رقعة الجوع تتسع في صنعاء... والحوثيون مستنفَرون

الجماعة متوجسة من سقوط انقلابها

طفل يمني يجمع علب البلاستيك في صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يجمع علب البلاستيك في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

رقعة الجوع تتسع في صنعاء... والحوثيون مستنفَرون

طفل يمني يجمع علب البلاستيك في صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يجمع علب البلاستيك في صنعاء (أ.ف.ب)

بينما استنفر الحوثيون قياداتهم وخطباء مساجدهم لإنكار أي علاقة لهم بإيران، والتحذير من مخاطر تكرار ما حدث في سوريا، تحدَّث سكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء عن مآسٍ يعيشها قطاع عريض منهم، جراء تنامي الفقر والبطالة، واتساع رقعة الجوع.

وذكرت مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين أرسلوا مشرفيهم وكلفوا المتعاونين معهم من زعماء القبائل بعقد اجتماعات موسعة مع السكان، وبخاصة في الأرياف؛ حيث تركزت أحاديثهم على نفي أي علاقة للجماعة بإيران، والتحذير من مخاطر تكرار ما حدث في سوريا في تلك المناطق.

الحوثيون يواصلون افتتاح المجمعات التجارية وبناء المساكن الفاخرة (إعلام محلي)

وبالمثل، أمرت الجماعة الحوثية خطباء المساجد بالتركيز على ما سمّوه مخاطر زعزعة الأمن والاستقرار، والتحذير من مخاطر الدعوة لاستنساخ ما حصل في سوريا.

وحسب المصادر، فإن أحاديث مندوبي الحوثيين كررت أحاديث قادتهم من أنهم أقوى من نظام بشار الأسد، وأنهم قادرون على التصدي ومواجهة أي تحركات، وحذَّروا من أنهم سيضربون بقوة أي محاولة أو دعوة لإسقاط نظامهم.

واقع مؤلم

المخاوف الحوثية تأتي وسط اتساع مساحة الفقر والجوع، وانتشار التسول بصورة لم تعرفها العاصمة المختطفة صنعاء عبر تاريخها؛ إذ يؤكد سكان في المدينة أنه من المستحيل على أي شخص أن يقف بسيارته في تقاطع أي شارع أو عند مطعم أو محال البقالة الكبيرة، دون أن يداهمه عدد هائل من النساء والرجال والأطفال الباحثين عن المساعدة، بعد أن سُدَّت في وجوههم سبل العيش.

ووفق رواية السكان الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الغالبية العظمى من الأطفال والنساء وكبار السن قذف بهم الجوع إلى التقاطعات ومراكز التسوق، بعد أن تخلت سلطة الحوثيين عنهم، من خلال قطع المرتبات، ومحاربة القطاع التجاري عبر فرض الضرائب والجبايات، ما أدى إلى فقدان الغالبية العظمى من السكان أعمالهم.

الحوثيون يكتفون بملاحقة الأطفال في التقاطعات وتغريمهم (إعلام حوثي)

ويشير نبيل -وهو أحد سكان صنعاء- إلى أنه بات يتجنب في كثير من الأوقات مغادرة منزله حتى لا يكون في مواجهة هذا الواقع المؤلم. ويقول إنه ما إن غادر مؤخراً منزله حتى هاله الحال؛ حيث واجه اثنين من معارفه وكان وجهاهما شاحبين؛ أحدهما كان ضابطاً بالجيش، والآخر كان موظفاً في مؤسسة حكومية، إلا أنهما -بسبب انقطاع مرتباتهما- سحقهما العوز وطحنهما الفقر.

ويضيف أنه هاله حال الضابط الذي نحل جسده، ووجهه شاحب متعب منهك، وحين سأله عما جرى له، شكا له «انقطاع المرتبات والمرض، وإصابة زوجته بمرض في القلب، وهو غير قادر على تحمل تكاليف علاجها» وزاد على ذلك وقال له إنهم «أصبحوا في وضع يبحثون فيه عما يأكلون».

وضع مأساوي

يتحدث ساكن آخر في صنعاء، اسمه توفيق، عما يسميه الوضع المأساوي بالقرب من مطاعم المدينة، ويقول إنك ما إن تقف إلى جوار أي مطعم حتى تداهمك مجموعة من النساء والأطفال، يبحثون عن أي مبلغ أو بقايا أكل. ويبيِّن أن الأمر لم يعد يقتصر على النساء والأطفال؛ بل إن هناك من الشباب من بات يتسول بعد أن أضناه الانتظار بحثاً عن عمل.

ووفق رواية الرجل، فإنه واجه أربعة من الشبان بجوار أحد المطاعم وبأيديهم أدوات عملهم، وأنهم اقتربوا منه على استحياء، وقالوا له بخجل إنهم من دون عمل ومن دون مال وجائعون، وكل ما يريدونه هو وجبة غداء. فأعطاهم ألف ريال يمني (نحو دولارين) فانطلقوا فرحين؛ حيث بات بإمكانهم الحصول على كيس من الخبز وعلبتَي «زبادي»، وهي الوجبة المفضلة لدى غالبية العمال في اليمن، بسبب تدني الدخل وانعدام فرص العمل.

الفقر دفع آلاف الأطفال اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين للعمل وترك المدارس (أ.ف.ب)

وتقول إحدى النساء التي اضطرتها الظروف للخروج إلى الشارع وبيع مسحوق الفلفل الأحمر، إنها تحرص على تسويقه للزبائن بجوار سوبر ماركت. وتؤكد أنها صنعته بيديها وتضمن جودته، ويقول أحدهم إنه حين سألها منذ متى توجد في هذا المكان، ردت بأنها حديثة عهد بالمكان، واضطرت للخروج نتيجة سوء الأوضاع المعيشية. فهي من مديرية أرحب بمحافظة صنعاء، وزوجها من مديرية خولان.

المآسي لا تتوقف عند هذه النماذج؛ لكنها تمتد إلى حالات أخرى؛ حيث تؤكد امرأة في العقد الرابع من العمر أنها خرجت إلى جوار متجر لبيع الخضراوات، بعد أن عجزت عن توفير الغذاء لأطفالها؛ لأن زوجها أصيب بإعاقة، بعد أن كان جندياً في قوات الأمن المركزي، وأصيب أثناء مواجهة تمرد الحوثيين في صعدة. وتقول إنهم قبل انقلاب الحوثيين، كان الرجل يحصل على راتب شهري يغطي احتياجاتهم؛ لكنهم الآن من دون مصدر دخل.

أكثر من 19 مليون يمني أغلبهم في مناطق سيطرة الحوثيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية (أ.ف.ب)

وفي حين تؤكد البيانات الأممية أن هناك أكثر من 17 مليون يمني بحاجة للمساعدات الغذائية، ومن بينهم 5 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، تذكر أسرة يمنية أخرى أنها عجزت عن دفع إيجار الشقة التي كانوا يعيشون بها، وانتقلوا للعيش في دكان بأطراف صنعاء، وأن الأم تقوم بعمل مخبوزات في ذلك الدكان وتذهب ابنتها لبيعها بجوار أحد المطاعم، ومن عائداتها تتم تغطية الاحتياجات الأساسية البسيطة للأسرة.

ويصف أحد السياسيين المقيمين في صنعاء الوضع بـ«البشع»، ويقول إن الجوع يفتك بالناس ولا يوجد من يحس بمعاناة المسحوقين بالفقر والمرض، بينما قادة الحوثيين مشغولون بافتتاح المراكز التجارية، وبناء الفلل الفخمة، واقتناء أحدث موديلات السيارات.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: اعترضنا ثلاث مسيرات من جهة الشرق خلال ساعة واحدة

شؤون إقليمية صاروخ ينطلق من إحدى بطاريات نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي (د.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي: اعترضنا ثلاث مسيرات من جهة الشرق خلال ساعة واحدة

أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه اعترض في غضون ساعة واحدة ثلاث طائرات من دون طيّار أطلقت من جهة الشرق، اثنتان منها على الأقل أطلقتا من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي مقاتلة من طراز «إف 15» تعمل ضمن منطقة القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

حديث حوثي عن غارات غربية استهدفت صنعاء وعمران والحديدة

أقرّ الحوثيون بتلقي خمس غارات استهدفت مواقع في صنعاء والحديدة وعمران الخميس وذلك غداة ضربات تبناها الجيش الأميركي ضد منشأتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

فجّرت ممارسات الحارس القضائي الحوثي الجديد المكلف مصادرة أموال المعارضين، خلافاً بين أجنحة الجماعة بعد أن امتدت هذه الممارسات إلى أحد وجهاء القبائل المتعاونين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (إ.ب.أ)

غروندبرغ يغادر صنعاء ويحض الحوثيين على خفض التصعيد وإطلاق المعتقلين

حض المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قادة الجماعة الحوثية في صنعاء على خفض التصعيد المحلي والإقليمي وإطلاق المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

كثّفت الجماعة الحوثية من الاعتقالات في صعدة بالتوازي مع إطلاقها سراح عدد من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي»، مقابل ضمانات بعدم القيام بأي سلوك يناهض توجهات الجماعة.

محمد ناصر (تعز)

حديث حوثي عن غارات غربية استهدفت صنعاء وعمران والحديدة

مقاتلة أميركية من طراز «إف 16» (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية من طراز «إف 16» (الجيش الأميركي)
TT

حديث حوثي عن غارات غربية استهدفت صنعاء وعمران والحديدة

مقاتلة أميركية من طراز «إف 16» (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية من طراز «إف 16» (الجيش الأميركي)

أقرّت الجماعة الحوثية بتلقي خمس غارات وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت مواقع في صنعاء والحديدة وعمران، الخميس، وذلك غداة ضربات تبناها الجيش الأميركي ضد منشأتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض خاضعتين للجماعة في عمران وصنعاء.

ولم يتحدث الجيش الأميركي على الفور بخصوص هذه الغارات، في حين لم تكشف الجماعة المدعومة من إيران عن الآثار الناجمة عنها، وسط تقديرات بأنها ضربت مستودعات للأسلحة.

وبحسب ما أورده إعلام الجماعة الحوثية ضربت غارتان منطقة جربان التابعة لمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، فيما ضربت ثلاث غارات مواقع في مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء)، إلى جانب غارة قالت الجماعة إنها استهدفت موقعاً في مديرية اللحية الساحلية التابعة لمحافظة الحديدة غرباً.

وكان الجيش الأميركي أعلن، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً، بعد يوم من مزاعم الحوثيين حول مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية، وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر.

واعترفت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، بواقع اثنتين في منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، و4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، ويضم الموقعان معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة، تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون ذلك لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

14 شهراً من التصعيد

وتشن الجماعة منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

ورداً على هذا التصعيد استقبلت الجماعة أكثر من 950 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأدى ذلك إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر (كانون الأول) 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات.

مقاتلة من طراز «إف 15» تعمل ضمن منطقة القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

كما ردّت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدّد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لـ«حركة حماس»، و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.