تسببت واقعة منح أراضٍ تابعة لجامعة صنعاء إلى مستثمرين موالين للجماعة الحوثية بحالة من الغضب في الأوساط الأكاديمية اليمنية وقلق في مختلف الأوساط من أن يجري استهداف مختلف أراضي الدولة ومؤسساتها ومنشآتها الحيوية بنفس الطريقة.
وأظهرت وثيقة جرى الكشف عنها أخيراً عن توجيهات أصدرها القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يُعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الانقلابي)، بمنح 10 آلاف لبنة (وحدة قياس محلية، واللبنة الواحدة تساوي 44.44 متر مربع) من أرض جامعة صنعاء، لصالح شخص مجهول يُدعى عبده علي هادي، لتنفيذ استثمارات طبية عليها.
كما قضى التوجيه الصادر أواخر مايو (أيار) الماضي، بحسب الوثيقة الموجهة إلى القيادات الحوثية التي تسيطر على الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، بمنح نفس الشخص 40 ألف لبنة أخرى في منطقة بني مطر غرب صنعاء، وذلك بمقترح من ذات الشخص الذي جرى منحه تلك الأراضي.
وعدّ أكاديميو الجامعة، في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط»، هذه الإجراءات ممارسات عبثية ممنهجة تستهدف التعليم العالي، ومحاولات للتضييق عليه، ومنعاً للمؤسسة الأكاديمية والتعليمية الأولى في البلاد من أي توسع مستقبلي لمنشآتها.
واستغرب أحد أكاديميي الجامعة هذه الإجراءات بحق أراضي الجامعة، في حين تتوفر مساحات شاسعة من أراضي الدولة داخل صنعاء وفي محيطها، وتكفي لإنشاء عشرات المشاريع، وجميعها واقعة تحت تصرف الجماعة وفسادها.
وبحسب الأكاديمي، فإن استهداف أراضي ومنشآت جامعة صنعاء يعني أن هناك سعياً ممنهجاً لتجريف العملية التعليمية والأكاديمية، وإصراراً على تحويل مؤسساتها ومنشآتها إلى منصات للترويج للمشروع الحوثي، وتخريج الآلاف من أتباعه وأنصاره.
نهب مستمر
سبق للمشاط إصدار توجيهات خلال السنوات الماضية بتسليم مساحات من أراضي جامعة صنعاء ومبانٍ ومنشآت إلى هيئة الأوقاف (كيان حوثي موازٍ)، فيما وصفته الأوساط الأكاديمية والطلابية في حينه استهدافاً للجامعة، وسعياً إلى نهبها وتجريفها.
ويلفت أكاديمي آخر إلى أن صمت رئاسة جامعة صنعاء، المكونة من قيادات حوثية، عن هذه الإجراءات، يأتي في سياق تعاون مختلف قيادات الجماعة وتنسيقها في العبث بأراضي الجامعة، باعتبارها إحدى الملكيات العامة التي تقع ضمن مخططات الجماعة لنهبها والاستيلاء عليها.
وذكر أكاديمي ثالث أن الفساد الذي طال أراضي جامعة صنعاء قبل الانقلاب الحوثي لم يتجاوز أكثر من تأجيرها بعقود تعود بإيرادات لصالح الجامعة، دون أن يتم التصرف بها لصالح شخصيات بالطريقة التي أقدم عليها المشاط.
وبمقارنته بين ممارسات الفساد السابقة للانقلاب الحوثي وممارسات الفساد الحالية، يرى الأكاديمي أن الفاسدين السابقين لم يمتلكوا الجرأة للوصول إلى الاستهداف المنهجي للجامعة كما تفعل الجماعة الحوثية التي تسعى لحرمان المجتمع من التعليم ومنعه من التقدُّم واستلاب مقدراته وحقوقه.
وذكّرت مدرسة في إحدى كليات الجامعة بأن رئاسة جامعة صنعاء المعينة من الجماعة الحوثية اتخذت قراراً منذ ثلاثة أعوام ببيع مساحة من أراضي الجامعة تحت مبرِّر دعم جبهات القتال، مبديةً أسفها لأن ذلك القرار لم يحظَ بالإبراز الكافي، ولم يُعرَف مصير الأرض التي تقرر بيعها.
رفض داخل الجماعة
لم تتوقف الانتقادات عند الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية المعارضة لهيمنة ونفوذ الجماعة الحوثية، بل إن قيادات وناشطين حوثيين أبدوا استياءهم من القرار، ودعوا إلى إيقافه ومحاسبة المشاط عليه.
وهدد المحامي هاشم شرف الدين، الموالي للجماعة، بمقاضاة المشاط بعد استقطاع أراضٍ من حرم جامعة صنعاء، مطالباً بإلغاء القرار الذي عدّه باطلاً بجميع فقراته؛ لمخالفته للدستور وقانون الهيئات والمؤسسات والشركات العامة وقانون أراضي وعقارات الدولة وقانون الشركات التجارية، متوعداً باللجوء إلى القضاء، رفقة عدد من زملائه، لإيقاف القرار.
وناشد عبد الله سلام الحكيمي، وهو شخصية سياسية واجتماعية مؤيدة للجماعة، زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إلغاء ما وصفها بصفقة الاستيلاء على أراضي جامعة صنعاء، لما تنطوي عليه من شبهات فساد، مطالباً بضم أراضي معسكر الفرقة الأولى مدرع المجاورة إلى الجامعة لاستيعاب توسعها وتطويرها مستقبلاً.
وتهكم القيادي وعضو ما يُعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) سلطان السامعي من قرار المشاط من خلال ادعائه بأن أحد الموالين للحكومة الشرعية اتصل به لشراء مساحة من فناء دار الرئاسة لاستثمارها بإنشاء مدينة سكنية. وسأل السامعي زملاءه في المجلس عن رأيهم في الصفقة، وهل يوافقون على البيع؟
من هو المستثمر؟
يأتي تهكُّم السامعي في إطار ما جرى تسريبه حول شخصية المستثمر الذي مُنِحت له أراضي جامعة صنعاء، والذي تم اتهامه سابقاً بالعمل لصالح الحكومة الشرعية.
ووفقاً للتسريبات، فإن هادي جرى تصنيفه من طرف الجماعة الحوثية مؤيداً للحكومة الشرعية، وصادرت جميع ممتلكاته في صنعاء، حين كان هارباً من قبضتها في الأردن، حيث أنشأ مصنعاً للأدوية، قبل أن يعود إلى صنعاء بعد عملية تنسيق مع قيادات حوثية عليا، وتم منحه مساحات واسعة من أراضي الدولة، بشكل سري، ومن دون معرفة الأسباب والأغراض وراء ذلك.
وتقول تسريبات أخرى إن هادي لا يحمل شهادة دكتوراه، كما ورد في توجيهات المشاط، وإنه كان يعمل سمسار عقارات لصالح أحد البنوك التابعة لإحدى الشخصيات الاجتماعية، وكان مقرباً من تلك الشخصية، وتوسعت أنشطته بعد عام 2012، حيث امتلك عقارات واسعة، ووكالة لاستيراد الأدوية، قبل مصادرتها من الجماعة الحوثية أثناء هروبه إلى الأردن.
وورد في التسريبات أن هادي كان «وكيل شريعة» وليس محامياً، كما يزعم، وهي الصفة التي تُطلَق على من يخوض في التقاضي أمام المحاكم دون أن يمتلك شهادة في القانون.
ويرى كثير من اليمنيين أن هذا السطو على أراضي ومؤسسات الدولة والملكيات العامة يأتي ضمن سلوك ونهج قيادات ومؤسسي الجماعة الحوثية الذين كانوا قبل الانقلاب يعملون بطرق مختلفة على نهب الأراضي والملكيات العامة والخاصة، وزاد نهمهم بعد حصولهم على القوة والنفوذ.