عمالة الأطفال في صنعاء تتفاقم... والعون القانوني والاجتماعي مفقود

الحوثيون أوقفوا أنشطة الحماية والجهات الأممية غيّرت أولوياتها

الأطفال في اليمن يساعدون عائلاتهم حتى في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)
الأطفال في اليمن يساعدون عائلاتهم حتى في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)
TT

عمالة الأطفال في صنعاء تتفاقم... والعون القانوني والاجتماعي مفقود

الأطفال في اليمن يساعدون عائلاتهم حتى في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)
الأطفال في اليمن يساعدون عائلاتهم حتى في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)

لم يعرف طه فؤاد المدرسة، ولا يعلم عنها سوى أن عدداً من أقرانه اليمنيين في العاصمة المختطفة صنعاء يرتادونها، فيما يتشارك هو وأصدقاء كُثر في مثل عمره الحياة التي يقضونها في عدد من الأعمال والمهن المختلفة، وليست لديهم نية للالتحاق بالمدارس.

منذ عام تقريباً يعمل فؤاد المولود في 2016 في بيع المياه المعدنية لسائقي السيارات في تقاطعات الشوارع والإشارات المرورية وسط صنعاء، وقبلها كان يعمل في كافتيريا وسط حي تجاري غربي المدينة، ومهمته نقل طلبات الأغذية والمشروبات إلى المحلات التجارية، وهو يعيل والدته وشقيقه الأصغر منه بعد وفاة والده.

آلاف الأطفال في اليمن يتسربون من التعليم لمساعدة عائلاتهم من خلال الأعمال الشاقة (رويترز)

وتشير قصة فؤاد إلى توسع عمالة الأطفال في صنعاء بسبب الأوضاع المعيشية المتردية بفعل الانقلاب الحوثي والحرب، إذ تتضاعف حاجة العائلات إلى استخدام أطفالها في كسب الرزق، خصوصاً بين أطفال العائلات النازحة، أو تلك التي فقدت معيلها، مع تراجع المعونات المقدمة من الجهات المحلية والدولية والأممية وغياب الحماية القانونية والاجتماعية للأطفال، والافتقار إلى المساعدة لإلحاقهم بالمدارس.

وتصنف عدد من الجهات المحلية والأممية اليمن في المرتبة الأولى عربياً في عمالة الأطفال، والتي تتركز في البيع المتجول وغسيل السيارات وأعمال البناء والميكانيكا والنظافة والزراعة، وبحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية منذ ثلاثة أعوام فإن نسبة عمالة الأطفال في اليمن بلغت 13.6 في المائة، متفوقة على السودان والعراق ومصر.

ويتحسر وهبي علوان، وهو معلم ممن توقفت رواتبهم منذ ما يقارب الثمانية أعوام، لاضطراره إلى منافسة الأطفال في عدد من المهن التي عمل فيها خلال السنوات الماضية، فبينما يسعى هو إلى توفير الطعام لأطفاله، يجد نفسه يزاحم أطفالاً آخرين، لم ينعموا بطفولتهم، ولم يكتسبوا خبرات حياتية.

وينوه في شهادته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأطفال في صنعاء باتوا يعملون في مختلف الأنشطة، خصوصاً تلك الشاقة والمرهقة، ويفضلهم أصحاب الأعمال على غيرهم من الشباب والمتقدمين في السن، لسهولة اقتناعهم بفتات الأجور، وإمكانية خداعهم أو معاقبتهم، إلى جانب طاعتهم العمياء، في غياب حماية القانون، واستغلال سلطات الجماعة الحوثية لهم.

نهب الموارد

طبقاً لتقارير وإحصائيات منظمات أممية خلال الأعوام الماضية؛ تبلغ نسبة الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما 11 في المائة، وتزيد النسبة مع التقدم في العمر إلى 28.5 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً و39.1 في المائة لمن هم دون الثامنة عشرة، حيث يقدر عدد الأطفال في الفئة السنية ما بين 5 أعوام و18 عاماً، بأقل من 8 ملايين طفل وطفلة.

طفل يبيع الورد في أحد شوارع العاصمة صنعاء وجواره آخر يبيع المياه المعدنية (إكس)

ويحظر قانون حقوق الطفل اليمني عمل الأطفال دون سن الرابعة عشرة، كما يمنع استخدامهم في أعمال شاقة وخطرة، مثل الأعمال الصناعية، بعد هذه السن، إلا أن مخالفة هذا القانون كانت شيئاً معتاداً قبل الانقلاب، بحسب المحامي مجيب الشرعبي الذي أشار إلى أنه لم تتوفر الآليات والوسائل لحماية الأطفال وفق هذا القانون.

ويؤكد الشرعبي لـ«الشرق الأوسط» أن ما بعد الانقلاب لا يمكن مقارنته بأي شكل مع ما قبله، فعمالة الأطفال تحولت إلى سلوك إجباري لغالبية العائلات نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي خلفتها الحرب، وبعد أن كانت المنظمات المحلية والدولية تبحث في كيفية معالجة المشكلة، أصبحت تهتم، وبشكل طفيف، بمساعدة الأطفال العاملين والتخفيف من معاناتهم.

وتلفت محامية عملت في عدد من برامج حماية الطفولة قبل الانقلاب، وفضلت عدم ذكر اسمها، إلى أن الجهات الحكومية والمنظمات سعت في السابق إلى تطوير القانون وتوفير حماية واسعة للأطفال من مختلف الانتهاكات التي تطالهم، لكن الوضع الحالي يدفع باتجاه حماية الأطفال من انتهاكات الحرب وغياب الدولة فقط.

فبحسب المحامية توقفت الجهات الرسمية المعنية بالطفولة عن تقديم خدماتها بعد سيطرة الجماعة الحوثية عليها، وهي المتهم الرئيسي بتجنيد الأطفال واستغلالهم، ونهبت التمويلات والموارد الخاصة بحماية الطفولة، بينما توقفت التمويلات الدولية أو تراجعت إلى حد بعيد للتركيز على برامج الإغاثة.

توقف التمويل

تبرز صنعاء كأكثر مدينة يمنية تتوسع فيها عمالة الأطفال، وحيثما وجه المرء عينيه يجد صغاراً يفنون طفولتهم في مساعي كسب القوت لعائلاتهم، ويتوزعون على مختلف المهن، وساهم النزوح في مفاقمة الظاهرة، بعد أن استقبلت المدينة خلال الأعوام الماضية نازحين من مناطق نزاع مشتعلة في عدد من المحافظات.

صبي يعمل في ورشة للسيارات في العاصمة صنعاء (إكس)

وبعد أن كانت العائلات تظن نزوحها مؤقتاً وطارئاً، اضطرت لاحقاً لمواجهة قساوة المعيشة بكل الوسائل المتاحة، بما فيها عمالة أطفالها.

وتقول الناشطة أمل عبد النور إن المنظمات المحلية أو الدولية تعجز فعلياً عن التعاطي مع عمالة الأطفال في مختلف مناطق اليمن، لكن هذا العجز يظهر بشكل واضح في صنعاء، حيث يصعب إجراء إحصائيات شاملة، كما يبدو من غير الممكن تحديد نسب الأطفال العاملين وتقسيمهم بحسب الأعمار أو المهن التي يزاولونها.

وتوضح عبد النور، وهي موظفة سابقة في عدد من المنظمات، لـ«الشرق الأوسط» أن الجهات الدولية والأممية، على كثرتها، لم تعد تعطي عمالة الأطفال اهتماماً كافياً نظراً لتعقد الوضع الإنساني في اليمن، واضطرارها لمواجهة الكثير من الاحتياجات المضاعفة للسكان.

ويبين محمد العدني، وهو ناشط في منظمة إغاثية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن تراجع المنظمات الدولية والأممية عن التركيز على هذه القضية قد يكون راجعاً إلى أن عمالة الأطفال تساهم في التقليل من الحاجة إلى خدماتها، كما أن عمالة الأطفال تخفف عنها المطالب بتغطية الاحتياجات الإنسانية للكثير من العائلات.

الأطفال في اليمن يساعدون عائلاتهم حتى في الحصول على المعونات الغذائية الإغاثية (أ.ف.ب)

ويذهب العدني إلى أن الكثير من العائلات باتت تفضل أن يلتحق أطفالها بسوق العمل في سن مبكرة نظراً لعدم وجود جدوى مباشرة وسريعة من التعليم، لكنها في نفس الوقت ترى أن العمل يبعدهم كثيراً عن إمكانية استغلال الجماعة الحوثية لهم في مشاريعها بغسل أدمغتهم وتجنيدهم للقتال في صفوفها.

وقبل عامين عزت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو) اتساع عمالة الأطفال إلى انخفاض دخل الأسرة، وقلة البدائل المتاحة لكسب العيش، وسوء فرص الحصول على التعليم، ومحدودية إنفاذ قانون العمل.


مقالات ذات صلة

ملك الأردن يحذّر من «خطورة توسع الصراع» في اتصالات بماكرون وميلوني وترودو والسيسي

المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته على مدخل قصر الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

ملك الأردن يحذّر من «خطورة توسع الصراع» في اتصالات بماكرون وميلوني وترودو والسيسي

حذر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني خلال اتصالات هاتفية برئيس فرنسا، ورئيسة وزراء إيطاليا، ورئيس وزراء كندا من «خطورة توسع دائرة الصراع في الإقليم».

«الشرق الأوسط» (عمان)
العالم العربي مسيّرة حوثية زعمت الجماعة أنها استهدفت بها تل أبيب (أ.ف.ب)

أميركا تدمر منظومات حوثية في البحر الأحمر وخليج عدن

أعلن الجيش الأميركي تدمير منظومات حوثية هجومية في البحر الأحمر وخليج عدن، استمراراً لعمليات الدفاع الاستباقية التي تقودها واشنطن لحماية السفن من الهجمات.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الاعتقالات الأخيرة أدت إلى تعقيد العمليات الإنسانية في مناطق سيطرة الحوثيين (الأمم المتحدة)

​تعاظم المخاطر على موظفي الإغاثة في مناطق سيطرة الحوثيين

أكد تحليل نفذ لصالح منظمات أممية عاملة باليمن تعاظم المخاطر على الموظفين بمناطق سيطرة الحوثيين بما في ذلك خطر الاحتجاز وتقييد الحركة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي جانب من عُرس جماعي أقامه الحوثيون لأتباعهم قبل شهر في إب (إعلام حوثي)

أعراس جماعية لانقلابيي اليمن يموِّلها التجار بالإكراه

أرغمت الجماعة الحوثية رجال أعمال ومُلاك متاجر متوسطة وصغيرة، في العاصمة المختطفة صنعاء، على دفع مبالغ مالية لدعم إقامة أعراس جماعية لأتباعها والمستقطَبين الجدد.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي زاوية صوفية في زبيد من القرن السابع الهجري (إعلام محلي)

اليمن: مدينة زبيد التاريخية أحدث «ضحايا» الانقلابيين

على الرغم من مرور 24 عاماً على وضع مدينة زبيد اليمنية على قائمة التراث العالمي المُعرّض للخطر، فإن إهمال الانقلابيين الحوثيين فاقم من هذا الخطر.

محمد ناصر (تعز)

أميركا تدمر منظومات حوثية في البحر الأحمر وخليج عدن

سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
TT

أميركا تدمر منظومات حوثية في البحر الأحمر وخليج عدن

سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)

أعلن الجيش الأميركي تدمير منظومات حوثية هجومية في البحر الأحمر وخليج عدن، استمراراً لعمليات الدفاع الاستباقية التي تقودها واشنطن لحماية السفن من الهجمات التي بدأتها الجماعة الموالية لإيران في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وجاءت الضربات الأميركية الجديدة في وقت تشهد فيه الهجمات الحوثية توقفاً شبه تام منذ القصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي، حيث لم تسجل سوى محاولة هجومية يتيمة استهدفت، السبت الماضي، سفينة في خليج عدن دون إصابات.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان عن تطورات الوضع في الخامس من أغسطس (آب) أن قواتها دمرت خلال 24 ساعة 3 طائرات حوثية من دون طيار فوق خليج عدن أطلقتها الجماعة من المناطق الخاضعة لسيطرتها.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت قوات الجيش الأميركي - وفق البيان - في تدمير طائرة من دون طيار تابعة للحوثيين المدعومين من إيران في منطقة تسيطر عليها الجماعة، كما دمرت بشكل منفصل زورقاً حوثياً مسيّراً وطائرة من دون طيار، وصاروخاً باليستياً مضاداً للسفن في البحر الأحمر.

وقال البيان إن هذه الأسلحة شكلت تهديداً واضحاً ومباشراً للقوات الأميركية وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة، ووصف السلوك الحوثي بـ«المتهور والخطير» في تهديد الاستقرار والأمن الإقليميين.

مسيّرة حوثية زعمت الجماعة أنها استهدفت بها تل أبيب (أ.ف.ب)

ويؤكد مراقبون يمنيون أن الضربات الأميركية المتلاحقة كان لها دور كبير في تراجع هجمات الجماعة الحوثية خصوصاً أنها استهدفت كثيراً من الرادارات التي توجه الهجمات ومنصات الإطلاق خلال الآونة الأخيرة.

وكانت إسرائيل قد نفّذت في 20 يوليو ضربات انتقامية ضد الحوثيين استهدفت خزانات الوقود والكهرباء في الحديدة وميناءها، رداً على طائرة مسيّرة استهدفت تل أبيب في 19 يوليو، تبنّت الجماعة الموالية لإيران في اليمن إطلاقها، وأدّت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.

نتائج المواجهة

يشار إلى أن الجماعة الحوثية تبنت منذ نوفمبر الماضي كثيراً من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يُذكر، باستثناء هجوم المسيّرة على تل أبيب في 19 يوليو، كما تبنّت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وأصابت الهجمات نحو 31 سفينة، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

بقايا حطام طائرة أميركية من دون طيار زعم الحوثيون إسقاطها في صعدة حيث معقلهم الرئيسي (أ.ف.ب)

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وأقرّت الجماعة بتلقّي نحو 600 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، وسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً جرّاء الضربات التي تشنّها واشنطن تحت ما سمّته تحالُف «حارس الازدهار».

وتشنّ الجماعة الحوثية الموالية لإيران منذ 19 نوفمبر الماضي هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ إذ تدّعي أنها تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل، بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية.

كما تزعم أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية، بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلّحة موالية لإيران، ضمن عمليات الإسناد للفلسطينيين في غزة، وهو الأمر الذي تقول الحكومة اليمنية إنه يأتي هروباً من استحقاقات السلام، وخدمةً لأجندة طهران في المنطقة.