الصومال وخريطة التأثير والنفوذ... «كنز استراتيجي» تحيط به «التوترات»

شرطي صومالي يستعد لتفجير محكوم للألغام المستردة على مشارف مقديشو (رويترز)
شرطي صومالي يستعد لتفجير محكوم للألغام المستردة على مشارف مقديشو (رويترز)
TT

الصومال وخريطة التأثير والنفوذ... «كنز استراتيجي» تحيط به «التوترات»

شرطي صومالي يستعد لتفجير محكوم للألغام المستردة على مشارف مقديشو (رويترز)
شرطي صومالي يستعد لتفجير محكوم للألغام المستردة على مشارف مقديشو (رويترز)

بات الصومال محوراً لاهتمام وسائل الإعلام الدولية في الآونة الأخيرة، لا سيما بداية العام مع رفضه توقيع الجارة الغربية إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم انفصالي لديه، انتهاء بأنباء وصول قوات مصرية لمقديشو ضمن اتفاق دفاعي وقوات حفظ سلام، تحفظت عليه أديس أبابا التي لها خلافات مع القاهرة في الملف المائي.

وبالعودة لخريطة الصومال وموقعه الجغرافي، وتاريخه الذي تحاصره عقود من الاستعمار والحروب الأهلية، يقول خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إنه بمثابة «كنز استراتيجي» أغرى فاعلين محليين بينهم حركة «الشباب» الإرهابية، ودول جوار أفريقية وأخرى إقليمية، بتشكيل خريطة تأثير ونفوذ، متوقعين أن تتحول مقديشو وفق المتغيرات الجديدة للتواجد لساحة تجاذبات وتوترات «قد تصل لصدامات وحروب بالوكالة».

الأهمية

تأتي أهمية الصومال من موقعه الجغرافي الذي يعد «استراتيجياً وبوابة رئيسية لمنطقة القرن الأفريقي، يقع عند التقاء البحر الأحمر ومنطقة المحيط الهندي وخليج عدن ويقترب من مضيق باب المندب ملتقى آسيا وأفريقيا وله دور محوري بتسهيل طرق الشحن البحري الدولي بين أوروبا وآسيا بجانب تمتعه بساحل على مسافة 3333 كيلومتراً، يعد الأطول بأفريقيا بخلاف وفرة من الاحتياطات والموارد غير المستغلة لا سيما النفط والغاز»، وفق معلومات الخارجية الصومالية، عبر موقعها الإلكتروني.

شرطي صومالي خلال احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال في مقديشو (رويترز)

وبحسب مدير مركز شرق أفريقيا للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، عبد الله إبراهيم، فإن الصومال في «موقع جغرافي استراتيجي حاسم يوفر رابطاً بحرياً سريعاً بين المنطقة الأورومتوسطية والشرق الأوسط وشرق أفريقيا والمحيط الهندي».

وفي الوقت الحالي، فإن ما يقدر بنحو 10 في المائة من التجارة العالمية بما في ذلك أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يومياً تمر عبر شواطئ الصومال، وهذا يجعل المنطقة «مركزاً جيواستراتيجياً رئيسياً» للدول في جميع أنحاء العالم، بحسب إبراهيم.

يتفق معه الباحث في شؤون القرن الأفريقي، عبد القادر كاوير، بأن الموقع الاستراتيجي ذا الساحل الكبير للصومال وتأثيراته على التجارة العالمية والموارد الغنية غير المستغلة التي يختزنها بين غاز ونفط وذهب عززت أهمية الدولة الأفريقية وبات هناك «تطلع تواجد إقليمي ودولي للاستفادة منها».

نظام الحكم

تأسس الصومال، في يوليو (تموز) 1960، عقب نيل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، واعتمد أول دستور عام 1961، وهو عضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي، وعضو بمنظمة التعاون الإسلامي منذ 1969، وبجامعة الدول العربية منذ 1974.

نظام الحكم في الصومال، حسب إبراهيم، فيدرالي مكون من 6 ولايات وهي جوبالاند، بونتلاند، وجلمدك، وهيرشبيلى، وجنوب غربي الصومال، والعاصمة مقديشو، تدير شؤون نفسها، أما الحكومة الفيدرالية فدورها في السياسة الخارجية والنظام المالي والدفاع.

بالصومال 103 أحزاب أغلبها غير مؤثر ومبنية على القبلية وسط نظام حزبي غير مكتمل ووسط مساعٍ من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ساهمت في قصرها على 3 أحزاب فقط لتكون فاعلة.

ولا توجد أحزاب بالشكل المتعارف عليه، وفق الباحث الصومالي، محمد ابتدون، فلا مقرات ولا أنشطة إلا في فترة الانتخابات، وأبرز تلك الأحزاب حالياً، حزب السلام والتنمية الحاكم برئاسة الرئيس الحالي، وحزب هملو برئاسة الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، وحزب نبد ونلل برئاسة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو.

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مكتبه في مقديشو (رويترز)

نظام الحكم القائم في الصومال منذ 2000 برلماني معقد وفق «كاوير»، يختار فيه مندوبون من القبائل أعضاء البرلمان الذين بدورهم يختارون الرئيس لاحقاً، وهذا تم تغييره في مارس (آذار) 2024 بإجازة التحول للنظام الرئاسي بالاختيار المباشر من الناخبين، واعتماد تكوين 3 أحزاب رئيسية بالبلاد، و«سوف ننظر لأي مدى ينجح هذا النظام في تغيير الخريطة السياسية في الصومال».

إقليم انفصالي

بخلاف الولايات الست، هناك إقليم أرض الصومال الانفصالي، الممتد على ساحل خليج عدن، عاصمته هرغيسا، والذي انفصل عن الصومال في 1991 عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري، ولا يحمل أي اعتراف دولي، ولم تحسم مفاوضات في 2020 مع مقديشو أي بادرة منه للتوحد.

زاد التوتر بين مقديشو وهرغيسا في مطلع 2024 عقب توقيع الأخيرة مع إثيوبيا مذكرة تفاهم تستخدم أديس أبابا بمقتضاها أحد موانئ الإقليم المطل على البحر الأحمر لمدة 50 عاماً، وقوبلت المذكرة بإصدار الصومال قانوناً يلغي المذكرة، ودعمت الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية سلامة أراضي الصومال.

وبحسب كاوير، فإن الإقليم الانفصالي أحياناً يستخدم كـ«ورقة ضغط» من جانب إثيوبيا وقوى خارجية من الفاعلين على مقديشو.

ووفق محمد ابتدون، لا تريد هرغيسا الاستجابة لجهود التوحد و«صارت منقلبة سياسياً» بعد توقيع المذكرة، موضحاً أن الفترة المقبلة ستشهد انتخابات رئاسية في هذا الإقليم قد تحمل بوادر تغيير للرئيس الحالي موسى بيهي عبدي الذي يشغل منصبه منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017، لافتاً إلى أن ذلك يعني إمكانية انتهاء أثر تلك المذكرة بتغييره، أو يشهد ذلك الإقليم أزمات أمنية إن لم يحدث ذلك.

أعضاء البرلمان الصومالي يرفعون أيديهم للتصويت على قرار بشأن القواعد الإجرائية للتغييرات الدستورية في مقديشو يناير الماضي (رويترز)

وبحسب عبد الله إبراهيم، «تعيش أرض الصومال تفككاً» مع توجه بعض مدنها للتمتع بدعم الحكومة الفيدرالية كولاية خاتمة تندرج من قبيلة هرتي، موضحاً أن «هذا التفكك دفع الانفصاليين للاستشعار بأنه ليس لهم تأثير في البلاد لذا بدأوا مناقشة مع إثيوبيا حول صيغة منفذ بحري مقابل الاعتراف».

التأثير والنفوذ

كون الصومال دولة لها تواجد عربي وأفريقي، جعلها بحسب كاوير «محل تجاذبات استراتيجية وصراع بين الفاعلين والمؤثرين داخلياً وأفريقياً وإقليمياً»، وكانت البداية عقب انهيار نظام سياد بري في 1991، ودخولها حرباً أهلية، مما شكل خريطة تأثير ونفوذ.

وبحسب الباحث إبراهيم، ينشط حالياً عدد كبير من اللاعبين الخارجيين في الصومال، منها القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة (مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، بالإضافة إلى الوافدين الجدد نسبياً القادمين من الشرق الأوسط. (مثل تركيا)، إضافة إلى آسيا (مثل اليابان والصين)، وأيضاً الولايات المتحدة.

وانضمت مصر مؤخراً مع أنها كانت أقرب دولة صديقة للصومال ويعتبر الدور المصري الجديد في الصومال «إيجابياً» دعماً لاستقراره الأمني والسياسي وحفاظاً لسيادته، بخلاف مؤثرين إقليميين من مجموعة شرق أفريقيا، وفق إبراهيم.

ووفق مدير مركز شرق أفريقيا للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، فإن دور الاتحاد الأفريقي يقف عند حفظ السلام، بينما لا تزال حركة الشباب قادرة على تنفيذ هجمات واسعة النطاق في الصومال والدول المجاورة مما يجعلها فاعلاً داخلياً يمثل تهديداً صامداً ومزعزعاً للاستقرار في الصومال.

التصويت خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الصومالية في مايو 2022 (رويترز)

المستقبل

كاوير يرى أن «التقاطعات الإقليمية لها أهمية كبيرة في تحديد مستقبل الصومال في ضوء تطورات المعطى الجديد المرتبطة بمذكرة التفاهم التي دفعت مقديشو للبحث عن حلفاء إقليميين جدد».

وباعتقاد كاوير، فإن الاتفاقات التي أغلبها دفاعية مع الولايات المتحدة وتركيا ومصر «قد تزيد من حدة التوتر بالصومال، وقد تؤدي لحروب بالوكالة، ونشاط إضافي لحركة الشباب استغلالاً لتلك التطورات، وتقارب منها مع الحوثيين باليمن».

ورجح إبراهيم استمرار الخلافات بين العدوين التقليديين إثيوبيا والصومال، وحذر من نشوب حرب، مؤكداً أن «الدور المصري الجديد سيشجع الصومال في معارضة الأطماع الإثيوبية»، ويتوقع الباحث ابتدون أن تتجه منطقة القرن الأفريقي إلى أزمات مع التموضع المصري الجديد والذي يواجه برفض إثيوبي.


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)
TT

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

أيمن الصفدي (رويترز)
أيمن الصفدي (رويترز)

قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الخميس، إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن «تنفذ وتحترم»، وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.

ووفقاً لـ«رويترز»، فقد جاء ذلك في رد فعله على أمرَي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.