قدّرت مصادر يمنية مطلعة في صنعاء أن الجماعة الحوثية خصصت ما يعادل 100 مليون دولار للإنفاق على إقامة برامج وفعاليات ذات صبغة طائفية وسياسية، وتشييد مقابر جديدة وتوسعة أخرى، والإنفاق على أُسر القتلى ضمن الاحتفال بما تسميه الجماعة «أسبوع الشهيد»، وهي الذكرى السنوية التي تمجد فيها الجماعة قتلاها.
جاء ذلك في وقت تتجاهل فيه الجماعة معاناة الملايين في مناطق سطوتها، مع توقع شبكة دولية بارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي في اليمن مع حلول الأشهر الأولى من العام المقبل.
وبحسب ما أفادت به المصادر لـ«الشرق الأوسط»، خصصت الجماعة عبر ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات، قرابة 100 مليون دولار خلال اجتماع لها عُقد بصنعاء وضم كبار قادتها، وتمخض عنه إقرار ما يسمى «مشروع خطة شاملة لإحياء الذكرى السنوية للشهيد».
وأصدرت الجماعة تعميمات في عموم المدن والقرى والأحياء والمدارس والمساجد، حضت على البدء في إقامة المعارض وإحياء الفعاليات المصاحبة لها، في إطار تخليد القتلى، والحض على السير على نهجهم، وتحفيز السكان على الانضمام لصفوفها والالتحاق بجبهاتها.
تكثيف الفعاليات
أحصت «الشرق الأوسط» على مدى أسبوع تنظيم الجماعة أزيد من 97 احتفالية بمناطق تحت سيطرتها، وأنفقت من أجلها ملايين الدولارات، وقوبل ذلك السلوك الانقلابي بحالة من الاستياء والرفض في أوساط السكان في صنعاء ومدن أخرى، حيث تنشغل الجماعة بالترويج لمناسباتها، وتهدر المال العام، في حين يكابد اليمنيون أوضاعاً معيشية كارثية خلفها الانقلاب وسياسات التجويع والفساد ونهب الرواتب.
ويمضي الانقلابيون في تكريس نهجهم السنوي في تبديد الأموال لمصلحة الأتباع، وإقامة المناسبات متعددة الأشكال والأسماء على حساب الملايين من السكان الذين تقول تقارير دولية إنسانية إنهم باتوا على حافة المجاعة.
ويبدي «سليمان. م» - وهو موظف حكومي بصنعاء - استياءه البالغ من اهتمام الجماعة بإحياء المناسبات ذات المنهج التعبوي الطائفي والإنفاق عليها، وعدم الالتفات إلى أوجاع ومعاناة السواد الأعظم من اليمنيين المحرومين منذ سنوات من رواتبهم ومن أبسط الخدمات.
بدوره، استهجن حسان، وهو معلم في صنعاء، انشغال جماعة الحوثي بالاحتفال بما تسميه «أسبوع الشهيد» في وقت يعاني فيه آلاف المعلمين أشد الحرمان. وقال: «إن عبث الجماعة وإهدارها المتكرر للمال على إقامة المناسبات لم يعد مفاجئاً؛ إذ إن جل الفعاليات ما هو إلا بوابة لمزيد من تدهور معيشة السكان وذريعة لنهب المزيد من الأموال».
وعادة ما يواصل الحوثيون استغلال مناسباتهم من أجل الجباية وجمع التبرعات العينية والنقدية والاستقطاب للتجنيد؛ إذ يؤكد سكان في مناطق تحت سيطرة الجماعة تعرضهم للابتزاز والتهديد والإجبار على دفع الأموال.
تفاقم الأزمة
جاء العبث الذي تمارسه الجماعة الحوثية بالأموال متزامناً مع تحذيرات لتقارير دولية جديدة من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2024).
وفي تقرير حديث لها، توقعت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي في اليمن مع حلول الأشهر الأولى من العام المقبل.
وقالت الشبكة في تحليل لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حول الاحتياجات المتوقعة من المساعدات الغذائية الطارئة في البلدان التي تغطيها الشبكة، إن أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن ستزداد تفاقماً في العام المقبل، بزيادة نحو مليون شخص إلى قائمة المحتاجين للمساعدات الغذائية بحلول مايو (أيار) 2024.
وأضافت أنه مع حلول تلك الفترة سيصبح ما بين 18 - 19 مليون شخص يمني بحاجة لمساعدات غذائية عاجلة في مايو 2024، مقارنة بـ17 - 18 مليون شخص في نوفمبر الحالي.
وعلى المستوى العالمي أوضحت الشبكة أن اليمن سيظل في صدارة قائمة 31 بلداً تغطيها الشبكة، في معدل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الغذائية الإنسانية بحلول تلك الفترة، وذلك بعدد 19 مليون شخص، تليه إثيوبيا (17 مليوناً) ونيجيريا (14 مليوناً) والسودان (11 مليوناً) والكونغو الديمقراطية (10 ملايين).
ويعد تدهور الظروف الاقتصادية وتقلص فرص كسب الدخل وارتفاع أسعار الاحتياجات الغذائية وغيرها، بالإضافة إلى تخفيض المساعدات الإنسانية، من العوامل التي ستؤدي إلى استمرار حالة انعدام الأمن الغذائي على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) لدى ملايين الأشخاص في عموم اليمن.