اللحظات الأخيرة لجندي الحدود بمصر... روايات عديدة وحزن ودعوات

القاهرة تتحرك لعدم تكرار الحادث

مواطنون يحملون نعش الجندي المصري الذي قُتل خلال إطلاق نار في معبر رفح (إ.ب.أ)
مواطنون يحملون نعش الجندي المصري الذي قُتل خلال إطلاق نار في معبر رفح (إ.ب.أ)
TT

اللحظات الأخيرة لجندي الحدود بمصر... روايات عديدة وحزن ودعوات

مواطنون يحملون نعش الجندي المصري الذي قُتل خلال إطلاق نار في معبر رفح (إ.ب.أ)
مواطنون يحملون نعش الجندي المصري الذي قُتل خلال إطلاق نار في معبر رفح (إ.ب.أ)

لحظات عصيبة مرت على المصريين، بعد الكشف عن حادث إطلاق نار على الحدود مع قطاع غزة، أسفر عن مقتل جندي، تزامن مع توتر متنامٍ في العلاقات مع إسرائيل.

صباح الاثنين، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية الحديث عن «حادث استثنائي»، بين القوات المصرية والإسرائيلية على الحدود، من المحتمل أن تكون له «تداعيات سياسية».

منطوق الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتحديداً «القناة الـ13» ونظيرتها الـ«14»، أشار في حينه لمقتل جندي مصري؛ ما حرَّك كرة الانتظار باتجاه القاهرة؛ حيث بحث المتابعون عن نفي أو تأكيد.

وبعد وقت قصير من موجة التسريبات الأولى، خرجت «هيئة البث الإسرائيلية» الرسمية، لتؤكد مقتل جندي مصري «جراء تبادل إطلاق نار بين الجيش الإسرائيلي وجنود مصريين عند معبر رفح».

وأصبح معبر رفح مركز توتر بين القاهرة وتل أبيب، منذ 7 مايو (أيار) الحالي، عندما سيطرت قوات إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من المعبر؛ ما ترتب عليه رفض مصري للتنسيق مع تل أبيب لعدم «شرعنة» ما قامت به قواتها.

وبعد حديث «هيئة البث»، خرج الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب ليعلن أن حادث إطلاق النار «قيد المراجعة ومناقشات جارية مع المصريين».

الحدود المصرية مع إسرائيل (رويترز)

لاحقاً، قال المتحدث العسكري المصري العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، في بيان، إن «القوات المسلحة تجري تحقيقات بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي برفح؛ ما أدى إلى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين».

«روايات وتحقيقات»

روايات كثيرة ارتبطت بالحادث، كانت شراراتها الأولى من الجانب الإسرائيلي، عبر منابر إعلامية دون أن تستند لتحقيقات أو بيانات رسمية.

في البداية، أفادت «القناة 14» الإسرائيلية بأن جنوداً مصريين أطلقوا النار على جنود إسرائيليين داخل معبر رفح دون وقوع إصابات، وذهبت إذاعة الجيش الإسرائيلي لتروج أن الجانب المصري هو من بدأ بإطلاق النار.

وفي وقت لاحق، أضافت وسائل إعلام إسرائيلية رواية أخرى تتلخص في أن جنود مصر أطلقوا النار على شاحنة إسرائيلية، ورد جنود إسرائيليون بإطلاق نار وهناك إصابات، بينما أفادت رواية ثالثة بأن قوات الجيش الإسرائيلي ردت بإطلاق النار تحذيراً.

ثم تطرقت إذاعة الجيش الإسرائيلي للحديث عن أن تبادل إطلاق النار مع القوات المصرية حدث بالأسلحة دون اشتراك الدبابات.

على الجانب المصري، قدم مصدر أمني مطلع، عبر قناة «القاهرة الإخبارية» الحكومية رواية أخرى مدعمة بتحقيقات. وأكد المصدر أنَّ «التحقيقات الأولية لحادث إطلاق النيران واستشهاد جندي على الحدود تُشير لإطلاق نار بين عناصر من قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر من المقاومة الفلسطينية».

وذكر المصدر أنّ «التحقيقات الأولية تُشير لإطلاق النيران في اتجاهات عدة، وقيام عنصر التأمين المصري باتخاذ إجراءات الحماية والتعامل مع مصدر النيران».

المصدر قال أيضاً: «جرى تشكيل لجان تحقيق للوقوف على تفاصيل حادث إطلاق النيران الذي أدى إلى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين لتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكراره مستقبلًا».

«حزن ودعوات»

لم تذكر السلطات المصرية هوية الجندي بعد، غير أن منصات التواصل الاجتماعي كشفت، مساء الاثنين، أن اسمه عبد الله رمضان حجي من محافظة الفيوم وسط مصر، وجرى تداول صفحة بـ«فيسبوك» منسوبة له.

وتحوي صفحة المصري الراحل صورة له بزي عسكري، نُشرت في يونيو (حزيران) 2023، مع إشارة لوجوده في شمال رفح المصرية، بخلاف تدوينتين اثنتين كلتاهما متعلقتان بالأحداث في غزة، وكُتبتا بتاريخ 7 فبراير (شباط) الماضي.

التدوينة الأولى جاء فيها «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لعلى كربك يا غزة لمحزونون، غزة في كرب والعالم أصم أبكم أعمى عاق عن إنجاب الرجولة»، والثانية: «يا رب هدوءاً تاماً في غزة».

ومع إعلان حادث الحدود، والكشف عن صفحة الجندي المصري الراحل، قفز التضامن مع التدوينتين مسجلاً أكثر من 19 ألف تفاعل مع التدوينة الأولى، و26 ألفاً مع الثانية بخلاف أكثر من 5 آلاف تعليق و6 آلاف مشاركة، وحملت التعليقات دعوات له بالرحمة، ووصفه بالبطل.

وجاءت لحظات الوداع الأخيرة، صباح الثلاثاء، لتسجل في صور ومقاطع فيديو منتشرة بمنصات التواصل، حزناً كبيراً على الراحل، ومشاهد تشييع مهيبة في قرية الجندي، توجتها هتافات أثناء الجنازة «الله أكبر الله أكبر»، «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله».

ومع وداع الجندي الشهيد، انتشرت تقارير إعلامية على منصات التواصل الاجتماعي، عن شهيد مصري آخر في حادث إطلاق النار، إلا أن مصدر أمني مصري، نفى لـ«القاهرة الإخبارية»، صحة تلك الأنباء.

بكاء عدد من أقارب الجندي المصري الذي قُتل في معبر رفح خلال جنازته بالفيوم (إ.ب.أ)

«مخاوف المستقبل»

الحادث أثار كثيراً من المخاوف من تصعيد الأوضاع على الحدود، وحرك أيضاً مساعي لعدم تكراره وتحقيقات جارية في ملابساته.

مساء الاثنين، قال مصدر أمني مسؤول لقناة «القاهرة الإخبارية»، إن الهجوم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، القريب من المعبر «يخلق أوضاعاً ميدانية ونفسية تصعب السيطرة عليها ومرشحة للتصعيد».

بينما قال اللواء سمير فرج، المفكر الاستراتيجي والعسكري لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك لجنة مشتركة وفق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل تعمل لعدم تكرار مثل هذا الحادث، وتلافي حدوثه مجدداً، والاستفادة من أي أخطاء سابقة»، داعياً لانتظار نتائج التحقيقات، وعدم استباق الأمور.

اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقَّعة عام 1979، تحمل، وفق اللواء سمير فرج، «آليات لحل مثل هذه الحوادث»، مشيراً إلى أن جنوداً مصريين سبق أن أسقطوا قتلى في الجانب الإسرائيلي مثل سليمان خاطر ومحمد صلاح، وجرى بحث الحادثين في خلال تلك الأطر.


مقالات ذات صلة

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

شمال افريقيا مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

بينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في مصر، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة»، أو يشكو «الوحشة والقلق».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي وزير الخارجية المصري يلتقي وزيرة الدولة للتعاون الدولي القطرية الاثنين في القاهرة (الخارجية المصرية)

تنسيق مصري - قطري بشأن جهود وقف إطلاق النار في غزة

ناقش وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووزيرة الدولة للتعاون الدولي بقطر لولوة بنت راشد، الاثنين، جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري صورة جماعية للمشاركين بـ«قمة السلام» في أكتوبر العام الماضي (رويترز)

تحليل إخباري عام على حرب غزة... تفاعل مصري «نشط ومتوازن»

تفاعلت مصر بـ«نشاط وتوازن» مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولعبت دوراً بارزاً في «تحصين الجبهة الفلسطينية»، و«مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
تحليل إخباري فلسطينيون يبكون على جثة أحد ضحايا القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل استهدفت إسرائيل إقصاء الوسطاء عن مفاوضات «هدنة غزة»؟

مساعٍ وجولات كثيرة قادها الوسطاء، مصر وقطر والولايات المتحدة، لإنهاء أطول حرب شهدها قطاع غزة، أسفرت عن هدنة نهاية نوفمبر 2023 استمرت أسبوعاً واحداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس أركان الجيش المصري يتفقد منظومة التأمين لخط الحدود الشمالية الشرقية ومعبر رفح البري (المتحدث العسكري)

رسائل مصرية حادة لإسرائيل تنذر بمزيد من التصعيد

بعثت مصر بـ«رسائل حادة» إلى إسرائيل رداً على تصعيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتمسكه بالبقاء في محور «فيلادلفيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

​الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)
الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)
TT

​الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)
الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون في سجون مخابرات الجماعة الحوثية، أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق سراح مجموعة كبيرة من المعتقلين، في طليعتهم قيادات في حزب «المؤتمر الشعبي»، رغم انقضاء شهرين على إيداعهم السجن بتهمة التحضير للاحتفال بذكرى الثورة التي أطاحت أسلاف الجماعة.

وذكرت مصادر حقوقية يمنية لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أفرجوا أخيراً عن خمسة فقط من المعتقلين في مدينة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، لكنها مستمرة في رفض إطلاق سراح وكيل وزارة الشباب والرياضة والقيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» أحمد العشاري وزميليه في الحزب أمين راجح وسعد الغليسي.

الحوثيون يرون قادة جناح «المؤتمر الشعبي» بصنعاء خصوماً لهم (إعلام محلي)

وقالت المصادر إن الجماعة تتهم المعتقلين بالتآمر مع الحكومة الشرعية لقيادة انتفاضة شعبية في مناطق سيطرتها تحت شعار الاحتفال بالذكرى السنوية لقيام «ثورة 26 سبتمبر» التي أطاحت نظام حكم الإمامة في شمال اليمن عام 1962.

ووفق هذه المصادر، فإن الاتصالات التي أجراها جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرة الحوثيين للمطالبة بالإفراج عن قياداته قوبلت بتعنت وتسويف.

وأشارت المصادر إلى أن مجموعة كبيرة من المعتقلين لا يُعرف مصيرهم، وأن كلّاً من فهد أحمد عيسى، وعمر أحمد منة، وأحمد البياض، وعبد الخالق المنجد، وحسين الخلقي لا يزالون رهن الاعتقال، إلى جانب الناشطة سحر الخولاني، والكاتبين سعد الحيمي، ومحمد دبوان المياحي، والناشط عبد الرحمن البيضاني، ورداد الحذيفي، وعبد الإله الياجوري، وغالب شيزر، وعبد الملك الثعيلي، ويوسف سند، وعبده الدويري، وغازي الروحاني.

شروط الإفراج

تقول مصادر سياسية في صنعاء إن «التحالف الشكلي» الذي كان قائماً بين جناح «المؤتمر الشعبي» والحوثيين قد انتهى فعلياً مع تشكيل حكومة الانقلاب الأخيرة، حيث تم استبعاد كل المحسوبين على هذا الجناح، وسيطرة الحوثيين على كل المناصب.

وبالتالي، فإن الحزب لا يعول على ذلك في تأمين إطلاق سراح المعتقلين، والذين لا يُعرف حتى الآن ما نيات الحوثيين تجاههم، هل سيتم الاحتفاظ بهم لفترة إضافية في السجون أم محاكمتهم؟

أكدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية استخدام الحوثيين التعذيب لانتزاع الاعترافات (إعلام حوثي)

ووفق إفادة بعض المعتقلين الذين أفرج الحوثيون عنهم، فقد تم استجوابهم بتهمة الانخراط في مخطط تآمري للإطاحة بحكم الجماعة في صنعاء بدعم وتمويل من الحكومة الشرعية.

وبعد جلسات من التحقيق والاستجواب وتفتيش الجوالات، ومراجعة منشورات المعتقلين في مواقع التواصل الاجتماعي، أفاد المعتقلون المفرج عنهم بأنه يتم الموافقة على إطلاق سراحهم، ولكن بعد التوقيع على تعهد بعدم العودة للاحتفال بذكرى «ثورة 26 سبتمبر» أو أي فعالية وطنية أخرى، وأن يظلوا رهن الاستعداد للحضور متى ما طُلب منهم ذلك إلى جهاز المخابرات الحوثي.

ولا تقتصر شروط الإفراج على ذلك، بل يُلزم المعتقلون بإحضار ضامن من الشخصيات الاجتماعية، ويكون ملزماً بإحضارهم متى طُلب منهم ذلك، ومنعهم من مغادرة منطقة سكنهم إلا بإذن مسبق، وعدم تغيير رقم جوالاتهم أو إغلاقها، وأن يظل تطبيق «الواتساب» يعمل كما كان عليه قبل اعتقالهم. كما يلحق بذلك تهديدات شفهية بإيذاء أطفالهم أو أقاربهم إذا غادروا إلى مناطق سيطرة الحكومة، أو عادوا للنشر ضد الجماعة.

تعذيب مروع

بالتزامن مع استمرار الحوثيين في اعتقال المئات من الناشطين، كشف النائب اليمني المعارض أحمد سيف حاشد، عما سماها «غرف التعذيب» في سجون مخابرات الجماعة.

وقال حاشد إن هناك مسلخاً للتعذيب اسمه «الورشة» في صنعاء، وتحديداً في مقر سجن «الأمن والمخابرات» (الأمن السياسي سابقاً)، وإن هذا المسلخ يقع في الدور الثالث، وموزع إلى عدة غرف، وكل غرفة تحتوي على وسائل تعذيب تصنع في نفوس الضحايا الخوف المريع والبشاعة التي لا تُنسى.

الناشطة اليمنية سحر الخولاني انتقدت فساد الحوثيين وطالبت بصرف رواتب الموظفين فتم اعتقالها (إعلام محلي)

ووفق ما أورده حاشد، الذي غادر مؤخراً مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، توجد في هذا المكان سلاسل ترفع الشخص إلى الأعلى وتعيده إلى الأسفل بواسطة زر تحكم، حيث يُعلَّق الضحية ويُثبَّت بالطريقة التي يريد المحققون رؤيته عليها.

وذكر أن البعض من الضحايا يُعلق من يديه لساعات طويلة، وبعضهم يُعلق من رجليه، وبعد ذلك يتم إنزاله وقد صار عاجزاً أو محمولاً في بطانية.

ووفق هذه الرواية، فإن هذا القسم يشمل وسائل تعذيب متنوعة تشمل الكراسي الكهربائية، والكماشات لنزع الأظافر، والكابلات، والسياط، والأسياخ الحديدية، والكلاب البوليسية، وكل ما لا يخطر على البال من وسائل صناعة الرعب والخوف والألم.