مجلس الوزراء اليمني يعد بحلول جذرية لتوفير الخدمات وإنقاذ العملة

الاحتجاجات الشعبية توسعت من عدن إلى أبين ولحج

رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك مع مسؤولين أوروبيين (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك مع مسؤولين أوروبيين (سبأ)
TT

مجلس الوزراء اليمني يعد بحلول جذرية لتوفير الخدمات وإنقاذ العملة

رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك مع مسؤولين أوروبيين (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك مع مسؤولين أوروبيين (سبأ)

كشف مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك يعمل من أجل وضع حلول جذرية لمعالجة أزمة نقص الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المناطق المحررة، وذلك بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وتوسعها من عدن إلى محافظتي أبين ولحج المجاورتين.

وشهدت مدينة عدن احتجاجات انتهت بإعلان اللجنة الأمنية منع التظاهر إلى أجل غير محدد، فيما شهدت محافظتا أبين ولحج وقفات مماثلة تطالب بتوفير الكهرباء والمياه، وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.

وتفاعلاً مع خروج أول مظاهرة نسائية للمطالبة بتحسين الخدمة، نزل المئات من الرجال إلى ساحة العروض في مدينة عدن (مساء السبت) مؤكدين على تلك المطالب، وفي طليعتها توفير الكهرباء والمياه والتعليم، ومواجهة انهيار سعر العملة الوطنية.

وحرص المشاركون على تأكيد عدم وجود أي دوافع سياسية وراء هذه الاحتجاجات أو الارتباط بأي طرف سياسي كان. لكن الشرطة أكدت أن عدداً من المشاركين في نهاية الوقفة الاحتجاجية اعتدوا على أفرادها.

رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك (سبأ)

وأصدرت اللجنة الأمنية في عدن بيانات ذكرت فيها التزام الأجهزة الأمنية الراسخ بحماية حقوق المواطنين، وعلى رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير، وحرصها المستمر على تمكين فئات المجتمع كافة من إيصال أصواتهم ومطالبهم بالطرق السلمية.

وأوضحت اللجنة أنها قامت بتوفير التسهيلات اللازمة للمظاهرات التي شهدتها المدينة خلال الفترة الماضية، كما أمنت مواقع التجمعات، ووفرت الحماية الكاملة للمشاركين من دون تمييز، وتعاملت بكل مهنية واحترافية مع هذه الفعاليات.

وبحسب اللجنة الأمنية، فإنه في ختام المظاهرة التي شهدتها ساحة العروض، قامت مجموعة من العناصر «المندسة» بين صفوف المتظاهرين بمحاولة الاعتداء المباشر على الأطقم الأمنية وأفراد قوات الأمن، إضافة إلى إثارة أعمال الشغب، وإغلاق الطرقات.

وقالت إنه وحرصاً على المصلحة العامة وسلامة المواطنين وحماية الممتلكات، قررت منع تنظيم أي مظاهرات أو فعاليات جماهيرية في الوقت الراهن، إلى حين التأكد من توافر الظروف التي تضمن سلميتها والتزام منظميها بالضوابط القانونية.

الحركة النسائية قادت الاحتجاجات في ثلاث محافظات يمنية (إعلام محلي)

وأكدت اللجنة الأمنية التي يرأسها محافظ عدن أن الأجهزة الأمنية ستواصل أداء مهامها بمهنية، ولن تتهاون في التصدي لأي محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار تحت أي ذريعة، كما تجدد دعوتها لجميع المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية، والإبلاغ عن أي عناصر مشبوهة، حفاظاً على أمن المدينة واستقرارها، وتفويت الفرصة على كل من يسعى إلى نشر الفوضى والخراب. وفق ما جاء في البيان.

حراك نسائي مستمر

سبق هذه الفعالية خروج المئات من النساء إلى الساحة ذاتها للمرة الثانية خلال أسبوع (ساحة العروض) في عدن حيث رفع المشاركات في الاحتجاج اللافتات التي تطالب بتحسين الكهرباء والمياه، وصرف المرتبات والاهتمام بالتعليم.

كما رددن الهتافات التي تطالب من الأطراف الحكومية الإنصات لصوت الشارع الذي يتطلع للعيش بكرامة.

وكان لافتاً إجهاش طفلة بالبكاء أثناء مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية عندما تحدثت عن أسباب خروجها، حيث شكت من تدهور التعليم، وتردي الأوضاع المعيشية للسكان في عدن، وقالت إن عاماً دراسياً ضاع من عمرها وزميلاتها بسبب إضراب المعلمين الذين يطالبون بتحسين رواتبهم.

تردي خدمات الكهرباء والمياه يشعل جذوة الاحتجاجات النسائية في عدن (إعلام محلي)

ومع تراجع ساعات انقطاع الكهرباء في المدينة إلى 12 ساعة في اليوم الواحد بدلاً من 20 ساعة، أكدت المتظاهرات أن تحركاتهن سوف تستمر ولن تتوقف إلى حين الاستجابة لتلك المطالب.

جاء ذلك في وقت هوت فيه العملة اليمنية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى مستوى غير مسبوق، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 2560 ريالاً يمنياً، ما جعل غالبية الموظفين غير قادرين على توفير الاحتياجات اليومية لأسرهم.

مظاهرة في أبين

في مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، نظمت الحركة النسائية وقفة احتجاجية مماثلة، وأكدت المشاركات في البيان الذي وُزّع في نهاية الوقفة أنهن خرجن لا يحملن رايات حزبية، ولا ينطقن بلغة السياسة، بل خرجن من أجل الاحتجاج على واقع يزداد قسوة، ومعاناة لم تعد تحتمل.

وقالت المحتجات بصوت واحد إنهن يردن ماءً، وكهرباءً، ومدارس، ومستشفيات، ورواتب، وبنية تحتية، ولا يردن وعوداً ولا شعارات، بل يريدون أفعالاً تُنقذ ما تبقى من الكرامة والحقوق، على حد ما جاء في بيان الوقفة الاحتجاجية.

طلاب المدارس انضموا للمتظاهرات في محافظة أبين (إعلام محلي)

وحمّل البيان السلطات بمستوياتها كافة كامل المسؤولية عن التدهور الحاصل في الخدمات، والمعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون، التي تتحملها النساء بشكل مضاعف في منازلهن، وفي الشوارع، وفي كل تفاصيل الحياة.

وأكدت المحتجات على ضرورة توفير الخدمات الأساسية كافة فوراً، وصرف رواتب الموظفين والموظفات دون تأخير أو استثناء، وإعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية بشكل عاجل، وضمان وصول التعليم والرعاية الصحية لجميع المواطنين، وإيقاف التلاعب بأسعار السلع والخدمات، وتفعيل الرقابة والمساءلة.

ومع دعوة المحتجات إلى ضرورة مشاركة النساء في القرار المحلي والخدمي بشكل فاعل وحقيقي، طالبن من مكونات المجتمع وقواه الحية، والمؤسسات المدنية، والناشطين، الالتفاف حول صوت الحق والكرامة، والدعوة للسلام، والالتحام مع مطالبهن العادلة، التي لا يجب أن تكون محل تفاوض أو تأجيل. وتعهدن بمواصلة تحركاتهن السلمية حتى تتحقق مطالبهن.

وعود حكومية

تعليقاً على هذه الاحتجاجات، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن تأخر عودة رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك إلى عدن يأتي في إطار المتابعة الحثيثة والمباشرة لتوفير دعم عاجل لمعالجة الملفات الاقتصادية والخدمية، وعلى رأسها صرف مرتبات موظفي الدولة - مدنيين وعسكريين - ومعالجة أزمة الكهرباء، ودعم استقرار العملة الوطنية.

ونقلت المصادر الرسمية أن عودة رئيس الحكومة ستكون فور استكمال الترتيبات الجارية، التي يسعى من خلالها إلى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض وليس مجرد حضور شكلي.

ونوّه البيان بنتائج اللقاء «المثمر والمشجع» الذي عقده رئيس الوزراء مع صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي، وأشار إلى ما تبديه المملكة من حرص على دعم اليمن في مختلف الظروف والأحوال، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة.

ووفق المصدر الحكومي، فإن رئيس الوزراء يجري اتصالات ولقاءات مستمرة مع شركاء اليمن، وفي المقدمة دول تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات، والدول والمنظمات المانحة، لحشد الدعم المالي والاقتصادي العاجل لوقف تراجع سعر صرف العملة الوطنية، وضمان انتظام صرف المرتبات، ومعالجة أزمة الكهرباء، وتخفيف الأعباء المعيشية الزائدة على كاهل المواطنين، خصوصاً مع قرب حلول عيد الأضحى المبارك.

وفي حين أعاد المسؤول الحكومي اليمني التأكيد على تفهم رئيس الوزراء «تماماً» لمعاناة السكان، قال إن صمته في الأيام الماضية لم يكن تجاهلاً لنداءاتهم، بل هو انشغال مكثف لإيجاد حلول حقيقية وجذرية لمعاناتهم، بعيداً عن الخطابات الإعلامية أو الظهور الشكلي.

ووعد المصدر بأن تشهد الأيام المقبلة تحولات في عدد من الملفات، وجزم بأنه لن يرضى بالعودة إلى عدن دون أن يحمل معه بشائر الانفراجة، وعلى رأسها صرف المرتبات، وتحسين وضع الكهرباء، واستقرار العملة.

وأكد المصدر الحكومي الثقة في وقوف الأشقاء والأصدقاء والشركاء من الدول والمنظمات المانحة، مع الحكومة والشعب اليمني في هذا الظرف الاستثنائي، والتدخل العاجل للمساهمة في إنقاذ الريال اليمني، الذي يهدد بانهيار اقتصادي شامل، ومجاعة كارثية ستكون تبعاتها خطيرة.


مقالات ذات صلة

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

العالم العربي معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد لمصلحة مشروعها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تُقوّض وحدة القرار السيادي، وتخدم مشروع إيران.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية اليوم الجمعة أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

بدأ الحوثيون في الأيام الأخيرة الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتهم المقبلة في وقت أبدت فيه قيادة الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الجماعة

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي وزير الخارجية اليمني مجتمعاً في عدن مع مسؤول أممي (إعلام حكومي)

اليمن يعزز التنسيق مع المنظمات الدولية ويحذر من تجاوز أنظمة الاستيراد

اليمن يعزز تنسيقه مع المنظمات الأممية في مجالات الإغاثة والزراعة والحكومة تحذر من التفاف بعض التجار على أنظمة الاستيراد وتشدد على الالتزام بالآليات

«الشرق الأوسط» (عدن)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».