قصة فلسطينيَين أفرجت عنهما إسرائيل وقُتلا بعد أشهر في الضفة الغربية

والدة وائل مشة (أ.ف.ب)
والدة وائل مشة (أ.ف.ب)
TT

قصة فلسطينيَين أفرجت عنهما إسرائيل وقُتلا بعد أشهر في الضفة الغربية

والدة وائل مشة (أ.ف.ب)
والدة وائل مشة (أ.ف.ب)

حمل شبّان وائل مشة على أكتافهم في شمال الضفة الغربية ابتهاجاً بإطلاق سراحه من سجن إسرائيلي. بعد بضعة أشهر، حُمل مجدداً على الأكتاف، لكن نحو المقبرة.

كان ذلك في شهر أغسطس (آب) عندما سارت جنازة مشة (18 عاماً) في أزقة مخيم بلاطة للاجئين بعد أن قضت غارة جوية إسرائيلية على مخيم نور شمس في شمال الضفة؛ حيث كانت القوات الإسرائيلية تنفّذ عملية ضد مجموعات فلسطينية مسلحة.

وقال الجيش الإسرائيلي إن الشاب ناشط مسلح، وكان يشكّل تهديداً لجنوده في المخيم.

ووائل مشة أحد ثلاثة فلسطينيين على الأقل اعتقلتهم إسرائيل قبل بلوغهم سن الرشد، وأفرجت عنهم خلال هدنة قصيرة في الحرب بقطاع غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قبل أن يقتلوا في عمليات عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية التي تشهد تصاعداً في العنف.

بالنسبة لإسرائيل، فإن عملياتها العسكرية المنتظمة في الضفة الغربية التي تحتلها منذ عام 1967 تعكس التهديد الأمني الذي تتعرّض له من المقاتلين الفلسطينيين.

لكن الفلسطينيين، وبينهم عائلة مشة، يرون أن إسرائيل هي التي تغذّي الإرهاب الذي تدّعي محاربته باعتقالها الشباب وقتلهم.

عندما اعتقل، كان عمر وائل 17 عاماً. وتقول والدته إنه لم توجّه له أي تهمة، وإنه تعرّض لمعاملة سيئة خلال الاعتقال دفعته وغيره من أقرانه للانتقام.

وأضافت: «اقتحموا المنزل دون سبب، ضربونا، لا أستطيع نسيان ذلك اليوم».

بعد إطلاق سراحه، تبنّى مشة «الجهاد في سبيل الله»، كما ذكر في الوصية التي تركها خلفه، وكان يتوقّع موته.

وقال لوالدته في الوصية: «عندما يأتي إليك خبر استشهادي، لا تبكي بل على العكس زغردي، هذا يوم عرسي».

في أزقة المخيم، تنتشر صور مشة وهو يمتشق السلاح، لكن والدته هنادي تقول إنها تفضّل أن تتذكر ابتسامته بصفته شاباً شخصيته قوية ومحبوباً وطموحاً، يحبّ الدراسة ولديه شغف بالتكنولوجيا.

وقالت: «كان يريد أن يصبح مبرمجاً، كان يحب تصليح الحواسيب والهواتف النقالة».

ولكن بعد خروجه من السجن كان لديه «حقد على ما رآه في الداخل وما تعرّض له».

تصعيد في الضفة الغربية

وقال والده، بلال مشة، إن تجربة الاعتقال كانت مفصلية في حياة ابنه. وأضاف بحرقة: «بعد السجن عاش وائل صدمة كبيرة جداً. ابني دخل شبلاً وخرج أسداً».

وتصاعدت التوترات في الضفة الغربية على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ نحو عام. وقُتل أكثر من 680 شخصاً على أيدي القوات الإسرائيلية أو برصاص مستوطنين في الضفة منذ بدء الحرب، وفقاً لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

وقتل من الجانب الإسرائيلي 24 شخصاً بينهم عناصر أمن في هجمات نفذها فلسطينيون في الضفة الغربية في الفترة نفسها.

وينفّذ الجيش الإسرائيلي بشكل منتظم عمليات عسكرية في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية التي استحال بعضها إلى ركام في العمليات الأخيرة.

وتتخلّل تلك العمليات اعتقالات كما حدث في نوفمبر 2022 مع وائل مشة، وشقيقه يوسف الذي لم يكن حينها يتجاوز عمره 15 عاماً.

وأفرجت إسرائيل عن يوسف بعد أيام، ونُقل وائل إلى سجن «مجدو»، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لعامين ونصف العام دون تهمة واضحة، وفق العائلة.

وفي نوفمبر، أُفرج عنه ضمن الهدنة التي استمرت أسبوعاً مفاجئاً، وأطلق خلالها سراح 240 معتقلاً فلسطينياً مقابل 105 رهائن محتجزين في قطاع غزة منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

وروى مشة بعد وصوله إلى الضفة الغربية أنه تعرّض لانتهاكات مثل محاولة إجباره على تقبيل العلم الإسرائيلي، وحرقه بأعقاب السجائر، وتعذيبه بالكهرباء والغاز.

وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن ما لا يقل عن 250 فلسطينياً تحت 18 عاماً معتقلون حالياً في إسرائيل.

ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات، حلمي الأعرج: «من الشائع والدائم أن تقدم سلطات الاحتلال على اعتقال الأطفال دون سن 18 عاماً... ولا علاقة لعمليات الاعتقال الواسعة النطاق بأي عمل مسلح».

«شيء من رائحته»

ويقول والدا وائل مشة إنهما لا يعرفان ماذا كان يفعل عندما قتل في الغارة الإسرائيلية في 15 أغسطس.

وتروي العائلة أن وائل تلقى قبل يوم من مقتله، اتصالاً من ضابط إسرائيلي قال له: «الآن حان دورك».

وتقول الأم إنه يومها «أومأ لي بيده واختفى»، قبل وقت قصير من سماع دوي القصف الذي وقع في السوق المركزي للمخيم.

في مدينة قلقيلية، تبدو أسباب مقتل طارق داود أكثر وضوحاً.

واعتقل طارق داود عندما كان مراهقاً خلال الفترة نفسها التي اعتقل فيها وائل مشة وأفرج عنه معه أيضاً.

خرج داود من السجن، وروى أنه تعرّض للضرب والتعذيب، وفق ما يقول شقيقه خالد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في باحة منزل العائلة في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية.

ويضيف: «أُجبر على الاعتراف بحيازة السلاح ومحاولة تصنيع عبوات ناسفة وخطف جندي».

ويتابع أن شقيقه قبل اعتقاله لم يكن من المجاهدين، بل كان يطمح إلى أن يصبح مهندساً أو طبيباً.

وأوضح أن الجيش الإسرائيلي حطّم كل طموحاته، وأصبح ناشطاً في كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس».

نفّذ طارق داود (18 عاماً) هجوماً بإطلاق النار على إسرائيلي قرب قرية عزون شرق قلقيلية، وردّت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار عليه وقتله، بحسب خالد والجيش الإسرائيلي.

وتحتجز إسرائيل جثمان داود.

ودفع ذلك خالد داود للقيام بزيارة قبور أصدقاء شقيقه -وبعضهم مقاتلون- الذين قتلوا في الفترة نفسها في مقبرة قلقيلية كل يوم. قائلا: «إنهم أصدقاء، مثل الأخوة، فيهم شيء من رائحته».


مقالات ذات صلة

الحرب الإسرائيلية مستمرة على جبهتي غزة والضفة

المشرق العربي طفل فلسطيني وشقيقته يبكيان أمام جثمان والدهما الذي قُتل بغارة إسرائيلية في دير البلح بوسط قطاع غزة الأربعاء (رويترز)

الحرب الإسرائيلية مستمرة على جبهتي غزة والضفة

واصلت إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية بالتوازي مع الهجوم الكبير على جبهة لبنان.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
الاقتصاد طفل فلسطيني ينظر إلى الدمار بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم مزدحم يؤوي نازحين في المواصي بقطاع غزة (أ.ب)

البنك الدولي: غزة والضفة تقتربان من السقوط الاقتصادي الحر وسط أزمة إنسانية تاريخية

تنشر صحيفة «الشرق الأوسط» أبرز ما جاء في تقرير البنك الدولي المحدث حول انعكاس الصراع على الاقتصاد الفلسطيني حيث جاء فيه أنه يقترب من السقوط الحر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي منظر عام لمستوطنة إسرائيلية في غور الأردن (رويترز)

فصائل عراقية تعلن تنفيذ هجوم على هدف في غور الأردن

قالت «المقاومة الإسلامية في العراق»، الأحد، إنها نفذت هجوماً بالطيران المسير على «هدف في غور الأردن بأراضينا المحتلة»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي آليات عسكرية إسرائيلية تشارك في اقتحام بلدة قرب جنين بالضفة الغربية (رويترز)

القوات الإسرائيلية تعتقل 20 فلسطينياً من الضفة

اعتقلت القوات الإسرائيلية، أمس (الجمعة)، واليوم (السبت)، 20 فلسطينياً على الأقل من الضفة، بينهم معتقلون محرَّرون.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)

عباس: ينبغي أن تمارس السلطة الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة بما في ذلك معبر رفح

الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
TT

عباس: ينبغي أن تمارس السلطة الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة بما في ذلك معبر رفح

الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

استحوذت حرب غزة والقضية الفلسطينية والأزمات المختلفة في عدد من البلدان العربية على حيز واسع من مجريات اليوم الثالث من أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ إذ صعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى منبرها للمطالبة بتجميد عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، ووقف تزويدها بالأسلحة، وإرغامها على تنفيذ التزاماتها وقرارات مجلس الأمن.

ودعا الرئيس الفلسطيني، الخميس، المجتمع الدولي إلى وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة؛ لمنع إراقة الدماء في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

وقال عباس من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: «أوقفوا هذه الجريمة، أوقفوها الآن، أوقفوا قتل الأطفال والنساء، أوقفوا حرب الإبادة، أوقفوا إرسال السلاح لإسرائيل».

وأضاف: «إسرائيل دمرت القطاع بالكامل تقريباً، ولم يعد صالحاً للحياة». وأوضح أمام الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً: «لا يُمكن لهذا الجنون أن يستمر. إن العالم بأسره يتحمل المسؤولية إزاء ما يجري لشعبنا».

وعرض عباس رؤية لإنهاء الحرب في غزة؛ تتضمن بسط سلطة منظمة «التحرير الفلسطينية» على جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك غزة. وطالب الرئيس الفلسطيني بأن تمارس السلطات الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة، بما في ذلك على معبر رفح، بوصفه جزءاً من خطة شاملة.

كما قال عباس إن إسرائيل «غير جديرة» بعضوية الأمم المتحدة، مشدداً على أن الدولة العبرية تحدت قرارات المنظمة الدولية ذات الصلة بالصراع.

وأضاف من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إسرائيل التي ترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة غير جديرة بعضوية هذه المنظمة الدولية»، معرباً عن أسفه لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد إعطاء دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وتابع: «يؤسفنا أن الإدارة الأميركية عطّلت 3 مرات مشاريع قرارات لمجلس الأمن تطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار باستخدامها الفيتو، وفوق ذلك زوّدتها بالأسلحة الفتّاكة التي قتلت آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وهو ما شجّع إسرائيل على مواصلة عدوانها». وخلص إلى القول «فلسطين سوف تتحرر».

وأعلنت إسرائيل، الخميس، الحصول على مساعدة عسكرية أميركية بقيمة 8.7 مليار دولار.

كذلك عرض الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رؤية لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن بسط سلطة منظمة «التحرير الفلسطينية» على جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة.

وطالب عباس بأن تمارس السلطات الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة، بما في ذلك معبر رفح، بصفته جزءاً من خطة شاملة، فالفلسطينيون يرفضون إقامة مناطق عازلة إسرائيلية، مشدداً: «لن نسمح لإسرائيل بأخذ سنتيمتر واحد من غزة».

اليمن ووكلاء إيران

من جهته، تحدّث رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، أولاً عن الوضع في بلاده، قائلاً: «إن تعافي اليمن ليس مجرد قضية وطنية، بل حاجة إقليمية وعالمية»، لأن «استقراره يعد أمراً حاسماً للحفاظ على السلام وأمن المنطقة، وطرق التجارة في البحرين الأحمر والعربي والممرات المائية المحيطة».

وأضاف: «أن الحكومة اليمنية تظل ملتزمة بنهج السلام الشامل والعادل، لكنه من الضروري في هذه الأثناء تعزيز موقفها لمواجهة أي خيارات أخرى، بالنظر إلى تصعيد الميليشيات الحوثية المتواصل على الصعيدين المحلي والإقليمي، وتهديد الملاحة الدولية، ولمنع تواصل توسع واستدامة هذا التصعيد».

ولفت إلى أن «هجمات الحوثيين المستمرة على حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة تظهر أنها تُشكل تهديداً متزايداً ليس فقط للداخل اليمني، ولكن أيضاً لاستقرار المنطقة بأكملها».

وعن الوضع في بقية الشرق الأوسط، قال العليمي: «إن الحرب الإسرائيلية الوحشية على الشعب الفلسطيني يجب أن تتوقف على الفور، لأن ذلك هو مفتاح السلام المنشود، ومدخل لرفع الغطاء عن ذرائع إيران ووكلائها لتأزيم الأوضاع في المنطقة».

وتطرق إلى الوضع في لبنان، قائلاً: «إن السبيل الوحيدة لردع العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان ستكون بموقف حازم من المجتمع الدولي، ووحدة اللبنانيين أنفسهم واستقلال قرارهم وعدم التدخل في شؤون بلدهم الداخلية، واستعادة الدولة اللبنانية لقرار السلم والحرب».

ليبيا نحو الانتخابات

وسبقه إلى المنبر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، الذي قال إن الليبيين هم الأقدر على تقرير مصيرهم من خلال «الاستفتاءات النزيهة وعقد انتخابات شاملة (...) لإنهاء أي انسداد سياسي»، مؤكداً أن «الحل السياسي الشامل في مساراته المالية والاقتصادية والأمنية، إضافة لمسار المصالحة الوطنية، هو السبيل الوحيدة لتوحيد المؤسسات وضمان الاستقرار وصولاً إلى الانتخابات، وتجديد الشرعية لجميع المؤسسات وتقرير الشعب الليبي لمصيره».

وشدد المنفي على أن ما يرتكبه «الاحتلال الإسرائيلي من جرائم إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني واللبناني يُمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية».

وشدد على أن إبعاد «شبح نشوب حرب إقليمية» في المنطقة يكون من خلال معالجة الوضع في غزة، وإيقاف «الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة» في فلسطين.