قمة «الناتو» في واشنطن... ماذا وراء دعوة دول عربية؟

تبحث تطورات حربي غزة وأوكرانيا

قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بقمة فيلنيوس 2023 (رويترز)
قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بقمة فيلنيوس 2023 (رويترز)
TT

قمة «الناتو» في واشنطن... ماذا وراء دعوة دول عربية؟

قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بقمة فيلنيوس 2023 (رويترز)
قادة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بقمة فيلنيوس 2023 (رويترز)

تلتئم اجتماعات القمة السنوية الـ75 لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الشهر المقبل، في واشنطن، وسط دعوة أميركية لحضور عربي موسع، تفتح تساؤلات حول سبب المشاركة، وجدواها في ظل توجه الحلف ضد روسيا، وتبايناته بشأن ملف غزة منذ اندلاع حربها قبل 9 أشهر.

خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، يرون أن الدعوة تفرضها توترات منطقة الشرق الأوسط المتصاعدة، وقد تحمل محاولة أميركية للاستقطاب، والظهور بمظهر أقوى للحلف أمام غريمتها روسيا، ويتوقعون أن يحافظ الوجود العربي حال مشاركته على دفع وقف الحرب في قطاع غزة للواجهة، دون فتح ملفات لنقاش إنشاء «الناتو» العربي أو قوات عربية بديلة بغزة، أو الانحياز للمعسكر الغربي على حساب موسكو في إطار سياسة الحياد العربية المنتهجة منذ بداية الحرب في فبراير (شباط) 2022.

قمة «الناتو» التي تستضيفها واشنطن بين التاسع إلى الحادي عشر من يوليو (تموز) ستبحث حرب غزة وحرب أوكرانيا، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز» الأميركية.

وذكرت الصحيفة أن الدول العربية التي دُعيت للمشاركة هي مصر والأردن وقطر وتونس والإمارات والبحرين، وتأتي الدعوة بينما يدعم حلف «الناتو» أوكرانيا في حربها ضد روسيا، بينما ينقسم كثير من أعضاء الحلف وشركائه بشدة بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة.

وتقف تلك الدول العربية على الحياد، ويعمل بعضها على تسهيل إجراء حوار روسي أوكراني، أو تنفيذ وساطات لتبادل أسرى بينهما، وسبق لدول عربية مثل الأردن والبحرين والإمارات أن شاركت قادتها في قمم سابقة منها.

وعادة ما يدعو حلف «الناتو» بعض شركائه لحضور اجتماعه السنوي، إلا أنه وفق الصحيفة الأميركية نفسها فإن «ضم بعض الدول العربية وإسرائيل إلى القمة هو وسيلة للولايات المتحدة لتوضيح قيمتها بوصفها قوة مجتمعية، وإظهار فوائد تحالفاتها المتعددة الأطراف».

وكانت الإدارات الأميركية تطمح عادة أن يدعم ذلك الحلف رؤية طويلة الأمد في بناء «نسخة ما من (الناتو العربي)»، وفق ما نقلته الصحيفة نفسها، عن جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد في واشنطن.

و«الناتو العربي» فكرة أميركية بوصفها نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي، تراوح مكانها منذ سنوات، وسط أزمات دولية كثيرة، ومع حرب غزة بدأ إعلام غربي يتحدث عن ضرورة مشاركة قوات عربية بديلة لنظيرتها الفلسطينية بوصف ذلك مرحلة مؤقتة لإدارة القطاع.

استقطاب

وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، قال في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن «الناتو» له شق سياسي وعسكري، وتلك القمة على مستوى القادة، ويتوقع فيها مشاركة كبيرة ومتنوعة، متوقعاً أن تفرض توترات الشرق الأوسط نفسها فيها مع محاولة واشنطن استقطاب أكبر قدر من الحضور للظهور بمظهر أقوى.

ويستدرك: «لكن الدول العربية تقف على الحياد في أزمة أوكرانيا وروسيا، ولو تأكد الحضور العربي الموسع لكان في إطار بحث قضايا الشرق الأوسط خصوصاً ملف غزة، ولن تحمل المشاركة أي صور لأي انخراط واضح مع المعسكر الغربي ضد روسي».

ويُستبعد أن يطرح الحلف مناقشات بشأن تشكيل (ناتو عربي)، أو ما شابه في ظل توترات الشرق الأوسط، مؤكداً أن «الطرح سبق أن ظهر قبل سنوات وفشل، وسيفشل حال طرحه مجدداً».

غزة تفرض نفسها

عضوة المجلس المصري للشؤون الخارجية، وأستاذة العلاقات الدولية، في جامعة القاهرة، نورهان الشيخ، ترى في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «دعوة شركاء عرب لقمة (الناتو) أمر وارد، وليست خارج السياق أو استثنائية، وتربط بين الدول التي بينها وبين الحلف شراكات وترتيبات مشتركة، وتتكرر في قمم أخرى مثل قمة (السبع) وغيرها».

وتستدرك: «لكن في ظل الظروف الإقليمية، فإن تلك الدعوة الاعتيادية تحمل دلالة هامة خاصة، ومن المدعوين مصر وقطر وهما على وجه التحديد من تتوليان الوساطة بحرب غزة»، متوقعة أن تفرض توترات الشرق الأوسط نفسها وتحديداً ما يحدث في غزة وجنوب لبنان على أجندة القمة، بجانب حرب أوكرانيا والموقف من الصين. وتستبعد أن تجد مبادرتا «الناتو العربي» أو مشاركة قوات عربية بغزة، ترحاباً عربياً من المشاركين ولا من فلسطين ولا إسرائيل نفسها، مستدركة: «لكن من الوارد أن تُطرح تلك المبادرات في سياق مباحثات، وليس ضرورياً حدوث توافق بشأنها». وترى أن إعلان الدول العربية حيادها في أزمة أوكرانيا لا يمنعها من المشاركة بوصفها شريكاً للولايات المتحدة ولديها مصالح معها، مشيرة إلى أن تلك الدول تشارك في محافل روسية وصينية، وموقفها الحيادي لم يمنعها من ذلك.

توسيع النقاشات

أما الأميركية المتخصصة في الشؤون الدولية، إيرينا تسوكرمان، فقالت إن الدعوة تأتي في سياق توسيع واشنطن نطاق المناقشات لتشمل الدول غير الغربية - الجنوب العالمي، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وغيرها، لأن النقاش الشامل يمكن أن يساعد في التغلب على بعض الانقسام بين حلف شمال الأطلسي وبقية العالم.

«الولايات المتحدة أدركت أنها ستستمر في خسارة العالم العربي لصالح جهات فاعلة وتأثيرات أخرى في إنشاء تحالفات ومواثيق ومشاريع مشتركة»، وفق تسوكرمان.

وترى تسوكرمان أن «مصر تلعب دوراً رئيسياً بوصفها وسيطاً في أزمة غزة، ويبدو أن مصر والإمارات اتفقتا على لعب دور في مرحلة ما بعد غزة. مثل هذه الاجتماعات تعالج القضايا المشتركة بطريقة موجهة نحو الحلول؛ ما يساعد في التغلب على بعض الانقسامات الإقليمية التي هزت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وأيضاً بين الدول العربية والولايات المتحدة».


مقالات ذات صلة

​خطط ترمب تجاه «الناتو»... أوروبا تتولى أمنها بنفسها والاتفاق مع بوتين على ثمن

أوروبا ستولتنبرغ الأمين العام الحالي للحلف الأطلسي (يسار) ومارك روته الأمين العام المقبل بمقر الحلف في بروكسل (أ.ف.ب)

​خطط ترمب تجاه «الناتو»... أوروبا تتولى أمنها بنفسها والاتفاق مع بوتين على ثمن

تجدد التساؤل عما إذا كانت تهديدات ترمب بمغادرة «الناتو» جدية أم أنها ضغوط لإجبار دوله على زيادة مساهماتهم المالية

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا يُعَدّ قرار الرئيس الأميركي جو بايدن السماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على الطائرة «إف 16» تحوّلاً مهماً (أ.ف.ب)

مساعدة أميركية بقيمة 2.3 مليار دولار لأوكرانيا

واشنطن تعلن قريباً مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة تزيد عبى 2.3 مليار دولار تشمل أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ «ناسامز» و«باتريوت».

إيلي يوسف (واشنطن) «الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» لم يتمكن من إقناع الدول الأعضاء بأن تلتزم بتعهد متعدد السنوات لدعم أوكرانيا مالياً (إ.ب.أ)

دول «الناتو» ترفض خطة متعددة السنوات لدعم أوكرانيا مالياً

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ لم يتمكن من إقناع الدول الأعضاء بأن تلتزم بتعهد متعدد السنوات لدعم أوكرانيا مالياً.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس الأوكراني يجلس داخل مقاتلة «إف 16» خلال زيارة إلى الدنمارك في أغسطس الماضي (رويترز)

أوستن يؤكد لأميروف قبيل انعقاد قمة «الناتو» التزام أميركا بدعم سيادة أوكرانيا وأمنها

وزير الدفاع الأميركي أكد لنظيره الأوكراني، رستم أميروف، الثلاثاء، التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم سيادة أوكرانيا وأمنها.

إيلي يوسف (واشنطن) «الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ صورة من جلسة عمل حول أوكرانيا خلال قمة الناتو في فيلنيوس (أ.ف.ب)

قمة «الناتو» اختبار كبير لبايدن بعد المناظرة السيئة

تجمع تقارير وتحليلات الصحف الأميركية، على أن «الأداء السيئ» للرئيس جو بايدن، في مناظرته مع منافسه الرئيس السابق دونالد ترمب، سيكون حاضرا بقوة في قمة حلف الناتو.

إيلي يوسف (واشنطن)

إتاوات الانقلابيين في صنعاء ترفع رسوم المدارس الخاصة

تقارير دولية تؤكد أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
تقارير دولية تؤكد أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
TT

إتاوات الانقلابيين في صنعاء ترفع رسوم المدارس الخاصة

تقارير دولية تؤكد أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)
تقارير دولية تؤكد أن 4.5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدارس (منظمة حماية الطفولة)

يحتاج محمد عثمان، وهو مالك محل تجاري في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، إلى ما يعادل 1400 دولار لإلحاق أبنائه الأربعة في مدارس أهلية بعدما رفعت الأخيرة الرسوم الدراسية لهذا العام بمختلف المراحل التعليمية نتيجة فرض جماعة الانقلاب الحوثي إتاوات جديدة.

ويتحدث عثمان لـ«الشرق الأوسط»، عن الوضع المعيشي الذي يعانيه وأسرته بسبب ضعف الإقبال من قِبل السكان على اقتناء الملابس من محله التجاري وصراعه اليومي المرير مع حملات الجباية الحوثية.

الأطفال النازحون في اليمن يتعرضون للحرمان من التعليم أكثر من غيرهم (أ.ف.ب)

وكشفت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن فرض جماعة الحوثي قبيل إعلانها عن بدء العام الدراسي الجديد لجميع المراحل الدراسية، جبايات مرتفعة على عموم المدارس الأهلية في صنعاء، حيث أجبرت كل مدرسة على دفع نحو 50 دولاراً عن كل طالب يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى وزارة التربية والتعليم التي يديرها يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة.

ويشير عثمان (42 عاماً) إلى أن ما يجمعه من مبلغ مالي بنهاية كل يوم لا يكفي حتى لتأمين الأساسيات لعائلته؛ ونتيجة ذلك قال إنه يفضل إبقاء أبنائه الأربعة هذا العام في المنزل لأنه عاجز عن دفع رسوم التحاقهم بالمدارس الخاصة.

ويقول الرجل الأربعيني: «حتى المدارس الحكومية الخاضعة للانقلابيين في صنعاء لم تعد ذات جدوى لتلقي التعليم فيها؛ نتيجة فرضها رسوماً دراسية مضاعفة تحت اسم المشاركة المجتمعية وغيرها، إضافة إلى تنفيذها برامج تعبوية مكثفة لغسل عقول وأدمغة الطلبة».

تعويض الخسارة

دفع فرض الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على المدارس الخاصة في صنعاء إلى اللجوء إلى مضاعفة رسوم الدراسة على الطلبة بمختلف المراحل لهذا العام، وذلك من أجل تعويض ما خسرته المدارس من مبالغ تذهب إلى جيوب كبار قادة الجماعة.

واشتكى أولياء أمور في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من ارتفاع جنوني لرسوم الدراسة في المدارس الأهلية، حيث تراوحت في الفصول التعليمية الأولى بين 130 و150 ألف ريال، وببقية مراحل التعليم الأخرى بلغت ما بين 170 و250 ألف ريال يمني (الدولار يساوي بمناطق الحوثيين 530 ريالاً).

طلبة صغار خلال حصة رسم بمدرسة في صنعاء (إ.ب.أ)

ويعجز آلاف السكان اليمنيين في صنعاء عن إلحاق أبنائهم من مختلف الأعمار بالدراسة حتى بالمدارس الحكومية؛ وذلك نظراً للتدهور الحاد والمستمر في أوضاعهم بفعل الانقلاب والحرب المستمرة منذ سنوات عدة.

ويقول سليم لـ«الشرق الأوسط» إن لديه ستة أطفال وهو لا يملك حتى قيمة شراء الخبز الحاف لهم، فكيف بمقدوره دفع مبالغ كبيرة كرسوم دراسة لهم في ظل هذا الوضع المزري، متهماً الجماعة الحوثية بتحويل قطاع التعليم في عموم مناطق سيطرتها مصدراً للجباية.

ونتيجة لذلك؛ توقع عاملون تربويون انضمام مئات الآلاف من الطلبة اليمنيين هذا العام إلى أكثر من مليوني طفل لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس كما حدث بالأعوام القليلة الماضية. وأرجعوا ذلك إلى عدم مقدرة آلاف الأسر في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الجماعة على توفير القوت اليومي الضروري لها ولأطفالها.

استهداف التعليم

تؤكد تقارير دولية عدة أن أكثر من مليوني طفل هم خارج التعليم في اليمن، مرجعة ذلك إلى النزاع المستمر منذ نحو تسع سنوات والذي أثر بدوره على الوضع الاقتصادي؛ مما دفع عدداً من أهالي الطلبة بمختلف المناطق إلى عدم إرسالهم إلى المدارس.

وفي تقرير حديث، كشف التحالف العالمي لحماية التعليم عن وقوع ما يقارب 200 حادثة هجوم واستهداف للمرافق التعليمية والعاملين فيها في اليمن، إلى جانب استخدام أخرى لأغراض عسكرية خلال العامين الأخيرين.

يمني يعمل في بيع الكتب المدرسية في أحد شوارع صنعاء (الشرق الأوسط)

وبيّن التقرير أن من أسماهم «أطراف النزاع»، نفذوا ما لا يقل عن 65 هجوماً على المدارس ومرافق التعليم العالي خلال عامي 2022 و2023، منها 47 هجوماً على المدارس.

ورصد التقرير الدولي حالات خاصة باستمرار تجنيد الأطفال أو تلقينهم الأفكار العقائدية في المدارس؛ خصوصاً بمحافظات صنعاء وحجة والحديدة الخاضعة جميعها لسيطرة الجماعة الحوثية.

كما وثّق التقرير بتلك الفترة ما لا يقل عن 99 حادثة لاستخدام المنشآت التعليمية في اليمن لأغراض عسكرية، وهو ما يُمثّل أكثر من ضعف عدد الحالات المماثلة خلال عامي 2020 و2021، الذي سجل 49 حادثة استخدام عسكري لهذه المنشآت.

ووفقاً لتحالف حماية التعليم، فإن لاستمرار النزاع والكوارث الطبيعية في اليمن تأثير شديد على العملية التعليمية. لافتاً إلى أن نحو 2.7 مليون طفل يمني لا يزالون خارج المدارس؛ نصفهم تقريباً من الفتيات.