سلالة «فتاكة» من شلل الأطفال تتربص بغزة... لماذا عاد الفيروس الآن؟

طفل فلسطيني يحمل لافتة مكتوباً عليها «ممنوع الدخول... مشروع الصرف الصحي» التي وُضعت بالقرب من أكوام القمامة التي أُلقيت بين خيام النازحين في دير البلح (د.ب.أ)
طفل فلسطيني يحمل لافتة مكتوباً عليها «ممنوع الدخول... مشروع الصرف الصحي» التي وُضعت بالقرب من أكوام القمامة التي أُلقيت بين خيام النازحين في دير البلح (د.ب.أ)
TT

سلالة «فتاكة» من شلل الأطفال تتربص بغزة... لماذا عاد الفيروس الآن؟

طفل فلسطيني يحمل لافتة مكتوباً عليها «ممنوع الدخول... مشروع الصرف الصحي» التي وُضعت بالقرب من أكوام القمامة التي أُلقيت بين خيام النازحين في دير البلح (د.ب.أ)
طفل فلسطيني يحمل لافتة مكتوباً عليها «ممنوع الدخول... مشروع الصرف الصحي» التي وُضعت بالقرب من أكوام القمامة التي أُلقيت بين خيام النازحين في دير البلح (د.ب.أ)

في تطور يُنذر بكارثة صحية حقيقية في غزة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الأسبوع الماضي، تسجيل أول إصابة بفيروس شلل الأطفال في القطاع، لتنتهي بذلك فترة استمرت 25 عاماً خلا فيها قطاع غزة من الإصابات بهذا المرض.

وشُخّص رضيع بشلل الأطفال، يبلغ من العمر 10 أشهر، في مدينة دير البلح، في حين لم يتلق أي جرعة تحصين ضد المرض.

وسرعان ما ارتفعت تحذيرات منظمة الصحة العالمية و«اليونيسيف»، عقب بيان وزارة الصحة الفلسطينية من خطر تفشي المرض، في ظل الظروف الإنسانية الكارثية التي يعيشها سكان القطاع، منذ اندلاع حرب غزة.

ومن المعروف أن احتواء انتشار شلل الأطفال يتطلّب جهوداً كبيرة في ظل الحرب المستمرة على غزة، ونقص احتياجات النظافة الأساسية، وعدم توفر الخدمات الصحية ومياه الشرب النظيفة.

طفلة فلسطينية تخضع للفحص من قبل طبيب وسط مخاوف من انتشار مرض شلل الأطفال بعد أن أعلنت وزارة الصحة عن أول حالة في قطاع غزة (رويترز)

فما شلل الأطفال؟

بداية، شلل الأطفال هو مرض فيروسي معدٍ، يمكن أن يؤثر في أعصاب المريض، ويقود إلى إصابته بالشلل أو الموت.

وقد انحسرت الإصابات بالمرض عالمياً بفضل التطعيم، ولكنه ما زال موجوداً في دول، مثل: أفغانستان وباكستان والهند ونيجيريا، ومؤخراً عاود الظهور في قطاع غزة.

وينتج شلل الأطفال عن الإصابة بفيروس «البوليو» (poliovirus)، وهو فيروس شديد العدوى ينتقل من شخص إلى آخر بطرق عدة، تشمل التواصل المباشر بين شخص مصاب وآخر سليم، وعبر المخاط والبلغم من الفم والأنف، وعن طريق البراز الملوث، بالإضافة إلى الطعام والماء الملوثين بالفيروس.

يصطف الفلسطينيون ومن بينهم الأطفال لملء المياه في مخيم مؤقت للنازحين الفلسطينيين في دير البلح (أ.ف.ب)

ويدخل الفيروس الجسم عبر الفم أو الأنف، ثم يتكاثر في الحلق والأمعاء، وبعدها يمتصه الجسم وينتقل عبر الدم إلى باقي أجزائه.

وفي العادة تمتد فترة حضانة الفيروس (المدة الزمنية من دخوله الجسم إلى بدء ظهور الأعراض) ما بين 5 و35 يوماً، ولكنها في المتوسط من أسبوع إلى أسبوعين.

مَن يصيب؟

يصيب الفيروس الأطفال دون سن الخامسة بالدرجة الأولى. وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال، ويلاقي ما يتراوح بين 5 و10 في المائة من المصابين بالشلل حتفهم بسبب توقف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها.

وانخفضت حالات المرض الناجمة عن فيروس شلل الأطفال بنسبة تزيد على 99 في المائة منذ عام 1988، أي انخفض عدد البلدان الموطونة من 125 بلداً كان بها نحو 350 ألف حالة إلى بلدين موطونين فقط حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

طفل فلسطيني يسير على طول شارع مليء بالقمامة والأنقاض في خان يونس (أ.ف.ب)

لماذا عاود شلل الأطفال الانتشار في غزة؟

وفق منظمات الإغاثة قُضي على شلل الأطفال في غزة قبل 25 عاماً، لكن التطعيمات انخفضت بعد اندلاع الحرب قبل عشرة أشهر، ليصبح القطاع أرضاً خصبة للفيروس.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن الفحوصات أظهرت وجود فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في القطاع، جراء تدمير إسرائيل للبنية التحتية.

وقالت الوزارة، في بيان، إنه «تم إجراء فحوصات لعينات من الصرف الصحي بالتنسيق مع اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، وأظهرت النتائج وجود الفيروس المسبب لشلل الأطفال».

وأضاف البيان أن وجود الفيروس «في مياه الصرف الصحي التي تتجمع وتجري بين خيام النازحين وفي أماكن وجود السكان، نتيجة تدمير البنية التحتية، يمثّل كارثة صحية جديدة».

طفل فلسطيني يسير حافي القدمين بالقرب من مياه الصرف الصحي الراكدة في دير البلح (أ.ف.ب)

وأشارت الوزارة إلى «الزحام الشديد مع شح المياه المتوفرة وتلوثها بالصرف الصحي وتراكم أطنان القمامة، ومنع الاحتلال إدخال مواد النظافة، بما يشكله ذلك من بيئة مناسبة لانتشار الأوبئة المختلفة».

ومنذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي، تضرّرت 70 في المائة من مرافق المياه والصرف الصحي في غزة بصورة كبيرة، وتراكم نحو 340 ألف طن من النفايات الصلبة في المناطق المأهولة أو بالقرب منها، وفقاً لتقدير من «مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة» التابعة للأمم المتحدة.

وفي يونيو (حزيران)، قدّرت منظمة «أوكسفام» أن هناك مرحاضاً واحداً فقط لكل 4130 شخصاً في المواصي، وهي منطقة يُفترض أنها «آمنة» غرب خان يونس.

شلل الأطفال المرصود في غزة... هل هو مختلف؟

وحسب موقع «ساينس»، فإن الفيروس المرصود في غزة ليس بالتحديد فيروس شلل الأطفال البري، وإنما فيروس شبيه ناتج عن اللقاح، يُعرف باسم «فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح من (النوع 2)»، وهو خطير تماماً مثل الفيروس الأصلي.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن «السلالة 2» من فيروس شلل الأطفال لها خصائص وبائية فتاكة.

وحسب «ساينس»، تظهر هذه الفيروسات المتغيرة في المناطق التي تكون فيها معدلات التطعيم منخفضة، مما يسمح للفيروس الحي الضعيف المستخدم في لقاح شلل الأطفال الفموي (OPV) بالانتقال من طفل إلى آخر، واستعادة قدرته على الانتشار والتسبب في الشلل.

امرأة فلسطينية تطعم طفلتها الرضيعة في مستشفى «شهداء الأقصى» وسط مخاوف من انتشار شلل الأطفال بعد أن أعلنت وزارة الصحة أول حالة في قطاع غزة (رويترز)

وسُحب المكون من «النوع 2» في لقاح شلل الأطفال الفموي من التطعيم الروتيني عالمياً في عام 2016، لذا فإن الأطفال في غزة غير محميين جيداً ضد هذه السلالة، رغم أن معدلات التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة كانت جيدة قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفقاً لما سبق أن أعلنه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

حملة تطعيم لاحتواء الفيروس

وأكدت الوزارة، في بيان لها، أنها «ستنفّذ حملة تطعيم خلال الأيام القليلة المقبلة تستهدف الأطفال تحت سن 10 سنوات، إذ جرى توفير مليون ومئتي ألف جرعة من لقاح شلل الأطفال من النوع الثاني بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والعمل جارٍ لتوفير أربعمائة ألف جرعة أخرى».

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد قال، الجمعة، إن منع انتشار شلل الأطفال واحتوائه في غزة سيتطلّب جهوداً ضخمة ومنسقة وعاجلة.

وناشد غوتيريش الذي كان يتحدث إلى الصحافيين في الأمم المتحدة، جميع الأطراف تقديم ضمانات ملموسة على الفور لتنفيذ هدنات إنسانية، من أجل إجراء حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة.

وطالبت الأمم المتحدة بهدنة لسبعة أيام في غزة لتلقيح 640 ألف طفل ضد الفيروس.

وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن وكالات الأمم المتحدة تريد تقديم لقاح شلل الأطفال الفموي «النوع 2» للأطفال تحت سن العاشرة في وقت لاحق هذا الشهر.

وأضافت: «في غياب الهدن الإنسانية، لن يكون من الممكن تنفيذ الحملة».

أطفال يفرزون القمامة في مكب نفايات بمخيم النصيرات للاجئين في قطاع غزة (أ.ب)

ولكن هل من الممكن أن تكون حملة التطعيم ممكنة في ظل استمرار الحرب؟

في هذا المجال، قال إيدان أوليري، مدير «المبادرة العالمية لمكافحة الإيدز والسل والملاريا»، إن الوصول إلى العدد الهائل من الأطفال الذين يحتاجون إلى التطعيم لن يكون ممكناً في المناطق التي تشهد صراعاً نشطاً.

لكنه أضاف: «على أقل تقدير، سيجري تطعيم الأطفال في المخيمات والملاجئ والمرافق الصحية التي تعمل بصورة كاملة أو جزئية. و(أونروا) لها حضور قوي على الأرض».

تخوف إسرائيلي

إلى ذلك، أكدت وزارة الصحة الإسرائيلية وجود فيروس شلل الأطفال من «النوع 2» في عينات مياه الصرف الصحي من منطقة غزة، حسب ما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وقالت الوزارة إن هذه العينات «اُختبرت في معمل إسرائيلي معتمد من منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي يثير مخاوف من وجود الفيروس في المنطقة».

وأشارت إلى أنها «تراقب الوضع من كثب، لمنع انتشار خطر الإصابة بالمرض في إسرائيل».

وتتخوّف إسرائيل من انتقال الفيروس عن طريق جنودها المقاتلين في القطاع، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية أن وزارة الصحة «أوصت الجيش بتطعيم جنوده ضد مرض شلل الأطفال»، بسبب تأكيد ظهور الفيروس في قطاع غزة.


مقالات ذات صلة

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بدوريات في شوارع طوباس بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

مقتل فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية

قالت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم (الجمعة)، إن فلسطينياً قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (نابلس)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال عملية في بلدة القلقيلة في الضفة الغربية الخميس (د.ب.أ)

إسرائيل: إقرار موازنة تخدم الاستيطان بالضفة

طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية 144 مليار شيقل وحصلت على 112 بما يزيد بنحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

وصفت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم (الجمعة)، أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 قد حُددت عند 112 مليار شيقل (34.63 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».