جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

يلوذون بالمهدئات... ويُجمعون على أنها «أقسى الحروب»

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

«نعيش الخوف المتواصل كل ليلة»... بهذه العبارة تلخص اللبنانية جمال خ، ما تعيشه في منطقة عين الرمانة المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، وذلك في معرض وصف مشاعرها ومشاعر عائلتها على وقع القصف الإسرائيلي للضاحية. وعين الرمانة كما سكانها، تحمل ذكريات أليمة؛ فهي كانت منطلق الحرب الأهلية اللبنانية، ثم بقيت سنوات طويلة خط تماس مفتوحاً بين المتحاربين.

جمال لم تغادر منزلها حتى الساعة، وتصف إيقاع يومياتها قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نسارع لتأمين احتياجاتنا قبل الظهر على وقع صوت المسيّرات، ولكن اعتباراً من الثانية بعد الظهر، نلازم المنزل خوفاً من الغارات».

وتشبه حياة جمال وعائلتها يوميّات آلاف المواطنين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق المتاخمة للضاحية الجنوبية. وقد عاش أبناء هذه المناطق كل الحروب التي عصفت بلبنان ومآسيها، ويعيشون اليوم حرباً جديدة قد لا يكون لها تأثير مباشر عليهم لجهة التدمير، إنما لها كل التأثيرات الأخرى للحروب من خوف وقلق، وسماع دوي القصف والغارات التي تتركز خلال ساعات الليل.

أيام صعبة

وعاشت الضاحية عشرة أيام صعبة خلال الأسبوعين الماضيين، وكانت تتلقى كل ليلة تهديدات وطلبات لإخلاء الأبنية، كما نفذت فيها إسرائيل اغتيالات، استهدف أحدها أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، واستهدف آخر خليفته هاشم صفي الدين، وقياديين آخرين، منهم الشيخ نبيل قاووق الذي استهدفته غارة جوية في منطقة الشياح الموازية لعين الرمانة. لكن وتيرة قصف الضاحية تراجعت منذ يوم الخميس الماضي، حيث لم تُسجل أي غارة، رغم طلب إخلاء بعض الأبنية الصادر عن الجيش الإسرائيلي.

أطفال يلاعبون قطة في شاحنة تستخدمها عائلات نزحت من الجنوب اللبناني (إ.ب.أ)

وتقول جمال: «هذه الحرب تختلف عن حرب يوليو (تموز) 2006، والواضح أن نوع السلاح المستخدم يفوق بدرجات ما كان يستعمل في عدوان تموز»، مشيرة إلى أنه «مهما كانت المنطقة المستهدفة في الضاحية الجنوبية، فإن صوت الغارة يدوّي بشكل كبير ويُحدث هزات في زجاج الأبنية في المناطق المحيطة».

وتضيف: «في السنوات الأخيرة، اعتقدنا أننا ارتحنا من رعب الحروب، إلا أننا للأسف نعيش يومياتها، وبشكل أسوأ من كل ما مرّ على لبنان سابقاً».

تهجير جديد

وكما عين الرمانة، يعيش جيران الضاحية في مناطق الحدث وبعبدا والحازمية وفرن الشباك (تسكنها أغلبية مسيحية)، القلق نفسه.

وتقول إليز، التي تعيش في عين الرمانة وتعمل في الحدث: «لا أستطيع أن أصف الشعور الذي عشناه. بيتنا يفصله خط واحد عن منطقتي الشيّاح والضاحية. وقبل أيام شنوا غارة خلف البيت، وهذا ما شكّل رعباً لنا، خصوصاً أن والدي مريض. هربنا حاملين أحلامنا ومخاوفنا وذكرياتنا». وتضيف باكية: «إنها ليست المرة الأولى التي نتهجّر فيها، ولكن هذه المرة الجرح كبير، ونشعر وكأن العودة إلى البيت لن تكون آمنة مع كل الأحداث!».

حياة مختصرة

ويجمع سكان محيط الضاحية على أن «هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب التي مرّت بنا، ولا تقارَن حتى بحرب تموز من حيث الأصوات والخوف الذي نعيشه».

دخان بعد قصف على الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي (أ.ب)

وتقول برنا ن، التي تعيش في فرن الشبّاك: «بين الترقب والخوف، نتسمّر قبالة شاشة التلفاز. هذا مختصر يومياتنا». وتضيف: «التوتر والإرهاق من الخوف وعدم النوم يرافقنا منذ أسابيع، منذ بدء التطورات الميدانية التي تطول الضاحية».

أما زينة ع، التي تسكن في تحويطة فرن الشباك مع عائلتها المؤلّفة من طفلين، فتقول إن حياتها تم اختصارها بين الذهاب إلى العمل، والعودة بسرعة إلى البيت، «بعد أن أشتري ما ينقصنا سريعاً». وتتابع: «دائماً نحن مرتابون. نخاف الجلوس على الشرفات أو الخروج في المساء، وفي الليل نتناول الحبوب المهدئة علّنا نتمكن من النوم قليلاً، لكننا نفكر بأن وضعنا لا يزال أفضل من أهالي الضاحية الذين تهجّروا أو قُتلوا أو جُرحوا».

أقسى الحروب منذ 1975

في الحدث، يعيش إسكندر، الذي اختبر الحروب المتعاقبة على لبنان منذ عام 1975، ولم يترك بيته خلال تلك الحروب، لكنه بسبب تقدمه في السن، يعيش الآن حالة ترقّب وخوف وانتظار. ويقول: «نشاهد القصف وكأنه مسرح مفتوح أمامنا، لا سيما حين يستهدف القصف مناطق الليلكي وبرج البراجنة وحارة حريك».

ويصر إسكندر على عدم المغادرة. ورغم أن السكان لم يحصلوا على ضمانات، لكنه مطمئن إلى أنه «لا مخازن للأسلحة في المنطقة، ولا مراكز لـ(حزب الله)؛ لذلك يُفترض ألا نتعرّض لأي غارات».

أنقاض مبانٍ مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

إبادة جماعية

ويؤكد إسكندر، الذي عاصر كل الحروب التي مرّت على لبنان، أن «ما نعيشه اليوم هو نوع من أنواع الجنون؛ فهي ليست معركة بين جيشين، إنما عملية إبادة جماعية».

وعلى رغم قساوة المشهد في عام 1982 عندما دخل الإسرائيليون إلى بيروت وحاصروا بيروت الغربية وضواحيها، «فإن ما نعيشه اليوم هو أقسى بأشواط». ويقول: «ما يحصل اليوم هو حصار مفروض من البحر والجو... حصار مطلق على الضاحية ومحيطها».

ولا ينفي إسكندر أنه «حزين على وطني، وعلى أولادي الذين غادر آخرهم قبل أسبوع!»، ويضيف بحرقة: «لقد تشتّتت العائلة اللبنانية!». ويسأل: «ألا يوجد صوت في كل العالم يدعو إلى إيقاف هذا الجنون وهذا القتل وهذه المذبحة التي تحصل بحق لبنان؟!»، متمنياً أن يرتاح لبنان من الحروب «بعد هذا العمر والتجارب المقلقة». ويتابع: «ألا يستحق لبنان أن يتم التعامل معه من قبل الدول بشكل أفضل؟!».


مقالات ذات صلة

بوريل ينتقد تأخر دول الاتحاد الأوروبي في إدانة الهجمات الإسرائيلية ضد «يونيفيل»

أوروبا مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل (إ.ب.أ)

بوريل ينتقد تأخر دول الاتحاد الأوروبي في إدانة الهجمات الإسرائيلية ضد «يونيفيل»

جدد مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي دعوتهما لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (لوكسمبورغ)
المشرق العربي سيارات إسعاف وسيارات للشرطة الإسرائيلية قرب موقع قاعدة بنيامينا قرب حيفا بعد استهدافها أمس  (أ.ف.ب)

«حزب الله» يستهدف قاعدة بحرية إسرائيلية قرب حيفا بالصواريخ

أعلن «حزب الله» أن استهداف قوات إسرائيلية بقذائف المدفعية أثناء محاولة «تسلل» إلى جنوب لبنان فجر اليوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (يسار) ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (وزارة الدفاع الأميركية)

أوستن يبلغ غالانت ضرورة ضمان سلامة «اليونيفيل» والجيش اللبناني

وفي المكالمة أكد أوستن أيضا على الحاجة إلى التحول من العمليات العسكرية في لبنان إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن للمدنيين في أقرب وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي رئيس مجلس النواب نبيه بري (يمين) والمبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان أموس هوكستين في بيروت (أ.ف.ب)

بري: وقف النار لقي تجاوباً من ماكرون بخلاف بلينكن

تمسّك مجلس الوزراء اللبناني في جلسته الأخيرة بثلاثية وقف إطلاق النار في الجنوب، ونشر الجيش بمؤازرة القوات الدولية «يونيفيل» وتطبيق القرار الدولي «1701».

محمد شقير (بيروت)
العالم العربي محمد عفيف مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله»

إسرائيل تشنّ حرباً نفسية لإضعاف معنويات جمهور «حزب الله»

بعدما كان «حزب الله» يشنّ حرباً نفسية مكثّفة بوجه إسرائيل، انقلبت المعادلة في الأسابيع الماضية، وباتت تل أبيب هي التي تخوض حرباً نفسية شرسة ضد الحزب.

بولا أسطيح (بيروت)

«حزب الله» يستهدف جنوداً إسرائيليين جنوب لبنان

صورة لمنطقة الناقورة جنوب لبنان (إ.ب.أ)
صورة لمنطقة الناقورة جنوب لبنان (إ.ب.أ)
TT

«حزب الله» يستهدف جنوداً إسرائيليين جنوب لبنان

صورة لمنطقة الناقورة جنوب لبنان (إ.ب.أ)
صورة لمنطقة الناقورة جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أعلن «حزب الله» اللبناني في ثلاثة بيانات منفصلة أن عناصره استهدفوا بالصواريخ، اليوم (الخميس)، تجمعات لجنود إسرائيليين في محيط جبانة بلدة يارون في جنوب لبنان، وفي مستوطنة يرؤون.

كما استهدفوا قوة إسرائيلية في أثناء محاولتها، للمرة الثالثة، سحب الإصابات في منطقة رأس الناقورة بجنوب لبنان.

وحسب وكالة الأنباء الألمانية، كان «حزب الله» قد أعلن في بيانات منفصلة سابقة أن عناصره استهدفوا، اليوم (الخميس)، منطقة زوفولون، شمال مدينة حيفا، وجنوداً إسرائيليين في أثناء تقدمهم باتجاه منطقة الكنيسة بين بلدتَي ميس الجبل ومحيبيب في جنوب لبنان.

واستهدفت العناصر كذلك مستوطنة كريات شمونة الإسرائيلية وتجمعات لجنود إسرائيليين في محيط موقع المرج وفي بيت هلل بالصواريخ.

كما استهدفوا تجمعاً لجنود إسرائيليين في معيان باروخ، وآخر لجنود إسرائيليين في كفرجلعادي بالصواريخ. كما استهدفوا دبابة إسرائيلية في أثناء تقدمها إلى منطقة رأس الناقورة في جنوب لبنان بالصواريخ الموجهة.

يُذكر أن المناطق الحدودية في جنوب لبنان تشهد تبادلاً لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد إعلان إسرائيل الحرب على غزة، وإعلان «حزب الله» مساندتها.