إسرائيل تكثف هجماتها على غزة رغم محادثات هدنة «جادة»

TT

إسرائيل تكثف هجماتها على غزة رغم محادثات هدنة «جادة»

انهيار عقار جراء قصفٍ إسرائيلي لأحد منازل خان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)
انهيار عقار جراء قصفٍ إسرائيلي لأحد منازل خان يونس جنوب غزة (أ.ف.ب)

تصاعد القتال في قطاع غزة، الخميس، فيما وصفه السكان بأنه بعض أعنف جولات القصف الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب، على الرغم من أن الطرفين المتحاربين عقدا ما أطلقت عليه واشنطن «مناقشات جادة للغاية» بخصوص هدنة جديدة.

وحسب «رويترز»، كان القصف أكثر شدة على الجانب الشمالي من قطاع غزة، إذ أمكن رؤية ومضات برتقالية من الانفجارات ودخان أسود مع بزوغ الفجر عبر السياج الحدودي في إسرائيل. وسُمع هدير الطائرات المحلِّقة ودويّ قصف الضربات الجوية كل بضع ثوانٍ يتخلله دوي إطلاق نار.

وفي الجنوب، حيث نزح مئات الآلاف جراء الحرب التي دمَّرت الكثير من أنحاء القطاع، قالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إن ضربة إسرائيلية قتلت قائد المعبر الرئيسي الذي فتح أبوابه قبل أيام فحسب لإدخال المساعدات.

وقال سكان جباليا في شمال القطاع على مقربة من الحدود الإسرائيلية، إن المنطقة باتت معزولة بالكامل، إذ يطلق قناصة إسرائيليون النار الآن على أي شخص يحاول الفرار.

وقال أحد سكان جباليا الذي طلب عدم ذكر اسمه، خشية التعرض للتنكيل: «كانت إحدى أسوأ الليالي من ناحية قصف الاحتلال».

ومع انقطاع الاتصالات في غزة لليوم الثاني، تحدث السكان إلى «رويترز» عبر الهاتف باستخدام شريحة اتصالات لشبكة الهاتف المحمول الإسرائيلية. ويقول سكان غزة إن انقطاع الاتصالات ينذر عادةً بهجمات إسرائيلية.

وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن سيارات الإسعاف لم تعد قادرة الآن على الوصول إلى عدد كبير من المصابين والقتلى داخل جباليا.

وورد في المنشور: «وصلت إلينا عدة مناشدات حول وجود قصف متواصل في شارع البنا النزلة في جباليا، وعشرات الشهداء والجرحى المحاصَرين هناك دون أن يتمكن أيٌّ من طواقم الإسعاف أو فرق الإنقاذ من الوصول إليهم».

وقالت منظمة الصحة العالمية، الخميس، إن آخر مستشفى في شمال قطاع غزة توقف فعلياً عن العمل في اليومين الماضيين، مما يعني أنه لم يعد هناك مكان لاستقبال المصابين.

«كتائب القسام»

وذكرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، قتل 19 جندياً إسرائيلياً في المعارك بقطاع غزة. وقالت «الكتائب» إن مقاتليها هاجموا منزلاً يتحصن به عدد من الجنود الإسرائيليين وقتلوا 6 منهم وأصابوا آخرين، واستهدفوا قوة إسرائيلية خاصة في منطقة التوام شمال مدينة غزة بعبوات «الشواظ» والرشاشات الثقيلة وقتلوا 11 جندياً وفجروا عبوة مضادة للأفراد في قوة الإسناد التابعة لها والمكونة من 8 جنود.

كما قال أبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام» إن مقاتلي الحركة قتلوا العشرات وأصابوا المئات من الجنود الإسرائيليين منذ بدء «العدوان».
وأضاف أبو عبيدة في تسجيل صوتي أن مقاتلي الكتائب استهدفوا 720 آلية منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي على غزة، كما قاموا، في الأسبوع الأخير، بأكثر من 15 عملية قنص وأكثر من 12 اشتباك مباشر بالأسلحة الرشاشة والقنابل.

خسائر إسرائيلية

على الأرض، أكد الجيش الإسرائيلي، الذي خسر 137 رجلاً منذ بدء عملياته البرية في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، أن قواته الجوية ضربت 230 هدفاً في القطاع الفلسطيني خلال الساعات الـ24 الماضية.

واكتشف جنود إسرائيليون أسلحة في مدرسة في مدينة غزة، كما أكد الجيش الإسرائيلي الذي يتهم «حماس» بانتظام باستخدام المدنيين «دروعاً بشرية» وإخفاء مقاتلي الحركة أو مراكز قيادتها في المدارس أو المستشفيات. لكنّ «حماس» تنفي ذلك.

وأعلن الجيش، الأربعاء، أنه اكتشف شبكة أنفاق يستخدمها «كبار قادة» حركة «حماس» في مدينة غزة وتقع على مقربة مباشرة من متاجر ومبانٍ حكومية ومساكن ومدرسة.

هذا، ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن الجيش الإسرائيلي قوله إن 40 من جنوده أُصيبوا في معارك غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بينهم 8 في حالة خطرة. وقالت الصحيفة إن الجيش الإسرائيلي قام بتحديث عدد جنوده المصابين منذ بداية الحرب ليصل إلى 1929 جندياً.

جهود دبلوماسية

يأتي تكثيف القتال على الرغم من تعزيز الجهود الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة من العام للحد من الكارثة الإنسانية.

ويناقش الجانبان الآن هدنة جديدة لإطلاق سراح بعض مما يربو على 100 رهينة ما زالوا محتجزين لدى مقاتلي «حماس» الذين اجتاحوا بلدات في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وفي الوقت نفسه يعكف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على صياغة خطة جديدة لزيادة المساعدات.

ويُجري إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، المدعومة من إيران والتي تسيطر على غزة، محادثات في مصر لليوم الثاني (الخميس)، في تدخل شخصي نادر أشار فيما سبق إلى أن الجهود الدبلوماسية بلغت مراحل مهمة. وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن زعيمها في طريقه إلى القاهرة أيضاً.

ويبدو أن المحادثات هي الأكثر جدية منذ انهار مطلع الشهر الجاري وقفٍ لإطلاق النار استمر أسبوعاً، لكنّ المواقف العامة للطرفين متباعدة. فإسرائيل تقول إنها لن تتفاوض إلا على وقف مؤقت للقتال من أجل إطلاق سراح الرهائن بينما تقول «حماس» إنها مهتمة فقط بالمفاوضات التي ستؤدي إلى إنهاء دائم للقتال.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض، للصحافيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية، الأربعاء: «إن هذه مناقشات ومفاوضات جادة للغاية، ونأمل أن تؤدي إلى نتيجة ما».

من جانبه، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، «نمارس الضغوط». فيما قالت «حماس» في بيان، إن الفصائل الفلسطينية اتخذت موقفاً موحداً بأنه لا ينبغي الحديث عن الأسرى أو اتفاقات تبادل إلا بعد الوقف الكامل للعدوان.

وأضافت «حماس»: «هناك قرار وطني فلسطيني بأنه لا حديث حول الأسرى ولا صفقات تبادل إلا بعد وقف شامل للعدوان».

وقال طاهر النونو، المستشار الإعلامي لهنية، لـ«رويترز»: «لا نستطيع الحديث عن مفاوضات في وقت تستمر فيه إسرائيل في عدوانها. مناقشة أي أطروحة تتعلق بالأسرى يجب أن تكون بعد وقف العدوان».

وأكد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، أن المفاوضات بخصوص الإفراج عن الرهائن جارية، لكنه رفض الإدلاء بتفاصيل، بينما كرر موقف إسرائيل بأن الحرب لن تتوقف ما دامت «حماس» تسيطر على غزة.

وقال كوهين لتلفزيون «واي نت»: «لا علم لديَّ بأي تراجع في شدة القتال. لا يوجد حديث عن تقليل شدة (القتال)، على الأقل ليس في الأسابيع المقبلة».

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، في بيان: «مَن يظن أننا سنتوقف هو منفصل عن الواقع... كل إرهابيي (حماس) من أولهم إلى آخرهم محكوم عليهم بالموت».

وطلبت واشنطن من إسرائيل في الأيام الماضية تقليص هجومها البري بعد أن قال بايدن إن «القصف العشوائي» لغزة يقوّض التعاطف العالمي الذي تدفق على إسرائيل في أعقاب هجوم «حماس».

«يجب أن يعود الجميع»

ومع تواصل الجهود على عدة جبهات لمحاولة التوصل إلى هدنة جديدة، سمح توقُّفٍ للقتال بين 24 نوفمبر (تشرين الثاني) ومطلع ديسمبر (كانون الأول) بالإفراج عن 105 رهائن و240 أسيراً فلسطينياً لدى إسرائيل.

وعاد عوفر إنغل (18 عاماً)، وهو رهينة سابق أُطلق سراحه خلال هذه الهدنة، الأربعاء، لحضور مراسم مع أقارب وعائلات رهائن إلى كيبوتس «بيئيري»، موقع اختطافه خلال هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

وقال: «كانت واحدة من أصعب اللحظات عندما أَغْرَقَنَا الإرهابيون في ظلام دامس، وكانت القنابل تتساقط باستمرار من حولنا في كل مكان».

وأضاف: «كنت هناك وفي كل لحظة يكون فيها الرهائن هناك، فإنهم في خطر (...) يجب أن يعود جميعهم إلى ديارهم الآن».

مقتل مدير المعبر في ضربة جوية

قال مسؤولو «حماس» إن ضربة جوية إسرائيلية، صباح اليوم (الخميس)، قتلت أربعة بينهم العقيد بسام غبن، المدير المعيَّن من «حماس» لمعبر كرم أبو سالم التجاري الذي تسيطر عليه إسرائيل.

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه لا علاقة له بالأمر، قائلاً إنه «ليست لدينا دراية بهذه الحادثة».

وسمحت إسرائيل بإعادة فتح معبر كرم أبو سالم هذا الأسبوع فقط مما زاد من حجم المساعدات، مع أن وكالات الأمم المتحدة تقول إنها لا تزال أقل من الاحتياجات الهائلة إذا قورنت بحجم المساعدات التي كانت تدخل قبل الحرب.

وقبل إعادة فتح هذا المعبر كان الإسرائيليون يفتشون المساعدات في معبر كرم أبو سالم ثم تعود الشاحنات إلى مصر مجدداً لدخول غزة من معبر رفح المخصص أساساً للمشاة.

تصويت مجلس الأمن

ومن المقرر أن يصوّت مجلس الأمن الدولي، الخميس، على قرار لزيادة المساعدات إلى القطاع بعد تأجيل التصويت بناءً على طلب الولايات المتحدة.

وتمنح مسودة القرار الأمم المتحدة دوراً أوسع في الإشراف على شحنات المساعدات، وهو ما يُنظر إليه بأنه يُضعف سيطرة إسرائيل.

وتشعر واشنطن، التي حَمَت حليفها مرتين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، بقلق أيضاً بخصوص الصياغة التي تدعو إلى وقف الأعمال القتالية.

وحسب الصحافة الفرنسية، رأت فرانشيسكا ألبانيز، مقررة الأمم المتحدة لوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، على شبكة «إكس»، أن «اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على النظام الصحي في غزة يتخذ أكثر أشكال السادية شدة».

وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، الأربعاء، تساءل فلسطيني فرَّ من شمال غزة إلى رفح بعد غارة جوية قرب مدرسة لجأ إليها في المدينة الواقعة في جنوب القطاع: «أين الأمان؟ إلى أين يجب أن نذهب؟». وأضاف: «قالوا إنها منطقة آمنة... لا يوجد مكان آخر نذهب إليه. نحن محاصَرون في ساحة مساحتها خمسة كيلومترات فقط».

وما زال النزاع يؤجج التوتر في الشرق الأوسط خصوصاً في الضفة الغربية المحتلة والحدود اللبنانية - الإسرائيلية والبحر الأحمر، حيث يهدد الحوثيون السفن التي يعتقدون أنها مرتبطة بإسرائيل.


مقالات ذات صلة

ترمب يلتقي نتنياهو وينتقد تصريحات هاريس عن إسرائيل

المشرق العربي ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» أمس (آموس بن - غيرشوم / جي بي أو / د.ب.أ)

ترمب يلتقي نتنياهو وينتقد تصريحات هاريس عن إسرائيل

نفى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وجود أي توتر في العلاقات بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معرباً عن تأييده ومساندته لإسرائيل.

هبة القدسي (واشنطن) علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي القوات الإسرائيلية تطلق قنابل إنارة فوق خان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: معارك خان يونس أجبرت 180 ألف شخص على النزوح

أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 180 ألف فلسطيني اضطروا للنزوح خلال أربعة أيام من القتال العنيف حول مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (خان يونس)
الولايات المتحدة​ صورة آخر لقاء جمع الرئيس دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي في 15 سبتمبر 2020 (أ.ب)

نتنياهو يلتقي ترمب بأمل الحصول على تأييد أكبر لإسرائيل

يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائه بالرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري، دونالد ترمب، على نيل تأييد أكبر لأمن إسرائيل.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

أميركا ترجئ ترحيل بعض اللبنانيين بسبب التوتر بين إسرائيل و«حزب الله»

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، أن الولايات المتحدة أرجأت ترحيل بعض المواطنين اللبنانيين من البلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 25 يوليو (أ.ب)

البيت الأبيض يحذّر نتنياهو من خطورة تنازلاته للمتطرفين في حكومته

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن اللقاءات الثلاثة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن مع بايدن وهاريس وسوليفان، كانت صعبة للغاية.

نظير مجلي (تل أبيب)

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.