بما يتيح تمثيلاً عادلاً ومتوازناً، ويفتح المجال أمام المعارضة السياسية الحقيقية».

قياديان في حزب «الجبهة الوطنية» يتابعان الانتخابات في غرفة عملياته (الصفحة الرسمية للحزب)

وطالبت «الحركة المدنية الديمقراطية» بإلغاء الانتخابات، عادّة ما وصفته أنه «هندسة للانتخابات تهدف لاحتكار البرلمان وإقصاء الأصوات المعارضة»، وذهبت إلى القول إن «القوانين والدوائر صُممت لخدمة المال السياسي»، داعية إلى «اعتماد نظام انتخابي أكثر تمثيلاً ونزاهة».

في المقابل، أعاد حزب «مستقبل وطن» (صاحب الأغلبية النيابية في البرلمان الأخير) التأكيد على التزامه بالشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، قائلاً على لسان نائب رئيس الحزب حسام الخولي لـ«الشرق الأوسط» إنه جزء من العملية الانتخابية وملتزم بما تقرّه الهيئة الوطنية للانتخابات للخروج بانتخابات نزيهة وشفافة.

يشار إلى أن الانتخابات البرلمانية في مصر تُجرى تحت إشراف ومتابعة نحو 60 منظمة محلية رسمية، و14 منظمة دولية، من بينها بعثات مراقبة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي في مختلف المحافظات، وفق الهيئة الوطنية للانتخابات.


مقالات ذات صلة

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

شمال افريقيا أحد الناخبين بالسفارة المصرية في الأردن مع فتح باب التصويت لانتخابات إعادة المرحلة الأولى بـ19 دائرة بـ«النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين)

انتخابات «النواب» المصري تتواصل بانتظار مصير الطعون الجديدة

تواصلت انتخابات مجلس النواب المصري الأربعاء ببدء جولة الإعادة بالخارج في 19 دائرة بالمرحلة الأولى كانت الانتخابات قد أُلغيت فيها 

أحمد جمال (القاهرة )
العالم العربي مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (مجلس النواب)

«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

ودّع مجلس النواب المصري مقره التاريخي في قلب القاهرة نهائياً، بعد أن ظل على مدى نحو 160 عاماً شاهداً على تحولات سياسية وتاريخية مفصلية في مصر.

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا ناخبة قبل الإدلاء بصوتها في محافظة دمياط بشمال مصر (تنسيقية شباب الأحزاب)

مصر: «هيئة الانتخابات» تنشد إقبالاً أكبر وسط مؤشرات على «تراجع» المشاركة

جددت الهيئة الوطنية للانتخابات بمصر دعوتها المواطنين للإقبال على صناديق الاقتراع، وسط مؤشرات سابقة تشير إلى «تراجع» المشاركة في جولات سابقة شهدتها الانتخابات.

علاء حموده (القاهرة)
العالم العربي المصريون بالأردن يصوتون في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (أ.ش.أ)

مصر تستكمل ماراثون الانتخابات البرلمانية وسط جدول مزدحم

تستكمل مصر ماراثون الانتخابات البرلمانية بانطلاق جولة الإعادة للمغتربين بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، وسط جدول مزدحم.

عصام فضل (القاهرة)
رياضة عربية يعود المنتخب المصري للمشاركة في كأس العالم بعد غياب عن النسخة الماضية (اتحاد الكرة المصري)

أزمة «دعم المثلية» في كأس العالم تصل إلى البرلمان المصري

وصلت أزمة إقامة أنشطة تدعم المثلية بالتزامن مع لقاء منتخبي مصر وإيران، بكأس العالم المقرر إقامتها في يونيو (حزيران) المقبل، إلى مجلس النواب المصري (البرلمان).

أحمد عدلي (القاهرة)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.