الحوثيون يضعون سكان صنعاء تحت سطوة القبضة الأمنية

الاعتقالات توسعت إلى مناطق الموالاة للجماعة

عناصر حوثيون يُحيون في صنعاء ذكرى مقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني الأسبق (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يُحيون في صنعاء ذكرى مقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني الأسبق (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يضعون سكان صنعاء تحت سطوة القبضة الأمنية

عناصر حوثيون يُحيون في صنعاء ذكرى مقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني الأسبق (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يُحيون في صنعاء ذكرى مقتل حسن نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني الأسبق (أ.ف.ب)

مع تأكيد الولايات المتحدة اعتقال الحوثيين أكثر من 600 مدني على خلفية احتفالهم بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال اليمن، توسعت حملة الاعتقالات إلى مناطق كانت توصف بأنها مناطق الموالاة للجماعة ومخازن بشرية لمقاتليها مثل محافظتي حجة وذمار.

يأتي هذا مع تأكيد مصادر محلية أن العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء تعيش حالة طوارئ غير مسبوقة أصبح خلالها سكان المدينة رهائن للقبضة المخابراتية خشية انتفاضة شعبية.

السفارة الأميركية لدى اليمن أصدرت بياناً أدانت فيه وبشدة «الاعتقالات غير القانونية» التي نفَّذتها جماعة الحوثي «الإرهابية» بحق أكثر من 600 يمني هذا العام بسبب إحيائهم ذكرى ثورة «26 سبتمبر» وهي المناسبة الوطنية التي يُحتفل بها منذ 63 عاماً. وقالت إن هذه الأفعال تمثل استخفافاً صارخاً بالحريات الأساسية وحقوق الشعب اليمني في تكريم تاريخه وتقاليده.

هذا الموقف تزامن مع تأكيد مصادر محلية وسياسية في مناطق سيطرة الحوثيين أن سكان العاصمة المختطفة يعيشون تحت سيطرة قبضة مخابراتية غير مسبوقة فُرضت على مختلف الأحياء، حيث تعيش الجماعة مرحلة غير مسبوقة من الرعب خشية انتفاضة شعبية داخلية بعد وصول الأوضاع الاقتصادية في تلك المناطق إلى أسوأ مراحلها.

طفل اعتقله الحوثيون بتهمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بأسلافهم (إعلام محلي)

المصادر ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين نشروا عناصر مخابراتهم من الجنسين في أحياء صنعاء وأقاموا حواجز تفتيش في مداخل الحارات، وأخضعوا السكان للتفتيش والتأكد من الهويات بحضور مسؤولي تلك الأحياء للتعريف بهم، ومنعوا أي شخص غريب من الدخول أو حتى المرور في الشوارع العامة في تلك الحارات إلا بمعرّف.

ترويع وتفتيش

وفق هذه المصادر فإن الحوثيين قاموا قبل ثلاثة أيام بنشر عناصر الشرطة النسائية المعروفات باسم «الزينبيات» بعد أن خضعن لدورات مكثفة في كيفية قمع أي تجمعات نسائية أو أي مقاومة لعمليات التفتيش، حيث زُوّدن بهراوات صاعقة لتجنب أي عراك أمام السكان قد يؤدي إلى ردة فعل غاضبة تجاه أي اعتداء.

ووفق هذه الرواية فإن الحوثيين خصصوا منازل داخل الأحياء لهذه العناصر يتمركزن فيها، وتحولت إلى مواقع ميدانية للقيادة يتم من خلالها توزيع تلك العناصر على ورديات العمل طوال اليوم.

وطبقاً لهذه الإفادات فإن هذه الحواجز، وبالذات في الأحياء التي تُصنَّف مناطق غير موالية، تُخضِع السكان لتفتيش دقيق بما فيه الهواتف الشخصية.

انتشار أمني غير مسبوق في حجة حيث المخزن البشري الثاني للحوثيين (إعلام محلي)

ويركز التفتيش-حسب المصادر- على أي صور أو رسائل يتم فيها ذكر الحوثيين أو ثورة «26 سبتمبر»، وكذلك ملف الصور للبحث عن أي ملصقات تحتفي بالمناسبة أو تضم صوراً للرئيس الراحل علي عبد الله صالح تحديداً أو نجله، حيث لا يزال الرجل وحزبه يتمتعان بشعبية كبيرة خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة.

وفي محافظة ذمار (جنوب صنعاء) التي كانت توصف بأنها من المخازن البشرية لرفد الحوثيين بالمقاتلين، أكدت مصادر محلية في مديرية الحدا أن الجماعة نفَّذت منذ ثلاثة أيام حملة مداهمات واعتقالات واسعة في عدد من قرى المديرية، بمشاركة أكثر من عشرين عربة عسكرية، لاحقت السكان إلى قمم الجبال حيث أشعلوا الإطارات المستعملة ابتهاجاً بذكرى الثورة.

مصادر قبلية قدّرت عدد المعتقلين بنحو 100 شخص في هذه المديرية لوحدها، كما ذكرت أن الحوثيين اعتقلوا أيضاً أكثر من 15 مدنياً من قرى متفرقة في مديرية جبل الشرق، فيما لا تزال تحتجز العشرات من أبناء مديريات مختلفة بالمحافظة.

وفي محافظة البيضاء المجاورة لذمار من جهة الشرق، اعتقلت الجماعة 20 شخصاً في مديرية السوادية، كما اعتقلت أكثر من 30 في محافظة المحويت غرباً، فيما ارتفع عدد المعتقلين في محافظة حجة (شمال غرب)، التي توصف بأنها ثاني أكبر مخزن بشري للحوثيين بعد محافظة صعدة، إلى نحو 50 شخصاً كلهم من المدنيين.

تنكيل ممنهج

في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) التي أصبحت خلال السنوات الثلاث الأخيرة مركزاً للمعارضة ضد سلطة الحوثيين، واعتُقل فيها أكثر من 170 شخصاً، أوردت المصادر نماذج من التعسف الذي يُمارَس بحق السكان.

وقالت المصادر إن أحد الشبان بثَّ الأناشيد الوطنية من أعلى مرتفع جبلي في إحدى القرى، وإن الحوثيين الذين عجزوا عن تحديد هوية الشاب اعتقلوا كل الذكور في القرية بمن فيهم «عاقل القرية» إلى حين تسليم المتهم بإشعال النار احتفالاً بمناسبة ثورة «26 سبتمبر».

عناصر حوثيون في أحد شوارع صنعاء يحملون رشاشات خفيفة (إ.ب.أ)

كما اختطفت الجماعة شخصاً آخر لأنه في العام الماضي رفع العلم الوطني ولم يتم اعتقاله، واعتقلوا ثالثاً بسبب قيامه بإشعال النار في مزرعته ليلاً لعمل فنجان من الشاي، إذ يعدّ الحوثيون إشعال النيران ليلاً احتفالاً بالمناسبة.

وفي مديرية همدان بضواحي العاصمة اليمنية من جهة الشمال الغربي اعتقل الحوثيون شيوخ قرى المداور ومذبل والبياضي حتى يُحضِروا من أشعلوا النيران إحياءً للمناسبة.

وعلى وقع هذه الانتهاكات أدانت «منظمة شهود لحقوق الإنسان» بأشد العبارات «الممارسات القمعية» التي تنفذها جماعة الحوثي المسلحة بحق المواطنين الذين كانوا «ينوون» الاحتفال بالذكرى الـ63 لثورة «26 سبتمبر».

وقالت المنظمة إن الجماعة منعت أي مظاهر احتفالية بالثورة، وأقدمت على اعتقال المئات بشكل تعسفي، بينهم ناشطون ومحامون وإعلاميون وموظفون وطلاب ومزارعون وأشخاص عاديون، لمجرد التعبير عن فرحتهم بالمناسبة عبر منشورات على حساباتهم في التواصل الاجتماعي، أو استخدام شعارات ورفع الأعلام الوطنية، أو إشعال النيران في مناطقهم.

مسلح حوثي في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ب)

وشملت الانتهاكات -وفق المنظمة- اقتحام المنازل وترويع الأسر، ومن بينها واقعة اقتحام منزل عارف قطران في قرية الجاهلية بمديرية همدان محافظة صنعاء واعتقاله مع نجله عبد السلام واقتيادهما إلى جهة غير معلومة.

ووصفت المنظمة ما حدث بأنه سياسة قمع ممنهجة تستهدف المدنيين الذين يمارسون حقهم المشروع في التعبير عن ولائهم الوطني.

ودعت المنظمة الحقوقية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، ووقف جميع الممارسات القمعية، واحترام الحقوق والحريات، كما دعت المبعوث الأممي إلى اليمن والمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التحرك فوراً لوقف هذه الانتهاكات التي تهدد السلم المجتمعي.


مقالات ذات صلة

الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

العالم العربي قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)

الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

عمليات حفر عشوائي وسرقة ممنهجة تطال مقابر ومواقع تاريخية عمرها آلاف السنين وسط غضب شعبي واتهامات للجماعة الحوثية بالتواطؤ وتسهيل تهريب اللقى الأثرية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)

جبايات الحوثيين تخنق الحركة التجارية في صنعاء

تسبّب تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، جنباً إلى جنب مع تصاعد حملات الجبايات، في موجة من إغلاقات المتاجر والمطاعم بصنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي جانب من طريق العبر الحيوي في اليمن بعد إعادة تأهيله (إكس)

بدعم سعودي... إنجاز 91 كيلومتراً من طريق «العبر» اليمني

أفاد البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بأنه أنجز 91 كيلومتراً من مشروع توسعة وإعادة تأهيل طريق العبر، وهو أحد أهم الطرق الحيوية في اليمن.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحوثيون حولوا المدارس إلى معسكرات لتدريب الأطفال على القتال (أ.ف.ب)

دعم أوروبي لحماية أطفال اليمن من التسرب من التعليم

دشّنت منظمة «طفل الحرب» مشروعاً جديداً يستهدف إعادة دمج الأطفال اليمنيين غير الملتحقين بالمدارس في محافظة تعز، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

محمد ناصر (تعز)
الخليج من مراسم توقيع مذكرة التفاهم لتنفيذ المشاريع التنموية (البرنامج السعودي لإعمار اليمن)

السعودية تنفذ مشاريع للطاقة الكهربائية في اليمن

أبرم البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مذكرة تفاهم لتنفيذ مشاريع تنموية بمجال الطاقة الكهربائية في اليمن، وتوفير منشآت لمحطات استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«معركة قرارات» في مجلس الأمن بشأن «قوات الاستقرار»تهدد «اتفاق غزة»

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«معركة قرارات» في مجلس الأمن بشأن «قوات الاستقرار»تهدد «اتفاق غزة»

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مرحلة من التجاذبات الدولية بعد تقديم موسكو مشروع قرار مضاد لنظيره الأميركي بشأن نشر قوات استقرار في القطاع في مجلس الأمن، يحمل بنوداً أقرب لوجهة النظر العربية وابتعاداً عن مواقف إسرائيل حليفة واشنطن، على الرغم من أن أميركا أدخلت تعديلات على مشروع قرارها، أثارت استياء إسرائيل، على حد قول صحيفة «يديعوت أحرونوت».

تلك الخطوة التي تأتي وسط دعوات من الوسطاء للتوافق، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها «معركة قرارات» بين حائزي «الفيتو» في مجلس الأمن، وتحمل تهديداً صريحاً لاتفاق غزة والانتقال للمرحلة الثانية، إن لم يحدث توافق ويتم الوصول لمقاربات لا تنحاز لإسرائيل ولا تفرغ الاتفاق من مضمونه، الذي يقضي بانسحاب إسرائيل ونزع سلاح المقاومة بطريقة مناسبة.

وسط هذه الأجواء، دعت الولايات المتحدة وعدد من شركائها مجلس الأمن إلى «الإسراع» بتبني مشروع قرار أميركي يؤيد خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن قطاع غزة. وأعربت الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر والإمارات وإندونيسيا وباكستان والأردن وتركيا، في بيان، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده «سريعاً».

تعديلات أميركية

وكانت واشنطن أدخلت تعديلات عدة على مسودة مشروع القرار الخاص بها، أثارت تحفظات إسرائيلية.

وبحسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليوم (الجمعة)، فإن أبرز البنود التي تثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة تتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات «هيئة الحكم الانتقالية» المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.

وبحث وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي، الجمعة، تطورات الأوضاع في غزة، وأكّدا «أهمية استمرار التنسيق المصري - السعودي في دعم الجهود الرامية إلى تثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام والبناء عليه، مع الدفع نحو التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق، بما يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وجاءت تلك المحادثات وسط تجاذبات أميركية روسية بشأن مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن نشر قوات استقرار في قطاع غزة، ما يعني الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

الاقتراح الروسي

واقترحت روسيا، الخميس، مسودة مشروع قرار في الأمم المتحدة، صاغته بشأن غزة في تحدٍّ لجهود الولايات المتحدة.

وقالت بعثة روسيا في الأمم المتحدة في مذكرة، اطلعت عليها «رويترز»، إلى أعضاء مجلس الأمن، إن «الهدف من مسودتنا هو تمكين مجلس الأمن من وضع نهج متوازن ومقبول وموحد نحو تحقيق وقف مستدام للأعمال القتالية». وتطلب المسودة الروسية أن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة خيارات لقوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة.

طفل يجلس وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وقال عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إن «تحرك موسكو مضاد لمشروع قرار واشنطن بشأن مهام وصلاحيات القوة»، مشيراً إلى أن ذلك كان متوقعاً في ظل عدم تغيير واشنطن مواقفها المنحازة لإسرائيل.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن الطرح الروسي يعني «وجود معركة نفوذ ومناورات سياسية بهدف من موسكو لفرض أمرين؛ أولهما دعم الموقف العربي الفلسطيني المختلف عن نظيره الأميركي الإسرائيلي، والثاني إرسال رسالة لواشنطن بأن موسكو ليس بعيدة، وأن هذا الملف قد يكون جزءاً من المساومات المستقبلية».

بالمقابل، حثّت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن على المضي قدماً في الموافقة على النصّ الأميركي. وأكدت، البعثة بحسب ما نقلته «رويترز»، الخميس، أن «محاولات زرع الشقاق الآن - عندما يكون الاتفاق على هذا القرار قيد التفاوض النشط - لها عواقب وخيمة وملموسة، ويمكن تجنبها نهائياً بالنسبة للفلسطينيين في غزة»، مضيفة: «وقف إطلاق النار (هشّ)، ونحثّ المجلس على الاتحاد والمضي قدماً لتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه».

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حقّ النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

ووزّعت الولايات المتحدة رسمياً مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر قبل أسبوع، وقالت إنها تحظى بدعم إقليمي لقرارها الذي سيمنح تفويضاً لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي وقوة دولية لتحقيق الاستقرار.

وينصّ مشروع القرار على تفويض القوة بـ«استخدام جميع التدابير اللازمة» لنزع السلاح في غزة وتأمين حدودها وحماية المدنيين وإيصال المساعدات ودعم قوة شرطة فلسطينية جديدة يتم تدريبها، وهو ما عليه مآخذ وخلافات، ولا سيما نزع السلاح، وفق تصريحات عربية الأسبوع الماضي.

ويتوقع عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» أن يتم المزج بين مشروعي القرارين الأميركي والروسي، بمشروع واحد محل توافق قبل العرض على التصويت، مشيراً إلى أنه إذا تمسكت واشنطن بمشروعها دون توافقات، يتوقع أن تستخدم موسكو الفيتو، وهذا يمس اتفاق غزة ويطيل أمد تنفيذه.

فيما يتوقع المحلل السياسي الفلسطيني أن استمرار تلك الخلافات مع واشنطن قد يؤدي إلى تعليق الاتفاق، وليس انهياره، مؤكداً أن «تعليق الاتفاق عند المرحلة الأولى أخطر من انهياره»، مرجحاً مساعي من الوسطاء للتوافق أكثر بشأن الخلافات.

فتاة تمشي وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك التجاذبات الروسية - الأميركية وتأثيراتها، قال وزير الدفاع الإندونيسي، شافري شمس الدين، الجمعة، إن «بلاده درّبت نحو 20 ألف جندي لتولي مهام تتعلق بالصحة والإعمار، خلال عملية حفظ السلام المزمعة في قطاع غزة الذي مزّقته الحرب».

وليست إندونيسيا وحدها من تسعى إلى الوجود هناك، فقد ذكرت وثيقة اطلعت عليها وكالة «رويترز»، الجمعة، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيناقشون الأسبوع المقبل مقترحاً لتولي التكتل مهمة تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني، بهدف نشرهم لاحقاً في قطاع غزة.


الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
TT

الدمار يحدق بآثار اليمن في ذمار

قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)
قطع أثرية متنوعة سلمها سكان قبل فترة إلى سلطة الحوثيين في ذمار (فيسبوك)

تعرضت عشرات المواقع الأثرية والتاريخية في محافظة ذمار اليمنية خلال الأيام الماضية، لموجة واسعة من أعمال النهب والعبث، في واحد من أكثر الاعتداءات توسعاً منذ سنوات، وسط اتهامات محلية بضلوع قادة حوثيين في دعم عصابات تجريف الآثار، وتمكينها من العمل دون رادع.

وتشير شهادات متطابقة إلى أن أنشطة الحفر العشوائي، امتدت إلى مواقع تعود إلى حضارات يمنية قديمة، ما أدى إلى تدمير مومياوات وطمس معالم تاريخية فريدة.

وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، شملت الاعتداءات مقبرتين أثريتين؛ تقع إحداهما على منحدر جبلي في مديرية جهران، والأخرى في قرية «النواري» بمديرية عتمة، إضافة إلى مواقع في مناطق المختبية والحطمة ومصنعة مارية التابعة لمديريتي الحدا وعنس.

وتمكنت العصابات - بحسب المصادر - من الاستيلاء على لُقى أثرية متنوعة؛ بينها تماثيل برونزية وجنائزية ونقوش حجرية بخط المسند، يُقدّر عمر بعضها بآلاف السنين.

جانب من تعدي عصابة مسلحة على مقبرة أثرية بضواحي ذمار (فيسبوك)

وجاء آخر هذه الاعتداءات عبر قيام عصابة مسلحة يرجح أنها مدعومة من قيادات في الجماعة الحوثية، بحفر مقبرة جماعية معلّقة على قمة أحد جبال مديرية جهران. وبحسب مصدر محلي، فإن أفراد العصابة كانوا يبحثون عن مقتنيات ذهبية مدفونة، ما تسبب بإتلاف مومياوات وهياكل بشرية كانت محفوظة بصورة نادرة.

وأوضح المصدر أن «المقبرة ليست مجرد مكان دفن؛ بل إرث تاريخي يكشف عن طقوس ومعتقدات قديمة لحضارات يمنية عريقة».

وأثارت الجريمة موجة غضب واسعة في أوساط السكان والمهتمين بالشأن الأثري، الذين أكدوا أن الاعتداءات ليست حوادث فردية؛ بل جزء من سلسلة تجريف منظمة طالت المواقع الأثرية منذ سيطرة الحوثيين على المحافظة.

ويرى عدد من السكان الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك الجرائم تسعى إلى طمس المكونات الحضارية لليمنيين واستبدال روايات تتسق مع مشروع الحوثيين الآيديولوجي بها، محملين سلطات الجماعة في ذمار مسؤولية مباشرة عن حماية المواقع واستعادة الآثار المنهوبة.

تجريف واسع

قبل واقعة مقبرة جهران، كان مجهولون قد نفذوا أعمال حفر واسعة في موقع «مصنعة مارية» الأثري بمديرية عنس، بحثاً عن معادن ولقى أثرية، في ظل ما يصفه الأهالي بـ«تغاضٍ متعمد» من الأجهزة الأمنية التابعة للجماعة.

وأكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، أن العصابة عثرت على قطع أثرية متنوعة، بعضها معدني، يُرجّح أنها هُرّبت فوراً إلى خارج المحافظة ثم إلى أسواق خارجية.

موقع «الحطمة» الأثري في ذمار بعد تعرضه للعبث والتجريف المنظم (إكس)

وتُعد منطقة «مارية» من أقدم مناطق حضارة حمير، إذ تضم أكثر من 25 موقعاً أثرياً، وتشتهر بنمط معماري فريد يعكس تراكُم حضارات متعاقبة على مدى قرون. ويقول مختصون إن تدمير هذه المواقع يعني خسارة غير قابلة للتعويض في سجل الحضارة اليمنية.

ويتهم باحثون في الآثار الجماعة الحوثية بالوقوف خلف موجة التدمير الممنهجة، مؤكدين أنها جزء من «سياسة طمس الهوية» التي تمارسها الجماعة، عبر تجريف المواقع ونهب المقتنيات وتهريبها وبيعها في أسواق عالمية. وطالب الباحثون المنظمات الدولية المختصة، بالتدخل الفوري لوقف الاعتداءات ومنع تداول القطع اليمنية المنهوبة.

اعتداءات ممنهجة

هذه الاعتداءات ليست الأولى؛ إذ سبق أن تعرض موقع «هران» الأثري في ذمار قبل عامين، لأعمال طمس وتشويه نُفذت بحجة إقامة مشروع سياحي بتمويل من جمعية إيرانية. وشملت تلك الأعمال استحداثات غير قانونية وتدمير أجزاء من الموقع، إضافة إلى نقل قطع أثرية بطريقة سرية إلى جهات مجهولة.

عبث بالمواقع الأثرية في ذمار وسط تغاضٍ من الحوثيين (إعلام حوثي)

ويؤكد مختصون يمنيون أن ما يحدث من تجريف ونهب لا ينفصل عن سلسلة جرائم ارتُكبت منذ انقلاب الحوثيين، إذ جرى تحويل بعض المواقع الأثرية إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية، بينما تعرضت مواقع أخرى للتفجير والتجريف والبيع.

ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى فقدان جزء كبير من الذاكرة التاريخية اليمنية، مشيرين إلى أن حماية هذه المواقع مسؤولية وطنية ودولية، تتطلب تدخلاً عاجلاً لوقف العبث واستعادة ما تم تهريبه، وإنقاذ ما تبقى من إرث البلاد الحضاري.


جبايات الحوثيين تخنق الحركة التجارية في صنعاء

حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
TT

جبايات الحوثيين تخنق الحركة التجارية في صنعاء

حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)
حشد من المسلحين الحوثيين في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (أ.ف.ب)

تسبّب تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، جنباً إلى جنب مع تصاعد حملات المضايقات والجبايات غير القانونية، في موجة من إغلاقات المتاجر والمطاعم في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، حيث اضطر الكثير من الملاك إلى إغلاق أبوابهم وتسريح عمالهم، وسط اتهامات للجماعة باستئناف حملات دهم الشركات والمحال وإجبار أصحابها على دفع إتاوات بمسميات متعددة.

وفي أحدث هذه الإغلاقات، أعلنت إدارة سلسلة مطاعم «رويال باحاج حضرموت» التوقف عن العمل في أحد أكبر فروعها بحي الرقاص في مديرية معين وسط صنعاء، نتيجة ضغوط مالية متفاقمة، وانخفاض القدرة الشرائية للسكان مع انقطاع المرتبات واتساع رقعة الفقر والبطالة، وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط».

وعلى الرغم من أن القطاع التجاري الخاص في صنعاء لا يزال يشكّل أحد الأعمدة القليلة المتبقية للحراك الاقتصادي المحلي، فإنه يتعرّض لتراجع حاد جراء استمرار حملات الاستهداف الحوثية بحق الشركات والمطاعم والمتاجر والفنادق وصالات المناسبات، بما في ذلك فرض رسوم إضافية تحت ذرائع مختلفة، وتكثيف القيود الإدارية والتنظيمية على أصحاب الأعمال.

تعسفات الحوثيين أجبرت مطاعم شهيرة في صنعاء على الإغلاق (إكس)

وكانت سلسلة مطاعم «الكندي للكباب البلدي» قد أعلنت قبل أسابيع إغلاق فرعها في شارع 14 أكتوبر بمنطقة حدة، بعد تعرّض صاحبها لمضايقات وابتزازات متكرّرة من جهات محسوبة على جماعة الحوثيين، الأمر الذي جعله عاجزاً عن مواصلة العمل.

ونتيجة هذه الإغلاقات، سُرّح المئات من العاملين في المطاعم والمتاجر، بينهم أكثر من 40 عاملاً في مطعم «رويال باحاج حضرموت»، معظمهم من الشباب الذين تعتمد أسرهم بشكل أساسي على هذه المداخيل اليومية.

وتؤكد مصادر اقتصادية في صنعاء أن هذا النزيف البشري والاقتصادي ينعكس مباشرة على النشاط التجاري المحلي، حيث تمثّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكثر من 65 في المائة من الحركة الاقتصادية في العاصمة المختطفة.

تراجع حاد

يشكو تجار وأصحاب مطاعم في صنعاء وضواحيها من تراجع غير مسبوق في النشاط التجاري، نتيجة كساد البضائع، وتضاعف النفقات التشغيلية، وفرض المزيد من الإتاوات عليهم. كثير منهم وجد نفسه في مواجهة الإفلاس، مما قاد إلى إغلاق المتاجر والاستغناء عن الموظفين.

محمد، مالك مطعم شعبي في شارع الستين، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الارتفاع المتواصل لأسعار الغاز والوقود والمواد الأساسية، إلى جانب الإتاوات المتكررة التي تفرضها جهات تابعة للحوثيين، جعلا الاستمرار في العمل «مستحيلاً».

إغلاق مطعم شهير بسبب المضايقات الحوثية (الشرق الأوسط)

ويضيف موضحاً: «نُجبر على دفع مبالغ يومية أو أسبوعية أو شهرية تحت مسميات مختلفة؛ مرة دعم وتمويل الجبهات، ومرة رسوم نظافة أو تجديد ترخيص، وأخرى باسم الزكاة والضرائب. في النهاية، لا يبقى من الربح ما يكفي حتى لدفع رواتب العمال».

ويكشف محمد عن ممارسات أخرى تطول أصحاب المطاعم، منها فرض قيود على تشغيل النساء، وتحديد ساعات العمل، وفرض إغلاقات مؤقتة لإجبارهم على الدفع، وهو ما ضيّق هامش الحركة في هذا القطاع الحيوي.

أعباء لا تُحتمل

وفي ظل هذه الضغوط، بدأ عدد كبير من التجار التفكير في مغادرة صنعاء بشكل نهائي، إذ يؤكد «فاضل» (اسم مستعار لتاجر مواد غذائية) أنه يستعد لنقل نشاطه التجاري إلى عدن أو خارج اليمن بالكامل.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل أسبوع تأتي لجنة جديدة تطلب جبايات مالية أو عينية، وإذا رفضنا نتعرض للتهديد ويُغلق المتجر. فتحُه من جديد يتطلّب دفع مبالغ طائلة».

ويشير إلى أن التعامل الأمني والمالي الذي تنتهجه الجماعة بات يحمّل التجار أعباء لا يمكن تحملها، مما يجعل بقاءهم في السوق «خسارة مؤكدة».

الحوثيون استهدفوا عدداً من رجال الأعمال لإحلال طبقة تجارية موالية (فيسبوك)

ويرى اقتصاديون في صنعاء أن موجة الإغلاقات ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر خطير على دخول الاقتصاد المحلي مرحلة أكثر هشاشة. فالأزمات المعيشية وانخفاض الدخل والقدرة الشرائية تتقاطع مع أعمال الجبايات الحوثية والانكماش الشديد في الطلب، لتدفع بالمستثمرين الصغار والمتوسطين إلى الخروج القسري من السوق.

ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذه الضغوط قد يقود إلى شلل شبه كامل للقطاع الخاص في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما سيزيد من معدلات البطالة والفقر، وسيقوّض أي إمكانية لتعافي الاقتصاد، حيث تتعامل الجماعة مع الاقتصاد بوصفه «غنيمة» تُستنزف لا قطاعاً إنتاجياً ينبغي الحفاظ عليه.