صعدت مصر انتقاداتها لإثيوبيا بشأن قضية «سد النهضة»، الذي شيدته أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الخميس، إن «الأمن المائي ليس مجالاً للمساومة أو التجريب السياسي»، وإن بلاده «حازمة في الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة».
ودشّنت أديس أبابا «سد النهضة» رسمياً في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط اعتراضات من دولتي المصب (مصر والسودان) للمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات «تشغيل السد»، بما لا يضرّ بمصالحهما المائية.
وأكد رئيس الوزراء المصري، خلال كلمته بالجلسة الختامية لـ«أسبوع القاهرة الثامن للمياه»، أن «الأمن المائي لمصر ليس مجالاً للمساومة أو التجريب السياسي، وأي تصورٍ بإمكانية المساس بحقوقها التاريخية والقانونية هو محض وهمٍ لدى أصحابه، فالنيل بالنسبة لمصر قضيةُ وجود لا تقبل المغامرة ولا المساومة، وستظل مصر ملتزمةً بالتعاون القائم على القانون الدولي، وفي الوقت نفسه حازمةً في الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة».
وأشار مدبولي إلى أن «دول حوض النيل لا تعاني شحّاً في الموارد المائية؛ إذ يتساقط على الحوض أكثر من 1660 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، بينما لا يصل إلى دولتي المصب - مصر والسودان - سوى 84 مليار متر مكعب فقط، أي ما يعادل نحو 5 في المائة من إجمالي الموارد المائية لنهر النيل».

واتهم أديس أبابا بـ«الترويج لمفاهيم مغلوطة»، مؤكداً أنه «رغم هذه الوفرة، يواصل طرفٌ بعينه ترديدَ خطابٍ أحاديٍّ، والترويجَ لمفاهيم مغلوطةٍ حول ملكية النهر ومصادر مياهه، في محاولةٍ لتبرير سياساتٍ منفردةٍ في إدارة موردٍ مشتركٍ، بما يخالف مبادئ القانون الدولي ويفتقر إلى أبسط قواعد الشفافية والتنسيق بين دول الحوض».
وشهدت الآونة الأخيرة سجالاً مصرياً - إثيوبياً بشأن نزاع «سد النهضة»، وحمّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أديس أبابا مسؤولية الإضرار بدولتي المصب، من خلال ما وصفه بـ«الإدارة غير المنضبطة» لـ«سد النهضة».
وقال السيسي في كلمة مسجلة خلال افتتاح «أسبوع القاهرة للمياه»، الأحد الماضي: «مرت أيام قليلة على بدء تدشين السد الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا (السد)».
وأضاف: «في الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا من خلال (إدارتها غير المنضبطة للسد) في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي تم تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق مـع دولتي المصــب».
وردّت الحكومة الإثيوبية بأن «حقها السيادي» يمكّنها من استخدام «مواردها المائية»، مؤكدة في بيان صحافي، الثلاثاء الماضي، أن «نهر النيل ينبع من أراضيها، وأنها وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، تتمتع بحق مشروع وغير قابل للمصادرة في الاستفادة من مواردها المائية».
وتحدث مدبولي خلال «أسبوع القاهرة للمياه» عما وصفه بـ«الادعاءات الإثيوبية»، وقال إن «الادعاء بوجود (نِسَب مساهمة) في مياه النيل هو طرحٌ يتنافى مع العلم والقانون؛ فالنهر لا يمنحه أحدٌ، بل هو نظامٌ بيئيٌّ وهيدرولوجيٌّ متكامل تشترك فيه جميع دول الحوض بحقوقٍ وواجباتٍ متوازنة»، مؤكداً أن «التنمية الحقيقية لا يمكن أن تُستخدم ذريعةً لفرض السيطرة أو إلحاق الضرر بالآخرين؛ فالقانون الدولي يؤكد أن الحق في التنمية لا ينفصل عن واجب عدم التسبب في ضررٍ للآخرين».

ويرى عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» السفير رخا أحمد حسن، أن التصعيد المصري «ينطوي على أهداف سياسية مشروعة»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التصعيد المصري سببه اعتقاد الجانب الإثيوبي أن تدشين السد أغلق الملف، في حين أن مصر تهدف التأكيد على أن قضية السد لم تنته ولن تمر بسهولة كما يعتقد الجانب الإثيوبي؛ إذ إن قضية المياه بالنسبة لمصر وجودية».
وبحسب حسن، فإن «تصعيد القاهرة يهدف أيضاً إلى أن تظل القضية حاضرة بقوة أمام الرأي العام العالمي، والتأكيد للعالم أن الموضوع لن ينسى، وأنه لا بديل عن توقيع اتفاق قانوني بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)».
وكان رئيس الوزراء المصري قد صرح، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة، الأربعاء، مؤكداً أنه «على المواطن المصري أن يطمئن فيما يتعلق بملف المياه وسد النهضة الإثيوبي؛ لأن مصر تدير هذا الملف بمنتهى الحكمة والصبر».









