في ساحة الأمويين بدمشق، طالب مئات السوريين الخميس بإرساء دولة مدنية ديمقراطية وبإشراك النساء في بناء سوريا الجديدة، في أول تحرك من نوعه منذ وصول السلطة الجديدة التي تقودها «هيئة تحرير الشام» إلى العاصمة. قرب نصب السيف الدمشقي الشهير، تجمّع رجال ونساء من أعمار مختلفة، مرددين هتافات عدة بينها: «الدين لله والوطن للجميع». وحمل بعضهم لافتات مطالبة بـ«دولة المواطنة والقانون» و«العلمانية».
وجاء في لافتة أخرى: «نريد ديمقراطية وليس دينوقراطية» (ثيوقراطية). وقال أيهم عمر همشو (48 عاماً)، وهو مصنّع أطراف اصطناعية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن موجودون هنا في حراك سلمي، حتى نحافظ على مكتسبات الثورة التي جعلتنا نقف هنا اليوم بكل حرية». وتابع: «نقبع منذ أكثر من خمسين عاماً تحت حكم الطاغية الذي عطل الحراك الحزبي والسياسي في البلد، واليوم نحاول أن ننظم أمورنا» لكي نصل إلى «دولة علمانية ومدنية وديمقراطية، وأن (نحتكم) لما تقوله صناديق الاقتراع. هذا ما نريده من دون صبغ الشعب السوري بطابع أو لون معين».
وجاء هذا التحرّك بعد أكثر من عشرة أيام من وصول ائتلاف فصائل تقوده «هيئة تحرير الشام» إلى السلطة في دمشق إثر الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في أعقاب هجوم مباغت شنّته من معقلها في شمال غربي سوريا. وقبل فكّ الارتباط عن تنظيم «القاعدة»، كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف بـ«جبهة النصرة» وتتّبع فكراً متطرفاً، وهي لا تزال تصنّف «إرهابية» من قبل عدد من الدول الغربية. ويخشى سوريون كثر من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات سورية واستبعاد المرأة من العمل السياسي، رغم سعي «الهيئة» إلى طمأنة الأقليات الدينية في البلاد واعتمادها خطاباً أكثر اعتدالاً. وكرر المتظاهرون مراراً هتاف: «واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد»، في إشارة ضمنية إلى رفض التمييز أو محاولات الإقصاء. واقتصر وجود «هيئة تحرير الشام» على بضعة مقاتلين مسلحين، بعضهم مقنّع، جالوا بين المتظاهرين. وتحدث أحدهم إلى حشد حوله، معتبراً أن «الثورة السورية العظيمة انتصرت بقوة السلاح» قبل أن يقاطعه المتظاهرون بهتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر».
وبين الحشود وقف شاب وضع كوفية على كتفيه وارتدى نظارة شمسية داكنة، ورفع ورقة كُتب عليها بخط اليد: «لا وطن حراً من دون نساء حرّات». وعلى بعد أمتار منه، كتب متظاهر على ورقة من الكرتون المقوى: «المساواة بين الرجل والمرأة حق شرعي وإسلامي ودولي». وقالت الممثلة رغدة الخطيب في حين كانت تقف مع أصدقائها في عداد الحشد: «لطالما كانت المرأة السورية شريكة؛ في الشارع وفي حماية المتظاهرين وفي معالجة الجرحى وفي السجون والمعتقلات»، خصوصاً خلال سنوات النزاع. وأضافت: «المرأة شريكة ولا أحد في الدنيا يمكن أن يقصيها، فما بالك بالمرأة السورية التي عانت كثيراً، وما زالت حتى اللحظة تقف على رجليها؟!». ووصفت التحرك بأنه يأتي في إطار «الضربات الاستباقية» في محاولة لقطع الطريق على إرساء نظام حكم متشدد في البلاد، معتبرة أن «الشعب الذي نزل إلى الشارع ضد نظام قاتل، مستعد أن ينزل مجدداً إلى الشارع ويكون الحكَم».
وجاءت المطالبة بحق المرأة في المشاركة في العمل السياسي بعد أيام من تصريح أدلى به المتحدث باسم الإدارة السياسية التابعة للسلطة الجديدة، عبيدة أرناؤوط، أثار انتقادات عدة. وقال أرناؤوط إن «تمثيل المرأة وزارياً أو نيابياً... أمر سابق لأوانه»، معتبراً أن للمرأة «طبيعتها البيولوجية وطبيعتها النفسية، ولها خصوصيتها وتكوينها الذي لا بد أن يتناسب مع مهام معينة». وأثار التصريح امتعاض سوريات شاركن في التجمع، بينهن الموظفة المتقاعدة ماجدة مدرس التي أكدت أن «أي موقف يسيء حالياً للمرأة سنكون له بالمرصاد ولن نقبل به». وهي نبهت في حين كانت تقف مع صديقتها إلى أن «العهد الذي سكتنا فيه انتهى»، في إشارة إلى عقود حكمت فيها عائلة الأسد سوريا بيد من حديد، وقيّدت الحريات كافة.
وبينما كان المتظاهرون يرددون هتافات رافضة للحكم الديني ومطالبة بالديمقراطية والدولة المدنية، وصلت فاطمة هاشم (29 عاماً)، وهي كاتبة مسلسلات، إلى مكان التجمع وملامح الفرح على وجهها. ورأت الشابة التي وضعت حجاباً أبيض، أن المرأة السورية «لا يجب أن تكون شريكة فحسب، بل أن تقود عملية بناء سوريا الجديدة... وتكون صوتاً رئيساً في المجتمع الجديد». ولطالما شاركت المرأة السورية في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلدها. وغالباً ما تراوحت نسبة النساء الممثلات في البرلمان والحكومات المتعاقبة بين 20 و30 في المائة.
وأثارت التصريحات الصادرة عن السلطة الجديدة قلق الباحثة الاجتماعية وداد كريدي، انطلاقاً من إيمانها بدور النساء في مرحلة ما بعد الحرب. وهي قالت بإصرار: «بينما كان الرجال يتقاتلون، نهضت المرأة بالاقتصاد وأطعمت أولادها وحافظت على أسرتها»، مضيفة: «لا يحق لأي أحد قادم إلى دمشق أن يحجّم المرأة بأي شكل».