تقرير أممي يروي مأساة الأفارقة في اليمن من خلال «سمارة»

قدر عددهم بنحو 300 ألف مهاجر

عائدون إثيوبيون يتجمعون في فناء مركز عبور المنظمة الدولية للهجرة في أديس أبابا (أ.ف.ب)
عائدون إثيوبيون يتجمعون في فناء مركز عبور المنظمة الدولية للهجرة في أديس أبابا (أ.ف.ب)
TT

تقرير أممي يروي مأساة الأفارقة في اليمن من خلال «سمارة»

عائدون إثيوبيون يتجمعون في فناء مركز عبور المنظمة الدولية للهجرة في أديس أبابا (أ.ف.ب)
عائدون إثيوبيون يتجمعون في فناء مركز عبور المنظمة الدولية للهجرة في أديس أبابا (أ.ف.ب)

كشف تقرير أممي حديث عن مأساة مهاجرة إثيوبية إلى اليمن، حيث بيعت لأكثر من مهرب وتعرضت للاغتصاب والحمل، قبل أن يرسو بها الحال في مدينة عدن العاصمة اليمنية المؤقتة، قادمة من مناطق سيطرة الحوثيين في الشمال.

جاء ذلك في وقت أفاد فيه التقرير بأن عدد المهاجرين من القرن الأفريقي الموجودين في الأراضي اليمنية ارتفع إلى نحو 300 ألف شخص ثلثهم وصل إلى البلاد خلال العام الحالي، وهو أكبر عدد يسجل منذ ما بعد جائحة «كورونا»، حيث يواجه المهاجرون تحديات كبيرة في أثناء رحلتهم على يد المهربين حتى يصلوا إلى هذا البلد الذي تعصف به الحرب التي أشعلها الحوثيون منذ عام 2014.

نحو 10 آلاف مهاجر أفريقي عادوا إلى بلدهم ضمن برنامج العودة الطوعية (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الذي وزعه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإنه وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام وحده، وصل أكثر من 92 ألف مهاجر إلى اليمن، وهذا العدد يتجاوز أعداد العام الماضي.

التقرير يوضح أن هؤلاء المهاجرين يواجهون ظروفاً صعبة ومخاطر متزايدة لانتهاكات حقوق الإنسان، ويزيد من قسوتها محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، حيث يتفاقم مستوى تعرضهم للانتهاكات، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال.

مأساة المهاجرة سمارة

استعرض التقرير الأممي قصة مهاجرة إثيوبية، فرت من بلادها بعد أن أقنعها المهربون بأنهم سوف ينقلونها للعمل في إحدى دول الخليج العربي دون أن تضطر لدفع شيء حتى تصل إلى هناك وتتسلم العمل، لكنها أمضت سبعة أشهر في يد المهربين قبل أن يقوم أحدهم بمقايضتها بمهاجر آخر ويطلق سراحها في الحدود الشمالية لليمن.

الفتاة واسمها الأول سمارة، ذكرت أن المهرب أخذها وصديقتها وامرأتين أخريين من منطقة ولادتها في إثيوبيا إلى أديس أبابا، وأمضين ليلتين في أحد الفنادق قبل البدء في المرحلة التالية من رحلتهن، بالسفر براً عبر إثيوبيا أو الصومال، ثم خوض غمار رحلة بحرية خطرة إلى الساحل الغربي لليمن.

ووفق هذه الرواية تنقلت الفتاة خلال هذه الرحلة من يد مهرب إلى آخر، وانتهى بها الأمر ضمن مجموعة مكونة من 30 شخصاً، بينهم نساء ورجال وأطفال غير مصحوبين بذويهم.

ووصفت الفتاة الرحلة التي استغرقت يومين عبر التضاريس القاسية في إثيوبيا بأنها اختبار جسدي وعاطفي على حد سواء، لكن شعور الرفقة الحميمة الذي نشأ داخل المجموعة أعطاها القوة للاستمرار. وتتذكر ذلك وتقول: «كانت الصحراء شديدة البرودة وكنا مرهقين، لكننا واصلنا السير».

الفتاة الإثيوبية حصلت على حريتها بعد 7 شهور من المعاناة (الأمم المتحدة)

وتقول الشابة الإثيوبية سمارة إنه وفي إحدى الليالي، وبينما كانوا يستريحون، قام أحد المهربين بفصلها عن المجموعة، بعد تهديدها بالتخلي عنها إذا طلبت المساعدة، حيث عانت الفتاة من عنف لا يوصف، ولم يكن أمامها خيار سوى تحمل المحنة المروعة بصمت.

كما واجهت نساء أخريات في المجموعة معاناة مماثلة، ولاحقاً تم نقلهم بالقارب إلى سواحل محافظة لحج اليمنية، ومن هناك، عبروا الصحراء إلى وكر للمهربين، حيث وجدت نفسها وامرأتين أخريين في أيدي مهرب آخر.

أثناء احتجازها طلب المهربون منها الأموال لإطلاق سراحها حتى تتمكن من مواصلة رحلتها إلى دول الخليج، وتواصلت الفتاة مع عائلتها، على أمل الحصول على الدعم، لكن الرد كان قاتماً، فقد رفض والدها مساعدتها، محملاً إياها مسؤولية مأزقها، أما أختها، فعلى الرغم من رغبتها في مساعدتها، فلم تكن قادرة على تلبية الطلبات المالية.

من صعدة إلى عدن

بعد 7 أشهر مؤلمة، اكتشفت سمارة أنها حامل، وبحلول ذلك الوقت، كانت قد بيعت لشخص آخر قام بنقلها إلى موقع بالقرب من الحدود الشمالية لليمن، وكانت حالتها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، قبل أن يحن قلب مهرب آخر ويفاوض من أجل إطلاق سراحها.

وبعد أن استعادت سمارة حريتها ونقلها إلى محافظة صعدة المعقل الرئيسي للحوثيين، التقت الشابة الإثيوبية بأشخاص عرضوا عليها المساعدة، ورافقوها مع مهاجرين آخرين إلى محافظة لحج جنوب اليمن، ومن هناك شقت طريقها إلى مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد.

بمجرد وصول الفتاة إلى عدن، قصدت نقطة الاستجابة للمهاجرين التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة، وفور قدومها، أدرك موظفو المنظمة أنها كانت في المخاض فسارعوا بنقلها إلى المستشفى، وبمجرد ولادتها، تم نقلها إلى مركز الرعاية المجتمعية، وهو ملاذ آمن مجهز بالمؤن الأساسية وخدمات الرعاية اللازمة لها ولمولودها الجديد.

يتعرض المهاجرون من القرن الأفريقي لصنوف من التعذيب والاستغلال (الأمم المتحدة)

وتقول زهرة، وهي مختصة في إدارة الحالات في المنظمة الدولية للهجرة في عدن، إن طفل الفتاة كان صغيراً وضعيفاً للغاية، ولكن منذ اللحظة التي وقعت عيناها عليه، احتضنته باعتباره «أغلى هدية».

وتؤكد زهرة أن المنظمة الدولية للهجرة تستجيب لاحتياجات المهاجرين من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية بما يتماشى مع الخطة الإقليمية للاستجابة في القرن الأفريقي واليمن للعام الحالي.

وتهدف هذه الخطة الإقليمية إلى تلبية احتياجات المهاجرين الذين يمرون بحالات ضعف والمجتمعات المستضيفة في البلدان الواقعة على طول طريق الهجرة الشرقي بين القرن الأفريقي واليمن. وقد دعمت المنظمة الدولية للهجرة في عام 2022 أكثر من 75.000 مهاجر في اليمن من خلال المساعدات الإنسانية المتمثلة في المأوى، والرعاية الصحية، والغذاء، والمياه، وخدمات الحماية.


مقالات ذات صلة

الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

الحارس الحوثي القضائي يشعل خلافات مع أجنحة الجماعة

فجّرت ممارسات الحارس القضائي الحوثي الجديد المكلف مصادرة أموال المعارضين، خلافاً بين أجنحة الجماعة بعد أن امتدت هذه الممارسات إلى أحد وجهاء القبائل المتعاونين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (إ.ب.أ)

غروندبرغ يغادر صنعاء ويحض الحوثيين على خفض التصعيد وإطلاق المعتقلين

حض المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قادة الجماعة الحوثية في صنعاء على خفض التصعيد المحلي والإقليمي وإطلاق المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

كثّفت الجماعة الحوثية من الاعتقالات في صعدة بالتوازي مع إطلاقها سراح عدد من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي»، مقابل ضمانات بعدم القيام بأي سلوك يناهض توجهات الجماعة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

مستودعات الأسلحة الحوثية تستقبل ثانية الضربات الأميركية في السنة الجديدة

أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة الحوثية تحت الأرض في ريف صنعاء الجنوبي وبمحافظة عمران المجاورة شمالاً.

علي ربيع (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.