تهديد الحوثيين المتصاعد للملاحة ينذر بعسكرة البحر الأحمر

مخاوف على السلام اليمني... وتشكيك في جدوى الرد الدولي

قرصن الحوثيون سفينة «غالاكسي ليدر» بزعم أنها ناقلة إسرائيلية (إ.ب.أ)
قرصن الحوثيون سفينة «غالاكسي ليدر» بزعم أنها ناقلة إسرائيلية (إ.ب.أ)
TT

تهديد الحوثيين المتصاعد للملاحة ينذر بعسكرة البحر الأحمر

قرصن الحوثيون سفينة «غالاكسي ليدر» بزعم أنها ناقلة إسرائيلية (إ.ب.أ)
قرصن الحوثيون سفينة «غالاكسي ليدر» بزعم أنها ناقلة إسرائيلية (إ.ب.أ)

مع دخول البحرية الفرنسية إلى جانب البحرية الأميركية والبريطانية للتصدي للهجمات الحوثية في واحد من أهم ممرات التجارة العالمية، تتصاعد المخاوف في الأوساط اليمنية من عسكرة البحر الأحمر دوليا، ومن آثار الصراع المحتمل مع الجماعة الموالية لإيران على مساعي السلام اليمني.

وأعلنت هيئة الجيوش الفرنسية، الأحد، تدمير مسيرتين حوثيتين في البحر الأحمر كانتا متجهتين نحو الفرقاطة المتعددة المهمات «لانغدوك» العاملة في البحر الأحمر، لتنضم باريس بذلك إلى القوات الأميركية والبريطانية التي تحاول الاكتفاء بالتصدي للتهديدات الحوثية دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع الجماعة.

مدمرة فرنسية (أ.ف.ب)

وفي حين وجدت الجماعة الحوثية في حرب غزة فرصة للهروب من أزمتها الداخلية والتشويش على مساعي السلام، ومحاولة تبييض جرائمها بحق اليمنيين، صعدت أخيرا من تهديداتها باستهداف السفن الدولية كافة في البحر الأحمر التي تذهب لإسرائيل، بعد أن كانت قصرت التهديد على السفن التي لها صلة بإسرائيل.

وتمكنت الجماعة التي تقول الحكومة اليمنية إنها أداة إيرانية، من قرصنة سفينة «غالاكسي ليدر» الشهر الماضي وهي ناقلة شحن دولية تديرها شركة يابانية، بمزاعم أنها سفينة إسرائيلية، واقتادتها إلى سواحل الحديدة وحولتها إلى مزار لأتباعها.

وبين المخاوف من أن يقود السلوك الحوثي إلى إجبار المجتمع الدولي على تغيير سياسته تجاه الأزمة اليمنية، يشكك سياسيون يمنيون في جدوى العقوبات الأميركية، الأخيرة، كما يستبعدون أن تخوض واشنطن مواجهة عسكرية حاسمة مع الجماعة، كما يستبعدون أن تقوم الجماعة نفسها بهجوم واسع من شأنه إحداث تهديد فعلي للقوات الأميركية أو الدولية المنتشرة في البحر الأحمر.

وكانت واشنطن أعلنت فرض عقوبات على 13 فرداً وكياناً مسؤولين عن توفير ما قيمته عشرات الملايين من الدولارات من العملات الأجنبية الناتجة عن بيع السلع الإيرانية وشحنها لصالح ميليشيات الحوثي الإرهابية بدعم من (فيلق) القدس التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني».

التدخل يخدم الحوثيين

يعتقد الصحافي اليمني عبد الله السنامي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن دخول فرنسا على خط المواجهة العسكرية ضد الحوثيين في البحر الأحمر قد يصب في صالح الجماعة.

يتخوف اليمنيون من تحول البحر الأحمر إلى مسرح للمواجهة العسكرية (أ.ب)

ويقول إن «الأعمال العسكرية الدفاعية في البحر الأحمر ستزيد من تأجيج الموقف، لأن أي عمل عسكري في الممر الملاحي العالمي، يؤثر عليه، وهذا ما يريده الحوثيون الذين يروجون أنهم ضد الغرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) الذي يعمل لدعم إسرائيل، وبالتالي وجدوا مبررا لما يقولونه في شعاراتهم، ولا أظن أن ذلك سيمنع الجماعة من استهداف السفن».

التصعيد الحوثي المتدرج والمتتالي بما في ذلك الإعلان عن استهداف أي سفينة من وإلى إسرائيل، يعتقد السنامي أنه سيقود إلى إدخال الصراع في المنطقة نحو مرحلة جديدة، ويرى أنها مرحلة كانت متوقعة وفق تاريخ الصراع الجيوسياسي على جغرافيا اليمن منذ القدم.

ويمكن القول - وفقا للسنامي - إن تعقيدات الأحداث العالمية، مثل الصراع في أوكرانيا، وملف الصين، وملف الديون الأميركية، والصراع في فلسطين، كلها تعيق أي تحرك فعّال ضد الحوثيين. ويقرأ الصحافي أن الوضع قد يبقى كما هو عليه (قصف بمسيرة وتهديد وردّ) وهذا - برأيه - لن يكون له تأثير كبير، ما دامت النقطة الأهم في البحر الأحمر (باب المندب) بعيدة نسبياً عن الحوثيين.

ولا يستبعد أن يكون هناك صراع عسكري على هذه النقطة، التي يتوقع أن الحوثيين ينظرون إليها بوصفها هدفا استراتيجيا، إذ يسعون إلى استثمار التعاطف الشعبي والقيام بعمل عسكري للسيطرة على معسكر العمري والمخا وجزيرة ميون.

تتهم الحكومة اليمنية الجماعة الحوثية بالاستعداد لجولة جديدة من الحرب (سبأ)

ومع وصول الصراع في اليمن إلى مرحلة (المهم)، المتمثلة في السيطرة على الممر الملاحي في البحر الأحمر، يعتقد السنامي، أن جهود السلام ستتأثر كثيرا بالأحداث، وقد تنشط إرهاصات السلام، «لكنها غلاف زائف لما يريده كل طرف، نظرا لتشابك وتقاطع مصالح وأهداف الأطراف المحلية المتصارعة إقليمياً ودولياً» وفق تعبيره.

استشعار دولي للخطر

يرى المحلل السياسي والصحافي اليمني رماح الجُبري أن الحضور الفرنسي في البحر الأحمر إلى جانب بريطانيا وأميركا تأكيد على الإجماع الدولي في استشعار خطر الجماعة الحوثية التي قدمت نفسها بوصفها ذراعا إيرانية لاتهامها المصالح اليمنية.

ويقول الجبري: «خلال سنوات الحرب في اليمن لا سيما مع تولي الملف اليمني من قبل المبعوث مارتن غريفيث وبعدها إدارة الرئيس بايدن حصلت الجماعة الحوثية على حوافز كثيرة جعلتها تطمع بالحكم في اليمن بدءا من التعامل معها بوصفها طرفا سياسيا وسلطة، كما يسمونها، (أمر واقع) وكذا إلغاء تصنيفها بوصفها منظمة إرهابية».

ويرى أن الجماعة «حظيت بتدليل دولي مع استمرارها في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعبثها بالجهود الدولية لتحقيق السلام دون لغة رادعة تضعها في مكانها الحقيقي وتحد من طموحات مموليها في إيران».

وفي ظل التصعيد الأخير من قبل الحوثيين، يعلق الجبري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «يبدو أن المجتمع الدولي سيدفع ثمن سياسته الخاطئة في التعامل مع الجماعة الحوثية، وسيدفع اليمنيون أيضاً ثمنا إضافيا كون الشواطئ والمياه الإقليمية اليمنية ستتحول ربما إلى ساحة للصراع الدولي».

استغل الحوثيون حرب غزة لتبييض جرائمهم في الداخل اليمني (إعلام حوثي)

أما إذا بات التهديد الحوثي حقيقيا لدرجة تهديد مصالح الدول الكبرى، فيعتقد الجبري أن المجتمع الدولي سيكون مجبرا للدخول في عملية عسكرية في اليمن على الأقل لتحرير مدينة الحديدة والساحل الغربي وصولاً إلى ميناء ميدي بمحافظة حجة لضمان الحماية للملاحة البحرية والتجارة الدولية.

هذا السيناريو، وفق تقديره، قد لا يتوافق مع عدم الرغبة الإقليمية حالياً في العودة لمسار الحرب، حيث من الممكن أن تصل الأطراف اليمنية حاليا إلى اتفاق وهدنة مزمنة وهو ما سيستفيد منه الحوثيون بدرجة رئيسية.

ويعتقد الجُبري أن استفادة الحوثيين ستكمن في التغطي بغطاء الشرعية في حال أصبحت جزءا منها في اتفاق شامل، والهروب من ردة الفعل الدولية تجاه عملياتهم الإرهابية التي شملت عمليات القرصنة والقصف في البحر الأحمر.

تدابير رادعة

يشدد وكيل وزارة الإعلام اليمنية فياض النعمان على تدابير رادعة إزاء ما يسميه إرهاب الجماعة الحوثية، بحق اليمن والمنطقة والعالم وعدم السماح لتحويل الجغرافيا اليمنية لوكر إرهابي آخر للجماعات مثل «داعش» و«القاعدة».

ويدعو النعمان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «مغادرة التصريحات الإعلامية والتحركات الدبلوماسية والبدء في اتخاذ منظومة الإجراءات الرادعة للدول الفاعلة في المنطقة».

ويضيف «يجب ألا تقتصر التحركات على العقوبات بحق الشخصيات الحوثية والجهات الداعمة لها، بل يجب إيقافها وفق القانون الدولي وعدم السماح لتهديد الأمن القومي والملاحي في البحر الأحمر».

انتهزت الجماعة الحوثية الهدنة لتعزيز قدراتها العسكرية وجباية الأموال (رويترز)

كما يدعو النعمان إلى تدخل من قبل الدول المعنية لمواجهة التهديد الحوثي، وأن تعزز التعاون الدولي والإقليمي لحماية الممرات البحرية الحيوية من الأعمال الإرهابية.

ويرى وكيل وزارة الإعلام فياض النعمان أن الأزمة اليمنية أصبحت ورقة مهمة في ملف المنطقة، وأن الممارسات الحوثية المدعومة من إيران سواء في الداخل اليمني أو العابر للجغرافيا اليمنية له تأثير كبير على الجهود المبذولة من أجل إنعاش عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

وفيما كان الحوثيون منذ البداية شرارة إشعال الحرب في اليمن، يجزم النعمان أنهم لا يمكن أن يكونوا طرفا في تحقيق سلام شامل.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.