اليمن: مقاطعة المنتجات الغربية... سيف مسلّط على جيوب التجار

غرامات على المستوردين وحركة بيع نشطة على الأرصفة

سلع غذائية بعضها منتهية الصلاحية تباع على أرصفة شوارع صنعاء دون رقابة (إعلام محلي)
سلع غذائية بعضها منتهية الصلاحية تباع على أرصفة شوارع صنعاء دون رقابة (إعلام محلي)
TT

اليمن: مقاطعة المنتجات الغربية... سيف مسلّط على جيوب التجار

سلع غذائية بعضها منتهية الصلاحية تباع على أرصفة شوارع صنعاء دون رقابة (إعلام محلي)
سلع غذائية بعضها منتهية الصلاحية تباع على أرصفة شوارع صنعاء دون رقابة (إعلام محلي)

تحوّلت السلع والمنتجات الغربية التي جرت مقاطعتها، طوعاً من طرف المجتمع اليمني أو قسراً بقرار الجماعة الحوثية، إلى عبء على الشركات والتجار وسبب في خسائرهم، كما باتت خطراً على سلامة المستهلكين من ذوي الدخل المحدود بعد تصريفها للبيع بواسطة الباعة المتجولين، إلى جانب التأثيرات على التجارة وسوق العمل.

ويباع الكثير من السلع التي تضمنتها قوائم المقاطعة، وغالبيتها من المواد الغذائية على أرصفة الكثير من شوارع العاصمة المختطفة صنعاء من خلال الباعة المتجولين ومفترشي الأرصفة، إلى جانب غيرها من المنتجات التي شارفت على الانتهاء، والتي يجري تخزينها وعرضها في ظروف غير خاضعة لمعايير الجودة أو السلامة.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية فرضت غرامات تقارب 200 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) على شركة «إيكونز» التابعة لمجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه؛ أكبر مجموعة تجارية يمنية، بمبرر استيرادها منتجات مشمولة بقرار المقاطعة.

وكان من المفترض وبعد الاتفاق بين الشركة ومندوبي الجماعة الحوثية استمرار الشركة بتسويق منتجاتها المستوردة، موضوع الغرامة، بعد دفع الغرامة؛ إلا أن الجماعة وبعد تقاضي المبلغ أصرت على سحب المنتجات من الأسواق، وإزالة إعلاناتها تماماً، قبل أن تقرر إلزام الشركة ببيعها بأقل من نصف التسعيرة التي كانت تباع بها.

ورغم أن مقاطعة منتجات الدول الغربية المساندة لإسرائيل في حربها على غزة تدخل شهرها الخامس؛ فإن التجار والباعة يواجهون مشكلة مع تحديث قوائم السلع المعلن مقاطعتها، وفي حال توقفهم عن استيراد أنواع من السلع واستبدال أخرى بها؛ يفاجأون بأن المنتجات الجديدة تتسبب لهم بخسائر وجبايات على شكل غرامات.

ويذكر أحد التجار في العاصمة صنعاء أن فرق تفتيش ميدانية تباغتهم بين الحين والآخر، وتطلب منهم دفع غرامات بحجة أن السلع الجديدة التي يعرضونها للبيع على أنها بدائل للمنتجات التي جرت مقاطعتها، أصبحت هي الأخرى ضمن قوائم السلع الممنوع بيعها رغم عدم إعلامهم مسبقاً بذلك.

يتخلص التجار من السلع المشمولة بالمقاطعة ببيعها للباعة المتجولين تجنباً للخسائر (إعلام محلي)

وبحسب إفادة التاجر الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن بياناته؛ فإن غالبية التجار باتوا يعرضون كميات قليلة من المنتجات المستوردة أو يخفونها خشية أن يتم فرض غرامات عليهم بسببها دون أن يكون قد تم إبلاغهم بأنها دخلت قوائم السلع المعلن عن مقاطعتها.

تحديثات شفوية

لا يتم تحديث قوائم السلع التي يجري فرض مقاطعتها علناً، بل يتم إبلاغ الشركات والتجار والباعة بذلك من خلال فرق التفتيش التي تسارع إلى فرض الغرامات وتحصيلها مباشرة.

واستغرب المحامي مجيب الشرعبي من طريقة فرض المقاطعة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فبينما تجري المقاطعة في سائر الدول العربية والإسلامية من خلال دعوات وحملات شعبية، ويتم دعمها حتى من خلال وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، فإن قطاع التجارة التابع للجماعة الحوثية فرض المقاطعة قسراً، ولم يترك للمستهلكين حرية اتخاذ قرار المقاطعة.

وينوه الشرعبي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن المقاطعة جرى فرضها خارج سياق القانون، وبطريقة ألحقت بالتجار والشركات خسائر كبيرة، ومن دون دراسة أو تقييم لأثرها على الاقتصاد المحلي وقطاع التجارة وسوق العمل.

وبحكم عمله مستشاراً قانونياً في شركة تجارية ومكتب خدمات قانونية؛ يشير الشرعبي إلى أن هناك تأثيرات باتت ملحوظة إلى حد كبير في سوق العمل بسبب المقاطعة الإجبارية، وظهرت هذه التأثيرات في الشركات المستوردة للبضائع وشركات الشحن والتفريغ التي تضطر إلى تسريح عدد من موظفيها وعمالها.

قادة حوثيون يلزمون المحال التجارية بقوائم البضائع التي شملتها قرارات المقاطعة (إعلام حوثي)

وأعلنت الجماعة الحوثية، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، منع دخول منتجات عشرات الشركات الأميركية والأوروبية بحجة دعمها الاحتلال الإسرائيلي، ونفذت حملة لإزالة الإعلانات الخاصة بتلك البضائع، ومنعت الترويج لها، موجهة مستورديها بتوفير منتجات بديلة من دول وشركات أخرى غير مرتبطة بإسرائيل، أو من خلال الإنتاج المحلي.

خطر على الصحة

تضاعفت كميات المنتجات الغذائية المستوردة التي تباع على الأرصفة في ظروف تهدد سلامتها وجودتها بانضمام كميات كبيرة من البضائع التي يسعى التجار والباعة إلى التخلص منها هرباً من الغرامات وعدم قدرتهم على تسويقها.

ورغم أن الجماعة الحوثية سمحت باستمرار بيع كميات المنتجات التي كانت موجودة قبل قرار المقاطعة لحين تصريفها أو التصرف بها، فإن فرق التفتيش التابع لها تفرض الغرامات على تلك المنتجات المعروضة في تصرفات وصفها الكثير من التجار والباعة بالابتزاز، واضطرهم إلى محاولة تصريفها بأبخس الأثمان أو التخلص منها.

ومن وسائل تصريف تلك المنتجات للتهرب من الغرامات والجبايات؛ بيعها إلى الباعة المتجولين الذين يعملون على عرضها وبيعها في الأرصفة وتحت أشعة الشمس وغيرها من ظروف الطقس والعوامل المؤثرة على جودتها وسلامتها، إلى جانب تخزينها في مخازن غير ملائمة أو نظيفة، ونقلها يومياً بين المخازن والأرصفة بوسائل نقل غير آمنة على جودتها.

تتخذ الجماعة الحوثية من مقاطعة البضائع الغربية شعاراً لها منذ صعودها (إعلام حوثي)

ورغم حملات المقاطعة فإن تلك المنتجات تجد سوقاً رائجة لها على الأرصفة وفي عربات الباعة المتجولين، لكونها تباع بأقل من أسعارها بفارق كبير، بعد رغبة التجار في التخلص منها بأقل الخسائر التي تسببها لهم الغرامات.

ويجد المعلم نصر حميد تفسيراً لرواج هذه المنتجات على الأرصفة رغم تعاطف المجتمع اليمني مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة، وتفاعلهم مع حملات المقاطعة، حيث يرى أن الغالبية ممن يشترون هذه السلع من الأرصفة لا يعلمون بكونها من السلع التي تضمنتها قوائم المقاطعة.

ويوضح حميد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية أفراد المجتمع لا يعرفون هذه المنتجات لأن أسعارها تفوق قدراتهم الشرائية حتى في ظروف ما قبل الحرب وتردي الأوضاع المعيشية، وهي أصلاً لم تكن معروضة أمامهم في المحلات التجارية التي تبيع منتجات محلية ورخيصة، ويقبلون عليها حالياً لأنها باتت أرخص من المنتجات المحلية.

ومنذ سنوات تشهد شوارع صنعاء عرض وبيع عشرات المنتجات الغذائية منتهية الصلاحية على الأرصفة، في غياب تام لأي رقابة أو محاسبة لحماية المستهلكين من مخاطرها.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

العالم العربي صاروخ زعمت الجماعة الحوثية أنه «فرط صوتي» أطلقته باتجاه إسرائيل (إعلام حوثي)

الحوثيون يعلنون هجوماً ضد إسرائيل ويزعمون إسقاط مسيرة أميركية

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الجمعة، أولى هجماتها ضد إسرائيل منذ فوز ترمب بالرئاسة، كما زعمت إسقاط مسيّرة أميركية وأقرت بتلقي غارتين في الحديدة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)

فرار مجندين من المعسكرات الحوثية في صنعاء وريفها

شهدت معسكرات تدريب تابعة للجماعة الحوثية في العاصمة المختطفة صنعاء وريفها، خلال الأيام الأخيرة، فراراً للمئات من المجندين ممن جرى استقطابهم.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي رجل مؤيد للحوثين يحمل صاروخاً وهمياً خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يستهدفون قاعدة عسكرية إسرائيلية بصاروخ فرط صوتي

كشف العميد يحيى سريع المتحدث العسكري باسم «الحوثيين» في اليمن، اليوم (الجمعة)، إن الجماعة استهدفت قاعدة نيفاتيم الجوية بجنوب إسرائيل بصاروخ.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي جانب من اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء اليمني في عدن الخميس (سبأ)

«الوزراء اليمني» يناقش إنقاذ الاقتصاد في اجتماع استثنائي

عقدت الحكومة اليمنية اجتماعاً استثنائياً لمناقشة خطة إنقاذ اقتصادي تتوافق مع أولويتها وبرنامجها في الإصلاحات وإنهاء الانقلاب الحوثي واستكمال استعادة الدولة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي 59 ألف حالة اشتباه بالإصابة بالكوليرا في محافظتَي حجة والحديدة وحدهما (الأمم المتحدة)

اليمن... 219 ألف إصابة بالكوليرا أغلبها في مناطق سيطرة الحوثيين

كشف تقرير حديث عن أن حالات الكوليرا في اليمن ارتفعت إلى نحو 219 ألف حالة منذ مطلع العام الحالي، أغلب هذه الحالات تم تسجيلها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)

فرار مجندين من المعسكرات الحوثية في صنعاء وريفها

الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
TT

فرار مجندين من المعسكرات الحوثية في صنعاء وريفها

الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)

شهدت معسكرات تدريب تابعة للجماعة الحوثية في العاصمة المختطفة صنعاء وريفها خلال الأيام الأخيرة، فراراً لمئات المجندين ممن جرى استقطابهم تحت مزاعم إشراكهم فيما تسميه الجماعة «معركة الجهاد المقدس» لتحرير فلسطين.

وتركزت عمليات الفرار للمجندين الحوثيين، وجُلهم من الموظفين الحكوميين والشبان من معسكرات تدريب في مدينة صنعاء، وفي أماكن أخرى مفتوحة، في مناطق بلاد الروس وسنحان وبني مطر وهمدان في ضواحي المدينة.

جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في صنعاء للتعبئة القتالية (فيسبوك)

وتحدّثت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، عن فرار العشرات من المجندين من معسكر تدريبي في منطقة جارف جنوب صنعاء، وهو ما دفع وحدات تتبع جهازي «الأمن الوقائي»، و«الأمن والمخابرات» التابعين للجماعة بشن حملات تعقب وملاحقة بحق المئات ممن قرروا الانسحاب من معسكرات التجنيد والعودة إلى مناطقهم.

وذكرت المصادر أن حملات التعقب الحالية تركّزت في أحياء متفرقة في مديريات صنعاء القديمة ومعين وآزال وبني الحارث، وفي قرى ومناطق أخرى بمحافظة ريف صنعاء.

وأفادت المصادر بقيام مجموعات حوثية مسلحة باعتقال نحو 18 عنصراً من أحياء متفرقة، منهم 9 مراهقين اختطفوا من داخل منازلهم في حي «السنينة» بمديرية معين في صنعاء.

وكان الانقلابيون الحوثيون قد دفعوا منذ مطلع الشهر الحالي بمئات المدنيين، بينهم شبان وأطفال وكبار في السن وموظفون في مديرية معين، للمشاركة في دورات تدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة استعداداً لإشراكهم فيما تُسميه الجماعة «معركة تحرير فلسطين».

ملاحقة الفارين

يتحدث خالد، وهو قريب موظف حكومي فرّ من معسكر تدريب حوثي، عن تعرُّض الحي الذي يقطنون فيه وسط صنعاء للدَّهم من قبل مسلحين على متن عربتين، لاعتقال ابن عمه الذي قرر الانسحاب من المعسكر.

ونقل أحمد عن قريبه، قوله إنه وعدداً من زملائه الموظفين في مكتب تنفيذي بمديرية معين، قرروا الانسحاب من الدورة العسكرية بمرحلتها الثانية، بعد أن اكتشفوا قيام الجماعة بالدفع بالعشرات من رفقائهم ممن شاركوا في الدورة الأولى بوصفهم تعزيزات بشرية إلى جبهتي الحديدة والضالع لمواجهة القوات اليمنية.

طلاب مدرسة حكومية في ريف صنعاء يخضعون لتدريبات قتالية (فيسبوك)

ويبرر صادق (40 عاماً)، وهو من سكان ريف صنعاء، الأسباب التي جعلته ينسحب من معسكر تدريبي حوثي أُقيم في منطقة جبلية، ويقول إنه يفضل التفرغ للبحث عن عمل يمكّنه من تأمين العيش لأفراد عائلته الذين يعانون شدة الحرمان والفاقة جراء تدهور وضعه المادي.

ويتّهم صادق الجماعة الحوثية بعدم الاكتراث لمعاناة السكان، بقدر ما تهتم فقط بإمكانية إنجاح حملات التعبئة والتحشيد التي تطلقها لإسناد جبهاتها الداخلية، مستغلة بذلك الأحداث المستمرة في قطاع غزة وجنوب لبنان.

وكان سكان في صنعاء وريفها قد اشتكوا من إلزام مشرفين حوثيين لهم خلال فترات سابقة بحضور دورات عسكرية مكثفة تحت عناوين «طوفان الأقصى»، في حين تقوم في أعقاب اختتام كل دورة بتعزيز جبهاتها في مأرب وتعز والضالع والحديدة وغيرها بدفعات منهم.

وكثّفت الجماعة الحوثية منذ مطلع العام الحالي من عمليات الحشد والتجنيد في أوساط السكان والعاملين في هيئات ومؤسسات حكومية بمناطق تحت سيطرتها، وادّعى زعيمها عبد الملك الحوثي التمكن من تعبئة أكثر من 500 ألف شخص.