«التجنيد مقابل الإفراج»... اتهامات يمنية للحوثيين باستقطاب سجناء الحديدة

الانقلابيون استقطبوا 850 معتقلاً منذ مطلع العام

محتجزون في الحديدة ساومتهم الجماعة الحوثية على الإفراج عنهم مقابل الالتحاق بصفوفها (فيسبوك)
محتجزون في الحديدة ساومتهم الجماعة الحوثية على الإفراج عنهم مقابل الالتحاق بصفوفها (فيسبوك)
TT

«التجنيد مقابل الإفراج»... اتهامات يمنية للحوثيين باستقطاب سجناء الحديدة

محتجزون في الحديدة ساومتهم الجماعة الحوثية على الإفراج عنهم مقابل الالتحاق بصفوفها (فيسبوك)
محتجزون في الحديدة ساومتهم الجماعة الحوثية على الإفراج عنهم مقابل الالتحاق بصفوفها (فيسبوك)

أفرجت الجماعة الحوثية أخيراً عن 164 معتقلاً من سجونها في محافظة الحديدة اليمنية، واتهمت مصادر محلية الجماعة بأنها لم تفعل ذلك قبل ضمان موافقتهم وأُسرهم على الالتحاق بتشكيلاتها العسكرية، ضمن حملة تجنيد واسعة أطلقتها في أوساط المحتجزين تعسفياً وآخرين على ذمة قضايا جنائية، في إطار سياسة «التجنيد مقابل الإفراج».

وتحدثت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن زيارة ميدانية لقيادات من صنعاء يتصدرهم محمد الديلمي، المعين في منصب النائب العام، إلى السجون في محافظة الحديدة (226 كيلومتراً غرب صنعاء) لمباشرة مهمة الإفراج عن السجناء مقابل تجنيدهم.

الجماعة الحوثية قايضت سجناء في الحديدة بالإفراج عنهم مقابل التجنيد (فيسبوك)

يتزامن ذلك مع تكثيف ميليشياوي بدأ مطلع العام الحالي بزيارات إلى مئات السجون في المحافظات والمدن القابعة تحت سيطرتهم في سياق حملات التجنيد.

وجرى الإفراج عن المعتقلين من السجن المركزي في الحديدة والسجن الاحتياطي ومعتقلات أخرى تتبع استخبارات الجماعة والمباحث الجنائية، ومن مراكز توقيف في أقسام أمنية ومعتقلات سرية استحدثتها الجماعة سابقاً في مكاتب حكومية ومنازل مناوئين لها ومدارس ومبانٍ تاريخية في المدينة.

وكانت لجنة يسميها الحوثيون «التفتيش الميدانية» ويُشرف عليها القيادي الديلمي طلبت من إدارات السجون في الحديدة تكثيف حملات التعبئة في أوساط السجناء لتسهيل مهمة المقايضة بإطلاق سراح أعداد منهم مقابل التجنيد.

ذريعة فلسطين

يؤكد أمين، وهو اسم مستعار لشقيق معتقل أُفرِج عنه من السجن الاحتياطي بمدينة الحديدة، أن الجماعة تبرم منذ أيام اتفاقات مع السجناء وذويهم، ومنهم شقيقه الذي يقترب عمره من 30 عاماً لإطلاق سراحهم مقابل الانضمام إلى تشكيلات الجماعة العسكرية بحجة مناصرة القضية الفلسطينية.

ويفيد أمين، الذي ينحدر من مديرية بيت الفقيه الواقعة جنوب شرق الحديدة، لـ«الشرق الأوسط»، بأن أسرته وشقيقه المعتقل لدى الحوثيين منذ أشهر بتهمة انتقاده تصعيد الجماعة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، رضخوا للضغوط والمقايضة بسبب ما كان يتعرض له يومياً من تعذيب في السجن الاحتياطي.

الحوثيون يجبرون المعتقلين على المشاركة في فعاليات طائفية تعبوية (إعلام حوثي)

سبق هذا التحرك الحوثي، إطلاق الجماعة منذ مطلع العام الحالي أكثر من 7 حملات تجنيد في أوساط السجناء بمناطق متفرقة في الحديدة، أسفر عنها استقطاب ما يربو على 826 معتقلاً إلى الجبهات مقابل العفو عنهم وتسديد ما عليهم من ديون.

وجاء شهر يناير (كانون الثاني) 2024 في مقدمة الأشهر من حيث «التجنيد مقابل الإفراج»، حيث بلغوا 380 سجيناً، يليه أبريل (نيسان) بنحو 145معتقلاً ثم مارس (آذار)، باستهداف 111 سجيناً، ثم فبراير (شباط) بعدد 26 سجيناً.

بحسب مصادر حقوقية في الحديدة تدير الجماعة الحوثية ما يزيد على 25 سجناً ومعتقلاً معظمها سرية وغير قانونية واقعة في المدينة وضواحيها، حيث تحتجز الجماعة المئات من المدنيين بينهم نشطاء وإعلاميون وسياسيون ومحامون وأكاديميون وطلبة، منهم نحو 750 سجيناً يقبعون في السجن المركزي.

وأوكلت الجماعة الحوثية - وفق المصادر - إلى القيادي أبو علاء العميسي مهمة الإشراف على إدارة تلك السجون في الحديدة، وهو أحد المقربين من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الذي يدير في الوقت نفسه ما يسمى فرع جهاز «الأمن والمخابرات» التابع للجماعة في الحديدة.

وكانت الحكومة اليمنية ومنظمات حقوقية عدة، وثّقت اعتقال الجماعة الحوثية منذ انقلابها وحتى منتصف عام 2021، أكثر من 3200 شخص مدني، من محافظة الحديدة.


مقالات ذات صلة

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

العالم العربي برج سكني تعود ملكيته للأوقاف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (فيسبوك)

سكان مباني الأوقاف في صنعاء مهددون بالتشرد

تعتزم الجماعة الحوثية تشريد سكان مباني الأوقاف الكائنة في منطقة عصر غرب العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بعد عجزهم عن تسديد الإيجارات المفروضة عليهم.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون يزعمون مناصرة الفلسطينيين في غزة وأعينهم على المناطق اليمنية المحرَّرة (رويترز)

مخاوف يمنية من تدفق الميليشيات الموالية لإيران إلى صنعاء

أظهرت الحكومة اليمنية مخاوف من تدفق الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خاصة بعد ظهور عناصر باكستانية في صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الأزمة الإنسانية في اليمن تتصاعد بسبب الصراع ونقص التمويل الإغاثي (إ.ب.أ)

1.3 مليون يمني يستفيدون من المساعدات الأميركية

ذكرت الوكالة الأميركية للتنمية أنها قدمت عبر الشركاء المساعدات لأكثر من 1.3 مليون يمني بما في ذلك المناطق الخاضعة للحوثيين

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي صورة وزّعها الحوثيون للطائرة المسيّرة التي استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

خفوت هجمات الحوثيين خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية

خفتت هجمات الجماعة الحوثية ضد السفن، خلال أسبوع من الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، فيما واصل الجيش الأميركي عملياته الاستباقية الدفاعية ضد الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع في اليمن سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة.

وضاح الجليل (عدن)

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.