الحوثيون يعتقلون العشرات لمنع الاحتفال بثورة «26 سبتمبر»

منع أساتذة الجامعات من تدريس مقرر «الثقافة الإسلامية»

الحوثيون يرون في إحياء النزعة الوطنية لليمنيين تهديداً لوجودهم الانقلابي (إ.ب.أ)
الحوثيون يرون في إحياء النزعة الوطنية لليمنيين تهديداً لوجودهم الانقلابي (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعتقلون العشرات لمنع الاحتفال بثورة «26 سبتمبر»

الحوثيون يرون في إحياء النزعة الوطنية لليمنيين تهديداً لوجودهم الانقلابي (إ.ب.أ)
الحوثيون يرون في إحياء النزعة الوطنية لليمنيين تهديداً لوجودهم الانقلابي (إ.ب.أ)

استبق الحوثيون انتفاضة شعبية متوقعة في الذكرى السنوية لثورة «26 سبتمبر»/أيلول التي أطاحت نظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، ونفّذوا حملة اعتقالات شملت العشرات من النشطاء في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، كما شددوا من الإجراءات الأمنية في عاصمة المحافظة التي باتت مركزاً لمناهضة حكم الجماعة.

وذكرت لـ«الشرق الأوسط» مصادر محلية وناشطون في المحافظة التي ينتمي إليها علي عبد المغني الذي يعدّ أهم قادة الثورة التي أطاحت نظام حكم الإمامة في 1962 أن الحوثيين أمروا جميع السكان بالمشاركة في احتفالات طائفية تنظمها الجماعة الأسبوع الحالي.

الحوثيون أغرقوا مدينة إب بالإهمال والفوضى الأمنية لمنع أي انتفاضة ضدهم (إعلام محلي)

ومع هذه الأوامر الحوثية، أفادت المصادر بأن نشطاء وشباناً أعلنوا بصراحة رفضهم المشاركة في احتفالات الجماعة، ودعوا للاحتفال بالذكرى السنوية لثورة «26 سبتمبر»، وهي المناسبة التي يستغلها السكان في إب وفي صنعاء للتعبير عن رفضهم حكم الجماعة الحوثية والتمسك بأهداف تلك الثورة.

وبحسب المصادر، شنّ فرع جهاز الأمن والمخابرات الحوثي حملة اعتقالات طالت العشرات من المناهضين لحكمهم، وفي مقدمهم الناشط محمد الكثيري، الذي اقتيد من أمام منزله في حارة الجبانة وسط مدينة إب بعد 5 أيام من منشور له ذكر فيه أنه سيحتفل فقط بذكرى ثورة «26 سبتمبر»، كما اعتقل الحوثيون الناشط المؤيد لهم رداد الحذيفي.

وأودع المعتقلون سجن «الأمن والمخابرات» - بحسب المصادر - ومُنِعوا من التواصل مع أسرهم منذ اعتقالهم، كما لم تعرف طبيعة التهم الموجهة إليهم، في حين تم نقل بعضهم إلى صنعاء وسط مخاوف من تعرضهم للتعذيب كما حصل مع آخرين من قبل.

مديرية السدة

في مديرية السدة التابعة لمحافظة إب وهي مسقط رأس علي عبد المغني، أحد أهم رموز الثورة اليمنية، اعتقلت مخابرات الحوثيين 23 شخصاً بتهمة التحضير للاحتفال بذكرى الثورة، ورفضهم المشاركة في الاحتفالات الطائفية التي تنظمها الجماعة.

وذكر سكان في المديرية أن الحوثيين يخشون أن تحدث انتفاضة شعبية مماثلة للانتفاضة التي حدثت العام الماضي في هذه المناسبة نفسها في المديرية وفي عاصمة المحافظة (إب) والعاصمة المختطفة صنعاء؛ إذ تم آنذاك اعتقال أكثر من 1200 شاب بتهمة الاحتفال بذكرى الثورة اليمنية.

احتفالات العام الماضي بالثورة اليمنية في مديرية السدة ضاعفت من مخاوف الحوثيين (إعلام محلي)

وتأتي هذه الاعتقالات بعد أن تحولت مديرية السدة خلال السنوات الخمس الأخيرة مركزاً للاحتفال بذكرى الثورة اليمنية؛ وهو ما دفع الجماعة الحوثية إلى تعيين أحد قادتها المحليين مديراً لأمن المديرية، وهو الذي أشرف على حملة الاعتقالات بهدف استفزاز السكان وافتعال أزمة أمنية قبل نحو أسبوعين من موعد الاحتفال بالمناسبة.

وربطت المصادر بين حملة الاعتقالات الحوثية وحالة الغليان الشعبي التي تشهدها محافظة إب ضد سلطة الحوثيين، وخصوصاً الحي القديم من عاصمتها الذي تحول معقلاً للمناوئين للممارسات الطائفية ومساعي التغيير المذهبي في المحافظة السنية التي تعد ثاني محافظات البلاد من حيث عدد السكان.

وقالت المصادر إن الاعتقالات طالت حتى النشطاء الذين كانوا يعملون مع الجماعة الحوثية منذ اجتياحها إب في عام 2014، والذين أصبحوا فيما بعد من أكثر النشطاء نقداً للتوجهات الطائفية والفساد والانفلات الأمني الذي تعيشه المحافظة والتي سجلت أعلى معدلات الجرائم على مستوى البلاد.

استبعاد أساتذة جامعيين

ذكرت مصادر أكاديمية في محافظة إب أن القيادي الحوثي عبد الفتاح غلاب والمعين مشرفاً على المحافظة استبعد أساتذة الفكر الإسلامي في جامعات المحافظة من تدريس مقرر «الثقافة الإسلامية».

وأسند القيادي الحوثي هذه المهمة – بحسب المصادر - إلى عناصر في الكيان المخابراتي التابع للجماعة المسمى «الملتقى الطلابي» والذي يتولى مراقبة عمل أساتذة الجامعات وأداء الطلاب ورفع تقارير يومية بذلك والتحكم بكل الأنشطة والفعاليات التي تتم داخل الجامعات العاملة في المحافظة وكلياتها المنتشرة في عدد من المديريات.

الحي القديم في مدينة إب اليمنية تحول مركزاً لمناهضة الحوثيين (إعلام محلي)

ونقلت المصادر أن القيادي الحوثي ردّ على احتجاج الأساتذة الجامعيين بقوله إنهم غير مؤهلين لتدريس الثقافة الإسلامية الصحيحة «النابعة من الثقافة القرآنية»، في إشارة إلى التوجهات الطائفية لحركة الحوثيين والتي تطلق على توجهها اسم «المسيرة القرآنية».

ويرى سكان أن ما يصنعه الحوثيون في المدارس والجامعات داخل محافظة إب هي حرب على القيم والثوابت الوطنية، والدفع بالبلاد نحو صراعات طائفية، وتغذية التطرف؛ وهو ما يهدد بنسف السلم الاجتماعي والتعايش الذي عرفه اليمن عبر عقود من الزمن.


مقالات ذات صلة

ضربات أميركية تدمر 5 مسيّرات حوثية ومنظومتي صواريخ

العالم العربي مقاتلة «إف 18» تنطلق من حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

ضربات أميركية تدمر 5 مسيّرات حوثية ومنظومتي صواريخ

أوضحت القيادة المركزية الأميركية أن قواتها دمرت خلال الـ24 ساعة الماضية 5 طائرات مسيرة تابعة للحوثيين المدعومين من إيران ومنظومتين صاروخيتين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الجماعة الحوثية تتهم موظفي الإغاثة بالتجسس لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل (رويترز)

اليمن يدعو لمعاقبة الانقلابيين لاختطافهم الموظفين الإنسانيين

دعا معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية إلى تكثيف العقوبات الدولية على الحوثيين نتيجة استمرار اعتقالهم لموظفي الوكالات الإنسانية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء خروقهم الميدانية

تكبدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران عشرات القتلى خلال الأسابيع الستة الأخيرة إثر خروقها الميدانية المتصاعدة على خطوط التماس مع القوات الحكومية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أرشيفية - أ.ف.ب)

حديث حوثي عن غارة غربية في تعز وإسقاط «درون» في صعدة

تحدثت الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، (الثلاثاء)، عن إسقاط مسيّرة أميركية في صعدة، كما أقرّت بتلقي ضربة في محافظة تعز قرب مدرسة؛ ما أدى إلى مقتل طالبتين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي يمنيات في ريف صنعاء يشاركن في فعاليات حوثية ذات طابع تعبوي (إعلام حوثي)

ضغوط انقلابية لدفع اليمنيات للتبرع بالأموال والحلي

وسَّعت جماعة الحوثيين في الأيام الأخيرة من حجم ابتزازها المالي للتجار والسكان وصغار الباعة، وصولاً إلى استهداف النساء والفتيات اليمنيات في صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي» ترفضها دولتا المصب مصر والسودان، باعتبارها تمس حصتهما المائية التاريخية.

التحرك الإثيوبي، الذي يأتي في ظل أزمة قائمة بين البلدين تعود لنحو عقد بسبب خلافات ملف سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، اعتبره خبراء لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «استفزاز» من أديس أبابا، فيما أشاروا إلى عدة خيارات للقاهرة للرد أدناها قائم على تحركات أفريقية دولية ستشكك في صحة النصاب القانوني وتوضيح الموقف والتداعيات.

وباعتقاد الخبراء فإن الخطوة الإثيوبية «مقصودة» في ظل التصعيد مع القاهرة منذ وصول قوات مصرية للصومال أواخر الشهر الماضي، بعد توقيع اتفاق تعاون دفاعي مصري صومالي في أعقاب عقد إثيوبيا اتفاقاً بداية العام مع إقليم انفصالي عن مقديشو على البحر الأحمر يهدد سيادة ومصالح البلدين، وسط رفض مصري عربي.

وكشفت إثيوبيا، الاثنين، عن خطاب وجهته لمجلس الأمن الدولي، رداً على رسالة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مطلع الشهر الحالي، يتضمن إيداع اتفاقية «عنتيبي» المائية أمام مفوضية الاتحاد الأفريقي بهدف دخولها حيز التنفيذ، ودعوة القاهرة للتصديق عليها، مؤكداً استعداد بلاده مواصلة المفاوضات المجمَّدة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، بشأن سد النهضة.

وتضم دول حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية بين دول المنبع (منبع النهر): بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب مصر والسودان، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء سد النهضة، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.

وتعارض القاهرة والخرطوم الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يلحق أضراراً بالأمن المائي.

وحسب تقرير سابق لهيئة الاستعلامات المصرية، «هناك خلاف بين دول المنابع ودولتي المصب، بعد توقيع دول بينها إثيوبيا على الاتفاق الإطاري لمبادرة دول حوض النيل للتعاون التي انطلقت عام 1999 تحت إشراف مجلس وزراء الموارد المائية لدول وادي النيل، وتحفّظت (دولتا المصب) على هذا التوقيع خاصة (مصر) التي كانت لها ملاحظات حول المادة (14) من الاتفاق، والمتمثلة بالأمن المائي من خلال ما يعرف بالاستخدام المنصف».

وتطالب مصر بحصتها الكاملة من المياه كدولة مصب وتعارض إنشاء أي مشروع على مجرى النهر إلا بموافقتها، كما ترى أنه يحق لها الإشراف والرقابة المستمرة على تدفق المياه من المنابع حتى المصب استناداً إلى اتفاقيات سابقة، وسط نقاشات لاقت تحرك بعض دول المنبع للاتفاق على اتفاق إطار في مدينة عنتيبي في أوغندا في 14 مايو (أيار) 2010، وفق التقرير ذاته.

ولم تُعلّق مصر على خطوة إيداع اتفاقية «عنتيبي» وواصلت، الثلاثاء، مشاورات بشأن ملف نهر النيل وقضايا القرن الأفريقي، خلال محادثات بين وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وفق إفادة للخارجية المصرية.

وتنتظر مصر والسودان، قراراً من الجامعة، بدعمهما في حفظ حقوقهما المائية ورفض المساس بحصصهما التاريخية، عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، ومطلع سبتمبر (أيلول) أودعت مصر مذكرة في مجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع».

ونوّهت مذكرة مصر أمام مجلس الأمن الدولي بأن اللجنة العُليا لمياه النيل اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في أغسطس (آب) 2024، و«أكّدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة».

مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا تريد كسب الوقت» وعدم عرقلة برنامجها تجاه السد، فتقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي، في «سيناريو مماثل لمفاوضات برنامج النووي الإيراني» مع الغرب وإيران لا تزال تطور مشروعها، لافتاً إلى أن «خيارات مصر إما أن تجلس مع إثيوبيا للحوار أو تأخذ خياراً آخر عسكرياً لوقف مثل هذه المشاريع».

ويعتقد أن «الاتحاد الأفريقي مقره أديس أبابا وإثيوبيا لها نفوذ عليه، ولا أشك أن الاتحاد سيقبل رغم الرفض المصري».

المحلل السوداني المتخصص بالشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن إثيوبيا تقدمت بطلب إنشاء المفوضية «بعد وصول النصاب القانوني إلى 6 دول بعد انضمام جنوب السودان قبل شهرين ليس من بينهما دولتا المصب»، مشيراً إلى أنها تريد أن «تجعل تلك المفوضية مرجعية لمواجهات أي اتفاقيات مائية سابقة (تتمسك بها مصر)».

وحسب تورشين فإن إثيوبيا قد تستخدم نفوذها بالاتحاد لقبول تأسيس تلك المفوضية، لافتاً إلى أن خيارات مصر، وهي دولة ذات ثقل أفريقي، القيام بتحركات دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد لعدم تنفيذ ذلك.

في المقابل، ترى مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن النصاب القانوني لإنشاء المفوضية يتحقق بالثلثين وهو 7 دول وليس 6 دول عقب انضمام جنوب السودان، وبالتالي لا أساس قانوني ستقوم عليه هذه المفوضية التي يجب أن تنضم لها مصر لاعتبارات كثيرة وهذا يحتاج إلى تفهم حقوق مصر قبل أي شيء وحوار حقيقي وتعاون بناء وليست محاولات إثيوبية «استفزازية».

وستتحرك القاهرة، وفق السفيرة منى عمر، ضمن خيارات بينها خطوة استباقية لعرض الموقف المصري بشأن المفوضية ومخالفتها لقواعد القانون الدولي والحق المائي، وعدم اكتمال النصاب القانوني، وأهمية التعاون لا النزاع.

وتعتبر منى عمر أن إثيوبيا مَنْ تصعد مع مصر، وليس العكس، مؤكدة أن موقف مصر منحاز للقانون ويجب الالتزام به والتجاوب معه، لافتة إلى أن المسار الإثيوبي في سد النهضة غير مبشر، لكن مصر قادرة على حماية حقوقها وحفظ أمنها المائي.