إجراءات انقلابية لتجريف التعليم في كبرى الجامعات اليمنية

تسهيل التحاق الموالين وإلزام الأكاديميين بالطائفية

منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إعلام محلي)
منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إعلام محلي)
TT

إجراءات انقلابية لتجريف التعليم في كبرى الجامعات اليمنية

منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إعلام محلي)
منظر عام لكلية الطب في جامعة صنعاء (إعلام محلي)

في حين يُجبَر طلبة جامعة صنعاء على خوض امتحانات لمواد لا علاقة لها بتخصصاتهم، تتهم أوساط أكاديمية الجماعة الحوثية بتجريف العملية التعليمية في الجامعة، من خلال تسهيل شروط التحاق أنصارها في كليات العلوم التطبيقية، ومنح الطلبة درجات مقابل المشاركة في فعالياتها الطائفية.

وأقرّت الجماعة الحوثية أخيراً حرمان الطلبة خريجي جامعة صنعاء في الأعوام السابقة للعام 2018 من الحصول على شهادات التخرج، ما لم يخضعوا لامتحانات مادتين مستحدثتين حول «الصراع العربي - الإسرائيلي» و«الثقافة الوطنية».

صور قادة النظام الإيراني وقادة الميليشيات الموالية له في المنطقة تملأ جدران جامعة صنعاء (إكس)

ونشرت الجماعة إعلاناً أبلغت فيه جميع الطلبة والطالبات المسجلين في الأعوام ما قبل 2017 و2018، بإجراء امتحانات استثنائية للمادتين المستحدثتين، خصوصاً المتوقع تخرجهم نهاية هذا العام، محذرة من إيقاف إجراءات حصولهم على شهادة التخرج.

ومنذ أيام فوجئ الطلبة بإعلان الجماعة الحوثية عن شروط التحاق الطلاب الجدد، والتي تضمنت حصول الراغبين في الالتحاق بكليات العلوم والحاسب الآلي والتربية والآداب واللغات على معدل 50 في المائة من درجات امتحانات الثانوية العامة، بينما يحق لمن حصلوا على معدل ما بين 55 و65 في المائة على حق الالتحاق بكليات الطب وطب الأسنان والهندسة والزراعة والطب البيطري، وكلية البترول والمعادن وتكنولوجيا المعلومات.

ومنحت الجماعة الطلبة الذين تقل معدلاتهم عن المطلوب بخمس درجات حق الالتحاق بالكليات الراغبين فيها بالنظام الموازي الذي يلتزم فيه الطلبة بدفع رسوم توازي ما يقارب 10 أضعاف الرسوم الجامعية، في حين أعطت الحق نفسه لمن تقل معدلاتهم عن المطلوب بعشر درجات، لكن بنظام النفقة الخاصة الشاملة.

صندوق إيرادات

يرى مدرس في جامعة صنعاء أن هذه الشروط تزيد من تدهور التعليم الجامعي، وتحوّل المؤسسات التعليمية صناديق لجمع وتحصيل إيرادات من خلال منح الطلاب أحقية الالتحاق في تخصصات غير مؤهلين لدراستها؛ ما يجعل الكليات مجرد محطات انتقال إلى سوق العمل، وتجريدها من مهمتها الحقيقية، وهي التأهيل العلمي للطلاب.

مناقشة رسالة ماجستير لأحد عناصر الجماعة الحوثية في كلية التربية (إعلام حوثي)

الأكاديمي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه وزملاءه في هيئة التدريس في الجامعة حُرموا من رواتبهم ومستحقاتهم، ومُنعوا من فرص الحصول على أعمال أخرى على رغم أن الجامعة تحولت صندوق إيرادات وتحصيل وجباية من الطلبة الذين يجري إرهاقهم بالرسوم باستمرار.

غير أن الأكاديمي عبد العزيز علي يرى أن الجماعة الحوثية، أو ما يسميها بسلطة الأمر الواقع، تحاول من خلال تسهيل شروط الالتحاق الجامعة التستر على تدهور العملية التعليمية وتراجع الإقبال على الدراسة فيها، بعد أن تسببت في تدهور الأحوال المعيشية لليمنيين وجعلت الالتحاق بالجامعات ترفاً ورفاهية.

وبيّن علي، وهو أستاذ في اللسانيات، وجهة نظره لـ«الشرق الأوسط» بأنه ليس من مصلحة أي سلطة أن تلغي العملية التعليمية بشكل كامل، بل إنها تتوجه إلى تجييرها لخدمة أغراضها، لكن هذه السلطة تفعل ذلك بشكل سيئ، وهو ما نلاحظه الآن من تمكين أنصارها من الالتحاق بجامعة صنعاء، والحصول على شهادات علمية منها باعتبارها أهم مؤسسة تعليمية في البلاد.

الإغراء بالدرجات

في غضون ذلك، أعلن القيادي الحوثي عمر البخيتي، المُعيّن عميداً لكلية الإعلام، أنه اتفق مع رئاسة الجامعة على منح كل طالب يشارك في الدورات الثقافية والعسكرية 50 درجة بمجرد تسليم صورة ومقاطع فيديو له في تلك الدورات، مشترطاً أن تثبت هذه الصور والمقاطع ترديده شعارات الجماعة بحماس.

كلية الإعلام في جامعة صنعاء (إكس)

وكانت الجماعة الحوثية أقرّت منح الطلبة المشاركين في التظاهرات الأسبوعية للجماعة تحت شعارات مناصرة فلسطينيي غزة، 10 درجات تضاف إلى محصلاتهم في الامتحانات النهائية، غير أن البخيتي قرر منفرداً منح الطلبة 50 درجة دفعة واحدة.

وعزت صادر طلابية لـ«الشرق الأوسط» قرار البخيتي بسبب ضعف إقبال طلاب الإعلام على المشاركة في المظاهرات؛ لخشيتهم أن يتسبب ظهورهم في وسائل إعلام الجماعة الحوثية في الإضرار بسمعتهم مستقبلاً، خصوصاً وأنهم يهيئون أنفسهم للعمل في الصحافة والإعلام.

دورات بالإكراه

بعد أن أجبرت الجماعة الحوثية عدداً من الأكاديميين على المشاركة في دورة عسكرية، أكدت مصادر مطلعة أنها ألزمتهم وموظفي الجامعة بإلحاق أبنائهم بالمراكز الصيفية، مهددة إياهم بإجراءات عقابية في حال التأخر أو امتناعهم عن ذلك.

وجاء الإلزام الحوثي للأكاديميين ببلاغات شفوية عبر عمداء الكليات، الذين أبلغوهم بضرورة إلحاق أبنائهم بأحد المراكز التي خصصتها الجماعة لأبناء وأقارب أكاديميي وموظفي جامعة صنعاء والجامعات الخاصة، إلا أن الغالبية من المعنيين بهذا الإلزام رفضوا الاستجابة له.

وطبقاً لمصادر «الشرق الأوسط»؛ فإن غالبية الأكاديميين وموظفي الجامعة يخشون أن يجري التركيز على أبنائهم في تلك المراكز وإيلائهم عناية خاصة لغسل أدمغتهم، أو استخدامهم من قبل القادة الحوثيين المسيطرين على الجامعة لابتزازهم.

وفضّل كثير منهم إلحاق أبنائهم بمراكز صيفية بعيدة عن المركز الذي طُلب منهم إلحاقهم فيه؛ لتجنب اتهام القادة الحوثيين المسيطرين على الجامعة لهم بالتهرب من الأوامر والتوجيهات.

دورة تدريبية عسكرية للأكاديميين في جامعة صنعاء بإشراف مقاتلين حوثيين وعناصر استخباراتية (إكس)

ونظمت الجماعة منذ أسابيع دورة تدريبية عسكرية لعدد من أكاديميي الجامعة، شارك فيها بعض الأكاديميين المواليين للجماعة طوعاً، في حين كانت مشاركة الغالبية منهم تحت الإكراه.

وفي الدورة التي تم تنفيذها في مديرية بني مطر الريفية غرب صنعاء، قدم مقاتلون خبراء في الجماعة الحوثية دروساً تدريبية للأكاديميين حول أنواع الأسلحة وكيفية استخدامها.

وبحسب المصادر التي التقت عدداً من الأكاديميين، فإن اختيارهم للمشاركة في هذه الدورة كان بناءً على اختيارات طلابهم في الجامعة الذين ينشطون مع الجماعة، وبعضهم من المقاتلين في صفوفها، إلى جانب آخرين يتبعون جهاز الأمن والمخابرات الحوثي.

واشتكى الأكاديميون للمصادر من تعرّضهم للإهانة والسخرية من قِبل مدربيهم، وبينهم طلابهم في الجامعة؛ بسبب جهلهم باستخدام الأسلحة، وعدم معرفتهم بالتكتيكات القتالية، ولم يراعوا كِبر سنهم وتراجع قواهم البدنية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يتبنون إسقاط عاشر «درون» أميركية خلال 10 أشهر

العالم العربي حطام زعم الحوثيون أنه لطائرة أميركية من دون طيار أسقطوها في صعدة حيث معقلهم الرئيسي (إ.ب.أ)

الحوثيون يتبنون إسقاط عاشر «درون» أميركية خلال 10 أشهر

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الاثنين، إسقاط طائرة أميركية من دون طيار، وادعت أنها الطائرة العاشرة التي يجري إسقاطها من النوع نفسه خلال 10 أشهر.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون أجبروا موظفي هيئة الأدوية على المشاركة في دورات عسكرية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يخضعون موظفي هيئة الأدوية بصنعاء لدورات قتالية

أخضعت الجماعة الحوثية منتسبي الهيئة العليا للأدوية في العاصمة المختطفة صنعاء للتعبئة، حيث أجبرت أكاديميين وأطباء وموظفين على الالتحاق بدورات عسكرية مكثفة

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي حشد حوثي في ميدان السبعين في صنعاء يستمع إلى خطبة زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

اعترافات حوثية بممارسة الفساد... واتهامات متبادلة بنهب الموارد

تبادل قادة وناشطون في الجماعة الاتهامات حول ممارسات فساد كبيرة واتهامات للقضاء بالتورط فيها، بالتزامن مع إعلان «نادي المعلمين» نهب الدعم المزعوم لصالح المعلم.

وضاح الجليل (عدن)
الخليج المشروع يرفع كميات ضخ مياه الشرب بصورة مستدامة (واس)

السعودية تدشن مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في عدن اليمنية

دشّن البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن مشروع تعزيز الأمن المائي بالطاقة المتجددة في محافظة عدن اليمنية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي طائرة أميركية مسيّرة من طراز «إم كيو - 9» (أ.ب)

الحوثيون يعلنون إسقاط مسيّرة أميركية في أجواء ذمار

أعلنت جماعة الحوثي في اليمن، اليوم (الاثنين)، أنها أسقطت طائرة أميركية من نوع «إم كيو 9» بصاروخ سطح- جو، خلال قيام الطائرة «بمهام عدائية».

«الشرق الأوسط» (صنعاء )

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

مساعٍ وجولات كثيرة قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة، بهدف إنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، استمرت أسبوعاً واحداً؛ غير أن الجهود المتواصلة منذ ذلك الحين واجهتها إسرائيل تارة بفرض شروط أو خطط جديدة، أو توجيه اتهامات للوسيطين المصري والقطري، أو بتكذيب الحليف والوسيط الثالث الأميركي بعد لوم نادر وجهه الرئيس جو بايدن.

ويبدو أن تلك الاتهامات، التي نفتها القاهرة والدوحة وتجاهلتها واشنطن، جزء من «استراتيجية إسرائيلية» وفق ما يقدر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، عدّوا كذلك أن تل أبيب تستهدف «تجحيم جهود الوسطاء وكبح مساعيهم لوقف إطلاق النار».

وفي حين يتوقع الخبراء أن «تستمر تلك الاستراتيجية في إطالة أمد المفاوضات لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية»؛ فإنهم يرجحون ألا تنجح «في دفع الوسطاء؛ لا سيما المصري والقطري لأي انسحابات».

وعقب لقاء في لندن، جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بنظيره البريطاني ديفيد لامي، أكد البلدان الأحد، «دعم جهود الوساطة الجارية من جانب الولايات المتحدة ومصر وقطر؛ لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الأسرى».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن 10 سبتمبر الحالي (أ.ف.ب)

التأكيد الأميركي - البريطاني جاء بعد يومين من بيان عربي - إسلامي - أوروبي في مدريد، الجمعة، أعلن «الدعم الكامل لجهود الوسطاء، ورفض جميع الإجراءات التي تهدف إلى عرقلتها»، بالتزامن؛ أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، عن «تقديره لدور وجهود الوسطاء»، معرباً عن «تطلعه للتوصل إلى هذا الاتفاق في أقرب وقت ممكن»، وفق إفادة لـ«الخارجية» المصرية.

وجاء الدعم اللافت لجهود الوسطاء ومطالبهم، لا سيما الوسيطين المصري والقطري، بعد حديث القناة 12 الإسرائيلية في 10 سبتمبر (أيلول) الحالي، عن أن «مصر وقطر تدرسان إصدار إعلان يحمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات».

وكان نتنياهو صعّد انتقاداته للقاهرة منذ أوائل سبتمبر الحالي، وزعم أنها مسؤولة عن تهريب السلاح لغزة عن طريق الأنفاق، قبل أن ترد وزارة الخارجية المصرية في 3 من الشهر ذاته، وترفض تلك الاتهامات وتعدّها «عرقلة لجهود الوساطة واتفاق الهدنة».

وجدد بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، خلال اجتماع مدريد، رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح، وما يفرضه من انخفاض في وتيرة دخول المساعدات لقطاع غزة، مؤكداً أن «إسرائيل تقوم بتقويض جهود الوساطة».

البيان الوزاري الصادر عن اجتماع مدريد طالب المجتمع الدولي باتخاذ خطوات نشطة لتنفيذ حل الدولتين (واس)

وسبق أن نفى مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» في 29 مايو (أيار)، تلك «الاتهامات الإسرائيلية»، ووصفها بأنها «أكاذيب» وبعدها في 13 يوليو (تموز)، دعا مصدر مصري «إسرائيل إلى عدم عرقلة المفاوضات، وطرح مبادئ جديدة تخالف ما تم الاتفاق عليه بهذا الصدد».

ولم تكن مصر وحدها المستهدفة إسرائيلياً، ففي فبراير (شباط) الماضي، رفض متحدث «الخارجية» القطري، ماجد الأنصاري، اتهامات نتنياهو للدوحة بتمويل «حماس»، ودعاه إلى «الانضباط في مسار التفاوض لإبرام صفقة، بدلاً من التركيز على إطالة أمد الصراع».

ولم يسلم الوسيط الأميركي الحليف لإسرائيل، من انتقادات نتنياهو، الذي وصف قبل أيام في مداخلة مع برنامج «فوكس نيوز»، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل إلى اتفاق هدنة بـ«الكاذبة وغير الصحيحة»، معرباً عن رفضه «الاتهامات الأميركية بعدم القيام بجهدٍ كافٍ» لاستعادة الرهائن، في إشارة إلى تصريحات في هذا الصدد من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طرح في 31 مايو الماضي، مقترحاً لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

آنذاك، عقّب منسق الاتصالات بالبيت الأبيض، جون كيربي، في مؤتمر صحافي، على ما قاله نتنياهو. ورفض الدخول في جدال علني معه، مضيفاً: «الاتصالات الأميركية مع الإسرائيليين مستمرة ونحاول حل الخلافات والتوصل إلى حل وسط».

وبرأي مستشار «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، فإن «إسرائيل لا تستطيع إقصاء الوسطاء، لكن تسعى لتحجيم أدوراهم بصور مختلفة، باتهامات زائفة؛ منها تعطيل المفاوضات والقرب من (حماس)، وتهريب أسلحة لها»، لافتاً إلى أن إسرائيل لا تريد للوسطاء أن يسمعوا لكلا الطرفين وتريد أن يستمعوا لها فقط.

وباعتقاد الشوبكي، فإن البيانات في الآونة الأخيرة سواء عربياً أو دولياً بدعم مصر وقطر، رسالة لإسرائيل بأن المجتمع الدولي والدول الكبرى؛ الكل راغب في استمرار جهود الوسطاء ووقف تلك الاتهامات.

تلك الاتهامات الإسرائيلية ضمن الضغوط المتواصلة تجاه مصر وقطر، تحديداً لـ«تجحيم أدوراهما وتهرب نتنياهو من استحقاقات التوصل إلى اتفاق»، وفق تقدير الأكاديمي المصري، في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور.

ويصف السفير الفلسطيني، السابق، بركات الفرا، تلك الضغوط الإسرائيلية، بأنها ضمن «استراتيجية تهدف لتحجيم الأدوار التي تقوم بها مصر وقطر، بهدف إطالة نتنياهو أمد المفاوضات أملاً في وصول حليفه ودعمه دونالد ترمب للبيت الأبيض».

ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» يوليو الماضي (د.ب.أ)

بالمقابل، ترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة الإسرائيلية لم تبذل أي جهد لاستبعاد مصر أو الولايات المتحدة، لكنّ هناك جهوداً مستمرة لإقصاء مصر من الوساطة من قبل مجموعة من أصحاب المصالح؛ بعضهم من الإسرائيليين اليمينيين بخلاف المعادين لمصر».

وتضيف أن «الحكومة الإسرائيلية غير راضية عن قطر بدعوى مساعدتها (حماس)، لكنها لا تستطيع إجبارها على الانسحاب دون موافقة الولايات المتحدة، التي تشيد بالدوحة، لكن إسرائيل ترى أن واشنطن هي أفضل طرف ممكن للوساطة وأقل تحيزاً ضدها، مع امتلاكها أكبر قدر من النفوذ الدولي».

مخالفاً لرأيي تسوكرمان، يعتقد المحلل المختص بالشأن الأميركي، مايكل مورغان، أن حكومة نتنياهو «عملت على إقصاء أي وساطة لوقف إطلاق النار»، مؤكداً أن دعم جهود الوسيطين مصر وقطر، مهم، خصوصاً لأهمية القاهرة الجيوستراتيجية للسلام بالمنطقة وقرب «حماس» من قطر في تسهيل أي اتفاق.

وإزاء ضغوط إسرائيلية كثيرة، لوح الوسيطان المصري والقطري، بإمكانية الانسحاب، في شهور سابقة، قبل أن تطرح التسريبات الإسرائيلية للقناة الـ12 ذلك المسار من جديد.

وكان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قال في أبريل (نيسان) الماضي، إن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية.

ولوحت مصر أيضاً بذلك في 22 مايو 2024، عقب رفضها تقريراً نشرته «سي إن إن» الأميركية نقلاً عن مصادر أميركية وإسرائيلية، يدعي أنها غيّرت شروط صفقة وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن استمرار التشكيك «قد يدفع الجانب المصري لاتخاذ قرار بالانسحاب الكامل من الوساطة»، وفق ما ذكرته هيئة الاستعلامات المصرية آنذاك.

وقالت الهيئة إن «القاهرة لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسيطين، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهما بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهما، للتسويف والتهرب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار».

بينما قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بمؤتمر صحافي الاثنين، في روسيا: «لن نتوقف عن جهودنا الدؤوبة لسرعة التوصل إلى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وسنواصل جهودنا بالتعاون مع الشركاء لتحقيق ذلك».

وأكدت صحيفة «الشرق» القطرية، الأحد، في افتتاحية عددها، أن «جهود قطر المكثفة لإنهاء حرب غزة خلال الوساطة المشتركة التي تقودها مع مصر والولايات المتحدة، جهود مستمرة لن تثنيها عقبات ولا عراقيل».

ولا يتوقع الشوبكي أن تغادر مصر وقطر جهود الوسطاء، باعتبارها التزاماً تجاه فلسطين لرفع المعاناة عنها، وتأكيداً لحضور إقليمي دولي مهم للبلدين، واضعاً تلك التسريبات الحديثة في إطار السجال الإعلامي، مستبعداً أن تقترب المفاوضات من اتفاق إلا بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية «إذا استمر تعنت نتنياهو».

ويتفق كل من الفرا وأنور في أن مصر مستمرة بالوساطة، ولديها وسائل أخرى ترسل بها رسائل «تكشر بها عن أنيابها حماية لأمنها القومي»، سواء بتأجيل استقبال السفير الإسرائيلي الجديد، أو كما حدث من زيارة رئيس الأركان المصري للحدود مع غزة الفريق أحمد خليفة، في 5 سبتمبر الحالي، أو إبقاء الاتصالات على المستوى الأمني فقط.

وأيضاً لا تعتقد إيرينا تسوكرمان أن مصر أو قطر ستنسحبان من المفاوضات رغم الصعوبات، لأسباب كثيرة؛ منها النفوذ الدبلوماسي المزداد مع وجودهما بتلك الوساطة، وعدم الانسحاب أيضاً خيار يتوقعه مايكل مورغان، لاعتبارات أهمها تسهيل إتمام الاتفاق.