باتت جهود إحياء مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، عالقة بعد محاولة استهداف إسرائيل قبل نحو أسبوع الوفد المفاوض في حركة «حماس» خلال اجتماع بالدوحة، قبل أن تدخل نفقاً مظلماً مع بدء اجتياح بري لمدينة غزة.
ذلك الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة غزة يأتي غداة قمة عربية - إسلامية طارئة بالدوحة طالبت بوقف الحرب بالقطاع، ودعمت وساطة مصر وقطر والولايات المتحدة. وهو تطور يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» يعقد جهود إحياء المفاوضات، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع زيارة لوزير خارجية أميركيا ماركو روبيو، دون اعتراض عن العملية وتمسكه بتطبيق شروط إنهاء الحرب التي سبق أن أعلنتها إسرائيل.
وشروط إنهاء الحرب الخمسة، أعلنها رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو عقب انسحابه هو وفريق واشنطن من مفاوضات الدوحة في يوليو (تموز) الماضي، تتضمن نزع سلاح «حماس»، وهو الطلب الذي اعتادت الحركة الفلسطينية على رفضه.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، في بيان بدء عمليته الموسعة براً في غزة بهدف هزيمة «حماس»، داعياً سكان المدينة إلى التوجه جنوباً «في أسرع وقت ممكن»، وذلك بعد ليلة من الهجمات الجوية العنيفة التي استهدفت شمال غزة، والتي أسفرت عن مقتل 20 شخصاً على الأقل.
وأكد نتنياهو، في بيان الثلاثاء، بدء «عملية مكثفة» في مدينة غزة، تزامناً مع تأكيد مسؤولين إسرائيليين اثنين لشبكة «سي إن إن»، أن الجيش بدأ بالفعل الاجتياح البري لمدينة غزة، ضمن عملية ستكون «تدريجية» في بدايتها.
وبعد الغارات الجوية المكثفة، علّق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الثلاثاء، أن غزة «تحترق»، مؤكداً أن جيش الاحتلال «يضرب البنى التحتية للإرهاب بقبضة من حديد، ويقاتل الجنود بشجاعة لتهيئة الظروف أمام إطلاق سراح الرهائن وهزيمة (حماس). لن نتوقف، ولن نتراجع حتى ننجز مهمتنا».

وأدان الوسيطان مصر وقطر العملية العسكرية الإسرائيلية. وقالت «الخارجية المصرية»، إنها «تشكل تصعيداً خطيراً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني»، كما حذرت في بيان، الثلاثاء، من «مخاطرها الكارثية» على المنطقة، التي قالت إنها «على أعتاب مرحلة جديدة من الفوضى الشاملة نتيجة التهور الإسرائيلي والتمادي في الغطرسة بصورة فادحة ستضر حتماً بمصالح جميع الأطراف الإقليمية والدولية دون استثناء».
بينما أفاد المتحدث باسم «الخارجية القطرية»، ماجد الأنصاري في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، بأن «المفاوضات بشأن غزة لا تبدو واقعية الآن؛ لأن (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين) نتنياهو يريد اغتيال كل من يتفاوض معه، ويقصف دولة الوساطة»، في إشارة لاستهداف اجتماع لحركة «حماس» بالدوحة في أثناء مناقشة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في 9 سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويعتقد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رخا أحمد حسن، أنه ليست هناك شواهد على هدنة، من قبل الاجتياح البري أو بعده في ظل أن نتنياهو رفقة ترمب لا يريدان إيقاف الحرب مع سعيهما لتهجير سكان قطاع غزة ضمن خطة واضحة يعملان عليها، لافتاً إلى أنه قد يتم طرح بشكل متوازٍ خطة لهدنة في إطار مفاوضات من أجل المفاوضات بينما يكسبون نقاطاً على الأرض.
ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور سهيل دياب أن أحد أهداف هذا الاجتياح في هذا التوقيت هو تعقيد جهود إحياء مفاوضات الهدنة في غزة، وإجهاض أي محاولة، مشيراً إلى أن التصعيد الإسرائيلي ما يتم إلا وكانت أي جهود تقترب من إبرام صفقة كما رأينا من استهداف الدوحة قبل أسبوع.
ولم تعترض واشنطن التي تعد أحد أطراف الوساطة وحليفة إسرائيل على الاجتياح البري لغزة الذي يأتي في أعقاب مغادرة روبيو لإسرائيل، وكذلك لم يعترض عنه ترمب، وقال الرئيس الأميركي في تصريحات، الثلاثاء: «لا أعرف الكثير عنه»، لكنه حذر من أن «حماس» ستواجه مشكلة كبيرة إذا استخدمت الرهائن دروعاً بشرية.
وخلال زيارته للدوحة، الثلاثاء، التقى روبيو، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بمكتبه في الديوان الأميري وتم بحث «تداعيات الهجوم الإسرائيلي الغادر على الدوحة، ومستقبل الجهود الدبلوماسية المشتركة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وخفض التصعيد بالمنطقة»، وفق بيان للديوان الأميري.
وقبل زيارته للدوحة، أعلن روبيو في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أميركية: «نأمل أن تواصل قطر وجميع شركائنا في الخليج إضافة شيء بنّاء لإنهاء الحرب في غزة»، مشيراً إلى أن «نهاية الحرب ستكون بإطلاق سراح الأسرى وعدم وجود حركة (حماس) داخل القطاع».
وذكَّر روبيو بأنه «في حال لم يكن ممكناً تحقيق شروط إنهاء الحرب في غزة بالطرق الدبلوماسية، سيجب تحقيقها بعملية عسكرية»
ويعتقد السفير رخا أن أي حديث أميركي عن مفاوضات هو غطاء لتمرير مخطط واشنطن وإسرائيل، لأن الجانبين يريدان فقط استسلام «حماس» دون أي تصورات أخرى، وهذا ما يشجع نتنياهو على هذا التوسع والاجتياح البري.
ويرى دياب أن تصريحات واشنطن محاولة ضغوط جديدة؛ ما يؤكد أننا إزاء في مرحلة صفرية، مشيراً إلى أن أمراً واحداً يفصل في كوننا سنرى هدنة أو لا وهو تغير الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات داخل الحزب الحاكم مع استشعارها بأن نتنياهو صار عبئاً.



