«المركزي» اليمني يحاول السيطرة على تهاوي العملة المحلية

تحذيرات من مخاطر منع تداول العملة الأجنبية

البنك المركزي اليمني يواصل مزاداته لبيع العملات الأجنبية بأقل من أسعار السوق (رويترز)
البنك المركزي اليمني يواصل مزاداته لبيع العملات الأجنبية بأقل من أسعار السوق (رويترز)
TT

«المركزي» اليمني يحاول السيطرة على تهاوي العملة المحلية

البنك المركزي اليمني يواصل مزاداته لبيع العملات الأجنبية بأقل من أسعار السوق (رويترز)
البنك المركزي اليمني يواصل مزاداته لبيع العملات الأجنبية بأقل من أسعار السوق (رويترز)

بينما تشهد العملة اليمنية تدهوراً متسارعاً يكشف عن عجز حكومي في السيطرة على سعر الصرف والتدخل لوقفه أو الحد منه، اتخذ البنك المركزي اليمني بالتفاهم مع «جمعية الصرافين» إجراءً بوقف صرف العملات الأجنبية والتعامل بها، في إجراءٍ يرى الخبراء الاقتصاديون أنه يعزز من الانهيار.

ووجهت «جمعية الصرافين» منذ أيام تعميماً، قالت إنه بناء على توجيهات صادرة من البنك المركزي اليمني، لجميع شركات الصرافة والصرافين، بوقف صرف العملات الأجنبية، سواء بالبيع أو الشراء أو أي تعاملات أخرى بها، مقابل العملة المحلية حتى إشعار آخر، مشددة على ضرورة تعاون المعنيين بالتعميم لتجنب العواقب وتحقيق المصلحة العامة.

وتسبب التعميم في ردود فعل متباينة، إلا أن أغلبها اتسمت بالرفض الشديد، محذرة من إمكانية تعميق الأزمة النقدية ومفاقمة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها السكان.

ووصفت نقابة محلية للصرافين في عدن التعميم بالخطوة الكارثية، معربة عن قلقها من تداعياتها التي تُعمق من حدة الأزمة النقدية، وتُضعِف الثقة بين المؤسسات النقدية والمجتمع؛ لما تمثله من اعتراف ضمني بحجم الفوضى في النظام النقدي، وتسلط الضوء على الفشل المؤسسي في إدارة السياسة النقدية، بحسب بيان صادر عنها.

مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

وحذّرت النقابة من حدوث فراغ رقابي يُفسح المجال أمام زيادة نشاط السوق السوداء؛ كونها المصدر الوحيد لتداول العملات الأجنبية، مع غياب الرقابة الفعالة؛ ما يُفاقم من حدة المضاربة غير المشروعة، ويمنح كبار المضاربين والمهربين فرصة لتعزيز نفوذهم، وحرمان السكان من الوصول إلى العملات بأسعار عادلة.

غياب الموارد

ينوّه بيان النقابة بأن الشركات الكبرى والبنوك المرتبطة بالجماعة الحوثية تُمارس عمليات تجارية سرية دون أي مساءلة أو رقابة، في حين تُطبق إجراءات عقابية شكلية على صغار البنوك والصرافين، كما ورد في البيان.

وكان البنك المركزي اتخذ خلال السنوات الماضية إجراءات وقرارات لمعاقبة كافة الجهات المصرفية التي تتعاون مع الجماعة الحوثية، أو تسهل أنشطتها المالية والاقتصادية.

تدهور حاد في العملة اليمنية بعد تراجع الإيرادات والمضاربات غير المشروعة (رويترز)

وفي تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» اكتفى مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني، بعد اشتراط عدم ذكر اسمه، بالتأكيد على أن هذا هو الإجراء الوحيد الذي بإمكان البنك اتخاذه حالياً في ظل عجزه عن سد العجز الحاصل في العملات الأجنبية، مرجعاً السبب في كل ذلك إلى توقف تصدير النفط والغاز.

وأضاف المصدر أن عوامل مثل اختلال العملية التجارية اليمنية التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير مقابل تصدير محدود، وتراجع المساعدات الخارجية، سواء الموجهة بشكل مباشر لدعم الاقتصاد اليمني أو تلك المخصصة لأعمال الإغاثة، ساهمت في هذا التدهور.

وأعلن البنك المركزي اليمني عن فتح مزاد لبيع مبلغ 30 مليون دولار يوم الثلاثاء المقبل، بعدما أعلن سابقاً عن بيع أكثر من 8 ملايين دولار بسعر صرف 2484 ريالاً لكل دولار.

ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع وصول الريال اليمني إلى أدنى قيمة له مقابل العملات الأجنبية، بعد اقترابه من حاجز 2600 ريال لكل دولار.

حل غير مجدٍ

ذكرت مصادر محلية في العاصمة المؤقتة عدن أن عدداً من تجار الجملة اشترطوا خلال الأيام التالية لصدور التعميم، سداد الديون المستحقة لهم بالعملات الأجنبية بدلاً من العملة المحلية، وهو ما عدّته تلك المصادر تحدياً لقرار البنك المركزي من جهة، وعدم ثقة بأي إجراءات للحد من التدهور.

وتوقع الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن يؤدي قرار البنك المركزي اليمني إلى المزيد من انهيار العملة المحلية، ونشوء سوق سوداء جديدة، وارتفاع الفارق بين أسعار شراء وبيع العملات الأجنبية، مع عجز كبير للجهات الرسمية في ضبط المخالفين أو مكافحة المضاربات غير المشروعة.

خبراء اقتصاديون يحذرون من نتائج إجراءات البنك المركزي على الوضع المعيشي في اليمن (أ.ف.ب)

وأرجع السبب في تدهور العملة المحلية إلى تحول العملات الأجنبية لسلعة قائمة بذاتها في عمليات مضاربة، مما تسبب في ارتفاع الطلب عليها في مناطق سيطرة الحكومة، وفشل الرقابة الرسمية في ضبط المتلاعبين الذين تسببوا في زيادة الطلب على هذه العملات.

ووصلت أسعار بيع العملات الأجنبية في المزاد العلني الذي أعلنه البنك المركزي إلى أرقام عدّها المتابعون مؤشراً خطيراً على التدهور الحاد للعملة المحلية؛ إذ بلغت في آخر مزاد 2522 ريالاً للدولار.

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي اليمني رشيد الآنسي، أن قرار البنك المركزي هو مؤشر إلى غياب الحلول، بعد أن فشلت كافة السياسات النقدية، ومن ذلك عدم نجاحه في بيع أكثر من 30 في المائة مما عرضه من عملات أجنبية للبيع، رغم أن أسعارها كانت أقل من سعر السوق؛ ما يوحي بوجود طلب محدود عليها.

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب - أرشيفية)

وأوضح الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الطلب على العملات الأجنبية لا يشير إلى استخدامها في عمليات الاستيراد، بحكم فشل مزادات البنك لبيعها.

ونبّه إلى أن هذا سيؤدي إلى الكثير من الاختلالات وتعطيل الأعمال الخاصة بالأفراد أو الجهات، منتقداً اكتفاء البنك المركزي بتحميل الصرافين المسؤولية عن تدهور العملة المحلية، وتجاهل الأسباب الأخرى المتمثلة بالعجز في الموازنة العامة للدولة، وعدم تحسن إيرادات الحكومة، وغياب الإصلاح الاقتصادي.

ويترقب اليمنيون التطورات السياسية والاقتصادية مع مخاوف شديدة من تفاقم الوضع المعيشي جراء انهيار العملة وغياب الحلول الرسمية.


مقالات ذات صلة

ماذا يعني ضبط أكبر شحنة أسلحة إيرانية في طريقها للحوثيين؟

خاص كمية من الصواريخ المصادرة ضمن الشحنة الإيرانية التي كانت في طريقها للحوثيين (السفارة الأميركية في اليمن)

ماذا يعني ضبط أكبر شحنة أسلحة إيرانية في طريقها للحوثيين؟

ما دلالات نجاح قوات خفر السواحل اليمنية التابعة للمقاومة الوطنية في ضبط نحو 750 طناً من الأسلحة الإيرانية المتطورة كانت في طريقها إلى جماعة الحوثيين الإرهابية؟

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي صورة للسفينة المضبوطة نشرها الإعلام العسكري لقوات المقاومة الوطنية اليمنية

«صفعة بحرية» للحوثيين بعد ضبط أكبر شحنة أسلحة إيرانية

وجَّهت قوات المقاومة اليمنية «صفعة» بحرية للحوثيين بعد ضبطها شحنة أسلحة إيرانية «ضخمة»، إثر عملية وُصِفت بأنها الأكبر في تاريخ إحباط الأسلحة الإيرانية للجماعة.

جبير الأنصاري (الرياض)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في إحاطة سابقة أمام مجلس الأمن (أ.ف.ب)

اليمن يعلن إحباط خطط حوثية لاغتيال المبعوث الأممي غروندبرغ

أعلنت الحكومة اليمنية إحباطها خلال الأسابيع الأخيرة خططاً لاغتيال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عبر واحدة من أخطر الخلايا الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي بعد تشديد الإجراءات الأمنية على سواحل تعز ولحج انتقل نشاط تهريب المهاجرين شرقاً (إعلام حكومي)

السلطات اليمنية تحذر من تأثيرات تدفق المهاجرين الأفارقة

تواجه السلطات في محافظة شبوة مخاطر ازدياد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بعد أن أُغلقت السواحل الغربية لليمن أمام المهربين ما يفرض عليها تحديات أمنية وصحية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي صورة وزَّعها الحوثيون تُظهر لحظة غرق السفينة «إيترنيتي سي» في البحر الأحمر يوم 9 يوليو الحالي (رويترز)

وسط إدانات لتهديد الملاحة الدولية... مجلس الأمن يمدد مراقبة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر

صوَّت مجلس الأمن الدولي أمس (الثلاثاء) على استمرار تقديم تقارير حول الهجمات التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، من قبل الجماعة الحوثية في اليمن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )

الحوثيون يلزمون طالبات صنعاء بارتداء «الشادور الإيراني»

مسلحات حوثيات يشاركن في فعالية تعبوية بمحافظة عمران (إعلام حوثي)
مسلحات حوثيات يشاركن في فعالية تعبوية بمحافظة عمران (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يلزمون طالبات صنعاء بارتداء «الشادور الإيراني»

مسلحات حوثيات يشاركن في فعالية تعبوية بمحافظة عمران (إعلام حوثي)
مسلحات حوثيات يشاركن في فعالية تعبوية بمحافظة عمران (إعلام حوثي)

أجبرت الجماعة الحوثية طالبات مدارس في العاصمة المختطفة صنعاء على ارتداء الزي النساء الإيراني المعروف بـ«الشادور» بدلاً من الحجاب التقليدي المصاحب للزي المدرسي، بمبرر الحفاظ على «الهوية الإيمانية».

وذكرت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات في الجماعة الحوثية تدير قطاع التعليم أصدرت، منذ أيام، تعليمات تحضُّ مديرات المدارس على إلزام طالبات المراحل الابتدائية والأساسية بشراء وارتداء الزي الإيراني المعروف بـ«الشادور»، وهو نوع من اللباس الخارجي ترتديه النساء في إيران تعبيراً عن تأييدهن للثورة الخمينية.

وتوعد هؤلاء القادة مسؤولات المدارس والطالبات المخالفات لهذه التعليمات باتخاذ عقوبات بحقهن، تتضمن النقل إلى مدارس أخرى خارج العاصمة، والحرمان من دخول الامتحانات الشهرية.

وأرجعت المصادر لجوء الحوثيين إلى فرض مزيد من القيود المُشددة على الطلاب والمعلمين إلى محاولات إعاقة العملية التعليمية، بعد سنوات من حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

وأكّد ناشطون لجوء بعض القائمين على المدارس في صنعاء إلى إرغام طالبات المرحلة الابتدائية على ارتداء الجلباب الإيراني، لافتين إلى صدور توجيهات حوثية لإدارات المدارس بمنع أي طالبة لم تلتزم بالتعليمات من دخول الامتحانات الشهرية.

واشتكت طالبات في مدارس عمومية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من إلزامهن من قبل مديرات المدارس ومسؤولات أقسام الأنشطة الحوثية بشراء «الشادور» والالتزام بارتدائه يومياً.

الجماعة الحوثية فرضت على الطالبات ارتداء أزياء دخيلة على المجتمع اليمني (إعلام حوثي)

وأبدت طالبات في مدارس «زينب الكبرى» بمديرية السبعين، و«الغفران» بمديرية آزال، و«الكرار»، و«نور المصطفى» بمديرية معين، ومدرسة «حفصة الأساسية» بمديرية الوحدة، ومدرستي «الإسراء» و«نور الهدى» بمديرية الثورة بصنعاء رفضهن ارتداء الزي الإيراني المفروض عليهن من قبل الجماعة.

رفض مجتمعي

أدى هذا التوجه إلى حالة من الغليان والسخط والرفض المطلق في أوساط شريحة واسعة من السكان والتربويين خصوصاً، حيث أبدوا رفضهم لهذه الممارسات، التي تشكل، بحسب قولهم، إضافة جديدة إلى سجل الجماعة الحوثية الحافل بالانتهاكات المرتكبة في حق التعليم ومنتسبيه.

فتيات في صنعاء يشاركن بدورة ثقافية حوثية (إعلام حوثي)

وكشفت والدة إحدى الطالبات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن عدم الاستجابة لشكوى، تقدمت بها منذ أيام، إلى ما تسمى «إدارة الجمهور» التابعة لوزارة التعليم في حكومة الجماعة الحوثية غير المعترف بها، حول ما قالت إنه استهداف مكتب التعليم التابع للوزارة نفسها في صنعاء، لحقوق وحريات الطالبات، وإلزامهن بارتداء الشادور.

وأعربت عن رفضها ارتداء ابنتها، التي تدرس في الصف الثاني الابتدائي، للزي الإيراني، مؤكدة على مواصلتها ارتداء الزي المدرسي مع الحجاب التقليدي المتبع في جميع المدارس اليمنية.

وطالبت والدة الطالبة بوقف كل أشكال التدخل القسري الذي مورس ولا يزال على الفتيات الصغيرات في المدارس، لإجبارهن على اتباع نمط مُعين ذي طابع طائفي.

معلمات وطالبات يقفن أمام صورة لمؤسس الجماعة الحوثية في فناء إحدى المدارس (إكس)

وبدورها، كشفت «أسماء» وهي معلمة في مدرسة حكومية عن ممارسة مشرفات تربويات تابعات للجماعة الحوثية، العنف اللفظي والتهديد بالطرد والحرمان من التعليم بحق عشرات الطالبات، بذريعة عدم الالتزام بالتعليمات.

وعدّت محاولات فرض الزي الإيراني أو الجلباب أو أي نوع من الحجاب المتُشدد، غير المعروف في اليمن، على الطالبات الصغيرات وغيرهن، أمراً لا يخص قطاع التعليم الذي لا يمتلك الحق بذلك.

ويشكو اليمنيون من سعي الجماعة الحوثية إلى فرض طابعها ونهجها على المدارس، وإلزام المعلمين والكادر الإداري والطلاب به، وممارسة التعسفات ضدهم بغية تحويل العملية التعليمية إلى أداة للتعبئة الطائفية والتجنيد.