غضب يمني لإغلاق الحوثيين مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان

منظمات دولية في طور الاستعداد لإخلاء مكاتبها

مظاهرات حوثية في صنعاء خلال يونيو الماضي لتهديد المجتمع الدولي (أ.ف.ب)
مظاهرات حوثية في صنعاء خلال يونيو الماضي لتهديد المجتمع الدولي (أ.ف.ب)
TT

غضب يمني لإغلاق الحوثيين مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان

مظاهرات حوثية في صنعاء خلال يونيو الماضي لتهديد المجتمع الدولي (أ.ف.ب)
مظاهرات حوثية في صنعاء خلال يونيو الماضي لتهديد المجتمع الدولي (أ.ف.ب)

تسيطر حالة من القلق في الأوساط الحقوقية والإنسانية على اليمن بعد قرار الجماعة الحوثية إغلاق المفوضية السامية لحقوق الإنسان في صنعاء، بينما تفيد مصادر مطلعة باستعداد منظمات دولية لإغلاق مكاتبها رفضاً للهيمنة والإجراءات التعسفية بعد أسابيع من اختطاف موظفي المنظمات والسفارات، واتهامهم بالتجسس والخيانة في ظل صمت أممي. وذكرت مصادر حقوقية في العاصمة صنعاء أن الجماعة الحوثية خاطبت، الأسبوع الماضي، المفوضية الأممية بإغلاق مقرها في صنعاء في غضون ثلاثة أيام، دون إبداء الأسباب التي دفعتها لاتخاذ مثل هذا القرار، بينما لم يصدر عن الأمم المتحدة أي تعليق حول ذلك.

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لضغوط وممارسات تعسفية من قبل الجماعة الحوثية (إ.ب.أ)

وخلال الأسابيع الماضية، اختطفت الجماعة الحوثية العشرات من موظفي المنظمات المحلية والدولية والأممية في مناطق سيطرتها، كما أذاعت على وسائل إعلامها المرئية مقاطع فيديو لموظفين في السفارة الأميركية ومنظمات دولية وأممية اختطفتهم منذ أكثر من 3 أعوام يعترفون فيها بـ«التجسس لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل».

وأثار القرار الحوثي بإغلاق مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان غضباً في الأوساط الحقوقية تجاه تطاول الممارسات الحوثية وإمعانها في استهداف الأنشطة المدنية والحقوقية والإغاثية، ومخاوف من التسبب بإفقار وتجويع عائلات الموظفين في المفوضية بعد توقف نشاطها، إلى جانب القلق على حياتهم وسلامتهم وحريتهم من اتهام الجماعة لهم بمزاولة أنشطة تجسسية. ولم يعد «محمد غزير»، وهو اسم مستعار لموظف في المفوضية، يستغرب الإجراءات الحوثية تجاه المنظمات الدولية وموظفيها، ويشير إلى أن هذا القرار كان متوقعاً من خلال عدة إشارات سابقة تلقاها مكتب المفوضية في صنعاء. وحسب توضيح «غزير» لـ«الشرق الأوسط» فإن المفوضية أبلغت عدداً من موظفيها بضرورة مغادرة العاصمة صنعاء قبل حملة الاختطافات، نظراً إلى عدة مؤشرات تلقتها، إلا أن ما لم يكن متوقعاً أن الحملة استهدفت أفراداً لم يكونوا ممن جرى إبلاغهم. ويتابع: «كان اسمي بين المستهدفين، ومن حسن حظي أني غادرت صنعاء لزيارة عائلتي قبلها بأيام خلال عيد الأضحى».

إجراءات عقابية واستباقية

ترجح مصادر حقوقية أن يكون القرار الحوثي جاء على خلفية مساعي المفوضية لرصد الانتهاكات التي طالت موظفي المنظمات والسفارات المختطفين، ورفع تقارير عن معاناة عائلاتهم والأضرار التي لحقت بها.

خلال السنوات الماضية مارست الجماعة الحوثية ضغوطاً كبيرةً على المفوضية السامية لحقوق الإنسان (إعلام حوثي)

ووفقاً لمطهر البذيجي، المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، فإن المفوضية السامية لحقوق الإنسان هي إحدى أهم الوكالات الأممية العاملة على ضمان وتعزيز حقوق الإنسان، التي سعت الجماعة الحوثية إلى السيطرة والتضييق عليها، وتعرضت للكثير من الإجراءات الحوثية، بينها اختطاف باحثين وعاملين فيها، وفرض موظفين تابعين للجماعة عليها.

وذكّر البذيجي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بمطالب الحكومة اليمنية ومنظمات المجتمع المدني بنقل مكاتب الوكالات الأممية إلى العاصمة المؤقتة عدن، منبهاً إلى أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تساهلا كثيراً مع الممارسات الحوثية، ولم يتعاملا معها بالمستوى نفسه، مرجحاً أن هذا التصعيد قد يأتي بالفائدة من خلال انتقال المفوضية للعمل في مناطق سيطرة الحكومة ومزاولة أنشطتها بحرية وبعيداً عن الهيمنة الحوثية، ما يصب في صالح ضمان حقوق الإنسان في اليمن.

وسبق للحكومة اليمنية مناشدة مجلس الأمن اتخاذ إجراءات عاجلة للضغط على الجماعة الحوثية لضمان سلامة الموظفين المحتجزين، وإطلاق سراحهم فوراً ودون شروط، وطالبت الأمم المتحدة، وجميع الوكالات الدولية، بنقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن، بعد اختطاف العشرات من موظفيها. وينوه صادق الوصابي، وهو صحافي وموظف أممي سابق، إلى احتمال أن يكون تصعيد الجماعة ضد مفوضية حقوق الإنسان يأتي في إطار عدم استفادتها المالية منها، كون المفوضية تفتقر للتمويلات التي تتلقاها منظمات أخرى مثل الصحة العالمية واليونيسف والغذاء العالمي.

تحت مبرر مناصرة قطاع غزة جنّدت الجماعة الحوثية آلاف المقاتلين وصعدت من اتهاماتها للمنظمات (أ.ب)

وتوقع الوصابي خلال إفادته لـ«الشرق الأوسط» أن تكون هذه الإجراءات ضد المفوضية ومنظمات أخرى مجرد استباق لقرارات اتخذتها هذه المنظمات بنقل مكاتبها من مناطق سيطرة الجماعة هرباً من ممارسات الجماعة التي تريد أن تصور الأمر، وكأنها هي من أجبرتها على الإغلاق. وطبقاً للوصابي، فإن الجماعة باتت موقنة من أن تقارير المفوضية لم تعد تخدم مصالحها كما كان في السابق.

تأثيرات خطرة

ترفض الجماعة الحوثية إطلاق سراح الموظفين المختطفين، في الوقت نفسه الذي توجه المنظمات العاملة في مناطق سيطرتها بإطلاعها والحصول على موافقتها قبل أي عملية توظيف جديدة، سواء للكوادر المحلية أو الأجنبية، وموافاتها بالهياكل الوظيفية لكل منظمة، مشمولاً بأسماء الموظفين كافة ومسمياتهم الوظيفية. ويعدّ قرار الجماعة الحوثية بإغلاق مقر المفوضية الأممية لحقوق الإنسان إمعاناً في تجاهلها كافة المواقف المحلية والإقليمية والدولية المنددة بهذه الإجراءات والمطالبة بإطلاق سراح موظفي المنظمات الأممية والدولية والسفارات.

وفي السياق كشفت مصادر حقوقية أن الحكومة الألمانية أبلغت رسمياً الجماعة الحوثية بإيقاف أنشطة الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (جي آي زد) وإغلاق مكتبها في صنعاء خلال الستة الأشهر المقبلة، بينما تتحدث مصادر عن استعداد منظمات نرويجية وسويدية لإغلاق مكاتبها في صنعاء رفضاً لممارسات الجماعة. وطالبت الأمم المتحدة، خلال الشهر الماضي، الجماعة الحوثية، بالإفراج «غير المشروط» عن موظفيها المختطفين، منوهة إلى أنها تستطلع كل القنوات الممكنة للتوصل إلى إفراج غير مشروط عن جميع هؤلاء الأشخاص في أسرع وقت. ويذهب الناشط الحقوقي رياض الدبعي إلى أن إغلاق الجماعة الحوثية مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان في صنعاء وتخلي الأمم المتحدة عن موظفيها المحتجزين وعائلاتهم يعكس تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في اليمن، ويؤثر بشكل مباشر على قدرة المنظمات الدولية على العمل بفاعلية في البلاد، وسلباً على رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الدعم اللازم للضحايا. ويؤكد الدبعي لـ«الشرق الأوسط» أن مكتب المفوضية كان شبه متوقف عن العمل، أما موظفوه فكانوا تقريباً تحت الإقامة الجبرية، ووقعت الكثير من الانتهاكات في مناطق سيطرة الجماعة دون أن يصدر عن المفوضية أي موقف، وأقرب مثال إلى ذلك حادثة مقتل وجرح مدنيين في تفجير المنازل في رداع. ودعا إلى مراجعة استراتيجيات حماية العاملين والعاملات في مناطق النزاع لضمان قدرتهم على أداء مهامهم الإنسانية دون تعريض حياتهم للخطر.


مقالات ذات صلة

هيئة بريطانية: انفجار صغير وقع قرب سفينة شرق عدن اليمنية

العالم العربي زورق مفخخ يتبع جماعة «الحوثي» خلال ارتطامه بسفينة تجارية (لقطة من فيديو بثته الجماعة للعملية)

هيئة بريطانية: انفجار صغير وقع قرب سفينة شرق عدن اليمنية

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن انفجاراً صغيراً وقع بالقرب من سفينة على بُعد 170 ميلاً بحرياً شرق مدينة عدن اليمنية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الطريق من القرن الأفريقي إلى اليمن أكثر طرق الهجرة ازدحاماً وخطورة في العالم (الأمم المتحدة)

انتهاكات وترحيل قسري للاجئين الأفارقة بمناطق سيطرة الحوثيين

اتهمت الأمم المتحدة الجماعة الحوثية في اليمن بتعريض اللاجئين الأفارقة لشتى صنوف الانتهاكات قبل إجبارهم على الرحيل القسري إلى مناطق سيطرة الحكومة اليمنية.

محمد ناصر (تعز)
المشرق العربي صاروخ استعرضته الجماعة الحوثية في صنعاء (رويترز)

الحوثيون يتوعدون بـ«ردّ عسكري» على «التصعيد الخطير» من قبل إسرائيل

توعّد زعيم «الحوثيين» عبد الملك الحوثي الخميس بـ«رد عسكري» على ما وصفه بـ«التصعيد الخطير» من قبل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء )
العالم العربي جانب من اجتماع مجلس الوزراء اليمني في عدن الثلاثاء (سبأ)

​الحكومة اليمنية تحذر الحوثيين من رهن مصير البلاد بمعاركهم العبثية

حذرت الحكومة اليمنية الحوثيين المدعومين من إيران من رهن مصير البلاد بمعاركهم «العبثية» خدمة لأجندة طهران ودعتهم إلى التعاطي الإيجابي مع جهود السلام.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون أعدموا في 2021 تسعة من سكان الحديدة بينهم قاصر بعد محاكمة وُصفت بـ«الجائرة» (أ.ف.ب)

تحذير يمني من إقدام الحوثيين على إعدام 3 معتقلين

حذّرت الحكومة اليمنية ومنظمات حقوقية من إقدام الحوثيين على إعدام 3 من المعارضين السياسيين بعد مصادقة محكمة تديرها الجماعة في صنعاء على الأحكام.

محمد ناصر (تعز)

حملات حوثية في صنعاء لإقناع السكان بمقاطعة اللقاحات

الحوثيون منعوا حملات التطعيم ما تسبب في عودة ظهور مرض شلل الأطفال (فيسبوك)
الحوثيون منعوا حملات التطعيم ما تسبب في عودة ظهور مرض شلل الأطفال (فيسبوك)
TT

حملات حوثية في صنعاء لإقناع السكان بمقاطعة اللقاحات

الحوثيون منعوا حملات التطعيم ما تسبب في عودة ظهور مرض شلل الأطفال (فيسبوك)
الحوثيون منعوا حملات التطعيم ما تسبب في عودة ظهور مرض شلل الأطفال (فيسبوك)

شنت الجماعة الحوثية حملات تحريض جديدة ضد اللقاحات في العاصمة المختطفة صنعاء بالتزامن مع كشف تقرير دولي حديث عن تسجيل نحو 10 حالات إصابة جديدة بشلل الأطفال في اليمن خلال أسبوع، إلى جانب تسجيل نحو 32 حالة إصابة أخرى بذات المرض منذ مطلع العام الحالي، مُعظمها في مناطق سيطرة الجماعة.

وأفادت مصادر طبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأن قادة الجماعة الحوثية يتصدرهم طه المتوكل المعين وزيراً للصحة في الحكومة غير المعترف بها، كثفوا في الآونة الأخيرة، عقد اللقاءات والاجتماعات مع ممثلي منظمات ووسائل إعلام موالية لهم في سياق الحض على تنظيم ندوات وورش عمل وحملات دعاية ميدانية وإعلامية مضادة للقاحات.

طفل يمني يتلقى تطعيم ضد مرض الكوليرا (أ.ف.ب)

وبموجب التوصيات التي توصلت إليها هذه الاجتماعات، أقامت المنظمات الحوثية المستحدثة ومنها ما تسمى: «بنيان، إنسان، انتصاف، رائدات، صحتنا، يَمن، مناصرة) وغيرها، أنشطة وفعاليات وبرامج ميدانية تستهدف السكان (ذكور، وإناث) بينهم طلاب المدارس في صنعاء وريفها لإقناعهم بمقاطعة اللقاحات التي تقيهم من الأوبئة والأمراض.

وسبق ذلك أن أقامت ما تسمى مؤسسة «بنيان» بالتعاون مع مؤسسة «صحتنا» الحوثيتين، ندوة بزعم «التوعية» في صنعاء، حملت عنوان «خطورة اللقاحات على البشرية» وتحت شعار «اللقاحات ليست آمنة ولا فعَّالة»، وهدفت إلى مهاجمة اللقاحات والمنظمات الدولية التي تتبناها.

وهاجم كبار قادة الانقلاب المشاركون في الندوة اللقاحات الطبية والمنظمات الدولية التي تتبناها، زاعمين وجود مخاطر صحية لها وأنها مؤامرة عالمية تستهدف البشرية، بينما تشير تقارير محلية وأخرى دولية إلى وجود انتشار ملحوظ للأمراض والأوبئة في مناطق سيطرة الجماعة، جراء محاربتها المستمرة لحملات التطعيم.

ووفق مصادر صحية وسكان في صنعاء، خصصت الجماعة الحوثية برامج يومية تقوم خلالها بالتحريض ضد اللقاحات عبر إذاعات محلية، إلى جانب إلزام مشرفيها في الأحياء ومعمميها في مساجد عدة بانتهاج خطاب يروع السكان، ويحذرهم من مخاطر التحصين.

تصاعد الإصابات

في حين أطلقت الحكومة اليمنية في منتصف يوليو (تموز) الماضي، الجولة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، مستهدفة نحو 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة في 12 محافظة، اتهمت مصادر يمنية عاملة في القطاع الصحي جماعة الحوثي بمواصلة الإهمال والفساد اللذين أديا إلى عودة تفشي كثير من الأمراض في أوساط اليمنيين.

وأدى الانخفاض الكبير في معدلات التحصين، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين، إلى عودة عديد من الأوبئة يتصدرها شلل الأطفال والحصبة والكوليرا والدفتيريا، التي كان من الممكن الوقاية منها باللقاحات. وإذ تستمر جماعة الحوثي غير آبهة بصحة وحياة الناس بشن مزيد من الحملات الإعلامية المكثفة لمقاطعة اللقاحات وبرامج التحصين بزعم أنها صناعة «أميركية»، وتهدف إلى قتل اليمنيين.

وتؤكد تقارير أممية تسجيل أزيد من 113 ألف حالة إصابة بـ«الكوليرا» في اليمن منذ مطلع العام الحالي أغلبها بمناطق سيطرة الجماعة الانقلابية.

طفل يمني يتلقى جرعة لقاح مقدم من قبل «الصحة العالمية» (الأمم المتحدة)

وفي تقرير حديث، كشفت مبادرة عالمية للقضاء على شلل الأطفال عن تسجيل 10 إصابات بشلل الأطفال بمناطق سيطرة جماعة الحوثي خلال أسبوع، مؤكدة أن إجمالي عدد الحالات المُبلغ عنها باليمن منذ مطلع العام الحالي بلغت 32 حالة، معظمها في مناطق سيطرة الانقلابيين.

ووفق التقرير، جرى الإبلاغ عن 11 حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال في اليمن، بين يومي 18 و 24 يوليو الماضي، حيث سجلت هذه الحالات في المحافظات تحت سيطرة جماعة الحوثي، وجرى الإبلاغ عن 4 حالات في الحديدة، ومثلها في عمران، وحالة واحدة في كل من البيضاء وتعز وذمار.

وفي إحصائية أخرى، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» تسجيل 257 إصابة بشلل الأطفال، بسبب منع الحوثيين حملات التطعيم منذ 4 سنوات، لافتة إلى أن التطعيم يُعد الطريقة الوحيدة لمنع الأطفال من الإصابة بشلل الأطفال، لأنه ليس مجرد استثمار في رفاهية الأطفال الضعفاء، بل أيضاً في اقتصاد اليمن ومستقبله.