اليمن بصدد إنشاء آلية وطنية للحد من مخاطر الكوارث

تضرّر نصف مليون شخص جرّاء الفيضانات

مياه الفيضانات تتدفق من طريق على مشارف صنعاء (رويترز)
مياه الفيضانات تتدفق من طريق على مشارف صنعاء (رويترز)
TT

اليمن بصدد إنشاء آلية وطنية للحد من مخاطر الكوارث

مياه الفيضانات تتدفق من طريق على مشارف صنعاء (رويترز)
مياه الفيضانات تتدفق من طريق على مشارف صنعاء (رويترز)

مع تأكيد الأمم المتحدة تضرّر أكثر من نصف مليون شخص من جرّاء الفيضانات التي ضربت اليمن خلال الشهرين الماضيين، بدأت الحكومة المعترف بها دولياً مناقشة مشروع إنشاء آلية وطنية للحد من مخاطر الكوارث؛ إذ تحتل البلاد المرتبة السابعة ضمن الدول الأكثر تضرراً من تطرف المناخ.

في هذا السياق، التقى على مدى ثلاثة أيام ممثلون من جانب الحكومة اليمنية والأمم المتحدة؛ لمناقشة مسودة قرار لإنشاء آلية تنسيق وطنية للحد من مخاطر الكوارث، بسبب تواتر الأخطار الطبيعية وشدتها التي يعاني منها اليمن.

نقاشات مستمرة لإنشاء كيان حكومي يمني للحد من مخاطر الكوارث (إعلام حكومي)

وكان اليمن شهد على مدى العقد الماضي موجة من الكوارث الناجمة عن أخطار طبيعية، بما في ذلك الفيضانات والجفاف والزلازل؛ مما أثر في ملايين الأشخاص، في حين نزح داخلياً ما يُقدّر بنحو 4.5 مليون شخص، بمن في ذلك مليونا طفل (14 في المائة من السكان).

ووفقاً لـ«مؤشر مخاطر تغير المناخ لعام 2024» يحتل اليمن المرتبة السابعة بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، والأقل استعداداً للصدمات المناخية. بالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة الإنسانية المتعاقبة التي تفاقمت بسبب النزاعات المسلحة تزيد من قابلية التضرر من جرّاء هذه الكوارث؛ إذ يحتاج ما يقرب من 75 في المائة من السكان حالياً إلى مساعدات إنسانية وفقاً للاتحاد الدولي لجمعيات «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر».

ورأى المشاركون في وضع المسودة أن إنشاء آلية التنسيق الوطنية للحد من مخاطر الكوارث «أمر ضروري» للتخفيف من هذه الأرقام المثيرة للقلق، وتعزيز التنسيق، والتصدي بشكل استباقي للتحديات المتعددة الأوجه التي يفرضها تقاطع الأخطار الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان في اليمن.

دوافع الإنشاء

أوضح المشاركون في وضع مسودة الآلية أن الحد من مخاطر الكوارث يشكّل تحدياً تنموياً متشابكاً يتطلّب المشاركة الفاعلة من مختلف قطاعات المجتمع ومؤسساته، للحد من تلك المخاطر ورفع مستوى الاستعداد والتأهب إلى أعلى مستوياته.

وحسب ما جاء في دوافع إنشاء هذه الآلية، فإن اليمن إحدى الدول التي اعتمدت إطار «سنداي» للحد من مخاطر الكوارث، والتزم بتنفيذه بهدف الحد من مخاطرها والخسائر في الأرواح وسبل العيش والصحة، وفي الأصول الاقتصادية والجسدية والاجتماعية والثقافية والبيئية للأفراد والشركات والمجتمعات.

الفيضانات دمّرت الأراضي الزراعية والمساكن في اليمن (إعلام محلي)

ولهذا فإن إنشاء إطار مؤسسي متعدد للإنذار المبكر والتأهب الفعال لاحتمالية حدوث الكوارث يُعدّ أمراً ضرورياً للجمع بين المعرفة والمعلومات والقدرات المؤسسية، وتسهيل اتباع نهج موحد تجاه التنمية الواعية بالمخاطر.

ووفق المقترح فإن آلية التنسيق الوطنية للحد من مخاطر الكوارث ستكون الجهاز الفني المعني بتوجيه وتطوير وتنسيق سياسات وإجراءات الحد من مخاطر الكوارث، بما فيها تلك الناجمة عن التغيرات المناخية في الجمهورية خلال مراحل الوقاية، والتأهب والاستجابة والتعافي.

وأوضح المقترح أن الآليات الوطنية لتنسيق السياسات وتوجيهها في مجال الحد من مخاطر الكوارث عادة ما تتكوّن من القطاعات والتخصصات المتعددة، مع مشاركة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وتشمل جميع أصحاب المصلحة المعنيين داخل البلاد، ولهذا سوف تتألّف الآلية الوطنية المقترحة من أصحاب المصلحة ذوي الصلة على الصعيدين الوطني والمحلي، وتحتوي على نقطة اتصال وطنية يجري تكليفها من الحكومة.

ولكي تكون لدى هذه الآليات أساس قوي في الأطر المؤسسية الوطنية، يجب -حسب المقترح- إقرار مزيد من العناصر والمسؤوليات الرئيسية من خلال القوانين والمعايير والإجراءات.

تضرّر أكثر من نصف مليون يمني من الفيضانات خلال شهرين (إعلام محلي)

وتتألّف الآلية من أعضاء رئيسيين من الوزارات المعنية والجهات المختصة في الحد من والاستجابة للكوارث، مثل الدفاع المدني، والمجموعات البحثية والاستشارية والأكاديمية التي تُعنى بالحد من مخاطر الكوارث وتُسهم بفاعلية في تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بالوقاية والتأهب والتخطيط، مثل: «المركز الوطني للأرصاد»، ومجموعات أصحاب المصلحة والشركاء خصوصاً الأمم المتحدة والجهات الداعمة.

الحد من الكوارث

يهدف الحد من مخاطر الكوارث في اليمن إلى الحيلولة دون نشوء مخاطر جديدة أو تلك القائمة وإدارة المخاطر المتبقية، وبما يُسهم في تعزيز القدرة على الصمود وتحقيق التنمية المستدامة.

وفي سبيل ذلك يرى المشروع أن إنشاء فريق وطني متخصص بإدارة مخاطر الكوارث وتغير المناخ سينسّق عمله جهاز فني وإداري يجري تعيينه من رئاسة مجلس الوزراء، لأن الحد من مخاطر الكوارث بات أولوية وطنية، ولذلك فإن الأمر يتطلّب مؤسسات وسياسات قوية ومساندة حقيقية من أصحاب المصلحة والشركاء.

يمنيون يتلقون مساعدات إنسانية في مديرية حيس جنوب الحديدة (أ.ف.ب)

ويفترض المقترح أن تتولى هذه الآلية تحديد الأخطار والتقييم الدوري لها، بما فيها الأخطار الناشئة عن تغير المناخ ورصدها، وتوثيق الخسائر بشكل منتظم، والاستفادة من العلوم والابتكارات، بما يعمّق الفهم في إدارة مخاطر الكوارث، من خلال تعزيز نظم الإنذار المبكر المتعدد الأخطار والمحافظة على النظم البيئية، بما يعزّز القدرة على الصمود والمرونة.

كما سيتولى هذا الكيان -وفق مسودة الآلية- تقييم سياسات إدارة مخاطر الكوارث وتطويرها، بما يحقق انخفاضاً ملموساً في الخسائر الناجمة عن الكوارث في الأرواح والأصول الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتوجيه خطط الاستثمارات العامة والخاصة نحو رفع قدرة مؤسسات وقطاعات الدولة والمجتمع على الصمود في وجه الكوارث وتغير المناخ، والسيطرة على المخاطر خلال مراحل الوقاية والتخفيف والتأهب والاستجابة والتعافي.

ويُلقى على عاتق هذا الكيان تعزيز إجراءات التأهب من أجل التصدي للكوارث بفاعلية وإعادة البناء بشكل أفضل خلال مرحلة التعافي، وتقديم التوصيات الخاصة بتحديث التشريعات، بما يتماشى مع الحد من مخاطر الكوارث، وتغير المناخ في سياسات وخطط جميع الوزارات والقطاعات الحيوية خلال جميع مراحل الوقاية والتأهب والاستجابة والتعافي، واعتماد إجراءات التنسيق داخل جميع القطاعات وفيما بينها، وتعزيز التعاون والشراكات مع مجموعات أصحاب المصلحة والشركاء والمؤسسات البحثية والاستشارية والمجموعات الأخرى.

من مهام الآلية

ستتولى آلية التنسيق مراجعة السياسات والتشريعات الوطنية في اليمن المتعلقة بإدارة مخاطر الكوارث وتغير المناخ، وتطوير استراتيجيات وخطط وطنية تتماشى مع التوجهات والمنهجيات العالمية والإقليمية، بما يحقق الأولويات الوطنية ويضمن رفع مستوى التأهب وتقليل مستويات الضعف.

وستعمل الآلية على دعم وتطوير منتديات تنسيق وطنية ومحلية، من أجل تعزيز سياسات وإدارة مخاطر الكوارث وتغير المناخ، بمشاركة مختلف الأطراف الفاعلة وذات العلاقة، وتوجيه وتنسيق الاستثمارات من المنظمات المانحة الإقليمية والدولية والقطاع الخاص، بما يحقق رفع جاهزية الجهات وبناء القدرات والتأهب لمواجهة الكوارث والتغيرات المناخية، والتصدي لها ومعالجة آثارها.

السيول الجارفة تسبّبت في تضرّر نصف مليون يمني خلال شهرين (إ.ب.أ)

وأوكل المشروع إلى آلية التنسيق مهمة تطوير قواعد بيانات خسائر الكوارث الوطنية، ورصد التقدم المحرز في الغايات العالمية والإبلاغ عنها، وإجراء تقييم دوري للأخطار والمخاطر، والعناصر المعرضة للخطر وقابلية التضرر، وتحديد مستويات الضعف ومكامنه، وإجراء تقييم لمستوى قدرات المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمعية المعنية بمواجهة الكوارث، بما في ذلك الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية الحالية.

كما منح الآلية حق تطوير نظم الإنذار المبكر المتعدد الأخطار والمخاطر على المستويين الوطني والمحلي، وتبني أو اعتماد خطط وبرامج التوعية والتثقيف والإعلام وتعميم مصطلحات الحد من مخاطر الكوارث على الشرائح المتنوعة وعبر الوسائل والقنوات المتوافرة، وتشجيع البحث والتقييم العلمي والتكنولوجي في إدارة مخاطر الكوارث، واعتماد نهج إدارة النظم والموارد الطبيعية والبيئية بصفته واحداً من الحلول لمواجهة مخاطر الكوارث وتغير المناخ.

بالإضافة إلى ذلك سيكون من مهام الآلية اليمنية الجديدة تشكيل اللجان الفنية المطلوبة لدراسة القضايا التي تحددها الآلية أو أمانتها الفنية وحسب الحاجة، ومتابعة تنفيذ توصيات وقرارات الآلية داخل الجهات والقطاعات التي يمثلها الأعضاء، وتزويد الآلية بالتقارير المطلوبة حول مستوى التقدم في تنفيذ إجراءات الحد من مخاطر الكوارث، وأي مهام أخرى تُوكل للآلية من خلال الأعضاء، أو ترفع لها من قبل أمانتها.


مقالات ذات صلة

السعودية تجدد حرصها على عودة السلام إلى اليمن

الخليج آسيا باعكضة تلقي كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف (البعثة السعودية)

السعودية تجدد حرصها على عودة السلام إلى اليمن

أكدت السعودية حرصها على عودة السلام إلى اليمن، ودعمها جميع الجهود الرامية لحل الأزمة، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي زيادة أسعار الخضراوات حرمت غالبية اليمنيين من وجباتهم اليومية المفضلة (إعلام محلي)

أسعار الخضراوات تثير سخط اليمنيين

أزالت الحكومة اليمنية نقاط جباية غير قانونية فيما ارتفعت أسعار الخضراوات بشكل كبير ما أثار سخط قطاع عريض من السكان الذين يعتمدون عليها في وجباتهم الرئيسية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي عناصر حوثيون استهدفوا مشروعاً استثمارياً يتبع نادياً رياضياً في إب (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يستولون على استثمارات نادٍ رياضي في إب

عادت الجماعة الحوثية لاستهداف أبرز الأندية الرياضية في محافظة إب اليمنية (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) من خلال محاولتها الاستيلاء بالقوة على ما تبقى من استثماراته

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مجسم وهمي لطائرة دون طيار من صنع الحوثيين (إ.ب.أ)

الحوثيون يصعّدون هجماتهم ضد إسرائيل دون أضرار

صعّدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجماتها باتجاه إسرائيل في الذكرى الأولى لأحداث السابع من أكتوبر 2023 دون حدوث أي أضرار.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)

«مركز إنساني» أسسه الحوثيون يشرف على «حرب السفن»

أظهر تحقيق من منظمة غير حكومية سويسرية أن الهجمات البحرية التي يشنها الحوثيون قبالة سواحل اليمن يشرف عليها مركز لتنسيق العمليات الإنسانية أسسه الانقلابيون.


«حزب الله» وافق على وقف لإطلاق النار يوم مقتل نصر الله وفق مصدر حكومي لبناني

الموقع الذي استهدفته الغارات الجوية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)
الموقع الذي استهدفته الغارات الجوية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)
TT

«حزب الله» وافق على وقف لإطلاق النار يوم مقتل نصر الله وفق مصدر حكومي لبناني

الموقع الذي استهدفته الغارات الجوية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)
الموقع الذي استهدفته الغارات الجوية على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت التي أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ب)

أفاد مصدر حكومي لبناني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، اليوم الأربعاء، بأن «حزب الله» كان أبلغ السلطات اللبنانية موافقته على وقف لإطلاق النار مع إسرائيل في اليوم الذي قتل فيه زعيمه حسن نصر الله بغارات إسرائيلية.

ومنذ مقتل نصر الله، لم تجر الحكومة «أي اتصالات مع حزب الله»، وفق المصدر الذي تحفّظ عن كشف هويته.

وقال المصدر الحكومي، إن «حزب الله أبلغ رسمياً الحكومة اللبنانية عبر رئيس البرلمان نبيه بري في 27 سبتمبر (أيلول) موافقته على المبادرة الدولية من أجل وقف إطلاق النار».

ولطالما كرّر «حزب الله» على لسان أمينه العام حسن نصر الله قبل اغتياله أن الجبهة التي فتحها مقاتلوه من جنوب لبنان ضد إسرائيل «إسناداً» لغزة، لن تتوقف قبل وقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

ودعت الولايات المتحدة وفرنسا في بيان وقعته أيضاً اليابان وقطر والسعودية والإمارات في 26 سبتمبر (أيلول)، إلى «وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية لإفساح المجال أمام الدبلوماسية».

وأبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في اليوم اللاحق في أثناء وجوده في الأمم المتحدة محاوريه الدوليين بموافقة «حزب الله».

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكّد في ذلك اليوم في خطابه بالأمم المتحدة عزم بلاده على مواصلة قصف «حزب الله» في لبنان.

وشنّت إسرائيل بعد ساعات من ذلك غارات جوية مدمّرة على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، أسفرت عن مقتل الأمين العام لـ«حزب الله» مع آخرين.

وفي موقف لافت الثلاثاء، قال نائب الأمين العام، لـ«حزب الله»، نعيم قاسم في كلمة متلفزة: «نؤيد الحراك السياسي الذي يقوم به الرئيس بري وبعنوانه الأساسي وهو وقف إطلاق النار»، من دون أن يربطه مباشرة بوقف لإطلاق النار في غزة.

ويعدّ بري الذي يرأس حركة أمل الشيعية، حليفاً وثيقاً لـ«حزب الله». وهو يقود منذ أيام مع نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حراكاً دبلوماسياً للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في لبنان بمعزل عن الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة.

وكثّفت إسرائيل غاراتها الجوية على أهداف مختلفة لـ«حزب الله» في لبنان منذ 23 سبتمبر (أيلول) تسبّبت بدمار وتهجير كبيرين، وأعلنت بدء عمليات برية عند الحدود في جنوب لبنان في 30 منه.