مصر تطالب رعاياها بمغادرة «أرض الصومال»

خبراء رجّحوا «دوراً إثيوبياً» في تصعيد التوتر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تطالب رعاياها بمغادرة «أرض الصومال»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة (الرئاسة المصرية)

توتُّر يتصاعد بين مصر و«أرض الصومال»، تعكسه تصريحات وقرارات في الآونة الأخيرة، كان آخرها دعوة مصر رعاياها لمغادرة الإقليم الصومالي «الانفصالي»، بسبب «عدم الاستقرار الأمني»، غداةَ حديث متلفز لرئيسه موسى عبدي، انتقد خلاله مصر وموقفها الرافض لانفصال الإقليم، وبعد أيام من إغلاق مكتبة مصرية رسمية هناك.

مؤشرات عدَّها خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»: «تزيد توترات تعزِّزها إثيوبيا الرافضة للوجود العسكري المصري في مقديشو» ضمن قوات حفظ السلام، فيما أكّدوا أن التصعيد لن يزيد عن سجالات من هذا النوع «إلا إذا تطورت الأمور، فسيكون اللجوء لخيارات أخرى مطروحاً من قِبل القاهرة».

وأهابت سفارة مصر في مقديشو، في بيان صحافي، الأحد، عبر صفحتها على «فيسبوك»، ونقلته وسائل إعلام حكومية، بـ«جميع الرعايا المصريين عدم السفر إلى إقليم أرض الصومال بجمهورية الصومال الفيدرالية، في ظل تأثير عدم استقرار الوضع الأمني في الإقليم على سلامتهم».

وناشدت السفارة «المصريين الموجودين في الإقليم بالمغادرة في أقرب فرصة ممكنة عبر مطار هرجيسا»، مشدّدة على أن «الوضع الأمني الحالي بالإقليم يحُدّ من القدرة على تقديم أي مساعدات قنصلية للمصريين هناك».

وحثّت السفارة «المصريين الراغبين في التردّد على أي من أقاليم جمهورية الصومال الفيدرالية على الالتزام التام بالضوابط والإجراءات التي تحدّدها السلطات المختصة بحكومة الصومال الفيدرالية».

وجاء الموقف المصري غداةَ تصريحات متفلزة لرئيس إقليم أرض الصومال غير المعترَف به دولياً، موسى عبدي، وصف خلالها موقف الحكومة المصرية بدعم وحدة وسيادة الصومال ورفض «استقلال بلاده»، بأنه «ليس عدلاً»، مؤكداً أن «المسألة داخلية بين بلاده والصومال، ولا يقبل التدخل المصري فيها».

وتمسّك عبدي بـ«إبرام مذكرة التفاهم مع إثيوبيا» التي ترفضها مقديشو والقاهرة، وأكّد أنها «تلبّي أولوية حكومته بالاعتراف باستقلالها مقابل منح أديس أبابا منفذاً بحرياً على البحر الأحمر»، مشدّداً على أن «أغلبية مواطني بلاده مع المذكرة، وأن وحدة الصومال ليست موجودة على أرض الواقع منذ استقلالها قبل عقود».

رئيس أرض الصومال موسى عبدي خلال احتفالية لقوات الشرطة (رئاسة أرض الصومال «فيسبوك»)

وكان هذا ثاني موقف لحكومة موسى عبدي، بعد نحو 10 أيام من قرارها في 12 سبتمبر (أيلول) بإغلاق المكتبة المصرية في العاصمة هرجيسا، «بسبب مخاوف أمنية خطيرة»، و«إخطار جميع الموظفين بمغادرة أراضيها خلال 72 ساعة».

وأعلن وزير خارجية حكومة أرض الصومال الانفصالي عيسى كايد، في بيان صحافي وقتها، أن الإغلاق «نهائي»، مؤكّداً «الانتهاء من صياغة مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق القانوني الرسمي بات وشيكاً»، وحذّر من أن الوجود المصري في مقديشو «قد يساهم في تصعيد الصراعات بالوكالة في المنطقة».

وتدعم مصر وجامعة الدول العربية، الصومالَ في رفض توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، وعدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

ولم تسفر مبادرة للوساطة دعت لها تركيا بين الصومال وإثيوبيا عن حلول بشأن مذكرة التفاهم، بعد استضافة أنقرة لجولتين من المفاوضات بين البلدين لحل الخلاف.

وأواخر أغسطس (آب) الماضي، أعلن سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، في بيان صحافي، «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام ببعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، التي من المقرّر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية (ATMIS) بحلول يناير 2025».

وإضافةً للتوتر مع مصر بسبب ملف «سد النهضة» الإثيوبي، انتقد متحدث الخارجية الإثيوبية، نبيو تاديلي، في بيان صحافي وقتها، ما وصفه بـ«التدخلات الخارجية» في الصومال، مؤكداً أن بلاده «لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي».

وأدانت الخارجية الصومالية في بيان صحافي، السبت، «وصول شحنة أسلحة وذخيرة غير مصرَّح بها وقادمة من الحدود الإثيوبية إلى إقليم بونتلاند (يحاول الانفصال عن الصومال)»، مؤكدة أن ذلك «يشكّل خطراً جسيماً على السلام في القرن الأفريقي، وينسف الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة»، وطالبت أديس أبابا بالتوقف عن ذلك.

ويرى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، أن «إثيوبيا تتخذ خطوات لزعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي، بإجراءات أحادية، سواءً بتوقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي يهدّد سيادة ووحدة الصومال، أو بدعم تحركات تمرد جديدة».

وموقف مصر الجديد بدعوة رعاياها للمغادرة يأتي «في ضوء تصريحات رئيس الإقليم الانفصالي تجاه مصر، وإغلاق مكتبتها بشكل نهائي»، وفق حليمة الذي لم يستبعد دوراً إثيوبياً في ذلك التصعيد.

وباعتقاد حليمة، فإن موقف مصر دائماً مع سيادة الدول والقرارات الدولية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتخلّف عن دعم سيادة الصومال، ولن تقبل بالانجرار إلى هذا «التوتر»، مؤكداً أن إثيوبيا تهدّد بذلك الأمنَ القومي الأفريقي والمصري.

وبشأن مستقبل ذلك التصعيد، يضيف حليمة: «ستلجأ مصر في النهاية حال أي تصعيد يمسّ أمنها القومي من إثيوبيا، إلى حديث وشأن آخر، في إطار المواثيق الدولية التي تكفل لها حق حماية أمنها وسيادتها».

ويتفق معه الباحث في الشأن الأفريقي، عبد القادر كاوير، مؤكداً أن «البيان المصري يؤكد على وجود توتر بين أرض الصومال التي تدعمها إثيوبيا من جهة، والقاهرة ومقديشو من جهة أخرى، وبالتالي فهو رد طبيعي في ظل تصريحات رئيس الإقليم الانفصالي وقراراته ضد الرفض المصري لإتمام مذكرة التفاهم مع إثيوبيا».

هذا التحرك المصري الجديد، وفق كاوير، يُعدّ «شعوراً من القيادة المصرية بأن إغلاق المكتبة المصرية تصعيد خطير».

ويعتقد أن البيان كاشف عن حالة التصعيد المتواصلة في الصومال، مع اتهامات من مقديشو لأديس أبابا بتمرير أسلحة لأقاليم انفصالية، «وهذا يعني مزيداً من التوتر والتصعيد في المرحلة المقبلة في ظل تعثّر وساطة تركيا».


مقالات ذات صلة

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مباحثات بين الوفد المصري برئاسة السفير إيهاب عوض والوفد التركي برئاسة السفيرة إليف أولغن بمشاركة السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شن (الخارجية المصرية)

مشاورات مصر وتركيا بشأن أفريقيا وليبيا... «مساحات تفاهم وتعاون مشترك»

مشاورات دبلوماسية مصرية - تركية بشأن الوضع بالصومال ومنطقة القرن الأفريقي وليبيا في إطار السعي للتوصل لتفاهمات وتعاون مشترك بتلك المناطق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.