جبهة مدنية سودانية لوقف الحرب برئاسة حمدوك

كلفت حمدوك رئاسة هيئتها التنسيقية

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في أديس أبابا، السبت، خلال الاجتماعات التحضيرية لتأسيس «الجبهة المدنية» (المكتب الإعلامي للجبهة)
رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في أديس أبابا، السبت، خلال الاجتماعات التحضيرية لتأسيس «الجبهة المدنية» (المكتب الإعلامي للجبهة)
TT

جبهة مدنية سودانية لوقف الحرب برئاسة حمدوك

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في أديس أبابا، السبت، خلال الاجتماعات التحضيرية لتأسيس «الجبهة المدنية» (المكتب الإعلامي للجبهة)
رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في أديس أبابا، السبت، خلال الاجتماعات التحضيرية لتأسيس «الجبهة المدنية» (المكتب الإعلامي للجبهة)

اختتمت القوى السياسية والمدنية السودانية، التي اجتمعت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا منذ الاثنين الماضي، أعمالها بالاتفاق على هيكل تنظيمي، يشمل هيئة قيادية لـ«تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (اختصاراً «تقدم»)، برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تتكون من ممثلين لقوى سياسية ومدنية ولجان مقاومة ونقابات وأجسام مهنية، إلى جانب مكتب تنفيذي تنسيقي من 30 عضواً، مهمته التحضير للاجتماع التأسيسي للتنسيقية. واجتمع في أديس أبابا زهاء مائة شخص يمثلون قوى سياسية ومدنية ونقابية وعسكرية ولجان وشخصيات عامة، بهدف توحيد القوى التي تطالب باستعادة الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد، وتوافقوا خلال اجتماعاتهم التي بدأت الاثنين الماضي، على ورقة سياسية، وأخرى اقتصادية، وثالثة إنسانية، ورابعة إعلامية، تهدف جميعها لتعبيد المسار لوقف الحرب؛ في خطوة أولى.

حمدوك يشيد بـ«الروح الوطنية» للمجتمعين

وناشد الدكتور عبد الله حمدوك، في تصريح صحافي أعقب الاجتماع، أطراف النزاع تسهيل وصول العون الإنساني وإجراءات وصول العاملين في الحقل الإنساني إلى المحتاجين، كما طالب القوى المدنية التي تسعى لوقف الحرب بالتوحد، بقوله: «أتوجه بنداء صادق إلى كل القوى المدنية والديمقراطية التي تسعى لوقف الحرب، بضرورة توحيد الجهود للوصول لوحدة مدنية عريضة لوقف الحرب ومعالجة آثارها الإنسانية الملحة، وتحقيق السلام الشامل».

حقائق

100 سوداني

يمثلون قوى سياسية ومدنية ونقابية وعسكرية ولجان وشخصيات عامة اجتمعوا في أديس أبابا

ووصف حمدوك توافق المجتمعين على مسودات ورؤى سياسية وتنظيمية وإنسانية تمهيداً لعرضها على المؤتمر التأسيسي المقبل، بأنه «تحلٍّ بالروح الوطنية»، أدى إلى تأسيس هيئة قيادة ومكتب تنفيذي. وتابع: «الاجتماع التحضيري كان خطوة أولى وبداية لعملية نأمل أن تنسق وتوحد الموقف المدني الديمقراطي المناهض للحرب». وأكد رئيس الوزراء السابق دعمه توصيات الاجتماع وبيانه الختامي، بوصفه خطوة أولى، وأبدى استعداده لرئاسة هيئته القيادية وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي، ووجه رسالة شكر لدول الجوار والمجتمعين الإقليمي والدولي لمساندتهم الشعب السوداني في محنته، وناشدهم دعم جهود وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية، وخص بالشكر جهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ومنظمة «إيغاد» والاتحاد الأفريقي من أجل وقف الحرب، بقوله: «أرحب بانطلاق جولة مباحثات جدة، ووصول وفدي الطرفين للمشاركة فيها، وأدعوهما للتحلي بالإرادة السياسية لحل يوقف إطلاق النار، ويعالج الكارثة الإنسانية، وينقذ بلادنا الحبيبة من مخاطر الانقسام».

محاور وورشات عمل

وقالت القوى المدنية في بيانها الختامي، الخميس، إنها نجحت في إجراء مناقشات عميقة بين المشاركين في المحاور السياسية والاقتصادية والعمل الإنساني والمحور الإعلامي، وأقرت تنظيم ورشات عمل مختصة تتقدم بتوصيات من أجل تطوير الموقف التفاوضي المدني، والإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية، وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة، والسلام ورتق النسيج الاجتماعي ومحاربة خطاب الكراهية، فضلاً عن صناعة دستور دائم، ووضع برنامج اقتصادي لإعادة إعمار البلاد، وبحث قضايا الولايات والحكم المحلي. وأقر الاجتماع ورقة باسم «الموجهات العامة للعملية التفاوضية لوقف الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية»، بوصفها مسودة تفاوضية تعبر عن وجهة نظر التحالف المدني، إلى جانب أسس ومبادئ إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية، وعلى رأسها التصورات السياسية التي تسهم في المحافظة على وحدة السودان.

كما شدد المجتمعون على أهمية التصدي للكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب، مشددين على أن «هذا واجب اللحظة الذي لا يحتمل التأجيل؛ إذ يوجد في السودان ما لا يقل عن 20 مليون شخص بحاجة إلى الغوث الإنساني، في ظل فراغ سياسي وإداري واستشراء للفساد، أدى إلى عدم وصول الإغاثة لمستحقيها». ودعا الاجتماع إلى وقف لإطلاق النار يتيح فتح ممرات آمنة للإغاثة ورقابة دولية، واعتماد طرق جديدة لإيصالات المعونات لمستحقيها. وناشد المجتمعون كلاً من الجيش وقوات «الدعم السريع» تسهيل مرور المواد الإغاثية؛ كلاً في مناطق سيطرته.

دعم «منبر جدة» التفاوضي

ودعا المشاركون القوى الرافضة استمرار الحرب والمؤيدة الانتقال المدني الديمقراطي، والتنظيمات المدنية والسياسية وقوى «ثورة ديسمبر»، إلى الإسهام في بناء أوسع جبهة مدنية ممكنة للوقوف ضد الحرب واستعادة الديمقراطية. ورحبت اللجنة التحضيرية باستئناف المفاوضات بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وقالت: «نرحب باستئناف (منبر جدة) التفاوضي، ونتقدم بالشكر لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية؛ الدولتين الراعيتين للمنبر، وكل مبادرات إيقاف الحرب الإقليمية كمبادرة الـ(إيغاد) والاتحاد الأفريقي ودول الجوار»، ودعت لتوحيدها في «منبر جدة» التفاوضي، كما دعت طرفي النزاع إلى التحلي بالمسؤولية والجدية لإيقاف الحرب التي «لا منتصر فيها»؛ وفق البيان الختامي.

ووصف البيان الختامي الاجتماع بأنه «توافق تاريخي غير مشهود»، وقال إن المشاركين أجمعوا على المضي قدماً لعقد المؤتمر التأسيسي لـ«تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)»، من أجل وقف الحرب واستعادة الديمقراطية في البلاد، وفقاً لهيكل تنظيمي مرن، للإيفاء بجملة من المهام الضاغطة بسبب الحرب وإفرازاتها، وعلى رأسها الإغاثة الإنسانية العاجلة لضحايا الحرب، «تاركين الباب مشرعاً، لمشاركة كل من يرغب من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول) المنتصرة، ومن دعاة السلام المناهضين لـ(حرب الخامس عشر من أبريل/ نيسان)، في التحضير للمؤتمر المزمع وإنجاحه».

من جهته، قال عضو لجنة الاتصال، المقدم المتقاعد الطيب المالكابي، لـ«الشرق الأوسط» عقب الاجتماع، إن أهم نجاحات المؤتمر هو خلق تحالف مختلف عن التحالفات السابقة جميعها. وتابع: «لأول مرة يكون تمثيل القوى المدنية بنسبة أكبر من 70 في المائة، استجابة لمناداة عدد كبير من السودانيين، وذلك لتعزيز الثقة وليس تقليلاً من دور القوى السياسية، وأن الخطوة جاءت بمبادرة من القوى السياسية استناداً إلى إحساسها الوطني». وأوضح أن الطلب من الشخصيات القومية أن تكون جزءاً من الاجتماعات، وعلى رأسها الدكتور عبد الله حمدوك، «يكشف عن حس وطني حقيقي». وتابع: «كل الأوراق التي أجيزت مكتوب عليها مسودات، بمعنى أننا ننتظر أوراقاً وأفكاراً تأتي لتكمل أفكارنا، وحتى الهياكل التي تم تكوينها هي هياكل مؤقتة».

 

ووجهت وزيرة الحكم الاتحادي السابقة، بثينة دينار، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، رسائل عدة للشعب السوداني، قالت فيها: «إن كل الذين شاركوا في الاجتماعات قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة وعسكريون متقاعدون وإدارات أهلية ومهنيون وشخصيات وطنية، لا يمثلون كل الشعب السوداني»، وحثت قوى «ثورة ديسمبر» جميعاً على الالتفاف حول مطلب «وقف الحرب وشعارات (ثورة ديسمبر) ورفع شعار: لا للحرب».

نحو جبهة مدنية واسعة

وقال رئيس «حزب البعث» السوداني، كمال بولاد، إن اجتماعات أديس أبابا خطوة مهمة في توحيد القوى المدنية، وتفتح المجال أمام مشاركة غير المشاركين، «ليكون هناك صوت واحد للقوى المدنية مقابل البندقية والحرب اللعينة في بلادنا». وتابع: «هذه بداية جادة لإيقاف الحرب، والانتقال المدني والتداول السلمي للسلطة». وقال الأمين العام لـ«حزب الأمة القومي»، الواثق البرير، إن الاجتماع كان «مثمراً وإيجابياً»، وإنه وضع الأسس لجبهة مدنية واسعة تمثل الشعب بمختلف مكوناته. وتابع: «اتفقنا على تمثيل هذه المكونات جميعها في المؤتمر العامل الذي ينتظر عقده في الأسابيع المقبلة». وقال السفير السابق نور الدين ساتي إنه كان هناك كثير من التخوف من فشل الاجتماع، لكنه أضاف: «أنا راضٍ تماماً عن هذا الاجتماع، وهو خطوة أولى مهمة وإيجابية في طريق توحيد القوى المدنية»، مناشداً الشعب السوداني «الالتفاف حول منظماته وأحزابه للخروج من المأزق الكبير الذي دخلنا فيه» بسبب الحرب.


مقالات ذات صلة

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

شمال افريقيا امرأة نازحة سودانية تستريح داخل ملجأ في مخيم زمزم شمال دارفور 1 أغسطس 2024 (رويترز)

مرصد عالمي يؤكد تفشي المجاعة في مناطق جديدة بالسودان

قال مرصد عالمي للجوع، الثلاثاء، إن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق جديدة، ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى، بحلول مايو (أيار) المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
أفريقيا أم تحمل طفلها الذي يعاني من سوء التغذية الحاد في جناح الأطفال بمستشفى جنوب كردفان في السودان (رويترز)

تقرير: أزمة المجاعة في السودان «تتفاقم» بسبب الحرب

ذكر «المرصد العالمي للجوع»، الثلاثاء، أن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى 5 مناطق، ومن المرجح أن تمتد إلى 5 مناطق أخرى بحلول شهر مايو (أيار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جسر خزان «جبل الأولياء»... (أرشيفية - وسائل إعلام سودانية محلية)

تعطل سد «جبل الأولياء» يغرق مناطق واسعة في السودان

تسبب تعطل سد رئيسي، يقع على بعد 40 كيلومتراً جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، عن العمل جراء الحرب في فيضانات غمرت مناطق واسعة من ولاية النيل الأبيض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
أفريقيا عبور أكثر من خمسة آلاف شخص الحدود من السودان إلى جنوب السودان حيث تستشري أعمال عنف مختلفة (أ.ب)

تحذيرات من وضع «صعب للغاية» عند حدود جنوب السودان مع تدفق اللاجئين

حذّرت منظمة أطباء بلا حدود الاثنين من أن الوضع عند حدود جنوب السودان «صعب للغاية»، مع فرار آلاف الأشخاص من السودان المجاور إثر اشتداد القتال.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

وزير الخارجية السوداني: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إنَّ حكومته أكَّدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، الذي زار البلاد السبت، تمسكها بـ«منبر جدة» لحل الأزمة.

وجدان طلحة (بورتسودان)

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
TT

النهب يشل إمدادات الغذاء في غزة رغم تعهد إسرائيل بصد العصابات

يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)
يجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في غزة (أ.ب)

قال ثلاثة مسؤولين مطلعين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن إسرائيل تقاعست عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العصابات المسلحة التي تهاجم قوافل المواد الغذائية في قطاع غزة، على الرغم من تعهدها بفعل بذلك في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) للمساعدة في درء المجاعة عن القطاع الفلسطيني.

وأضاف المسؤولون الثلاثة الكبار أن ذلك التعهد، الذي تم التوصل إليه خلف الأبواب المغلقة، بدا وكأنه انفراجة لأنه منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 وجد المجتمع الدولي صعوبات في الحصول على دعم إسرائيل لتحسين الوضع الإنساني المتدهور في القطاع الذي عصفت به الحرب.

لكن القوات الإسرائيلية ظلت تركز على حربها ضد حركة «حماس» ولم تتخذ إجراءات تذكر ضد العصابات القليلة التي تنشط في أجزاء من غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، وذلك وفقا للمسؤولين الثلاثة الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات.

وأحال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسئلة المتعلقة بالتعهد وبعمليات الإغاثة في غزة إلى الجيش. وأحجم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على ما تم الاتفاق عليه في أكتوبر وما تم تنفيذه للحد من عمليات النهب.

وقال المتحدث: «إسرائيل اتخذت خطوات كبيرة للسماح بدخول أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى غزة».

العنف خرج عن السيطرة

والآن يقول مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن عنف العصابات خرج عن السيطرة، ما أدى إلى شلل خطوط الإمداد التي يعتمد عليها معظم المدنيين في غزة، البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، للبقاء على قيد الحياة.

وأظهر إحصاء عن الوقائع كان غير معلن في السابق وجمعته وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمات خيرية أنه في أكتوبر فُقد ما قيمته 9.5 مليون دولار من الأغذية والسلع الأخرى، أي ما يقرب من ربع إجمالي المساعدات الإنسانية التي أُرسلت إلى غزة في ذلك الشهر، بسبب الهجمات والنهب.

وقال شخصان مطلعان على الأمر إن تقييم أعمال النهب في نوفمبر (تشرين الثاني) لا يزال جارياً، لكن البيانات الأولية تظهر أنها كانت أسوأ بكثير.

وفي منتصف نوفمبر تعرضت قافلة مكونة من 109 شاحنات مستأجرة من جانب وكالات الأمم المتحدة للهجوم بعد دقائق من إصدار الجيش الإسرائيلي أمرا لها بمغادرة معبر حدودي في جنوب غزة خلال الليل، قبل عدة ساعات من الموعد المتفق عليه، وذلك وفقا لخمسة أشخاص مطلعين على الواقعة، بينهم اثنان كانا حاضرين.

وأضاف الخمسة أن قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في مكان قريب لم تتدخل. وامتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق على الواقعة.

انعدام القانون

وقال جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة إن وكالات الإغاثة غير قادرة على حل مشكلة انعدام القانون هناك بمفردها.

وذكر في تصريحات للصحافيين لدى عودته من غزة يوم الخميس: «أصبحت المشكلة أكبر من أن تتمكن المنظمات الإنسانية من حلها».

وأحجمت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق على التعهد الذي قطعته إسرائيل على نفسها في أكتوبر، لكنها قالت إن عمليات النهب تظل العقبة الرئيسية أمام إيصال المساعدات.

وقال متحدث: «نواصل الضغط على إسرائيل بشأن ضرورة تعزيز الأمن لضمان وصول القوافل التي تحمل المساعدات الإنسانية الضرورية إلى المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة».

وذكر مسؤول أمني إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه أن عمليات النهب تراجعت في الأسابيع القليلة الماضية لكنها لا تزال تشكل تحديا.

وقال للصحافيين اليوم الثلاثاء: «تعلمنا الكثير بالتعاون مع المنظمات الدولية. من الصعب للغاية أن نصل إلى مرحلة من دون عمليات نهب على الإطلاق».

وضع إنساني سيئ للغاية

أصبحت آلة الإغاثة الدولية في حالة فوضى بعد 14 شهرا من الحرب التي تشنها إسرائيل على «حماس»، إذ تقول منظمات الأمم المتحدة والجمعيات الخيرية إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى واحد من أسوأ مستوياتها لأنها غير قادرة على توصيل ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية وتوزيعها على سكان غزة.

وأحيت جولة جديدة من محادثات وقف إطلاق النار هذا الشهر الأمل في إفراج «حماس» عن الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم منذ هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وكذلك في إيجاد حلول لتعزيز المساعدات الإنسانية.

لكن عمليات الإغاثة متعثرة في الوقت الراهن بسبب الخلاف بين إسرائيل ومعظم المجتمع الدولي حول من يتحمل المسؤولية عن إطعام المدنيين في غزة والحفاظ على النظام في القطاع الفلسطيني.

ودأبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة على دعوة إسرائيل إلى الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية وتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين في غزة، لكن السلطات الإسرائيلية تقول إن واجبها الوحيد هو تسهيل نقل المواد الغذائية والإمدادات الطبية وإنها تفعل الكثير بشكل منتظم.

وقال جيمي مكجولدريك الذي شغل منصب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان) إن حالة الجمود جعلت تنظيم عمليات الإغاثة وتنسيقها أمرا بالغ الصعوبة.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون نسبة سكان غزة الذين تستطيع منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقديم المساعدات الغذائية لهم شهريا، وذلك لقياس مدى تفاقم أزمة الجوع.

وأظهرت بيانات الأمم المتحدة أن النسبة بلغت في نوفمبر 29 في المائة ارتفاعا من 24 في المائة في أكتوبر، لكنها تمثل انخفاضا حادا عن الذروة المسجلة وقت الحرب وتجاوزت 70 في المائة في أبريل.

مخابز تخرج من الخدمة

وقال محمد عبد الدايم مالك مخبز «زادنا 2» وسط قطاع غزة إنه و60 من عماله توقفوا عن العمل منذ شهر ولم يتمكنوا من توفير الخبز لنحو 50 ألف شخص يخدمونهم في الظروف العادية.

وأضاف لـ«رويترز» عبر الهاتف الأسبوع الماضي: «إحنا ما بيصلنا طحين بسبب السرقات».

ونفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما قيل عن عدم حصول بعض المخابز على الدقيق.

لكن تقارير مراجعة يومية لعمليات المخابز يعدها برنامج الأغذية العالمي واطلعت عليها «رويترز» أظهرت أن 15 من 19 مخبزا تدعمها الوكالة التابعة للأمم المتحدة في غزة خرجت من الخدمة حتى 21 ديسمبر، وأن «زادنا 2» مغلق منذ 23 نوفمبر بسبب نقص الطحين.

وقال عبد الدايم إن بعض المواد الغذائية المسروقة تجد طريقها إلى السوق، ولكن بأسعار باهظة لا يستطيع سوى عدد قليل جدا من السكان تحملها.

وأوضح العاملون بالإغاثة أيضا أنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى شمال غزة، حيث استأنف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية ضد «حماس» في أكتوبر. ويقدر أن ما بين 30 إلى 50 ألف مدني ما زالوا عالقين هناك، مع القليل من الغذاء والمساعدة الطبية.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه تم التجهيز لعمليات إغاثة إنسانية مخصصة للمنطقة.

وبخلاف العمليات العسكرية، أرجع أكثر من عشرة مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة تدهور الأوضاع الإنسانية داخل غزة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى قرار اتخذته السلطات الإسرائيلية في أوائل أكتوبر بحظر شحنات الأغذية التجارية التي تُدخلها الشركات.

ووفقا لبيانات الجيش الإسرائيلي، تشكل تلك الشحنات جميع الأغذية الطازجة تقريبا وأكثر من نصف السلع التي دخلت غزة بين مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول).

وقال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن حظرها المفاجئ تسبب في نقص حاد في الإمدادات وجعل مهاجمة شاحنات المساعدات أمرا مربحا.

وفي أكتوبر، نُهب 40 في المائة من المساعدات التي دخلت من معبر كرم أبو سالم في جنوب غزة، وفقا لإحصاء الحوادث الذي اطلعت عليه «رويترز».

وقالت الأمم المتحدة إن السلطات الإسرائيلية قامت بتشغيل معبر كيسوفيم إلى جانب المعابر الأخرى، لكن العصابات هاجمت أيضا قوافل على ذلك الطريق.

وقال عاملون بالإغاثة وقطاع النقل في غزة إن العصابات تتشكل على أسس عشائرية، وتشمل بعض العناصر الإجرامية التي تم إطلاق سراحها من السجون في غزة في أثناء الهجوم الإسرائيلي.

وتضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة على إسرائيل لاستئناف الشحنات التجارية، وقالتا إن زيادة المعروض من الغذاء في غزة بشكل كبير من شأنها أن تؤدي إلى خفض الأسعار وتثني العصابات على النهب، لكن السلطات الإسرائيلية لم توافق.

شاحنات مفرغة

سعت الأمم المتحدة في وقت مبكر من الحرب إلى الاعتماد على شرطة غزة غير المسلحة لتأمين القوافل، لكن إسرائيل كانت تفتح عليها النار وتقول إنها لا يمكن أن تتسامح مع أي قوة مرتبطة بـ«حماس».

وذكر ضابط إسرائيلي خلال زيارة لمعبر كرم أبو سالم في أواخر نوفمبر أن مسؤولية توزيع المساعدات على سكان غزة تقع على عاتق الأمم المتحدة بمجرد أن تسمح إسرائيل بدخول المواد الغذائية عبر الحدود.

وقال العقيد عبد الله حلبي، الذي كان يرتدي سترة وخوذة واقيتين من الرصاص، للصحافيين وهو يشير إلى أكوام من المواد الغذائية إن المساعدات بانتظار قدوم المنظمات الدولية لتوزيعها.

لكن جورجيوس بتروبولوس رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غزة قال إن هجمات العصابات تجعل ذلك شبه مستحيل.

وذكر بتروبولوس وعاملون آخرون في الإغاثة أنهم أصيبوا بصدمة من الهجوم على قافلة من 109 شاحنات في 16 نوفمبر على بعد أربعة أميال من المعبر.

وأضافت المصادر الخمسة المطلعة أن مسلحين من عدة عصابات حاصروا القافلة وأجبروا السائقين على اتباعهم إلى تجمعات سكنية قريبة حيث سرقوا دقيقا ومستلزمات طعام من 98 شاحنة.

وذكرت المصادر أن المسلحين أطلقوا في الصباح سراح السائقين والشاحنات بعد إفراغ محتوياتها.