سكان صنعاء يشكون الجوع والحرمان تحت تسلّط الانقلابيين

توقعات أممية باستمرار تدهور الأمن الغذائي

يمنية تبحث عن بقايا طعام في برميل للقمامة في أحد شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنية تبحث عن بقايا طعام في برميل للقمامة في أحد شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

سكان صنعاء يشكون الجوع والحرمان تحت تسلّط الانقلابيين

يمنية تبحث عن بقايا طعام في برميل للقمامة في أحد شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنية تبحث عن بقايا طعام في برميل للقمامة في أحد شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)

تواجه «أم هاني» صعوبة بالغة في توفير الحد الأدنى من الطعام لأطفالها، حيث تضطر صباح كل يوم بعد أن تقطعت بها السبل للذهاب لأحد الأماكن المخصصة لجمع المخلفات بأحد شوارع العاصمة المختطفة صنعاء للبحث عن بقايا أكل تسُد به رمق أطفالها، حيث يزاحمها نسوة وأطفال ورجال ممن يتسابقون يومياً إلى ذلك المكان وغيره، علهم يظفرون ببعض الطعام أو بحثاً عن عُلب فارغة لبيعها لتأمين رغيف العيش.

وتعاني عشرات الآلاف من الأسر اليمنية في صنعاء منذ أزيد من 9 سنوات من الفاقة والحرمان نتيجة ما آلت إليه ظروفهم المعيشية والمادية من تدهور بسبب استمرار سياسات الفساد والعبث ومسلسل التجويع والإفقار الذي تنتهجه بحقهم الجماعة الحوثية.

أسر يمنية في صنعاء تلجأ لتأمين وجبات طعام من المخلفات (الشرق الأوسط)

وتتحدث «أم هاني» التي تقطن حي السنينة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» والألم يعتصرها، وتقول إن لها أكثر من 4 سنوات منذ اختفاء زوجها في إحدى الجبهات الحوثية، وهي لا تعرف وأطفالها طعم الحياة كما كانوا يعهدون ذلك من قبل.

وتؤكد المرأة الأربعينية عجزها التام في كثير من الأيام عن توفير القوت الضروري لأطفالها، مشيرة إلى أن العيش في صنعاء بات صعباً جداً بالنسبة لها ولكثير من السكان الذين أصبحوا يكابدون نفس الهموم والأوجاع.

وتشكو المرأة في حديثها من تردي أوضاع أسرتها نتيجة فقدان المعيل، وندرة الشغل وتوقف المساعدات التي تقدمها منظمات إنسانية دولية وتجار وفاعلو خير في صنعاء.

أوضاع بائسة

أجرت «الشرق الأوسط» جولة قصيرة في شارع الستين الغربي (أكبر شوارع صنعاء)، ورصدت بعضاً من المشاهد التي توضح جلياً مدى الحالة المزرية التي وصل إليها أغلبية اليمنيين في صنعاء عقب 9 سنوات أعقبت الانقلاب والحرب.

وتحدثت عينة من السكان لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدين أن وضعهم المعيشي يزداد كل يوم سوءاً نتيجة استمرار الانقلاب الحوثي والتصعيد المستمر للجماعة في البحر الأحمر وخليج عدن والحروب الجديدة التي تحاول الجماعة جاهدة إشعالها لتحقيق مكاسب شعبية ومادية، وما يرافق ذلك من غياب لأبسط الخدمات وانقطاع الرواتب، واتساع رقعة الجوع والفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.

المشردون والمرضى النفسيون يفترشون شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)

وبحسب السكان، لم يعد يزدهر في مدينتهم سوى أعداد المشردين والمرضى النفسيين والمتسولين والفقراء والجوعى والعاطلين عن العمل الذين تعج بهم الشوارع والطرقات والأسواق والمساجد وجسور المشاة.

ويشير «جميل»، وهو اسم مستعار لموظف حكومي بصنعاء، إلى أنه عاجز منذ أسابيع عن توفير أدنى المتطلبات الأساسية لأفراد أسرته المكونة من زوجة و4 فتيات، نتيجة استمرار انقطاع راتبه، وندرة الشغل، وافتعال جماعة الحوثي أزمات معيشية واقتصادية جديدة فاقمت المأساة.

ولم يواجه «جميل» خلال سنوات ما قبل الانقلاب والحرب ظروفاً عصيبة وبالغة القسوة كهذه التي يعانيها في هذه الأيام، ويؤكد، في سياق حديثه لـ«الشرق الاوسط»، أن تدهور الأوضاع وقلة الحيلة والحرمان كل ذلك أصبح هو السائد في أوساط أغلب الأسر في حي «القاع» الذي يقطنه في صنعاء وفي عموم الأحياء الأخرى.

شوارع صنعاء تكتظ بآلاف المتسولين بعضهم من الموظفين المقطوعة رواتبهم (الشرق الأوسط)

ويفيد الموظف الحكومي بأن الانقلابيين لم يتركوا للسكان شيئاً يمكن أن يعينهم على مجابهة الظروف البائسة، «فالمشتقات النفطية والغاز المنزلي والخدمات الضرورية الأخرى شبه مفقودة، والأسعار مرتفعة والرواتب منقطعة، وجرائم القتل والسرقة والخطف والنهب منتشرة في كل شارع».

تجويع وتحشيد

يتهم السكان في صنعاء الجماعة الحوثية بأنها تتجاهل أوجاعهم، وتتعمد تجويعهم، مع تركيزها فقط على التصعيد العسكري وتكثيف عملياتها الاستهدافية للسكان من مختلف الأعمار بالدورات العسكرية والبرامج التعبوية لتحشيدهم إلى الجبهات.

معاناة الأسر اليمنية في صنعاء تأتي في وقت توقعت فيه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) استمرار تدهور الأمن الغذائي في اليمن حتى الربع الثالث من العام الحالي، نتيجة عدة عوامل رئيسية؛ أهمها نقص التمويل واضطرابات البحر الأحمر وارتفاع أسعار السلع وانخفاض العملة المحلية.

الفقر يدفع أشخاصاً من مختلف الأعمار في صنعاء للتسول لسد الرمق (الشرق الأوسط)

وطبقاً للتقرير المنظمة، فإن معظم محافظات اليمن التي تشهد أكبر انخفاض في استهلاك الغذاء تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين، بما في ذلك الجوف وحجة وتعز وصعدة ومأرب وريمة، ويعود سبب ذلك إلى «انخفاض المساعدات الغذائية العامة في مناطق الجماعة، وتداعيات أزمة البحر الأحمر».

ودعت المنظمة الأممية إلى تقديم الدعم للاستجابة الإنسانية وعدم ترك ملايين اليمنيين يواجهون خطراً متزايداً نتيجة تفاقم أكبر لانعدام الأمن الغذائي، متوقعة أن تكون مناطق سيطرة الجماعة الحوثية الأشد تأثراً خلال الفترة المقبلة.


مقالات ذات صلة

أهالي قرية يمنية في البيضاء مهددون بتنكيل الحوثيين

العالم العربي الحوثيون يحاصرون قرية يمنية في البيضاء وسط مخاوف من التنكيل بسكانها (إكس)

أهالي قرية يمنية في البيضاء مهددون بتنكيل الحوثيين

تسود مخاوف يمنية من قيام الجماعة الحوثية بالتنكيل بإحدى القرى في محافظة البيضاء بعد أن فرضت عليها حصاراً منذ الأربعاء الماضي، وسط تحذير حكومي وإدانات حقوقية.

علي ربيع (عدن)
الولايات المتحدة​ إطلاق صاروخ توماهوك من مدمرة أميركية في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - أ.ب)

واشنطن تعلن تدمير منصة صواريخ للحوثيين وزورقاً مسيراً في اليمن

قالت القيادة المركزية الأميركية، إن قواتها دمرت منصة إطلاق صواريخ للحوثيين، وزورقاً مسيراً في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن خلال الـ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي محافظ الحديدة اليمنية الحسن طاهر (سبأ)

محافظ الحديدة لـ«الشرق الأوسط»: نعمل على إحصاء خسائر السيول وإغاثة الضحايا

تعمل الحكومة اليمنية على إحصاء الخسائر جراء السيول التي جرفت مناطق واسعة في محافظة الحديدة الساحلية والمحافظات المجاورة وتدعو لمساندتها لإغاثة المناطق المنكوبة.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي صورة وزعها الحوثيون لاستهداف إحدى السفن في البحر الأحمر بزورق مسيّر مفخخ (أ.ف.ب)

ناقلة نفط تنجو من سلسلة هجمات حوثية... وأميركا تنفذ ضربات استباقية

استهدفت سلسلة هجمات يُعتقد أنها حوثية، ناقلة نفط في جنوب البحر الأحمر يومي الخميس والجمعة دون أضرار، في حين دمرت أميركا قدرات عسكرية للجماعة المدعومة من إيران.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي طبيب يمني يعاين مريضاً في أحد مستشفيات صنعاء (إ.ب.أ)

اتهامات للحوثيين بإخفاء أدوية مرضى السكري المجانية

يعاني الآلاف من مرضى السكري في محافظة إب اليمنية من انعدام الأدوية المخصصة لهم مجاناً من منظمات دولية، في ظل اتهامات للجماعة الحوثية بإخفائها.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر تؤكد مساندتها جهود مكافحة الإرهاب بدول الساحل الأفريقي

تعاني دول غرب أفريقيا من انتشار الجماعات الإرهابية (أ.ف.ب)
تعاني دول غرب أفريقيا من انتشار الجماعات الإرهابية (أ.ف.ب)
TT

مصر تؤكد مساندتها جهود مكافحة الإرهاب بدول الساحل الأفريقي

تعاني دول غرب أفريقيا من انتشار الجماعات الإرهابية (أ.ف.ب)
تعاني دول غرب أفريقيا من انتشار الجماعات الإرهابية (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، مُساندة بلاده جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بدول الساحل الأفريقي الغربي، وذلك في اتصالات متتالية مع نظرائه في بوركينا فاسو والنيجر ومالي.

ووفق بيان للخارجية المصرية، الجمعة، فإن الوزير عبد العاطي أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية البوركينابي كاراموكو جان ماري تراوري، تناول الوزيران خلاله مُجمل مسارات التعاون القائمة وبحث سُبّل تطويرها.

وأبدى وزير الخارجية المصري حرص بلاده على «دعم بناء القدرات الوطنية والتطوير المؤسسي بالدول الأفريقية، من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، والمنح الدراسية التي تقدمها الجامعات المصرية».

وزير الخارجية المصري يجري اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية بوركينا فاسو (الخارجية المصرية)

كما أكد مُساندة مصر جهود بوركينا فاسو في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، مشيراً إلى الجهد المبذول من أعضاء البعثة الأزهرية في بوركينا فاسو لمجابهة الفكر المتطرف وتصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الفكر المعتدل ‏والصورة الصحيحة عن الإسلام.

وأعرب عبد العاطي عن حرص مصر على الانخراط في تعزيز بنية السلم والأمن في القارة الأفريقية، ومخاطبة القضايا التي تمثل أولوية للدول الأفريقية، مؤكداً أن مصر ستظل دائماً داعمة لأشقائها الأفارقة في المحافل الإقليمية والدولية كافة.

وبحسب البيان، تناول الاتصال أهم القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك المستجدات في منطقة الساحل والصحراء، والتحديات الأمنية المتزايدة وتأثيرها في دول غرب أفريقيا، وكيفية التعامل مع هذه التهديدات.

في السياق ذاته، أجرى عبد العاطي اتصالاً مع بكاري ياو سانجاري وزير الخارجية بدولة النيجر، تناول بحث آفاق تعزيز أطر التعاون الثنائي القائمة خلال الفترة المقبلة، لا سيما في المجالات الاقتصادية والتنموية.

وشدد البيان المصري على حرص مصر على تعزيز الأمن والاستقرار في دول غرب أفريقيا، ودعم جهود الحكومات الوطنية لاستعادة سيادتها وسيطرتها على أراضيها كافة، ومجابهة الجماعات الإرهابية، من خلال التأكيد على دعم مصر للجانب النيجري في مُكافحة الإرهاب وبناء قدرات الكوادر الوطنية، وتعزيز التعاون مع مركز الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب، فضلاً عن الدورات التي تنظمها «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية»، و«مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام (CCCPA)».

وبموازاة ذلك، أجرى عبد العاطي اتصالاً مع عبد الله ديوب وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة مالي، نظراً لـ«الأهمية الكبيرة التي تحتلها مالي في منطقة الساحل الأفريقي»، على حد وصف البيان.

وأشار وزير الخارجية إلى دور «مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام» (CCCPA)، الذي ينظم دورات تدريبية في باماكو للقيادات الدينية المالية في الموضوعات المتصلة بالوقاية من التشدد والفكر المتطرف المؤدي للإرهاب. كما ألقى الضوء على دور البعثة الأزهرية في مالي في مجال نشر مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل؛ مما يسهم في جهود مكافحة التطرف.