الفقر يدفع يمنيات للبحث عن وجبات مجانية في مطاعم صنعاء

استمرار التصعيد البحري قد يقود إلى مزيد من معاناة السكان

يمنية تجلس مع أطفالها على رصيف شارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنية تجلس مع أطفالها على رصيف شارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

الفقر يدفع يمنيات للبحث عن وجبات مجانية في مطاعم صنعاء

يمنية تجلس مع أطفالها على رصيف شارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
يمنية تجلس مع أطفالها على رصيف شارع في صنعاء (الشرق الأوسط)

تترك أم محمد أطفالها الثلاثة لدى جارتها خلال ساعات الظهيرة حتى تتمكن من الانضمام إلى مجاميع من النساء يقفن يومياً ساعات أمام بوابة أحد المطاعم في نطاق مديرية معين في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بعد أن قرر مالكه توزيع وجبة الأرز على الأسر المعوزة والأشد فقراً في المنطقة نفسها.

تتحدث أم محمد لـ«الشرق الأوسط»، عن بعض معاناتها وصراعها اليومي المرير مع رحلة البحث المضنية لتأمين العيش لها ولصغارها وهم (محمد 14 عاما، وسندس 9 سنوات، ومراد 5 سنوات)، موضحة أنها تعمل كل صباح في تنظيف أحد المنازل بالحي الذي تقطنه بأجر يومي يعادل نحو 3 دولارات، وهو مبلغ زهيد لا يكفي للطعام.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

وتشير إلى أن همومها تصاعدت أكثر عقب فقدان زوجها جراء تعرضه لجلطة دماغية فارق على إثرها الحياة تاركاً خلفه 3 أطفال في عمر الزهور يحتاجون إلى من ينفق عليهم، ويتحسس معاناتهم وأوجاعهم.

وعلى مدى الأعوام التسعة المنصرمة التي أعقبت الانقلاب الحوثي والحرب، دفعت النساء اليمنيات في صنعاء وبقية المحافظات تحت سيطرة الجماعة الموالية لإيران، أثماناً باهظة جراء الحرمان والفاقة والتعسفات التي مورست بحقهن.

طابور من أجل وجبة

إلى جانب أم محمد تقف أمام بوابة المطعم أعداد من النسوة من مختلف الأعمار، وبعضهن من فئات المشردات والنازحات وذوي الأسر الأشد عوزاً، كل يوم لساعات؛ أملاً في الحصول على وجبة الأرز المجانية.

ويقول أحد العاملين في المطعم لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يمض سوى أيام قليلة منذ بدء قرار المطعم توزيع وجبة الأرز المجانية على النساء اليمنيات الفقيرات.

دفعت النساء اليمنيات أثماناً باهظة على مدى سنوات الحرب (الشرق الأوسط)

وأبدى العامل، الذي اشترط إخفاء معلوماته، خشيته أن يصل الخبر إلى قيادات في الجماعة الحوثية، وتقوم إثر ذلك باتخاذ إجراءات عقابية ضد مالك المطعم، كما حصل سابقاً مع ملاك مطاعم آخرين كانوا قد اتخذوا مثل هذه الخطوة الإنسانية من أجل تخفيف ولو الجزء اليسير من معاناة اليمنيين.

ويرى معتز وهو أحد زبائن المطعم أن المبادرات الخيرية باتت شيئاً ضرورياً، نتيجة تدهور ظروف الناس، رغم حالة المنع والتهديد الحوثي، وما يمارس ضد كثير من ملاك المطاعم من أعمال ابتزاز وفرض إتاوات غير قانونية.

وتأتي هذه الأعمال الإنسانية المتواضعة في ظل أوضاع بائسة يجابهها ملايين اليمنيين، ويرافقها اتساع في رقعة الفقر والجوع وانقطاع الرواتب وانعدام فرص العمل، ما دفع المعوزين إما للبحث عن بقايا طعام وسط أكوام النفايات، وإما للوقوف ساعات طويلة أمام بوابات المطاعم أملاً في الحصول على وجبات مجانية.

ازدياد الفقراء

تؤكد مصادر إغاثية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن المدينة تشهد ازدياداً مستمراً في أعداد الفقراء والمحتاجين من الجنسين، والذين ينتشرون في معظم أحياء وشوارع وطرقات المدينة بحثاً عن وسائل تؤمن لهم ولأطفالهم لقمة العيش.

ووفق المصادر، فإن الأسباب التي أدت لتوسع ظاهرة تجمهر الفقراء والمحتاجين أمام بوابات بعض المطاعم وغيرها من المحال التجارية لغرض الحصول على مساعدات أو وجبات مجانية تعود إلى حدة الظروف واتساع رقعة الفقر وانقطاع الرواتب وارتفاع أسعار مختلف السلع.

وتشير المصادر إلى أن الظاهرة لم تعد مقتصرة على فئة يمنية معينة، بل تشمل آلاف الأسر اليمنية ممن تأثرت بصورة مباشرة وغير مباشرة جراء استمرار الحرب والتي ألقت بظلالها السلبية على كل مناحي الحياة.

يمنيات يطلبن المساعدة من أحد المتاجر في صنعاء (الشرق الأوسط)

ويحمل سكان صنعاء قادة الجماعة الحوثية مسؤولية ما وصلت إليه حال اليمنيين من فقر وجوع وحرمان بفعل جرائم الفساد والإفقار والتجويع التي مارسوها منذ 9 سنوات، ولا يزالون بحق القاطنين في مدن سيطرتهم.

وتخشى المصادر الإغاثية من أن يقود استمرار التصعيد الحالي بين الحوثيين والغرب في البحر الأحمر وخليج عدن إلى مفاقمة معاناة ملايين اليمنيين، خصوصاً في ظل التحذيرات المتواصلة الصادرة من منظمات إنسانية دولية من تأثيرات كارثية قد يلحقها استمرار التصعيد.

وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن أخيراً عن موافقة جماعة الحوثي على قرار استبعاد 3 ملايين شخص من قائمة المستفيدين من الحصص الغذائية الشهرية، لينضموا إلى مليون شخص آخرين استُبعدوا في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً لأسباب مرتبطة بنقص التمويل الذي يواجه خطة الاستجابة الإنسانية.

ووفق مؤشر الجوع العالمي، شهد اليمن ثالث أسوأ مستويات الجوع في العالم خلال العام المنصرم، كما أن التعهدات الحالية للمساعدات الغذائية منخفضة بشكل مثير للقلق، وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تقليص بعض برامجه المنقذة للحياة.


مقالات ذات صلة

جواسيس وفرق قمع حوثية لإرهاب سكان صعدة وصنعاء

عنصر حوثي خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة المدعومة من إيران (رويترز)

جواسيس وفرق قمع حوثية لإرهاب سكان صعدة وصنعاء

شكَّلت الجماعة الحوثية فرقاً قمعية لإرهاب سكان صعدة وصنعاء، وشن حملة اعتقالات بتهم تأييد الضربات الأميركية وجمع المعلومات عن قادة الجماعة.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مبنى البنك المركزي اليمني الخاضع للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يمنعون العاملين في البنوك التجارية من مغادرة صنعاء

منع الحوثيون جميع العاملين في البنوك التجارية من مغادرة مناطق سيطرتهم، بعد أن أعلنت مجموعة من البنوك رغبتها في نقل مراكزها الإدارية إلى مدينة عدن

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مقاتلة أميركية على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» تستعد لضرب الحوثيين في اليمن (رويترز)

الجيش الأميركي يكثف ضرباته على معاقل الحوثيين في صعدة

كثف الجيش الأميركي ضرباته على مواقع الحوثيين ومخابئهم في صعدة شمالي اليمن حيث معقلهم الرئيس في الأسبوع الثاني من الحملة التي أمر بها الرئيس دونالد ترمب.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحرب التي أشعلها الحوثيون تسببت في تدمير اقتصاد البلد ونظامه الصحي وبنيته التحتية (إعلام محلي)

الأمم المتحدة: نصف اليمنيين على قيد الحياة بفضل المساعدات

مع دخول الصراع في اليمن، الذي فجّره الحوثيون عامه الحادي عشر، نبهت الأمم المتحدة إلى أن نصف سكان هذا البلد يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

محمد ناصر (تعز)

الحوثيون يمنعون العاملين في البنوك التجارية من مغادرة صنعاء

مبنى البنك المركزي اليمني الخاضع للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
مبنى البنك المركزي اليمني الخاضع للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يمنعون العاملين في البنوك التجارية من مغادرة صنعاء

مبنى البنك المركزي اليمني الخاضع للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
مبنى البنك المركزي اليمني الخاضع للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

منع الحوثيون العاملين جميعاً في البنوك التجارية من مغادرة مناطق سيطرتهم، بعد أن أعلنت مجموعة من البنوك رغبتها في نقل مراكزها الإدارية إلى مدينة عدن؛ حيث العاصمة اليمنية المؤقتة، بينما تتأهب الحكومة اليمنية لمواجهة اقتصادية جديدة مع الجماعة على خلفية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها مع تصنيفها «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً».

وعقب إعلان البنك المركزي اليمني، الذي يتَّخذ من مدينة عدن مركزاً له، تلقيه طلبات نحو 8 من كبار البنوك التجارية لنقل إداراتها العامة إلى مناطق سيطرة الحكومة، ذكرت مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أصدروا قراراً بمنع جميع موظفي البنوك التجارية أو الحكومية من مغادرة مناطق سيطرتهم حتى لقضاء إجازة عيد الفطر مع أسرهم خارج العاصمة المختطفة.

وذكرت المصادر أن 5 من الموظفين على الأقل تم اعتقالهم خلال الأيام القليلة الماضية في نقاط التفتيش المنتشرة بين المدن.

البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين تواجه مخاطر الإفلاس (إعلام محلي)

وبحسب هذه المصادر، فإن جهاز أمن ومخابرات الحوثيين نشر تعميماً بأسماء جميع موظفي البنوك الإسلامية والتجارية والحكومية في صنعاء لدى جميع نقاط التفتيش المنتشرة بين المدن، وألزمها باعتقال كل موظف يحاول السفر إلى أي منطقة خارج العاصمة؛ خشية انتقاله إلى مناطق سيطرة الحكومة.

كما قضت التوجيهات بعدم إطلاق سراح أي موظف يتم القبض عليه إلا بعد أن يتعهد خطياً بعدم السفر مرة أخرى.

مأزق العقوبات

من جهتها أفادت مصادر حكومية «الشرق الأوسط» بأن الحوثيين في مأزق مع سريان العقوبات الأميركية واقتراب تفعيل قرار منع استيرادهم المشتقات النفطية، حيث سيؤدي ذلك إلى فقدان الجماعة واحداً من أهم مصادر الدخل، لأنهم كانوا يحصلون على الوقود وغاز الطهي مجاناً، إذ كانت الشحنات تُهرَّب من إيران بوثائق مزورة يتم فيها تغيير بلد المنشأ، حيث وفّر ذلك موارد مالية ضخمة للجماعة طوال سنوات الهدنة التي ستدخل عامها الرابع خلال الشهر المقبل.

وفيما يتعلق بالبنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين، بيَّنت المصادر أن هذه البنوك ستكون عرضةً للعقوبات إذا ما تورَّطت بأي معاملات مالية مع الحوثيين جماعةً أو أفراداً، خصوصاً أن معظم الشركات العاملة في مناطق سيطرتهم يمتلكها قيادات في الجماعة أو شركاء في رأسمالها.

استعداد يمني حكومي لتسهيل عمل البنوك التي قررت نقل مراكزها من صنعاء (إعلام حكومي)

وأوضحت المصادر أن الحوثيين، وطوال السنوات الماضية، خلقوا طبقةً من التجار من أتباعهم وتم إحلالهم بدلاً عن التجار المعروفين، وأن الشركات الجديدة يمتلكها قادة في الجماعة أو دخلوا شركاء فيها.

وامتدت هذه التدخلات الحوثية - وفق المصادر - إلى البنوك التجارية، واستيراد المشتقات النفطية، واحتكار الخدمات اللوجيستية المقدمة للمنظمات الأممية والدولية.

وأكدت المصادر أن هذا الأمر سيؤثر بقوة على أنشطة تلك الشركات لأنها ستكون تحت الرقابة الأميركية الدقيقة، ما قد يجعلها عرضةً للعقوبات بموجب قرار تصنيف الجماعة «منظمةً إرهابيةً أجنبيةً».

تجاهل المعاناة

ذكرت إيمي بوب، المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة، أن الصراع في اليمن اختفى من دائرة الاهتمام العالمي، لكن المعاناة لم تتوقف بالنسبة لمَن يعيشونها، «وأنه وبعد أكثر من عقد من الحرب والنزوح والانهيار الاقتصادي، لا يزال اليمن يمثل إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، لكن نتيجة انشغال العالم بأزمات أخرى، يتضاءل التمويل بشكل مقلق. الآن، وأكثر من أي وقت مضى، هناك حاجة ماسة إلى تضامن عالمي لمنع حرمان الملايين من المساعدات».

الجوعى في اليمن لا يعرفون متى يحصلون على الوجبة التالية (إعلام محلي)

وذكرت بوب أنه، وخلال شهر رمضان المبارك، تفاقم وقع الأزمة أكثر. بالنسبة لكثير من اليمنيين، لأن الإفطار لم يكن وقتاً للتجمع والاحتفال بالخير والبركة، بل فترة أخرى ينامون فيها جوعى، غير متأكدين مما يخبئه لهم الغد. وقالت إنه وبينما تستعد العائلات حول العالم لاستقبال عيد الفطر، سيقضي اليمنيون عيداً آخر في ظلال الحرب، حيث أصبح الفقدان والجوع والمعاناة واقعاً يومياً.

وبيَّنت المنظمة الأممية أنه وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتقديم المساعدات، فإن النقص الحاد في التمويل يجعل من الوصول إلى أكثر الفئات احتياجاً صعباً للغاية. وفي كثير من المناطق، بالكاد تحصل المجتمعات النازحة على أي دعم. ومع استمرار ازدياد الاحتياجات، تتقلص الموارد، مما يعرِّض ملايين الأشخاص للخطر.

وطبقاً لما ذكرته المسؤولة الأممية «لا يستطيع اليمنيون تحمل أن يكونوا في طي النسيان، خصوصاً بينما تجلس العائلات على موائد الإفطار وبالكاد تجد ما تأكله، وبينما يواجه الآباء عيداً آخر، غير قادرين على توفير احتياجات أطفالهم».