البنك الدولي: توقف تصدير النفط في اليمن فاقم تدهور الأمن الغذائي

الإيرادات الحكومية انخفضت بنسبة 42%

من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي لليمن بنسبة 1% هذا العام (البنك الدولي)
من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي لليمن بنسبة 1% هذا العام (البنك الدولي)
TT

البنك الدولي: توقف تصدير النفط في اليمن فاقم تدهور الأمن الغذائي

من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي لليمن بنسبة 1% هذا العام (البنك الدولي)
من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي لليمن بنسبة 1% هذا العام (البنك الدولي)

أفاد البنك الدولي بأن الحصار الذي يفرضه الحوثيون على تصدير النفط أوصل تدهور الأمن الغذائي في اليمن إلى مستويات غير مسبوقة، وأكد أن الاقتصاد في هذا البلد لا يزال يواجه تحديات متفاقمة، حيث يؤدي طول أمد الصراع، والتشرذم السياسي، وتصاعد التوترات الإقليمية، إلى دفعه إلى منزلق أزمة إنسانية واقتصادية أكثر حدة وخطورة.

وتوقع البنك في عدد الخريف من تقرير «المرصد الاقتصادي لليمن»، الذي حمل عنوان «مواجهة التحديات المتصاعدة»، أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي لليمن بنسبة 1 في المائة عام 2024، في استمرار للانخفاض، وذلك بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة عام 2023، مما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54 في المائة منذ عام 2015.

استمرار الصراع في اليمن يهدد بتعمق التشرذم (البنك الدولي)

وأكد البنك في تقريره أن الصراع دفع معظم اليمنيين إلى براثن الفقر، في حين وصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي.

ويسلط التقرير الضوء على المصاعب الاقتصادية الكبيرة بسبب استمرار الحصار الذي فرضه الحوثيون على صادرات النفط، والذي أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة المعترف بها دولياً بنسبة 42 في المائة في النصف الأول من عام 2024؛ ما منعها من تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وبيَّنَ البنك الدولي أن توقف الحكومة المعترف بها دولياً عن تصدير النفط إلى جانب الاعتماد الكبير على الواردات أدى إلى تكثيف الضغوط الخارجية؛ ما تسبب في انخفاض قيمة الريال اليمني في سوق عدن من 1619 ريالاً للدولار في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى 1917 ريالاً بنهاية أغسطس (آب).

تدهور المعيشة

منذ عام 2023، تدهورت الظروف المعيشية لغالبية اليمنيين بشكل كبير، ففي يوليو (تموز) 2024، أشارت مسوحات استقصائية هاتفية أجراها البنك الدولي إلى أن الحرمان الشديد من الغذاء زاد بأكثر من الضعف في بعض المحافظات.

وأشار التقرير إلى تفاقم التشرذم الاقتصادي بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، حيث يؤدي التفاوت في معدلات التضخم وأسعار الصرف إلى تقويض أسس الاستقرار وجهود التعافي في المستقبل.

التفاوت في أسعار الصرف في اليمن قوض أسس الاستقرار وجهود التعافي (البنك الدولي)

وذكر البنك الدولي أن التوترات الإقليمية، وخصوصاً في البحر الأحمر، أدت إلى انخفاض حركة الملاحة بأكثر من 60 في المائة عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي وقناة السويس، غير أنه نبه إلى أن هذه الاضطرابات لم تسفر بعدُ عن زيادة كبيرة في أسعار المستهلكين.

وقالت دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن: «تزداد حدة التحديات الاقتصادية والإنسانية في اليمن، إلا أن الفرصة لا تزال قائمة لتغيير هذا المسار في الهبوط؛ بتقديم الدعم المناسب. ولا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة، منها معالجة اختلالات حسابات المالية العامة والحسابات الخارجية، والتخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي، وتحقيق المزيد من الاستقرار».

وجددت دينا أبو غيدا التزام البنك الدولي بالتعاون الوثيق مع الشركاء لدعم جهود التعافي وتمهيد الطريق لتحقيق مستقبل مستدام في اليمن.

مخاطر محتملة

عرض البنك الدولي في تقريره المزيد من التفاصيل عن المخاطر المحتملة على القطاع المصرفي اليمني، الذي واجه توترات متصاعدة بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، فيما يتعلق بالمراقبة التنظيمية في النصف الأول من العام. وبيَّنَ أنه في حين ساعدت جهود الوساطة الإقليمية والدولية على تخفيف بعض هذه التوترات، فإن الوضع لا يزال هشاً في البلاد.

الوساطة الإقليمية خففت بعض التوترات في اليمن لكن الوضع لا يزال هشاً (البنك الدولي)

وأوصى التقرير بتعزيز قدرة المؤسسات على الصمود، وذلك من أجل إدارة التضخم، ومواجهة تحديات المالية العامة. ويقترح التقرير أيضاً تحسين طرق التجارة، وتيسير الوصول إلى الخدمات المالية، لتخفيف الضغوط الاقتصادية، ومنع المزيد من التشرذم.

وأكد التقرير أن الآفاق الاقتصادية لليمن لعام 2025 لا تزال قاتمة، بسبب استمرار الصراع الإقليمي، والصراع الداخلي، الذي يهدد بتعميق التشرذم في البلاد، وتفاقم أزمتها على الصعيدين الاجتماعي والإنساني.

واستدرك البنك أنه إذا ما تم التوصل إلى اتفاق سلام دائم، فيمكن لمكاسب السلام المحتملة أن تحفز التعافي الاقتصادي السريع. ورأى أن من شأن ذلك تمهيد الطريق أمام حصول اليمن على المساعدات الخارجية الحيوية، وإعادة الإعمار، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحقيق استقرار البلاد واقتصادها.


مقالات ذات صلة

عشرات آلاف اليمنيين يسقطون من قوائم المساعدات الأممية

العالم العربي نقص التمويل والأزمة الاقتصادية يضاعفان من معاناة ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

عشرات آلاف اليمنيين يسقطون من قوائم المساعدات الأممية

مع تزايد الحرمان الغذائي طالب عشرات الآلاف من المستحقين للمساعدات الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية بإعادة النظر في قرار إسقاط أسمائهم من قوائم المستحقين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية يستقبل في عدن نائب المبعوث الأممي (سبأ)

سعي رئاسي يمني للحصول على دعم اقتصادي دولي

بدأ رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، الأربعاء، لقاءات في العاصمة السعودية الرياض مع الفاعلين الدوليين والإقليميين سعيا للحصول على مساندة اقتصادية.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي اعتقل الحوثيون آلاف اليمنيين بسبب احتفالاتهم بعيد الثورة (أ.ف.ب)

اتهامات للحوثيين بتشويه سمعة السجناء وانتهاك خصوصياتهم

شرعت الجماعة الحوثية في تشويه سمعة المختطفين بسجونها بخلاف التهم التي جرى اختطافهم بسببها بالتزامن مع لجوئها إلى تجنيد موظفي المنظمات للعمل بوصفهم مخبرين

وضاح الجليل (عدن)
الخليج الغارات الإسرائيلية في اليمن سببت أضراراً كبيرة بمحطتين لتوليد الكهرباء (إعلام محلي)

مسيّرة حوثية تسقط في عسقلان... ومهاجمة 3 سفن في البحرين «الأحمر» و«العربي»

يتهم مراقبون يمنيون الجماعة الحوثية بأنها وجدت في الحرب الإسرائيلية على غزة، فرصة للهروب من استحقاقات السلام مع الحكومة اليمنية.

علي ربيع (عدن)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)

بعد قرابة شهرين من إعلان الجماعة الحوثية تشكيل حكومتها غير المعترف بها، بدأت الجماعة إعادة هيكلة الجهاز الإداري لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها، عبر قرارات دمج وتقليص وصفها خبراء قانونيون بأنها لأدلجة المؤسسات و«حوثنة» الوظيفة العامة. وأصدر ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) قراراً لإنشاء ما سُمِيَ «آلية استكمال تنفيذ عملية الدمج والتحديث للهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة»، وهو القرار الذي تحفظت الجماعة على مضمونه، واكتفت بالإعلان عن تقسيمه وعدد مواده وفصوله، ويأتي ضمن ما يعرف بالتغييرات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة قبل أكثر من عام. كما صدرت قرارات وتعليمات بالبدء بإجراءات دمج مصلحتَي الضرائب والجمارك في كيان واحد، وكذلك الأمر مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وتحويل كل من مركز الدراسات والبحوث اليمني التابع لجامعة صنعاء، ومركز التطوير التربوي التابع لوزارة التربية والتعليم كياناً واحداً بمسمى «الهيئة العامة للعلوم والبحوث والابتكار».

تسعى الجماعة الحوثية إلى تعزيز قبضتها على مؤسسات الدولة المختطفة (أ.ف.ب)

وبحسب إفادة مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجماعة الحوثية تدرس دمج الكثير من المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها في مساعٍ لتقليص حجم الهيكل الإداري من جهة، وتحويل مؤسسات الدولة كيانات تابعة لقيادة الجماعة، وتعيين أتباعها في مختلف المناصب والوظائف داخلها.

وحذَّرت المصادر من وجود نوايا لدى قادة في الجماعة الحوثية لإلغاء المعاشات التقاعدية، وذلك بعد قرار دمج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالهيئة العامة للتأمينات والمعاشات. المصادر ألمحت إلى أن الهيئة والمؤسسة جرى الاستيلاء على مواردهما وأرصدتهما البنكية من قِبل الجماعة الحوثية؛ وهو ما يهدد بإفلاسهما حتى مع دمجهما في كيان واحد، وحرمان عشرات الآلاف من المستفيدين منهما من حقوقهم، إضافة إلى إدراج أسماء قتلى الجماعة في الحرب ضمن أولئك المستفيدين عنوة.

تحايل وتغول

وتعمل الجماعة الحوثية طبقاً للمصادر على إعادة تصميم هياكل الوزارات مع إقرار لوائح تقضي بحرمان الوزراء في حكومة الانقلاب من الإشراف على القطاعات والمؤسسات والهيئات الإيرادية، مثل منع وزير الشباب والرياضة من الإشراف على صندوق النشء والشباب، ومنع وزير النقل والأشغال العامة من الإشراف سوى على المراكز البحرية. وفسرت المصادر القانونية في صنعاء هذا التوجه بأن الجماعة تنوي التغول داخل مؤسسات الدولة من خلال مَن تعينهم مسؤولين على قطاعاتها الإيرادية، في حين سيتم تعيين الوزراء من انتماءات جغرافية أو سياسية أو فئوية لا ترتبط بالجماعة الحوثية عرقياً أو عقائدياً للتمويه على نهج السيطرة على الدولة ونهب مواردها.

القادة الحوثيون يتنافسون على السيطرة على المؤسسات وبناء كيانات موازية لها (إ.ب.أ)

ويرى الخبير القانوني اليمني محمد حيدر أن هذه القرارات والإجراءات لا تفتقر فقط إلى الشرعية والمشروعية لكونها صادرة عن حكومة لا يعترف بها أحد، بل وتفتقر أيضاً إلى الموضوعية والمنطق القانوني، وتأتي ضد طبيعة التطور القانوني والإداري للدولة التي يفترض أن تتوسع بنيتها ويزيد عدد قطاعاتها بمرور الوقت. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يتهم حيدر، وهو أحد قيادات وزارة الشؤون القانونية السابقين، الجماعة الحوثية بانتهاج سلوك رجعي يهدف إلى تخلي الدولة عن واجباتها تجاه السكان الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، وينتج من هذه الزيادة والتطورات التي تشهدها مختلف المجالات متطلبات تقتضي توسع هيكل الدولة، وإنتاج المزيد من المهام والواجبات. وينوّه إلى أن هذا السلوك الرجعي اتضح بشكل جلي عند إلغاء الجماعة لوزارة الشؤون القانونية، واستبدالها بمكتب تابع لمجلس الحكم الانقلابي يتولى مهامها نفسها؛ وهو ما يشير إلى وجود نوايا لإعادة الدولة إلى أشكال بدائية وقديمة من الهياكل التنظيمية والإدارية.

توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

وتربط المصادر بين قرارات دمج المؤسسات وما يسمى «مدونة السلوك الوظيفي» التي أعلنت الجماعة الحوثية عنها قبل أكثر من عامين وأجبرت الموظفين العموميين على التوقيع عليها، والالتزام بما فيها من مقررات ملزمة لهم بالتبعية للجماعة وموالاتها.

توسيع دائرة الفساد

ومنذ قرابة الشهر تعمل الجماعة الحوثية على إجراء تعديلات لأحكام قانون السلطة القضائية، بإجراءات مخالفة لما هو متعارف عليه دستورياً وقانونياً عند تعديل القوانين واللوائح، إلى جانب تنفيذ حركة تعيينات لعدد من القضاة الموالين لها، وإزاحة من ليس محسوباً عليها، تحت مسمى «الإصلاحات ومواجهة القصور». وأوضح حيدر، وهو ممن أبعدتهم الجماعة الحوثية عن مناصبهم، أن الكثير من الممارسات تؤكد بوضوح هذا النهج، بدءاً بإيقاف رواتب الموظفين العموميين، والتوقف أو التراجع عن تقديم الكثير من الخدمات، أو رفع أسعارها بشكل كبير، وممارسة الجبايات وفرض الإتاوات مقابل خدمات يفترض أنها أبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها. ولفت حيدر، إلى أن الإجراءات الحوثية ستؤدي إلى تقليص حجم الجهاز الإداري للدولة، وتوسيع مهام المسؤولين فيه؛ ما يتناقض تماماً مع مبادئ وسياسات مكافحة الفساد المتبعة حول العالم، ومع مع تقرّه الدساتير والقوانين واللوائح.

الجماعة الحوثية ألغت وزارة الشؤون القانونية في حكومتها الانقلابية (فيسبوك)

وأبدى أكاديميون وباحثون في مركز الدراسات والبحوث اليمني استياءهم الشديد من دمج المركز مع هيئة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وعدّوا ذلك انتقاصاً من دور المركز ومهامه، وتهميشاً لدوره، واعتداءً على تاريخه الذي يزيد على خمسة عقود. واستغرب عدد من الباحثين في المركز من أن يجري طمس وجود مركز بهذه العراقة والتاريخ بقرار اتخذته جماعة لا علاقة لها بالعلم أو البحث العلمي، ولا تهتم بتاريخ الدولة ومؤسساتها، وفق تعبير عدد منهم. وتتوقع المصادر أن يتم استغلال عمليات دمج المؤسسات لإزاحة مئات الموظفين الذين لم يثبتوا ولاءهم للجماعة، خصوصاً وأن عمليات الدمج ستتضمن إجراءات هيكلة وإعادة بناء. ويرجّح أن يتم إقصاء جميع الموظفين العموميين الذين رفضوا المشاركة في دورات ثقافية تنفذها الجماعة لنشر أفكارها، وغيرهم ممن لا يشاركون في فعالياتها ومظاهراتها واحتفالاتها.