غارات واشنطن تجبر الحوثيين على التخفي وإعادة التموضع

عائلات يمنية هربت من صعدة مع اشتداد الضربات

ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
TT
20

غارات واشنطن تجبر الحوثيين على التخفي وإعادة التموضع

ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)

للأسبوع الثاني على التوالي، تواصل المقاتلات الأميركية شن ضرباتها الجوية على مواقع للحوثيين في اليمن، مستهدفة بشكل مكثف محافظة صعدة؛ المعقل الأبرز للجماعة، وسط تقارير عن عمليات إعادة تموضع للقيادات الحوثية ونقل معدات عسكرية إلى مواقع أعلى تحصيناً.

ووفق مصادر يمنية مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن واشنطن باتت تركز هجماتها على المواقع التي يُعتقد أن عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة، يختبئ فيها، إلى جانب مستودعات الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة.

وأكدت المصادر أن الحوثيين عمدوا منذ أشهر إلى نقل كميات ضخمة من الأسلحة وورشات التصنيع العسكري من صنعاء وعمران إلى مناطق وعرة في صعدة، خشية تعرضها للقصف.

وأفادت المعلومات بأن قيادات بارزة من الجماعة؛ بمن فيهم خبراء إيرانيون ومن «حزب الله» اللبناني، غادروا صنعاء ومدناً أخرى إلى معاقل الجماعة في صعدة، حيث توفر التضاريس الجبلية ملاذاً أفضل أماناً لهم.

أنصار للحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة لهم (أ.ب)
أنصار للحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة لهم (أ.ب)

وتؤكد المصادر أن الحوثيين حفروا شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ داخل الجبال، تُستخدم مراكز قيادة ومستودعات أسلحة ومخابئ محصنة ضد الضربات الجوية.

إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن قيادات حوثية بارزة اختفت عن الأنظار منذ بدء الضربات، ومن بينهم مهدي المشاط، رئيس ما يسمى «المجلس السياسي الأعلى». كما رصدت المصادر تحركات لقيادات أخرى نقلوا عائلاتهم إلى صعدة تحسباً لتصعيد أكبر.

ووفق المصادر، فقد فرضت الجماعة إجراءات أمنية غير مسبوقة، حيث قلّص القادة والمشرفون الحوثيون، خصوصاً القادمون من صعدة، من ظهورهم العلني وتحركاتهم، وتجنبوا حضور الاجتماعات الرسمية، بل لجأ بعضهم إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى شقق سرية أو مناطق نائية.

ومع استمرار الضربات الأميركية واتساع نطاقها، يرجح مراقبون عسكريون أن الحوثيين سيلجأون إلى استراتيجيات بديلة، مثل استخدام أنفاق تحت الأرض لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، أو إعادة نشر منظوماتهم الهجومية في مناطق أعلى تحصيناً.

وتبقى تساؤلات كثيرة مفتوحة بشأن مدى قدرة الجماعة على الصمود أمام الضربات المكثفة، وكيف ستؤثر هذه العمليات على خططها في استهداف الملاحة الدولية واستمرار تصعيدها العسكري في المنطقة.

نزوح من صعدة

وخلال الأسبوع الأخير، شنت المقاتلات الأميركية عشرات الغارات التي استهدفت مخازن أسلحة، وأنفاقاً محصنة، ومواقع عسكرية في مديريات: الصفراء، وساقين، وكتاف، وسحار، ومجز، ومدينة صعدة نفسها، ضمن حملة ترمب لتقويض قدرات الحوثيين على شن هجمات بحرية وتهديد الملاحة الدولية.

وتسببت الضربات المكثفة في نزوح واسع النطاق من مدينة صعدة ومديرياتها، وقد أفادت مصادر محلية بأن مئات العائلات غادرت منازلها خلال الأيام الأخيرة متجهة إلى محافظات حجة وعمران والجوف.

من آثار قصف أميركي استهدف الحوثيين في صعدة حيث معقل الجماعة (رويترز)
من آثار قصف أميركي استهدف الحوثيين في صعدة حيث معقل الجماعة (رويترز)

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن كثيراً من العائلات اضطرت إلى مغادرة مناطقها خشية الغارات، لكنها لم تتمكن من حمل أي ممتلكات معها بسبب ضيق الوقت، فيما لا تزال عائلات أخرى عالقة، غير قادرة على النزوح بسبب ظروفها الاقتصادية المتدهورة.

وكان الحوثيون نقلوا مطلع العام الحالي مركز الصواريخ والطائرات المسيّرة من عمران ومناطق أخرى، إلى كهوف ومواقع سرية في صعدة، وجرت العملية تحت إشراف كوادر مختصة من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، وذلك بهدف تأمين ما تبقى من ترسانتهم بعد الضربات الغربية.

وأكدت المصادر حينها أن عملية النقل جرت بسرية تامة، عبر شاحنات مدنية مموهة، وعلى دفعات متعددة، تجنباً لرصدها من قبل الطائرات الأميركية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

العالم العربي مقاتلة أميركية تناور في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى ضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

استقبل الحوثيون عيد الفطر بالمزيد من الضربات الأميركية على معقلهم في صعدة وفي ريف صنعاء، فيما هاجموا تل أبيب بصاروخ باليستي، وزعموا مهاجمة القطع الأميركية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي العقوبات الأميركية تلقي بظلالها على واردات الوقود والأغذية إلى مواني الحوثيين (إعلام محلي)

كمية الوقود في مواني سيطرة الحوثيين بأدنى المستويات

أكدت مصادر يمنية في قطاع النفط وأخرى أممية، تراجع القدرة التخزينية للمواني اليمنية الخاضعة للجماعة الحوثية إلى أدنى مستوياتها، جراء الضربات الإسرائيلية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي: استعادة صنعاء «أقرب من أي وقت مضى»

أعاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني إحياء آمال اليمنيين بهزيمة المشروع الحوثي. وقال في خطاب لمناسبة العيد: «إن استعادة صنعاء أقرب من أي وقت مضى».

«الشرق الأوسط» (عدن)
المشرق العربي أرشيفية لغارات أميركية على صنعاء (إ.ب.أ)

إعلام حوثي: 13 غارة أميركية تستهدف مواقع بمحافظة صعدة

ذكرت وسائل إعلام تابعة لجماعة الحوثي اليمنية، اليوم (السبت)، أن طائرات أميركية شنت 13 غارة على مواقع بمحافظة صعدة بشمال البلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (أ.ب)

تكتُّم حوثي على الخسائر وتكثيف أميركي للضربات

ضربت عشرات الغارات الأميركية، ليل الجمعة- السبت مواقع وثكنات محصنة ومستودعات أسلحة مفترضة للجماعة الحوثية، شملت صنعاء والجوف وصعدة.

علي ربيع (عدن)

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

حشد من الحوثيين في صنعاء استجابة لدعوة زعيمهم لاستعراض القوة (إ.ب.أ)
حشد من الحوثيين في صنعاء استجابة لدعوة زعيمهم لاستعراض القوة (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يستقبلون عيد الفطر بمزيد من الضربات الأميركية

حشد من الحوثيين في صنعاء استجابة لدعوة زعيمهم لاستعراض القوة (إ.ب.أ)
حشد من الحوثيين في صنعاء استجابة لدعوة زعيمهم لاستعراض القوة (إ.ب.أ)

استقبل الحوثيون عيد الفطر بتلقي المزيد من الضربات الأميركية على معقلهم الرئيسي في صعدة، وفي ريف صنعاء ضمن الحملة التي أمر بها الرئيس دونالد ترمب والمستمرة للأسبوع الثالث دون انقطاع، وذلك سعياً لإرغام الجماعة المدعومة من إيران على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي حين زعم الحوثيون، الأحد، أنهم واصلوا هجماتهم ضد حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها، أطلقوا صاروخاً باليستياً اعترضته إسرائيل دون أضرار، وهو العاشر منذ عودة الجماعة لهجماتها نحو تل أبيب، في 17 مارس (آذار) الحالي.

وكان ترمب أمر الجيش ببدء الحملة الواسعة ضد الحوثيين في 15 مارس (آذار)، وتوعدهم بـ«القوة المميتة» وبـ«القضاء عليهم تماماً»، في حين تزعم الجماعة أنها استأنفت هجماتها وتهديدها للملاحة نصرة للفلسطينيين في غزة، بعد انهيار اتفاق الهدنة بين حركة «حماس» وإسرائيل وعودة الأخيرة لعملياتها العسكرية في القطاع الفلسطيني المدمر.

وأفاد إعلام الجماعة الحوثية باستقبال 13 غارة على صعدة ليل السبت - الأحد، وأوضح أن 5 غارات ضربت شرقَ مدينة صعدة، وأن غارتين استهدفت منطقة بني معاذ في مديرية سحار، فيما طاولت 4 غارات منطقة آل سالم، وغارتان ضربت منطقة العصايد في مديرية كتاف.

مقاتلة أميركية تناور في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى ضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تناور في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى ضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وزعم الإعلام الحوثي أن الضربات خلفت أضراراً واسعة في الممتلكات العامة والخاصة، دون تحديد هذه الأضرار، وسط اعتقاد المراقبين أن الغارات تستهدف مخابئ الجماعة العسكرية ومستودعات الأسلحة ومراكز القيادة والسيطرة.

وفي سياق الضربات نفسها، اعترفت الجماعة باستقبال ثلاث غارات في مديرية بني مطر في ريف صنعاء الغربي، حيث استهدفت مناطق في جوار "جبل النبي شعيب"، وهي أعلى منطقة جبلية في اليمن، ويعتقد أن الجماعة تستخدمها لأغراض المراقبة وإطلاق الصواريخ.

250 غارة

مع هذه الضربات في صعدة وريف صنعاء تكون الجماعة الحوثية استقبلت في عهد ترمب نحو 250 غارة وضربة بحرية خلال 16 يوماً فقط، لتضاف إلى نحو ألف غارة وضربة استقبلتها خلال عام في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

وكانت إدارة بايدن توقفت عن ضرباتها ضد الحوثيين، بعد سريان اتفاق الهدنة في غزة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، كما توقفت الجماعة عن مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، قبل أن تعود مجدداً للتهديد بشن الهجمات تجاه السفن الإسرائيلية مع تعذُّر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة في غزة.

من آثار قصف أميركي على موقع خاضع للحوثيين في صنعاء (أ.ب)
من آثار قصف أميركي على موقع خاضع للحوثيين في صنعاء (أ.ب)

ويقول مراقبون يمنيون إن الضربات التي أمر بها ترمب تختلف عما كان عليه الحال مع إدارة بايدن، لجهة أنها لا تكتفي بالعمليات الدفاعية والاستباقية، وإنما تتخذ منحى هجومياً أكثر كثافة وشمولية لمواقع الحوثيين ومراكز قيادتهم ومخابئهم الحصينة في الجبال، مع التركيز على معقلهم الرئيسي في صنعاء الذي يُرجَّح اختباء زعيمهم فيه.

ومع هذه الضربات التي توصف بأنها الأكثر شدة واتساعاً من حيث بنك الأهداف، لم يحدد الجيش الأميركي مدة زمنية لوقفها، بينما رهنها المسؤولون في واشنطن بتوقف الحوثيين عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر، وهو أمر كما يبدو بعيد المنال مع بقاء قدرة الجماعة العسكرية على حالها، وتحولها من لاعب محلي إلى لاعب إقليمي يعوض خسارة إيران لفاعلية «حزب الله» اللبناني.

وتوعد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في آخر خطبه، باستمرار التصعيد إلى «أعلى مستوى»، وقال إن جماعته لن تتوقف عن هجماتها إلا إذا توقفت إسرائيل عن مهاجمة غزة، ورفعت الحصار عنها، وسمحت بإدخال المساعدات الإنسانية.

صاروخ عاشر بلا أضرار

أعلن المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية يحيى سريع في بيان متلفز، الأحد، استهداف مطار بن غوريون في إسرائيل بصاروخ باليتسي من نوع «ذو الفقار»، فيما أكد الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ دون أضرار.

وإذ يُعد هذا الصاروخ هو العاشر خلال نحو أسبوعين، قال المتحدث الحوثي إن أميركا فشلت في وقف الهجمات تجاه إسرائيل، رغم قيامها بشن عشرات الغارات يومياً على مواقع الجماعة.

كما زعم المتحدث الحوثي أن جماعته هاجمت (3 مرات خلال 24 ساعة) القطع الحربية الأميركية، وفي مقدمها حاملة الطائرات «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيرات، وهي مزاعم لم يؤكدها الجيش الأميركي الذي تتمركز قطعه العسكرية في شمال البحر الأحمر.

مسيرات وصواريخ وهمية نصبها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)
مسيرات وصواريخ وهمية نصبها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (أ.ف.ب)

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه «بعد انطلاق صافرات الإنذار في مناطق عدة بإسرائيل، اعترضت قوات الجو صاروخاً أُطلق من اليمن، قبل أن يعبر إلى الأراضي الإسرائيلية».

ودخل الحوثيون على خط التصعيد، بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأطلقوا نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل، دون أن يكون لها أي تأثير عسكري، باستثناء مقتل شخص واحد في 19 يونيو (حزيران) الماضي، حينما انفجرت مسيرة في إحدى الشقق بتل أبيب.

كما تبنت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى بدء هدنة غزة، مهاجمة 211 سفينة، وأدّت الهجمات إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة.

وردت إسرائيل بخمس موجات من الضربات الانتقامية ضد الحوثيين كان آخرها في 10 يناير الماضي، واستهدفت الضربات موانئ الحديدة ومستودعات الوقود ومحطات كهرباء في الحديدة وصنعاء، إضافة إلى مطار صنعاء.

الحوثيون تسببوا في مقتل نحو 350 ألف يمني خلال 10 سنوات وفق تقديرات حكومية (أ.ف.ب)
الحوثيون تسببوا في مقتل نحو 350 ألف يمني خلال 10 سنوات وفق تقديرات حكومية (أ.ف.ب)

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الجماعة الحوثية لا تساند الفلسطينيين بل تضرهم أكثر، متهمة إياها بتنفيذ أجندة إيران في المنطقة، والتهرُّب من استحقاقات السلام المتعثر.

ويرى مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الحل ليس في الضربات الأميركية لإنهاء التهديد الحوثي، وإنما في دعم القوات الحكومة على الأرض، وتمكينها من تحرير الحديدة وموانئها وصولا إلى صنعاء وصعدة لاستعادة المؤسسات وإنهاء الانقلاب على الشرعية.