نجار فلسطيني في قطاع غزة يصنع صنادل خشبية لبناته مع احتدام الحرب

يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
TT

نجار فلسطيني في قطاع غزة يصنع صنادل خشبية لبناته مع احتدام الحرب

يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)

فقدت الطفلة الفلسطينية هبة دواس (12 عاماً) حذاءها في الفوضى التي صاحبت فرارها مع أهلها من الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة.

لذلك؛ صنع لها والدها النجار صندلاً بنعال من الخشب (يشبه القبقاب) حتى تتمكن من السير بأمان وسط أطنان الأنقاض والرمال الساخنة وأسياخ المعادن الملتوية في القطاع الفلسطيني المحاصر.

وفي تقرير لـ«رويترز»، قالت هبة التي تعيش في مخيم مع عائلتها في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة وهي تمشي على الرمال الساخنة بحذائها الجديد: «كان عندنا صنادل بس كانت مقطعة كتير، ولما نزحنا صرنا نجري، وإحنا بنجري الصندل تقطع كتير، رميته وصرت أجري مع الناس إللي صاروا كانوا يجروا. ولحد لما نزلنا هانا رجلينا صارت حم (ساخنة) كتير ومع الشوب والأرض صارت ساخنة اضطرينا نشتري صنادل من الخشب».

وجاءت الفكرة إلى النجار صابر دواس (39 عاماً) بعد أن وجد أن أسعار الصنادل باهظة الثمن. والآن لم تعد ابنته مضطرة إلى السير حافية القدمين وسط أنقاض غزة.

وقال إنه كان عليه أن يصنع مقاساً لكل ابنة.

صابر دواس يصنع صندلاً بنعال من الخشب حتى تتمكن ابنته من السير بأمان وسط أطنان الأنقاض والرمال الساخنة وأسياخ المعادن الملتوية في غزة (رويترز)

طلب على الصنادل

بعد فترة وجيزة، لاحظ جيرانه قيامه بصنع صنادل خشبية فبدأوا يطلبون منه أن يصنع بعضاً منها لأطفالهم.

واستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع هذه القطع مقابل سعر رمزي، على حد قوله.

ولهذه الصنادل نعال خشبية وأحزمة مصنوعة من شريط مطاطي أو قماش. لكن التحدي يتمثل في العثور على مزيد من الخشب لأن الفلسطينيين يحتاجون إليه في طبخ الطعام وإشعال النار.

وقال دواس وهو يكشط قاعدة صندل لتنعيمها بينما تراقبه إحدى بناته الصغيرات بجانبه: «كل اشي إحنا في غزة هنا بصعوبة لما نلاقيه».

وربما يخفف صنع صنادل خشبية من ضغوط الحرب، لكن الحياة لا تزال محفوفة بالتحديات في غزة، حيث أدى الهجوم الإسرائيلي على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ويقول مسؤولون صحيون في غزة إن نحو مليوني شخص نزحوا، وفي كثير من الأحيان مراراً وتكراراً.

دواس أثناء العمل على قاعدة صندل (رويترز)

وبدأت حركة «حماس» الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عندما باغت مقاتلوها جنوب إسرائيل بهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص وأسر أكثر من 250 آخرين، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين، تعاني غزة أزمة إنسانية؛ إذ يكافح الفلسطينيون من أجل العثور على الغذاء والماء والوقود في أثناء تنقلهم ذهاباً وإياباً في القطاع بحثا عن مكان آمن يؤويهم.

وفشلت الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد محاولات عدة.

وتم إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر؛ مما أدى إلى توقف تدفق المساعدات والسلع الأساسية ومنها الأحذية.

وقال مؤمن القرا، وهو إسكافي فلسطيني يعمل في إصلاح الأحذية القديمة في سوق صغيرة بخان يونس: «بالنسبة للأحذية إذا بيظل الوضع زي هيك أسبوعين، كتيرها شهر، حتمشي الناس حافية، لأنه الخيطان بتشح وبعد شوية حتنقطع والوجوه إللي بنفصل فيها بدأت تشح برضه كمان».

وأضاف: «المعبر مسكر (مغلق)، وأغلبية الناس في الوقت هذا إللي إحنا فيه بتمشي فردة شكل وفردة شكل، وإذا ظل الوضع هيك كمان أسبوعين شهر بالكتير ومفتحش المعبر الناس حتمشي حافية وإحنا حنقعد برضه كذلك الأمر يعني لأنه الحين الوضع صعب جداً».


مقالات ذات صلة

«حماس»: مستعدون للتنفيذ الفوري لاتفاق وقف إطلاق النار دون مطالب جديدة

المشرق العربي فلسطينيون يبحثون عن مفقودين تحت أنقاض مدرسة في أعقاب غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)

«حماس»: مستعدون للتنفيذ الفوري لاتفاق وقف إطلاق النار دون مطالب جديدة

أعلنت حركة «حماس»، في بيان أمس (الأربعاء)، إن وفدها المفاوض أكد استعداد الحركة للتنفيذ «الفوري» لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم متظاهرون يسيرون في الشارع أمام معرض الدفاع الدولي للقوات البرية في ملبورن (أ.ف.ب)

احتجاجات مناهضة لحرب غزة في أستراليا تدخل يومها الثاني

دخلت احتجاجات مناهضة لحرب غزة خارج معرض للدفاع في أستراليا يومها الثاني اليوم بعد اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمحتجين أمس (الأربعاء).

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن والمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس (إ.ب.أ)

بعد مقتل أميركية بالضفة... بايدن وهاريس يدعوان لـ«محاسبة كاملة»

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس أن قتل الجيش الإسرائيلي ناشطة أميركية في الضفة الغربية «غير مقبول».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أب فلسطيني نازح يحمل جثة ابنه الذي قتل في غارة إسرائيلية على مدرسة الجاعوني التابعة للأونروا (إ.ب.أ)

مقتل 18 شخصاً في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة، مقتل 18 شخصاً على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف مسلحين كانوا هناك.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي موظف في «أونروا» يتفقد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين (إ.ب.أ)

«الأونروا» تؤكد مقتل 6 من موظفيها في قصف مدرسة بغزة

أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، مقتل ستة من موظفيها في غارتين جويتين على مدرسة في وسط قطاع غزةء.

«الشرق الأوسط» (غزة)

ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي» ترفضها دولتا المصب مصر والسودان، باعتبارها تمس حصتهما المائية التاريخية.

التحرك الإثيوبي، الذي يأتي في ظل أزمة قائمة بين البلدين تعود لنحو عقد بسبب خلافات ملف سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، اعتبره خبراء لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «استفزاز» من أديس أبابا، فيما أشاروا إلى عدة خيارات للقاهرة للرد أدناها قائم على تحركات أفريقية دولية ستشكك في صحة النصاب القانوني وتوضيح الموقف والتداعيات.

وباعتقاد الخبراء فإن الخطوة الإثيوبية «مقصودة» في ظل التصعيد مع القاهرة منذ وصول قوات مصرية للصومال أواخر الشهر الماضي، بعد توقيع اتفاق تعاون دفاعي مصري صومالي في أعقاب عقد إثيوبيا اتفاقاً بداية العام مع إقليم انفصالي عن مقديشو على البحر الأحمر يهدد سيادة ومصالح البلدين، وسط رفض مصري عربي.

وكشفت إثيوبيا، الاثنين، عن خطاب وجهته لمجلس الأمن الدولي، رداً على رسالة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مطلع الشهر الحالي، يتضمن إيداع اتفاقية «عنتيبي» المائية أمام مفوضية الاتحاد الأفريقي بهدف دخولها حيز التنفيذ، ودعوة القاهرة للتصديق عليها، مؤكداً استعداد بلاده مواصلة المفاوضات المجمَّدة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، بشأن سد النهضة.

وتضم دول حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية بين دول المنبع (منبع النهر): بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب مصر والسودان، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء سد النهضة، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.

وتعارض القاهرة والخرطوم الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يلحق أضراراً بالأمن المائي.

وحسب تقرير سابق لهيئة الاستعلامات المصرية، «هناك خلاف بين دول المنابع ودولتي المصب، بعد توقيع دول بينها إثيوبيا على الاتفاق الإطاري لمبادرة دول حوض النيل للتعاون التي انطلقت عام 1999 تحت إشراف مجلس وزراء الموارد المائية لدول وادي النيل، وتحفّظت (دولتا المصب) على هذا التوقيع خاصة (مصر) التي كانت لها ملاحظات حول المادة (14) من الاتفاق، والمتمثلة بالأمن المائي من خلال ما يعرف بالاستخدام المنصف».

وتطالب مصر بحصتها الكاملة من المياه كدولة مصب وتعارض إنشاء أي مشروع على مجرى النهر إلا بموافقتها، كما ترى أنه يحق لها الإشراف والرقابة المستمرة على تدفق المياه من المنابع حتى المصب استناداً إلى اتفاقيات سابقة، وسط نقاشات لاقت تحرك بعض دول المنبع للاتفاق على اتفاق إطار في مدينة عنتيبي في أوغندا في 14 مايو (أيار) 2010، وفق التقرير ذاته.

ولم تُعلّق مصر على خطوة إيداع اتفاقية «عنتيبي» وواصلت، الثلاثاء، مشاورات بشأن ملف نهر النيل وقضايا القرن الأفريقي، خلال محادثات بين وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وفق إفادة للخارجية المصرية.

وتنتظر مصر والسودان، قراراً من الجامعة، بدعمهما في حفظ حقوقهما المائية ورفض المساس بحصصهما التاريخية، عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، ومطلع سبتمبر (أيلول) أودعت مصر مذكرة في مجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع».

ونوّهت مذكرة مصر أمام مجلس الأمن الدولي بأن اللجنة العُليا لمياه النيل اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في أغسطس (آب) 2024، و«أكّدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة».

مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا تريد كسب الوقت» وعدم عرقلة برنامجها تجاه السد، فتقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي، في «سيناريو مماثل لمفاوضات برنامج النووي الإيراني» مع الغرب وإيران لا تزال تطور مشروعها، لافتاً إلى أن «خيارات مصر إما أن تجلس مع إثيوبيا للحوار أو تأخذ خياراً آخر عسكرياً لوقف مثل هذه المشاريع».

ويعتقد أن «الاتحاد الأفريقي مقره أديس أبابا وإثيوبيا لها نفوذ عليه، ولا أشك أن الاتحاد سيقبل رغم الرفض المصري».

المحلل السوداني المتخصص بالشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن إثيوبيا تقدمت بطلب إنشاء المفوضية «بعد وصول النصاب القانوني إلى 6 دول بعد انضمام جنوب السودان قبل شهرين ليس من بينهما دولتا المصب»، مشيراً إلى أنها تريد أن «تجعل تلك المفوضية مرجعية لمواجهات أي اتفاقيات مائية سابقة (تتمسك بها مصر)».

وحسب تورشين فإن إثيوبيا قد تستخدم نفوذها بالاتحاد لقبول تأسيس تلك المفوضية، لافتاً إلى أن خيارات مصر، وهي دولة ذات ثقل أفريقي، القيام بتحركات دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد لعدم تنفيذ ذلك.

في المقابل، ترى مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن النصاب القانوني لإنشاء المفوضية يتحقق بالثلثين وهو 7 دول وليس 6 دول عقب انضمام جنوب السودان، وبالتالي لا أساس قانوني ستقوم عليه هذه المفوضية التي يجب أن تنضم لها مصر لاعتبارات كثيرة وهذا يحتاج إلى تفهم حقوق مصر قبل أي شيء وحوار حقيقي وتعاون بناء وليست محاولات إثيوبية «استفزازية».

وستتحرك القاهرة، وفق السفيرة منى عمر، ضمن خيارات بينها خطوة استباقية لعرض الموقف المصري بشأن المفوضية ومخالفتها لقواعد القانون الدولي والحق المائي، وعدم اكتمال النصاب القانوني، وأهمية التعاون لا النزاع.

وتعتبر منى عمر أن إثيوبيا مَنْ تصعد مع مصر، وليس العكس، مؤكدة أن موقف مصر منحاز للقانون ويجب الالتزام به والتجاوب معه، لافتة إلى أن المسار الإثيوبي في سد النهضة غير مبشر، لكن مصر قادرة على حماية حقوقها وحفظ أمنها المائي.