مؤيدو الحكومة اليمنية ينتقدون تدخل غروندبرغ لوقف قرارات «المركزي»

المبعوث طلب تأجيل التدابير ضد البنوك الخاضعة للحوثيين

الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)
الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)
TT

مؤيدو الحكومة اليمنية ينتقدون تدخل غروندبرغ لوقف قرارات «المركزي»

الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)
الجماعة الحوثية تمنع تداول الأوراق النقدية التي أصدرها البنك المركزي اليمني (أ.ف.ب)

انهالت الانتقادات من الكُتّاب والاختصاصيين اليمنيين المؤيدين للحكومة المعترف بها دولياً ضد مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن، هانس غروندبرغ، عقب إعلان مجلس القيادة الرئاسي تلقيه خطاباً منه، يطلب فيه تأجيل تنفيذ قرارات سحب تراخيص 6 بنوك تجارية تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين.

وعلى الرغم من أن مجلس القيادة الرئاسي اليمني أبدى تفهماً للطلب الأممي، ووضع شروطاً واضحة للقبول بالانخراط في حوار اقتصادي مع الحوثيين، في طليعتها استئناف تصدير النفط، فإن المعلقين رأوا في خطاب المبعوث الأممي «تدخلاً لصالح الحوثيين»، وأنه كان ينبغي له اتخاذ موقف حازم عندما أقدمت الجماعة على خلق انقسام نقدي، ونهب أصول البنوك ورواتب الموظفين.

وفي هذا السياق، وصف المحلل الاقتصادي اليمني وفيق صالح، استناد خطاب المبعوث الأممي إلى الوضع الإنساني وتأزم الأوضاع المعيشية، في طلب تأجيل تطبيق قرارات البنك المركزي اليمني في عدن، بأنه «غير موفق».

وقال: «كان الأجدر أن تحضر الورقة الإنسانية للأمم المتحدة، عندما قرر الحوثي تكريس الانقسام النقدي، ونهب أصول وأموال البنوك في (مركزي صنعاء)، وقطع رواتب الموظفين للعام التاسع على التوالي، وتجميد نشاط البنوك، من خلال سلسلة من الإجراءات التي أدت إلى شلل القطاع المصرفي».

وفي تعليقه على خطاب المبعوث، أكد صالح أن هذه القرارات هي من صميم اختصاصات البنك المركزي في إعادة ضبط الأوضاع المالية والنقدية في البلاد، في حين أن الأمم المتحدة لم تتحرك للضغط على الحوثيين؛ للتراجع عن خطواتهم التدميرية بمختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية، التي أدت إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية. وقال: «إذا كانت الأمم المتحدة حريصةً على الأوضاع في اليمن، فهي تعرف جذر المشكلة الاقتصادية في البلاد، المتمثلة بحرب الحوثيين، على القطاعات كافة».

تدخل غير منطقي

في رأي متسق، عدّت القاضية اليمنية إشراق المقطري، أنه من غير المنطقي تدخلات المبعوثَين الأمميَّين السابق والحالي، التي تصب دائماً في مصلحة الحوثي. وقالت: «كلما ‏اتخذت الشرعية قراراً سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً، سارع المبعوث بإيقافها، والضغط، والخطابات والزيارات، في حين أنه يصمت ويستسلم لأي إجراء أو تصعيد أمني أو عسكري أو اقتصادي تقوم به جماعة الحوثي فيه مساس بحقوق وكرامة وسلامة اليمن واليمنيين واليمنيات».

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في مرمى الانتقادات (الأمم المتحدة)

والأغرب - بحسب المقطري- هو تبرير المبعوث تدخله السلبي بأنه «مرتبط بدوافع إنسانية ولأن الإجراءات ستضر باليمنيين». وقالت: «‏للأسف ليس هناك أسوأ مما يعيشه فقراء وضحايا اليمن اليوم، ولم تعد هناك أسوأ من حال مثل هذه».

وأضافت: «بالتأكيد فإن لدى المبعوث الحالي وفرقه المختلفة معرفة تامة بالوضع اللاإنساني واللاطبيعي لليمن، خصوصاً في السنوات الأخيرة، مع إغلاق أكثر التجار مشروعاتهم في مناطق الحوثيين؛ بسبب المُصادرَات والنهب والاعتقالات، ووصل الأمر إلى المنظمات الإنسانية والتنموية المحلية والدولية».

ونبّهت المقطري، في تعليقها، إلى أن «التدخل الأممي من خلال المبعوث يجب أن يكون في صالح عدم تقوية طرف، وإتاحة الفرصة للناس في أخذ حقوقهم ممن ينتهكها، ومنها الحقوق الاقتصادية، لا المساهمة في دعمه اقتصادياً وإضعاف المواطنين والمواطنات».

الضغط على الحوثي

بخلاف ذلك يعتقد الصحافي اليمني فاروق مقبل، أن المبعوث الأممي والأمم المتحدة يمكن أن يكونا أكثر جدوى وفائدة للشعب اليمني من خلال الضغط على الحوثيين؛ للتوقف عن محاربة الطبعة النقدية الجديدة، ورفع الحظر عن تداولها، ووقف قانون منع التعاملات البنكية، والتوقف عن التدخل في عملها، ويجزم بأن ذاك الخيار هو الأكثر جدوى لكل يمني والأقل تكلفة.

حزم من الأوراق النقدية اليمنية الجديدة والقديمة في أحد البنوك بعدن (غيتي)

أما الكاتب اليمني فارس حسان، فيقدم قراءة مختلفة للخطاب، ويتهم الأمم المتحدة بإعاقة عملية تحرير مدينة الحديدة غرب اليمن وإنقاذ الحوثيين من خلال فرض اتفاق استوكهولم في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، ويصف حضور المنظمة الدولية «معرقلاً» لتنفيذ قرارات البنك المركزي اليمني، التي ألزمت 6 بنوك تجارية بنقل مراكز عملياتها من صنعاء إلى عدن.

ويرى حسان أن من شأن تطبيق تلك القرارات أن يجعل هذه البنوك بعيدة عن سطوة الحوثيين. وطالب مجلس القيادة الرئاسي بعدم الانسياق لرسالة المبعوث الأممي التي يطلب فيها تأجيل تنفيذ تلك القرارات. واستغرب من أن الأمم المتحدة لم تمارس أي ضغط على الحوثيين عندما منعوا تصدير النفط.


مقالات ذات صلة

اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

العالم العربي وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)

اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

شدد وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني على ضرورة اتخاذ إجراءات أممية حازمة لمنع تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، بينما تبنت الجماعة هجمات بالمسيَّرات على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي صندوق حوثي لجمع التبرعات النقدية في أحد شوارع صنعاء (إكس)

رفض مجتمعي لجبايات الحوثيين تحت اسم «مساندة لبنان وغزة»

واجهت حملات الجباية الحوثية التي أطلقتها الجماعة تحت مزاعم التبرع للفلسطينيين في غزة و«حزب الله» في لبنان رفضاً مجتمعياً في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الانقلاب.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي جانب من مشاركة اليمن في فعاليات قمة مؤتمر المناخ في باكو (سبأ)

تضرر 30% من الأراضي الزراعية في اليمن خلال عام

أفاد وزير المياه والبيئة اليمني، توفيق الشرجبي، بأن بلاده خسرت 30 في المائة من الأراضي الزراعية خلال عام، داعياً إلى تمويل دولي إضافي لمواجهة آثار المناخ.

«الشرق الأوسط» (تعز)
العالم العربي منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)

مبادرتان أميركيتان لتعزيز حماية التراث الثقافي في اليمن

أعلنت السفارة الأميركية لدى اليمن عن دعم مبادرتين؛ الأولى لترميم قلعة تاريخية في تعز، والثانية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في اليمن.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي أب إثيوبي عثر على ابنه بعد أن تقطعت به السبل داخل الأراضي اليمنية عدة أشهر (الأمم المتحدة)

ارتفاع المهاجرين الأفارقة إلى اليمن 136 %

ارتفع عدد المهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن بنسبة 136 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وفق بيانات وزعتها المنظمة الدولية للهجرة.

محمد ناصر (تعز)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».