طوارئ حوثية غير معلنة لمواجهة انتفاضة شعبية محتملة

استدعاء عناصر من الجبهات وانتشار أمني غير مسبوق

عناصر حوثيون خلال استعراض في صنعاء (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون خلال استعراض في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

طوارئ حوثية غير معلنة لمواجهة انتفاضة شعبية محتملة

عناصر حوثيون خلال استعراض في صنعاء (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون خلال استعراض في صنعاء (أ.ف.ب)

تعيش ثلاث مدن يمنية واقعة تحت سيطرة الحوثيين حالة طوارئ غير معلنة عشية الذكرى الثانية والستين لثورة «26 سبتمبر (أيلول)» خشية من حدوث انتفاضة شعبية، حيث نشرت الجماعة قواتها في شوارع وأحياء هذه المدن، وأغلقت ساحة السبعين للعروض الرئيسية في جنوب صنعاء، واستمرت حملة الاعتقالات.

ومع أن الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء عادت وأعلنت احتفالها بالذكرى السنوية للثورة التي أطاحت بأسلاف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، فإنها واصلت حملة المطاردة والاعتقالات للنشطاء، وأرسلت تعزيزات من عناصر المخابرات النسائية إلى مدينة الحديدة، كما نشرت قوات كبيرة في جنوب مدينة صنعاء وفي أحياء مدينة إب.

اليمنيون في المناطق المحررة يحتفلون بذكرى الإطاحة بأسلاف الحوثيين (إعلام محلي)

وذكر سكان في صنعاء وإب والحديدة لـ«الشرق الأوسط» أن مخابرات الحوثيين واصلت حملة المداهمة والاعتقالات التي طالت المئات في المدن الثلاث لمنع الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة.

وترافقت هذه الحملة - بحسب المصادر - مع انتشار أمني غير مسبوق؛ إذ تمركزت قوات كبيرة في الشوارع ومداخل الأحياء في جنوب صنعاء والواقعة بالقرب من ميدان السبعين، وهو ساحة العروض الرئيسية في المدينة. كما أعلنت الحكومة الانقلابية تنظيم حفل لإيقاد الشعلة في ميدان التحرير، وسط المدينة، في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية.

تعزيز أمني

في مدينة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) ذكر السكان أن الحوثيين عززوا قواتهم في المدينة، ونشروا قواتهم في شوارع وأحياء المدينة، واعتقلوا النشطاء الذين دعوا للاحتفال بذكرى الثورة.

وأفادت المصادر بأن الجماعة استدعت وحدات قتالية من خطوط التماس مع القوات الحكومية في محافظتي تعز والضالع المجاورتين؛ لتعزيز قبضتها على أحياء المدينة التي باتت مركزاً لمعارضة نظام حكمها. وذكر السكان أن الاعتقالات طالت مسؤولي الأحياء والذين يتهمون بالتواطؤ مع الداعين لإحياء المناسبة.

حتى في الأرياف يلاحق الحوثيون الصحافيين ويعتقلونهم (إعلام محلي)

ورغم إجراءات القمع التي يتبعها الحوثيون مع الداعين للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم، فإن السكان استمروا في رفع الأعلام الوطنية على قمم الجبال وفي الأرياف، كما رددت المدارس الأناشيد الوطنية المكرسة للاحتفال بالمناسبة، فيما استمر النشطاء والمنظمات في إصدار بيانات التنديد والاستنكار لحملة الاعتقالات.

هذه التطورات ترافقت وتأكيد نشطاء أن الحوثيين يخططون لاستهداف النساء في صنعاء وإب، وأن اتهامات «بشعة» قد جهزت لهن بالاتفاق مع مسؤولي الأحياء والتشكيلات الأمنية النسائية المعروفة بـ«الزينبيات» والأمن الوقائي وباقي الجهات الأمنية، كما تولت هذه المجموعات مراقبة مراسلات مجموعات «واتساب» لمن يدعو للاحتفال بثورة «26 سبتمبر» واستدعائهم وسجنهم.

تنديد حكومي

قال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية، ماجد فضائل، إن القمع الذي يمارسه الحوثيون ومنع الاحتفالات بذكرى «ثورة 26 سبتمبر»، مؤشر خطير لسير الحوثيين نحو إعادة فرض نموذج من الحكم الاستبدادي الطائفي، ورأى أن التحولات الأخيرة في ممارسات الجماعة تجاه الهوية الوطنية تعكس مخاوفها من فقدان السيطرة على مناطق نفوذها.

حشود في مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) للاحتفال بذكرى الثورة (إعلام محلي)

وأكد فضائل، وهو عضو الوفد الحكومي المتعلق بملف الأسرى، أن حملات الاختطافات جزء من حملة أوسع لإسكات الأصوات التي تنادي بالقيم الجمهورية والتعددية الفكرية. وأضاف أن النظام الحوثي يعتمد على القمع والاستبداد لإسكات أي صوت يخالف توجهاته أو يهدد نفوذه.

واتهم المسؤول اليمني الجماعة الحوثية بالسعي لإزاحة المناسبات الوطنية من الذاكرة الجمعية لليمنيين؛ لأنها تُشكل تهديداً لسلطتها، مستغلة المناسبات الدينية أداةً لتحقيق أغراضها السياسية.

ورأى أن محاولة إبراز الاحتفالات الدينية على حساب الاحتفالات الوطنية يعكس توجه الحوثيين لربط السلطة الدينية بالسلطة السياسية، في محاولة لإعادة إنتاج نموذج مشابه لما كان عليه الحال قبل النظام الجمهوري.


مقالات ذات صلة

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

المشرق العربي مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تنشط شبكة حوثية لتجنيد شبان يمنيين للقتال ضمن الجيش الروسي في أوكرانيا، من خلال إغرائهم بالعمل في شركات أمن روسية برواتب مجزية وتتقاضى آلاف الدولارات عن كل شاب.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.