أزمة تحويلات مالية تضرب مناطق سيطرة الحوثيين

الجماعة منعت التعامل مع شبكة حكومية وترفض استقبال المواطنين حوالات بالدولار

يواجه اليمنيون صعوبة شديدة في إرسال وتسلُّم الحوالات بسبب قيود الحوثيين (إعلام محلي)
يواجه اليمنيون صعوبة شديدة في إرسال وتسلُّم الحوالات بسبب قيود الحوثيين (إعلام محلي)
TT

أزمة تحويلات مالية تضرب مناطق سيطرة الحوثيين

يواجه اليمنيون صعوبة شديدة في إرسال وتسلُّم الحوالات بسبب قيود الحوثيين (إعلام محلي)
يواجه اليمنيون صعوبة شديدة في إرسال وتسلُّم الحوالات بسبب قيود الحوثيين (إعلام محلي)

دخلت معركة التحويلات المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين مرحلة مفصلية مع إطلاق البنك المركزي في عدن شبكة موحدة للتحويلات المالية، وردِّ الجماعة بمنع التعامل معها، وإصدارها قراراً يمنع تسلّم الحوالات الخارجية بالدولار الأميركي أو الريال اليمني.

ووفق مصادر مصرفية، يواجه المتعاملون صعوبة بالغة في إرسال الحوالات إلى مناطق سيطرة الحوثيين، أو تسلّم الحوالات التي ترسل من تلك المناطق إلى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

يواجه البنك المركزي اليمني في عدن صعوبات جمة لضبط السوق المصرفية (أ.ف.ب)

وتوقّع صرافون ومتعاملون أن تتصاعد المواجهة وتشتد أزمة التحويلات المالية مع منع الحوثيين تسليم الحوالات الخارجية بالدولار أو الريال اليمني، وإلزام شركات الصرافة بتسليم هذه الحوالات بما يعادلها بالريال السعودي.

هذه التطورات أتت على خلفية إعلان البنك المركزي اليمني في عدن تأسيس شبكة موحدة للتحويلات المالية، وإلزام شركات الصرافة بإيقاف التحويلات عبر الشركات الأخرى، والتحويل فقط عبر هذه الشبكة.

وفي حين أكد البنك أن من يخالف ذلك سيتعرض للعقوبة، ردّ الحوثيون على القرار ومنعوا شركات الصرافة في مناطق سيطرتهم من التعامل مع هذه الشبكة، وهو ما تسبب في إيقاف التحويلات المالية بشكل شبه كامل إلا عبر مصرف وحيد.

ووفق ما يراه اثنان من مالكي شركات الصرافة تحدثت إليهما «الشرق الأوسط»، فإن هذه الخطوات ستضاعف من حدة الانقسام المالي الذي فرضه الحوثيون في عام 2021 عندما منعوا تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية، وفرضوا رسوماً كبيرة جداً على التحويلات من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرتهم تجاوزت نسبة 100 في المائة.

ويقول المصرفيان إن الخطوة التي أقدم عليها البنك المركزي في عدن هدفها ضبط السوق والتلاعب الحاصل في سعر العملة، بعد سنوات من الفوضى والتحكم بأسعار الصرف، وأكدا أن رد الحوثيين بفتح جبهة مواجهة سيدفع السكان في مناطق سيطرتهم ثمنها، وسيقود إلى معركة لا يعرف أحد كيف ستنتهي؛ لأن من شأنها أن تضيق على الأسر والتجار أيضاً في تلك المناطق، لا سيما الذين يعتمدون على البنك المركزي في عدن لفتح اعتماداتهم المستندية لاستيراد البضائع من الخارج، فلا أحد في العالم يعترف بسيطرة الحوثيين على فرع البنك المركزي في صنعاء.

توقف شبه تام

متعاملون يمنيون في قطاع الصرافة ذكروا لـ«الشرق الأوسط» أن التحويلات المالية توقفت بشكل شبه تام بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين والعكس، وحذروا من صعوبات ستواجه المغتربين اليمنيين عند إرسال أي أموال إلى أسرهم في تلك المناطق؛ لأن الشركات الخارجية مطالبة بالبحث عن وكلاء مرخص لهم بالعمل في مناطق الحوثيين؛ لأن الشركات المصرح لها بالعمل في مناطق سيطرة الحكومة لن تتمكن من صرف تلك الحوالات.

إيقاف الحوثيين التحويلات المالية سيزيد من معاناة اليمنيين (إعلام محلي)

ووفق المصادر فإن العاملين في مناطق سيطرة الحكومة لن يكون بمقدورهم إرسال أي حوالات مالية إلى أسرهم إلا عبر مصرف وحيد مسموح له بالعمل في مناطق سيطرة الحوثيين.

التصعيد الحوثي ترافق مع منع فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة صرف الحوالات الواردة من الخارج بالدولار أو بالريال اليمني؛ بسبب أزمة السيولة التي تعيشها تلك المناطق، وأمر شركات التحويلات المالية بصرف أي حوالة واردة بالريال السعودي فقط.

وقالت مصادر اقتصادية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن خطوة منع تسلّم الحوالات بالدولار، والتي اختير توقيتها مع حلول أكبر موسم للتحويلات المالية من المغتربين إلى مناطق سيطرة الحوثيين سيضاعف من الاستقطاعات التي يحصل عليها الحوثيون الذين يفرضون سعراً متدنياً للدولار (530 ريالاً يمنياً)، بينما سعره الحقيقي وفق هذه المصادر يصل إلى 2000 ريال يمني.

وبحسب المصادر، فإن الجماعة الحوثية وإلى جانب أزمة السيولة الحادة التي تواجهها من الريال اليمني، اتجهت مع تصنيفها جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة إلى زيادة شدة قبضتها على التعامل بالدولار، حيث سحبت جميع الأوراق القديمة من الدولار والمطبوعة حتى عام 1996، وحدّدت التعامل بالطبعة اللاحقة لذلك التاريخ، قبل أن تقدم الآن على منع التعامل بالدولار وتسليم جميع الحوالات بما يعادلها بالريال السعودي، ولكنها في اتجاه آخر تفرض سعراً متدنياً للريال السعودي (140 ريالاً يمنياً) في حين أن سعره الفعلي يزيد على 430 ريالاً.

زيادة حدة الانقسام

هذه الإجراءات من شأنها وفق تجار واقتصاديين أن تزيد من حدة الانقسام المالي، وستعقد من جهود مبعوث الأمم المتحدة لمعالجة الملف الاقتصادي استنادا إلى خريطة الطريق للسلام، خاصة وأن التجار يعانون حالياً من وجود سعرين للدولار، وارتفاع عمولة التحويلات المالية بين مناطق سيطرة الحكومة والحوثيين، وإرغامهم على دفع رسوم جمركية إضافية عند دخول مناطق سيطرة الجماعة إلى جانب الجبايات المضاعفة والمتعددة.

حرب العملة في اليمن تزيد من تعقيد المساعي الأممية لإبرام خريطة طريق (الأمم المتحدة)

الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أكد في خطاب بمناسبة حلول شهر رمضان أن الشرعية بذلت كل الجهد، وقدمت التنازلات كافة من أجل استئناف دفع مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن الجماعة أبت إلا أن تستمر المعاناة. وقال إنها الآن تريد مقايضة عملياتها الدعائية عبر البحار، بالعبودية والحكم الاستبدادي الذي دفنه اليمنيون منذ ستة عقود.

وذكر العليمي أن الشرعية التي يقودها ما زالت تعرض المبادرات تلو المبادرات لاختبار نيات الحوثيين في التعاطي الإيجابي مع القضايا الإنسانية، وتحسين الظروف المعيشية.

وأكد أنه ليس هناك أسهل من فتح الطرقات، وإلغاء العمولات التعسفية على تحويلات المواطنين من المحافظات المحررة، وإنهاء القيود على أنشطة القطاع الخاص وتدخلاته الإنسانية، وحرية انتقال المواطنين، والسلع الأساسية، والوكالات الإغاثية.


مقالات ذات صلة

اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

العالم العربي وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)

اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

شدد وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني على ضرورة اتخاذ إجراءات أممية حازمة لمنع تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، بينما تبنت الجماعة هجمات بالمسيَّرات على إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي صندوق حوثي لجمع التبرعات النقدية في أحد شوارع صنعاء (إكس)

رفض مجتمعي لجبايات الحوثيين تحت اسم «مساندة لبنان وغزة»

واجهت حملات الجباية الحوثية التي أطلقتها الجماعة تحت مزاعم التبرع للفلسطينيين في غزة و«حزب الله» في لبنان رفضاً مجتمعياً في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الانقلاب.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي جانب من مشاركة اليمن في فعاليات قمة مؤتمر المناخ في باكو (سبأ)

تضرر 30% من الأراضي الزراعية في اليمن خلال عام

أفاد وزير المياه والبيئة اليمني، توفيق الشرجبي، بأن بلاده خسرت 30 في المائة من الأراضي الزراعية خلال عام، داعياً إلى تمويل دولي إضافي لمواجهة آثار المناخ.

«الشرق الأوسط» (تعز)
العالم العربي منظر عام لقلعة «القاهرة» التاريخية في مدينة تعز اليمنية (إكس)

مبادرتان أميركيتان لتعزيز حماية التراث الثقافي في اليمن

أعلنت السفارة الأميركية لدى اليمن عن دعم مبادرتين؛ الأولى لترميم قلعة تاريخية في تعز، والثانية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في اليمن.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي أب إثيوبي عثر على ابنه بعد أن تقطعت به السبل داخل الأراضي اليمنية عدة أشهر (الأمم المتحدة)

ارتفاع المهاجرين الأفارقة إلى اليمن 136 %

ارتفع عدد المهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن بنسبة 136 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وفق بيانات وزعتها المنظمة الدولية للهجرة.

محمد ناصر (تعز)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».