تواصل حكومة الصومال التحضيرات لتنظيم انتخابات تُعقد للمرة الأولى منذ عقود بنظام الاقتراع المباشر، وسط رفض بعض القوى المعارضة، وحديث هيئة حكومية عن نقص بالتمويل قد يؤخر العملية الانتخابية المحتملة.
وبين سباق التحضيرات والتحديات، سيبقى هذا المسار «عالقاً»، حسب خبير في الشؤون الصومالية والأفريقية، لحين حدوث ضغوط خارجية أو تفاهمات داخلية، في ظل استمرار الخلافات السياسية، متوقعاً أن يتوقف التمويل الدولي للاقتراع المباشر على مدى التوافق الداخلي أولاً.
وترأس رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبد بري، الثلاثاء، اجتماعاً حكومياً رفيع المستوى بهدف «مراجعة التحضيرات النهائية المتعلقة بإجراء الانتخابات المحلية المقرر تنظيمها قريباً في عدد من مناطق البلاد»، مشدداً على التزام الحكومة بتنفيذ نموذج «شخص واحد - صوت واحد»، بدءاً بانتخابات المجالس المحلية في محافظة بنادر.
وحسب البيان الصادر عقب الاجتماع، فإن «التحضيرات بلغت مرحلة متقدمة»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.
ولم يتحدد موعد الانتخابات بعد.
المحاصصة القبلية
منذ عام، يشتد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي تعتمد بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.
وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.
واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة، بعد تأسيسه «حزب العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.
«صوت واحد - شخص واحد»
ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية علي محمود كلني أنه بينما يستعد الصومال لخوض أحد أهم الاستحقاقات السياسية، ألا وهو الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، ومن قبلها الانتخابات المحلية، «تزداد الأسئلة حول قدرة الحكومة على تنظيم انتخابات شفافة وسط ضغوط مالية وفنية، وتوترات سياسية داخلية، ومواقف دولية ما زالت مترددة بشأن دعم العملية الانتخابية».
ويعتقد كلني أن استمرار الخلافات السياسية «يعكس محدودية الجاهزية الحكومية، فضلاً عن غياب رؤية مشتركة بين الأطراف المحلية بشأن شكل الانتخابات المقبلة».
وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن مستقبل الانتخابات الصومالية مرهون بمدى استعداد المجتمع الدولي لمواصلة دعم العملية الانتخابية، وبقدرة الأطراف المحلية على تجاوز الخلافات الحالية».
ووفقاً للخبير في الشؤون الأفريقية، يترافق القلق الحكومي من ضعف الدعم الدولي مع حالة شك عامة حول نزاهة الانتخابات المرتقبة. وترى المعارضة أن هذا المناخ يمنح الحكومة مبرراً محتملاً لطلب تمديد ولايتها بعد الموعد المحدد في 15 مايو (أيار) 2026، مستندة إلى خطاب رسمي يشير إلى حاجة البلاد إلى إجراء انتخابات مباشرة بنظام «صوت واحد – شخص واحد»، وهو ما يتطلب تمويلاً دولياً واسعاً ومؤسسات قوية لإدارته».
الدعم المالي
وقبل الاجتماع الحكومي بيوم، دعت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمجتمع الدولي إلى تقديم دعم مالي ملموس حتى لا تتأخر الانتخابات بسبب نقص الموارد ومحدودية التمويل. وشددت اللجنة على ضرورة إعداد ميزانية مالية رسمية، وأكدت أن التمويل أمر أساسي لتطبيق انتخابات «الصوت الواحد للشخص الواحد» في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تحاول إجراء انتخابات محلية على أساس نظام «شخص واحد وصوت واحد» لأول مرة في البلاد لأكثر من خمسة عقود، إلا أن تحديات تواجه مساعيها لتحقيق ذلك النوع من الانتخابات.
ويتوقع كلني أن تبدي جهات مانحة وفاعلة دولياً حذراً واضحاً بشأن تمويل انتخابات واسعة النطاق لا تزال نتائجها غير مضمونة، خصوصاً في ظل استمرار الخلافات بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية، مرجحاً أن «يطالب المانحون بضرورة عقد حوار سياسي شامل يضم جميع القوى الصومالية، بهدف صياغة توافق وطني حول مسار العملية الانتخابية قبل الخوض في أي التزامات مالية أو لوجيستية».
وفي حال بقي الدعم الدولي محدوداً، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وتبنّي نموذج انتخابي أقل تكلفة وأكثر توافقاً للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، حسب تقدير كلني.









