غلاء السكّر في اليمن يرهق المشاريع الصغيرة ويغير العادات الاستهلاكية

الأسعار زادت في صنعاء بنسبة 35 %... والإتاوات المتهم الأول

حلويات مصنوعة منزلياً خلال معرض للأغذية أقيم في صنعاء (إ.ب.أ)
حلويات مصنوعة منزلياً خلال معرض للأغذية أقيم في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

غلاء السكّر في اليمن يرهق المشاريع الصغيرة ويغير العادات الاستهلاكية

حلويات مصنوعة منزلياً خلال معرض للأغذية أقيم في صنعاء (إ.ب.أ)
حلويات مصنوعة منزلياً خلال معرض للأغذية أقيم في صنعاء (إ.ب.أ)

عادت نسرين المحمدي من جديد إلى إنتاج وبيع الحلويات الشرقية وحلويات المناسبات في العاصمة اليمنية صنعاء، بعد أن توقفت عن ذلك 3 مرات خلال أقل من عامين بسبب ارتفاع أسعار السكر، لكنها تعاني من ضعف الطلب على منتجاتها المنزلية، وتحاول استعادة زبائنها، إما بمنتجات جديدة غير مألوفة في السوق، أو بتقديم عروض لمن يشتري كميات كبيرة.

وساهم ارتفاع سعر السكر مرتين خلال نفس الفترة في توقف مشروع المحمدي لصنع الحلويات الشرقية في المنزل، بعد أن كانت استطاعت التعامل مع الأزمات الأخرى مثل أزمة الغاز وارتفاع أسعار الدقيق والقمح والزيوت والسمن، غير أن ارتفاع أسعار السكر حرمها من الحصول على هامش ربح كافٍ.

الخلطة والهريسة أحد أكثر أطباق الحلويات شعبية في اليمن (إكس)

ومنذ ما يقارب العامين قفزت أسعار السكر في العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين بنسبة تقارب 35 في المائة دفعة واحدة، فبعد أن كان سعر الكيس الذي يزن 50 كيلوغراماً يصل إلى 17 ألف ريال يمني للكيس، وصل إلى 22 ألف ريال (الدولار يساوي 530 ريالاً).

وحدثت تلك الزيادة حينها بسبب التعسفات التي تعرضت لها الشركة اليمنية لتكرير السكر في الحديدة (غرب البلاد) أواخر العام قبل الماضي، حيث تم احتجاز أسطول النقل التابع لها واختطاف مديرها العام من طرف قيادي حوثي، ولم تتراجع أسعار السكر منذ ذلك الوقت.

وشهدت الأيام الأخيرة زيادة جديدة في أسعار السكر، إذ وصل سعر الكيس إلى 24 ألف ريال لدى بعض التجار، وبينما كان الكيلوغرام يباع بـ480 ريالاً يمنياً، فوجئ المستهلكون بتجاوز سعره 500 ريال، في حين لم تحرك الجهات المعنية بتحديد الأسعار، التي يديرها الحوثيون، ساكناً.

وتسببت تلك الزيادة في تضييق هامش الربح الذي كانت تحققه المحمدي مجدداً، إلا أنها لم تفكر بزيادة أسعار منتجاتها هذه المرة خشية أن تخسر زبائنها مرة أخرى.

تأثير الاحتفالات

يفيد أيمن الشرعبي، زوج نسرين، أنه وزوجته اقتنعا بعدم التوقف مجدداً بسبب انعدام خياراتهما لكسب الدخل، وبحكم أنه بلا عمل، فقد خصص جزءاً كبيراً من وقته لمساعدة زوجته، سواء في مهام صناعة الحلويات أو توصيلها إلى الزبائن، وإضافة أجور التوصيل إلى مدخولاتهم وإلغاء التعاقد مع شركات التوصيل.

تراجعت عادات اليمنيين الغذائية إلى أدنى المستويات بفعل غلاء الأسعار (الأمم المتحدة)

ويستغرب الشرعبي من عدم التفات الرأي العام إلى الزيادة التي حدثت في أسعار السكر أخيراً، ويرجع السبب في ذلك إلى أنها ليست كبيرة، ولم تثر انتباه المستهلكين أو اهتمامهم، خصوصاً أن أسعار مختلف السلع ترتفع بشكل يومي، لكن هذه الزيادة أثرت عليه وزوجته في مشروعهما المنزلي.

أما الباحث الاقتصادي عبد القادر المقطري فيرجع السبب في زيادة أسعار السكر مؤخراً إلى احتفالات الانقلابيين الحوثيين بالمولد النبوي وذكرى الانقلاب، فمن ناحية تسببت التبرعات التي فرضوها على التجار والشركات في زيادة في مختلف الأسعار، وهي في الغالب زيادات غير ملحوظة، لأن التجار والشركات تعودوا أن الزيادات الملحوظة تتسبب بتعرضهم للابتزاز من طرف الانقلابيين.

ومن ناحية أخرى، فإن السكر حظي بزيادة في الطلب عليه من مصانع الحلويات، إما لصالح الاحتفال بالمولد النبوي أو بسبب بدء العام الدراسي، الذي يعد موسماً لزيادة إنتاج الحلويات التي يستهلكها الطلاب في المدارس خلال فترات الاستراحة، أو الأغذية التي تعدها الأمهات لهم في المنازل.

صاحبة مشروع أكل منزلي صنعت حلويات بلون العلم اليمني في ذكرى الثورة اليمنية (فيسبوك)

وتسبب غلاء السكر، ضمن غلاء مختلف المواد الغذائية، في تراجع استهلاك الحلويات بشكل واسع، ولم تعد متاجر الحلويات قادرة على البيع بنفس الكميات التي كانت تبيع بها خلال الأعوام الماضية، في حين يعاني مالكو وعمال الكافتيريات من استياء الزبائن بسبب تعمدهم تقليل كمية السكر في المشروبات والمأكولات.

حلويات لأثرياء الحرب

في كافتيريا الشيباني في شارع حدة، وسط العاصمة صنعاء، يجلس الصديقان جمال دبوان ومحمد الحدي لساعات طويلة يومياً وحيدين أو رفقة أصدقاء آخرين، ويطلب الاثنان شاياً بالحليب، أو ما يعرف بالشاي العدني، غير أن جمال ينبه العمال إلى أنه يحب الشاي بسكر خفيف، بينما يلح محمد على زيادة ملعقتين سكر.

يذكر دبوان لـ«الشرق الأوسط» أنه أقنع مالك الكافتيريا التي تبيع أيضاً العصائر الطازجة، بعدم خلطها بالسكر، نظراً لأن الفواكه لذيذة أساساً من دون السكر، ولأن ذلك أفضل من الناحية الصحية للمستهلكين، غير أنه وجده بعد أيام يشتكي من أن الزبائن استاءوا حين أدركوا خلو العصائر من السكر، وتهكم على ذلك بأنهم لا يدركون مصلحتهم.

ازدحام أمام محل لبيع الحلويات الشعبية في العاصمة اليمنية صنعاء (أ.ف.ب)

ويشير دبوان إلى أن ارتفاع أسعار السكر تسبب بارتفاع أسعار الشاي في الكافتيريات والمقاهي الشعبية ما يقارب 6 أو 7 أضعاف، فبعد أن كان سعر كأس الشاي بـ15 ريالاً يمنياً في عام 2015، أصبح الآن يباع بـ100 ريال على الأقل، أما الشاي بالحليب فوصل سعره إلى 200 ريال خلال 8 سنوات، بعد أن كان بـ30 ريالاً فقط (الدولار حوالي 35 في مناطق سيطرة الحوثيين)

وارتفعت أسعار الحلويات الشعبية اليمنية بارتفاع أسعار السكر، وتراجعت أرباح كثير من محلات الحلويات نظراً لتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، ما دفع أصحابها للإغلاق، حيث يصل سعر كيلو الحلوى في المتوسط إلى 700 ريال، بعد أن كان لا يزيد عن 300 ريال قبل 6 أعوام.

ووفقاً لفؤاد الريمي، وهو من سكان حي شميلة في الجنوب الشرقي للعاصمة صنعاء، فإن عدداً من محلات الحلويات الشعبية في الحي أغلقت، ما يدفعه إلى الانتقال إلى وسط المدينة حيث تنتشر محلات أخرى استطاعت الصمود في وجه الغلاء وتراجع القدرة الشرائية بفعل الزحام السكاني والعدد الكبير لزبائنها.

تراجع إقبال اليمنيين على الحلويات خلال الأعوام الأخيرة بفعل زيادة أسعار السكر (رويترز)

ويلاحظ الريمي بدء انتشار محلات بيع الحلويات الشرقية، التي حسب رأيه، لها زبائنها من الأثرياء الجدد الذين صنعتهم الحرب، على عكس بقية اليمنيين الذين يعشقون الحلويات الشعبية، ولم يتعرف سوى قلة منهم على الحلويات الشرقية التي تتميز بتعدد المكونات واعتمادها على المكسرات باهظة الثمن.

وبدأت هذه المحلات في التكاثر في حي حدة، جنوب العاصمة صنعاء، والحي الدبلوماسي المجاور له، وهما الحيان اللذان يعدان الأغلى في أسعار العقارات، وكانا خلال العقود الماضية، سكناً للطبقات الثرية والدبلوماسيين والسياسيين.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يعول على «هدنة غزة» لعودة مسار السلام في اليمن

العالم العربي غروندبرغ يحيط مجلس الأمن بمستجدات الحالة اليمنية (الأمم المتحدة)

غروندبرغ يعول على «هدنة غزة» لعودة مسار السلام في اليمن

أبدى المبعوث الأممي هانس غروندبرغ أمله في أن يؤدي إبرام «هدنة في غزة» إلى عودة مسار السلام بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية محذراً من عواقب وخيمة للتصعيد.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي 38 ألف أسرة تضررت جراء الفيضانات التي ضربت اليمن (إعلام حكومي)

الحوثيون والكوارث الطبيعية يهجرون اليمنيين

أظهرت بيانات مبادرة دولية معنية برصد الأزمات والنزوح والكوارث أن التغيرات المناخية باتت وكأنها تنافس الحوثيين في تهجير اليمنيين خلال العامين الأخيرين وفق ناشطين

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقاتلة تنطلق من على متن حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» (الجيش الأميركي)

الحوثيون يزعمون قصف الحاملة «هاري ترومان» للمرة السادسة

زعم الحوثيون مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها في شمالي البحر الأحمر، للمرة السادسة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)

الحوثيون يزعمون استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر

أعلن الحوثيون تنفيذ عملية عسكرية مشتركة استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» وقطعاً بحرية تابعة لها شمال البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 (غيتي)

انقلابيو اليمن يحولون المدارس إلى ثكنات 

تعسفت الجماعة الحوثية مع موظفي قطاع التعليم وحرمتهم من صرف نصف راتب شهري تعهدت به سابقاً وأجبرت طلاب المدارس على المشاركة في دورات قتالية

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون يزعمون استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر

أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)
أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يزعمون استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر

أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)
أنصار الحوثيين يرددون شعارات ويرفعون أسلحتهم خلال احتجاج مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل في صنعاء 10 يناير 2025 (إ.ب.أ)

أعلنت جماعة «أنصار الله» الحوثية في اليمن، الأربعاء، أنها نفذت عملية عسكرية مشتركة، استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» وقطعاً بحرية تابعة لها شمال البحر الأحمر.

وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، في بيان: «إن العملية نفّذتها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر بصواريخ مجنحة وطائرات مسيّرة خلال محاولة الحاملة الاعتداء على اليمن».

وزعم أن العملية «حققت أهدافها بنجاح. ويعد استهداف حاملة الطائرات (ترومان) هو السادس منذ قدومها إلى البحر الأحمر»، وفق «وكالة الأنباء الألمانية».

وأكد المتحدث أنهم جاهزون لأي تصعيد أميركي - إسرائيلي، «ومستمرون في أداء الواجب تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم».

وأردف بالقول: «عملياتنا لن تتوقف إلا بوقف العدوان، ورفع الحصار عن قطاع غزة».

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» في البحر الأدرياتيكي 2 فبراير 2022 (رويترز)

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، يواصل الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها، أو تلك المتوجهة إليها، وذلك «نصرة للشعب الفلسطيني في غزة».

وردّاً على تلك الهجمات التي ألحقت أضراراً بحركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وخليج عدن، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، تنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين الذين استهدفوا في المقابل السفن التابعة للدولتين.