الأعمال التطوعية الإنسانية تزدهر موسمياً في اليمن رغم العراقيل

شكاوى من الانتهازية وإفساد المبادرات الخيرية وغياب التقدير

معلم يمني يتطوع لتقديم دروس للأطفال في مدرسة مبنية من القش في محافظة حجة (أ.ف.ب)
معلم يمني يتطوع لتقديم دروس للأطفال في مدرسة مبنية من القش في محافظة حجة (أ.ف.ب)
TT

الأعمال التطوعية الإنسانية تزدهر موسمياً في اليمن رغم العراقيل

معلم يمني يتطوع لتقديم دروس للأطفال في مدرسة مبنية من القش في محافظة حجة (أ.ف.ب)
معلم يمني يتطوع لتقديم دروس للأطفال في مدرسة مبنية من القش في محافظة حجة (أ.ف.ب)

ابتداءً من شهر رمضان وصولاً إلى عيد الأضحى كل عام ينخرط الكثير من الشباب اليمنيين في الأعمال الخيرية والإنسانية، رغم تراجع أعمال التطوع في الشأن التنموي بسبب تأثيرات الانقلاب والحرب، ورغم الشكاوى من شبه الفساد والإثراء وغياب الوعي.

ويمثل التطوع في اليمن فرصةً للكثير من الشباب للانشغال عن الحرب والعزوف عن المشاركة فيها، كما يقول الناشط عبد الرزاق هاشم، إلا أن التطوع يفتقر للمكانة لدى المؤسسات والجهات المختصة، ولا يحظى المتطوعون بالتقدير أو التكريم أو الترشيح للمشاركة في برامج تأهيل مرموقة، أو حتى الحصول على مكافآت مالية تمنع عنهم الشعور بالاستغلال.

تسبب الانقلاب والحرب بإفساد العمل التطوعي في اليمن وتحويله إلى مجال للإثراء (رويترز)

وبدأ هاشم التطوع، وفق روايته لـ«الشرق الأوسط»، عبر العمل الحزبي الذي كان موجهاً ولا يوفر الشغف للمشاركين فيه، فلجأ للتطوع خلال دراسته الجامعية، مع جهات غير حزبية تنظم أنشطة تنموية غير حزبية وغير موسمية، إلا أنه يشكو من أن تطوعه لم يكن مدروساً أو ممنهجاً ليساعده في تعزيز خبراته.

وكان التطوع بالنسبة له بحدود الوقت المتاح، لكن تراكم الالتزامات المادية مع الوقت غير سلّم الأولويات في حياته، والكثير من زملائه، ليصبح العمل ذو المردود المالي هو الدافع الأساسي، لا سيما أن الكثير من منظمات المجتمع المدني تتعامل مع مفهوم العمل التطوعي كعمل خالٍ تمامًا من أي أجر، بل ويسبب استغلالها نفور المتطوعين.

ويعد العمل التطوعي أحد مؤشرات العطاء، وفقاً لمؤسسة المساعدات الخيرية «كاف» في لندن، حيث يلاحظ أنه يزداد أهمية وصعوداً في دول الحروب والأزمات.

من متطوعين إلى أثرياء

جاء اليمن في المرتبة 140 على قائمة الدول الأكثر عطاءً ضمن مؤشر العطاء العالمي الذي أعدته مؤسسة المساعدات الخيرية «كاف»، والذي يستمد بياناته من مسح أجرته مؤسسة «غالوب» الدولية لاستطلاعات الرأي، خلال العام الماضي، وشمل الأعوام الثلاثة السابقة للعام الماضي.

شهد التطوع في الأعمال الإغاثية والإنسانية نمواً على عكس التطوع في باقي المجالات (رويترز)

وشمل المسح 147.186 ألف مقابلة مع بالغين في 142 دولة على مدار العام قبل الماضي لتحديد مؤشر العطاء العالمي عبر ثلاثة أسئلة ومؤشرات؛ هي مساعدة شخص غريب، والتبرع بالمال، والتطوع بالوقت والجهد، بهدف رصد أكثر الدول والشعوب عطاءً في العالم.

ووفقاً للمسح، فإن لدى 6 في المائة من اليمنيين استعداداً للتبرع بالوقت، و4 في المائة للتبرع بالمال، بينما يبادر 46 في المائة لمساعدة الغرباء، وبلغت درجة اليمن في المؤشر 18 من 100.

ويدفع استمرار الحروب والأزمات وتراكم أعبائها على جميع السكان بالمتطوعين أنفسهم إلى الحاجة للمساعدة، أو يمنحهم مبررات للتراجع عن العمل التطوعي، حسب الناشطة فطوم عمر.

فعند اندلاع الحرب في اليمن خلال عام 2015 بعد توسع الجماعة الحوثية في مختلف المحافظات اليمنية، شاركت فطوم في حملة لأجل إيصال تبرعات مالية وعينية إلى محافظة الضالع التي كانت من أوائل المحافظات التي تعرضت للحصار ومنع وصول المواد الأساسية للحياة إليها.

استمرت فطوم في أعمال التطوع في عدد من المحافظات التي تضررت من الحرب والمأساة الإنسانية إلى أن أصيبت بالإحباط بسبب مضي سنوات طويلة من التعب والمعاناة، زاملت خلالها الكثير من المتطوعين الذين تحولوا من متطوعين إلى موظفين في جهات دولية مانحة أو أنشأوا لأنفسهم مؤسسات محلية، وبدأت مظاهر الثراء تبدو عليهم.

قبل الانقلاب، كان طلاب الجامعات اليمنية يزاولون التطوع لاكتساب الخبرات والتعرف على سوق العمل (إعلام محلي)

ولا ترى فطوم، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، تحول زملائها إلى موظفين أو أصحاب مشاريع عيباً بحد ذاته، فمن حقهم أن يكون تطوعهم من أجل الحصول على الخبرة واستشراف فرص للعمل، لكنها تأسف لتخلي الكثير منهم عن التطوع تماماً، ورفضهم مساعدة المتطوعين الجدد، بل إن منهم من يستغل هؤلاء المتطوعين لخدمة أهدافه الشخصية، وفق قولها.

بين الإفساد والتفاني

شهدت اليمن طفرةً في التطوع في الشأن التنموي والتوعوي خلال الأعوام السابقة للانقلاب والحرب، وفقاً لفؤاد حميد، وهو اسم مستعار لأكاديمي في جامعة صنعاء يرى أن الهامش الديمقراطي والتعددية الحزبية وانتشار منظمات المجتمع المدني خلال تلك الفترة كانت فضاءً لنمو الكثير من القيم المرتبطة بالمسؤولية المجتمعية، دون تغييب الذات أو حرمانها من رغباتها وطموحاتها.

ويوضح الأكاديمي، الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم نشر اسمه، أن الكثير من الشباب من طلاب الجامعات أو الخريجين اندفعوا للتطوع في المنظمات رغبة منهم في اكتساب الخبرة، حيث كان التطوع يوفر فرصة لبناء الفرد وتكوينه المعرفي والأخلي وإطلاعه على سوق العمل وتعزيز معارفه، إلى جانب تعزيز علاقته بالمجتمع وتنمية شعوره بالانتماء له.

لكن الحال تغير لاحقاً، حيث تسبب الفساد الذي سيطر على الأعمال الإنسانية في اليمن في ظل الحرب وانتهازية تعاطي الجماعة الحوثية مع أنشطة حقوق الإنسان وأعمال الإغاثة في إفساد روح التطوع، وألحق الكثير من الشباب بموجة الانتهازية والفساد اللذين غالباً ما يكونان من سمات أزمنة الحروب.

شباب متطوعون لتوزيع المساعدات الغذائية في صنعاء (إ.ب.أ)

ويتخذ عدد من الناشطين من شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى فرصةً للتطوع من خلال مساعدة العائلات التي تعاني من العوز وعدم القدرة على توفير الغذاء والمتطلبات الضرورية لهذه المناسبات كالملابس والأضاحي.

وفي مدينة عدن يعمل الشاب صالح العبيدي خلال هذه الفترة على إيصال مساعدات الميسورين من أبناء المدينة أو المدن القريبة أو المغتربين في دول الجوار إلى العائلات الفقيرة، حيث تتنوع تلك المساعدات بين المبالغ النقدية والسلال الغذائية والملابس الجديدة والأضاحي، وحتى تنظيم رحلات ترفيهية للأطفال خلال الأعياد.

وتمكنت الناشطة رباب علي، بجهود فردية، من جمع 46 سلة غذائية ومبالغ نقدية من فاعلي الخير وتوزيعها على عدد من العائلات قبل دخول شهر رمضان، ونظمت صحبة زميلات لها زيارة إلى دار الأيتام لتوزيع بعض الهدايا عليهم، وزيارة أخرى إلى مركز الشلل الدماغي للأطفال.

أما منى عبادل، فتخصص نشاطها في توجه آخر ترى أن الكثير من العائلات والأفراد في حاجة ماسة لمساعدتهم فيه، وهو توفير المساعدات في الاحتياجات اللوجستية للعائلات، كما تقول، ومن ذلك عجز العائلات عن إصلاح أجهزتها المنزلية الحيوية كالثلاجات والغسالات والمكيفات وأيضاً أعطال سيارات الأجرة لمن يعملون عليها، حيث تجد أن هذا التوجه يساعد هذه العائلات في جانب لا يلتفت إليه أحد.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)
TT

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)

قرر مصرف الإمارات المركزي تعليق نشاط تحويل الأموال لشركة «الرازوقي» للصرافة العاملة في الدولة، لمدة 3 سنوات، وذلك بسبب انتهاك قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب بيان للمصرف المركزي، أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط» قال إنه تم إغلاق فرعين للشركة في منطقتي المرر وديرة بدبي، حيث اتُّخذت هذه الإجراءات الإدارية بموجب المادة 14 من قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

ووفقاً للبيان، فإن المصرف المركزي يعمل من خلال مهامه الرقابية والإشرافية، على ضمان التزام جميع شركات الصرافة ومالكيها وموظفيها، بالقوانين السارية في البلاد، والأنظمة والمعايير المعتمَدة من المصرف المركزي، مشيراً إلى أنه يهدف للحفاظ على شفافية ونزاهة النظام المالي للدولة.

وتنص المادة 14 من قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات أنه يجب على جميع المرخص لهم الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية الحالية الخاصة بمواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب المحددة من قِبل المصرف المركزي، والتصدي لمخاطر غسل الأموال، وتمويل الإرهاب من خلال التدابير الوقائية المناسبة لردع إساءة استخدام القطاع قناةً للأموال غير المشروعة، والكشف عن غسل الأموال، وأنشطة تمويل الإرهاب، وإبلاغ وحدة المعلومات المالية في المصرف المركزي عن أي معاملات مشبوهة.