الحوثيون يشددون القيود على سكان صعدة والقادمين إليها

الجماعة حولت معقلها الرئيسي إلى منطقة شبه مغلقة

دورية حوثية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
دورية حوثية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يشددون القيود على سكان صعدة والقادمين إليها

دورية حوثية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
دورية حوثية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

فرضت الجماعة الحوثية قيوداً جديدة ومُشددة على سكان معقلها الرئيسي في صعدة وعلى المسافرين منها وإليها، ضمن مساعيها لتحويل المحافظة إلى منطقة شبه مغلقة لا يُسمح بمغادرتها أو حتى الدخول إليها إلا بموجب الالتزام والتقيد بالإجراءات المفروضة.

وفرضت الجماعة القيود الجديدة عقب اجتماع لقادتها عُقد في مدينة صعدة برئاسة القيادي جابر الرازحي المعيَّن بمنصب المحافظ، وبحضور قيادات عسكرية واستخبارية وأمنية، إلى جانب مندوب من مكتب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.

وبحسب مصادر مطلعة في صعدة (شمال) خرج الاجتماع بتوصيات استهدافية تشمل تنفيذ إجراءات قمعية للحد من حريات السكان وتحركاتهم من وإلى المحافظة بذريعة حماية ما تُسمى «الجبهة الداخلية».

وألزم الحوثيون - وفق المصادر - سكان صعدة الراغبين في مغادرة المحافظة بالبدء أولاً بطلب الإذن المسبق من أجهزة الأمن التابعة للجماعة، والإفصاح عن وجهة السفر، وأسبابها، ومدة الغياب، وغيرها.

قادة حوثيون في مقر تابع للجماعة في تعز (إعلام حوثي)

كما اشترطت جماعة الحوثيين على اليمنيين من مختلف المناطق الراغبين في السفر إلى محافظة صعدة الحصول أولاً على معرّف أو كفيل من سكان المحافظة الأصليين مع الموافقة المسبقة من أجهزة الجماعة الأمنية.

إلى ذلك، فرض قادة الجماعة الحوثية إجراءات تعسفية أخرى ضد سكان صعدة ومديرياتها ومنها حظر إقامة أي اعتصامات أو تجمعات جماهيرية أو قبلية في معقلها دون إذن مسبق من قبل أجهزة القمع الأمنية.

الخوف من الاختراق

زعمت الجماعة الحوثية أن إجراءاتها المتخذة هي في سياق ما تسميه تعزيز «القبضة الأمنية في صعدة» وذلك خوفاً من حدوث أي اختراق، في ظل تصعيدها العسكري المستمر ضد إسرائيل.

واشتكى مسافرون إلى محافظة صعدة لـ«الشرق الأوسط»، من أن الجماعة فرضت إجراءات استهدافية ضدهم، موضحين أن شروطها الجديدة تشكل عائقاً كبيراً بالنسبة إليهم، وتحد من سفرهم ووصولهم إلى المحافظة ومركزها.

حشد من أتباع الحوثيين خلال فعالية مذهبية بصعدة (إعلام حوثي)

وأكد بعض المسافرين أن هوياتهم الشخصية وبقية وثائقهم الرسمية لا تعد ضامناً حقيقياً لهم لدى الجماعة للسماح لهم بدخول المدينة، حيث يتم منعهم من قبل مسلحي الجماعة بنقاط التفتيش من الوصول إلى مدينة صعدة بذريعة عدم توفر المُعرف أو الكفيل الذي هو في الأساس يُعد مشرفاً أو عنصراً أمنياً.

ويرى سكان في صعدة أن الشروط الجديدة التي فرضتها الجماعة ستشكل عائقاً حقيقياً أمام حرية تنقلاتهم وسفرهم إلى خارج المحافظة إما لغرض العلاج وإما زيارة بعض الأقارب وإما قضاء حوائج أخرى.

تصاعد المعاناة

يوضح «ناصر» وهو من سكان صعدة لـ«الشرق الأوسط»، أن المعاناة تصاعدت جراء اتخاذ الجماعة منذ شهر يوليو (تموز) من العام قبل الماضي، أول إجراءاتها التعسفية المستهدفة لحرية السكان في التنقل والسفر بين المحافظات بما فيها صعدة.

ويقول ناصر إنه تقدم بطلب الإذن المسبق من مركز أمنى حوثي بمدينة صعدة للسفر إلى صنعاء لغرض علاج شقيقته التي تعاني من مرض خبيث، إلى جانب شراء قطع غيار لجرافته المعطلة. وأضاف أن الجماعة لم تسمح له بالسفر، واكتفى عناصرها بالتأكيد له أن طلبه لا يزال قيد المراجعة للبت فيه.

عنصر حوثي في نقطة تفتيش في صنعاء (إ.ب.أ)

ونتيجة ذلك، يُبدي ناصر نيته تجاوز القيود الحوثية المفروضة والسفر إلى صنعاء دون حصوله على إذن مسبق، لكنه يخشى من التعرض للتعسف والاعتقال والمنع من السفر على يد مسلحي الجماعة بنقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق الرابط بين صعدة وصنعاء.

وجاء تشديد القيود الحوثية على التنقل في وقت لا يزال فيه سكان محافظة صعدة ومديرياتها يعانون منذ السنوات التي أعقبت الانقلاب والحرب من أوضاع معيشية وإنسانية مأساوية يرافقها تعرضهم للانتهاكات المتنوعة.

وكانت مصادر حقوقية يمنية أكدت أن جرائم البطش الحوثية لم تقف عند سكان صعدة وحدهم، بل توسعت لتطول جميع اليمنيين القادمين إليها من مناطق محافظات تعز وإب والحديدة وصنعاء والمحويت وذمار وريمة وغيرها من المناطق.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

العالم العربي الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

في حين توالت الإدانات لهجمات الحوثيين البحرية، اتخذت الجماعة موقفاً غاضباً من تصريحات الأمم المتحدة، ولوحت بقطع التواصل مع غروندبرغ، واتهمته بـ«الانحياز».

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يستولون على بنك تجاري آخر في صنعاء

الحوثيون يستولون على بنك تجاري آخر في صنعاء

كشفت مصادر مصرفية يمنية في صنعاء عن أن الحوثيين استولوا على بنك تجاري جديد؛ لينضم إلى مجموعة من البنوك والمؤسسات المالية التي وضعوا أيديهم عليها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي السفينة اليونانية «ماجيك سيز» غرقت في البحر الأحمر جراء هجمات حوثية (رويترز)

ردود باهتة على التصعيد الحوثي المميت... وارتفاع التأمين

في حين أدت الهجمات الحوثية البحرية المميتة خلال هذا الأسبوع إلى رفع التأمين على السفن المارة عبر البحر الأحمر، لاقت الهجمات ردودا دولية باهتة لا تتناسب مع أثرها

علي ربيع (عدن)
العالم العربي 
قيادات حوثية تدشن مشروعات سكنية لذوي القتلى في ريف صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يختصون عائلات قتلاهم المنتمين إلى سلالة زعيمهم بوحدات سكنية

اختصت الجماعة الحوثية عائلات قتلاها من المنتمين إلى سلالة زعيمها دون غيرهم، بوحدات سكنية جرى بناؤها وتجهيزها على أراضِ منهوبة تعود ملكيتها للدولة والسكان

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي نسبة الاستهلاك الغذائي المقبول في اليمن ارتفعت من 26 في المائة إلى 53 في المائة (الأمم المتحدة)

2.3 مليون يمني يستفيدون من مشروع أوروبي لدعم صمود الريف

اختتم في عدن برنامج أوروبي استمر 10 سنوات لتعزيز التعافي والقدرة على الصمود المعيشي في اليمن، حيث قدم المساعدة في قطاعات متعددة منها تعزيز الأمن الغذائي

محمد ناصر (تعز)

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
TT

الحوثيون يتهمون غروندبرغ بـ«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه

الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)
الحوثيون يشنون هجماتهم تحت لافتة منع الملاحة المرتبطة بإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة (أ.ب)

​في أعقاب الهجمات الحوثية التي أدت إلى غرق سفينتين تجاريتين، ومقتل وإصابة وفقدان عدد من الطاقم في البحر الأحمر، توالت الإدانات الدولية، بينما اتخذت الجماعة موقفاً غاضباً من تصريحات الأمم المتحدة، ولوحت بقطع التواصل مع المبعوث هانس غروندبرغ، بعد أن اتهمته بـ«الانحياز» و«عدم الحياد».

وكانت الجماعة المتحالفة مع إيران قد هاجمت بين يومي الأحد والثلاثاء الماضيين سفينتي شحن يونانيتين في البحر الأحمر وأغرقتهما، وأدت الهجمات إلى مقتل 4 بحارة على الأقل، وجرح آخرين، وفقدان 12، مع اعتراف الجماعة باحتجاز عدد منهم.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية من وقت لآخر إطلاق صواريخ ومُسيَّرات باتجاه إسرائيل تحت ذريعة مساندة الفلسطينيين في غزة، تسود مخاوف يمنية من هجمات إسرائيلية انتقامية أشد قسوة من الضربات السابقة.

وفي بيان منسوب للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أدان «بشدة» استئناف الحوثيين هجماتهم على السفن المدنية العابرة للبحر الأحمر، ولا سيما الهجمات التي وقعت بين 6 و8 يوليو (تموز).

وقال البيان إن غرق السفينتين «ماجيك سيز» و«إيترنيتي سي» إلى جانب مقتل ما لا يقل عن 4 من أفراد الطاقم وإصابة آخرين، يشكّل تصعيداً خطيراً في هذا الممر المائي الحيوي.

ومع ورود تقارير تفيد بفقدان ما لا يقل عن 15 من أفراد الطاقم، دعا الأمين العام الحوثيين إلى عدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها عرقلة عمليات البحث الجارية عن الطاقم المفقود وإنقاذه.

ووصف البيان هذه الأفعال الحوثية -بالإضافة إلى كونها هجوماً غير مقبول على سلامة وأمن الطواقم البحرية- بأنها انتهاك لحرية الملاحة، وكذلك تشكل تهديداً مباشراً لحركة النقل البحري، وتنذر بخطر جسيم يلحق أضراراً بيئية واقتصادية وإنسانية كبيرة في بيئة ساحلية تعاني هشاشةً أصلاً.

صورة وزعها الحوثيون تظهر لحظة غرق السفينة «إيترنيتي سي» في البحر الأحمر (رويترز)

وشدد البيان الأممي على ضرورة التزام جميع الأطراف باحترام القانون الدولي في جميع الأوقات. كما أكد أهمية الالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن رقم 2768 (2025)، المتعلق بهجمات الحوثيين على السفن التجارية وناقلات الشحن.

وجدد غوتيريش -في البيان الذي جاء على لسان المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك- التزام الأمم المتحدة المتواصل بدعم جهود التهدئة على نطاق أوسع في المنطقة، إلى جانب استمرار انخراطها مع الجهات الفاعلة اليمنية والإقليمية والدولية، بهدف التوصّل إلى حل سلمي ومستدام للنزاع في اليمن.

موقف أوروبي

في سياق المواقف الدولية من تصعيد الحوثيين البحري، أدان الاتحاد الأوروبي بشدة الهجوم الحوثي على السفينة التجارية «إيترنيتي سي» في البحر الأحمر، ما أدى إلى غرق السفينة، كما أدان الوفاة المأساوية لعدد من أفراد الطاقم وإصابة آخرين.

وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي لدي اليمن -في بيان- إنه ينبغي للحوثيين عدم عرقلة عمليات إنقاذ ومساعدة السفن المنكوبة، وينبغي لجميع الدول المشاطئة تقديم كل المساعدة الممكنة في هذا الأمر.

وإذ دعا البيان الحوثيين إلى الإفراج الفوري ودون شروط عن أفراد طاقم «إيترنيتي سي» الناجين، وصف الهجمات بأنها تعد انتهاكاً للقانون الدولي وتهدد بشكل مباشر السلام والاستقرار في المنطقة والتجارة العالمية وحرية الملاحة، بوصفها مصلحة عالمية عامة، وتؤثر على الوضع الإنساني المتردي أساساً في اليمن، مشدداً على وجوب توقفها.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أنشأ مهمة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، أطلق عليها «مهمة أسبيدس» وبدأت عملها في فبراير (شباط) 2024، بمشاركة عدد من فرقاطات دول الاتحاد العسكرية، ولكنها لم تنخرط في مواجهة مباشرة مع الحوثيين كما فعلت واشنطن ولندن.

وخلال الأشهر الماضية رافقت قوات المهمة الأوروبية كثيراً من السفن التجارية في البحر الأحمر، وكذلك ساهمت في عمليات إنقاذ للسفن التي تعرضت للهجوم، وتصدت في مرات كثيرة لهجمات حوثية بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ.

غضب حوثي

على وقع الإدانات الأممية لأفعال الجماعة الحوثية، اتهمت الأخيرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ بـ«الانحياز» وعدم الحياد، وهددت بقطع التواصل معه.

وجاء رد الفعل الحوثي في بيان لخارجية حكومتها الانقلابية غير المعترف بها؛ حيث وصفت بيان غروندبرغ الذي أدان الهجمات بأنه «يعكس عدم حياديته» وقالت إنه «تجاهل بشكل كامل الأسباب الجذرية للتصعيد في البحر الأحمر» في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة.

هجمات الحوثيين منذ بدء التصعيد البحري تسببت في غرق 4 سفن وقتل 8 بحارة على الأقل (إ.ب.أ)

وفي حين اتهمت المبعوث بـ«الانحياز» قالت إن بيانه يجعلها «تجد صعوبة في التعاطي معه»، وهددت بأنها قد تلجأ «إلى تصعيد أكثر من مجرد إيقاف التواصل الرسمي مع المبعوث ومكتبه».

وكان المبعوث الأممي إلى اليمن قد أعرب في بيان عن «قلقه البالغ إزاء غرق السفينة (إيترنيتي سي)»، محذراً من التبعات الإنسانية والبيئية للهجمات البحرية التي تنتهك القانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 2722.

وأكد غروندبرغ أن استهداف السفن يعزز خطر انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع، داعياً جماعة الحوثي إلى «تقديم ضمانات مستدامة ووقف الهجمات فوراً»، والبناء على الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة، بشأن وقف الأعمال العدائية في البحر الأحمر.

ويضع رد الفعل الحاد من الحوثيين على غروندبرغ الجهود الأممية في اليمن أمام تحدٍّ جديد؛ خصوصاً مع مساعي المبعوث لإحياء مسار السلام اليمني وفق خريطة الطريق التي كانت قد توسطت فيها السعودية وعُمان أواخر 2023، والتي تجمد المضي فيها إثر تصعيد الجماعة البحري والإقليمي.

ويرى مراقبون أن تهديدات الحوثيين المتواصلة بحرمان السفن المتعاملة مع إسرائيل من عبور البحر الأحمر والبحر العربي، بدأت تُترجم إلى عمليات دامية، كما حصل مع السفينتين الأخيرتين، وسط تحذيرات من أن تتسع دائرة المواجهة وتخرج عن السيطرة.