اللحوم تستعصي على اليمنيين وتملأ موائد أثرياء الحرب

تجار المواشي عرضة للإفلاس جراء الكساد والاستغلال

شابان من تجار المواشي ينتظران قدوم الزبائن في صنعاء (رويترز)
شابان من تجار المواشي ينتظران قدوم الزبائن في صنعاء (رويترز)
TT

اللحوم تستعصي على اليمنيين وتملأ موائد أثرياء الحرب

شابان من تجار المواشي ينتظران قدوم الزبائن في صنعاء (رويترز)
شابان من تجار المواشي ينتظران قدوم الزبائن في صنعاء (رويترز)

ما زالت أسعار اللحوم تمثل خيبة أمل لليمنيين بعد شهر ونصف الشهر من انقضاء عيد الأضحى، فبعكس المتوقع؛ لم تتراجع الأسعار، بل شهدت ارتفاعات متفاوتة رغم هبوط أسعار المواشي وشكوى المربين والتجار من كساد بضائعهم، التي تغص بها موائد أثرياء الحرب فقط.

يقول عمران الشرعبي، وهو موظف عمومي في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يجلب أضحية أو لحوماً إلى المنزل في عيد الأضحى، وكان يأمل أن يتمكن من ذلك بعد انقضاء العيد بفترة، متوقعاً تراجع الأسعار بسبب تراجع الطلب، إلا أنه ومنذ شهر كامل لم يجد أقل من 7 آلاف ريال للكيلو الواحد، حيث سعر الدولار نحو 530 ريالاً في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين.

ويضيف الشرعبي أنه تردد على سوق المواشي ليجد تراجعاً كبيراً في أسعار الماشية عما كانت عليه قبل عيد الأضحى، مع شكوى الباعة من تعرضهم لخسائر كبيرة؛ إلا أن تلك الأسعار ما زالت بعيدة عن متناول يده، فهو يرغب في بضعة كيلوغرامات لعائلته المحرومة من اللحوم منذ مدة طويلة، وليس بمقدوره شراء رأس من الماعز أو الضأن.

ويشتكي المزارعون ومربو المواشي والتجار من استغلال الجزارين ومندوبيهم، فخارج مواسم عيد الأضحى يكون هؤلاء هم زبائنهم فقط، وهم من يتحكمون بأسعار المواشي، ويحققون منها أرباحاً كبيرة تصل إلى أكثر من 100 في المائة غالباً، وهو ما يلحق الضرر بالمربين والمزارعين والمستهلكين.

يمارس الانقلابيون الحوثيون إجراءات تعسفية بحق تجار المواشي واللحوم (إعلام حوثي)

ويطالب المربون والتجار بوضع تسعيرة عادلة للجميع، بحيث يحدد سعر المواشي بالوزن بدلاً مما هو معمول به حالياً، حيث يجري تقدير أسعارها وفقاً لأحجامها، وبحسب مزاج الجزار أو مندوبه، وتبعاً لحركة السوق خلال اليوم والأسبوع، فالأسعار تتغير من يوم لآخر، كما تتغير خلال اليوم.

احتكار الجودة

يرى الباحث الاقتصادي عبد القادر المقطري أن الجزارين يملكون أدوات ووسائل تمكنهم من التحكم بالأسعار لا يملكها المزارعون والمربون الذين يتنقلون بمواشيهم بين مزارعهم البعيدة في الأرياف والأسواق، ويضطرون لبيعها بأسعار لا تحقق أرباحاً مجزية، بسبب خوفهم من العودة بها بعد أن أنفقوا مبالغ كبيرة لنقلها ورعايتها.

وإلى جانب ذلك؛ فعند العودة بها إلى المزارع سيضطرون إلى إنفاق مبالغ أخرى لتغذيتها حتى مواعيد الأسواق المقبلة، بينما هم بحاجة إلى تربية المواشي المولودة حديثاً، في حين يكتفي الجزارون بنقل المواشي من الأسواق إلى المسالخ وبيعها هناك، ليتم ذبحها والاحتفاظ بها في الثلاجات ومخازن التبريد، بحسب المقطري.

ويشير إلى أن الجزارين لديهم زبائنهم الذين لا يكترثون بالأسعار، وهم أولئك الطبقة الجديدة من الأثرياء الذين صنعتهم الحرب والانقلاب ولم يبذلوا جهداً في تكوين الثروات سواء بالنهب أو الفساد، وهؤلاء يهتمون بجودة اللحوم غير مكترثين بأسعارها، ويبيع لهم الجزارون بأسعار أكبر بكثير من التسعيرة المتداولة أو المقرة من السلطات.

ويؤكد تجار المواشي هذه الفرضية باتهامهم الانقلابيين الحوثيين بالتواطؤ مع الجزارين الذين يقدمون اللحوم الطازجة وبجودة عالية لقادتهم، ويذهبون في اتهاماتهم تلك إلى أن التواطؤ يكاد يكون معلناً، فغالبية الجزارين معفون من الجبايات والإتاوات وحتى من الرسوم القانونية المعروفة.

ويزيد نشاط تهريب الماشية المحلية إلى الخارج من معاناة المزارعين ومربي وتجار المواشي، وهو النشاط الذي يؤكد رجل أعمال مُطَّلِع في العاصمة صنعاء أنه يحدث برضا ومشاركة قيادات انقلابية تتقاسم عائداته مع المهربين مقابل التسهيلات التي تقدمها لهم.

يتعرض تجار الماشية للابتزاز الحوثي ويجبرون على دفع إتاوات باهظة (إكس)

وتكمن المفارقة بحسب رجل الأعمال، الذي طلب من «الشرق الأوسط» إخفاء بياناته، في أن مربي وتجار المواشي المحلية يُجبرون بسبب عدد من الممارسات على بيع مواشيهم بأسعار غير عادلة، ويتم تهريبها أو بيعها لحوماً بأسعار مرتفعة جداً، وفي مقابل ذلك تعدّ المواشي المستوردة باهظة الأثمان.

ويتابع رجل الأعمال: «تذهب اللحوم المحلية الجيدة إلى موائد الأثرياء، بينما تعرض اللحوم المستوردة الأقل جودة في محلات الجزارة، ورغم ذلك لا يتمكن من شرائها إلا القليلون».

نقابة بمهام معكوسة

حدّدت السلطات التجارية للانقلابيين الحوثيين أسعار اللحوم في العاصمة صنعاء بـ5500 ريال يمني للكيلوغرام من لحم الضأن، و4 آلاف ريال لنظيره من اللحم البقري، إلا أن المستهلكين يشتكون من عدم التزام الجزارين بهذه الأسعار، والبيع بأرقام تصل إلى الضعف دون تدخل السلطات الانقلابية، بينما لا توجد تسعيرة في بقية المدن والمناطق تحت سيطرة الانقلابيين.

ويشتكي تجار المواشي أيضاً من صمت نقابتهم التي تمت السيطرة عليها من طرف الانقلابيين الحوثيين، وإجبارها على تجيير أنشطتها لصالح اللجنة الزراعية، وهي الكيان الذي أنشأه الانقلابيون الحوثيون لجمع الجبايات والإتاوات من المزارعين ومربي المواشي وتجار المنتجات الزراعية والماشية.

تتكدس المواشي في الأسواق اليمنية بسبب تراجع القدرة الشرائية (رويترز)

ومنذ ما يقارب العامين، لم يصدر موقف واحد من نقابة بائعي اللحوم وتجار المواشي في مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين، بل تكتفي بالصمت أو تأييد القرارات الصادرة عما يعرف باللجنة الزراعية، بعد أن كانت لها مواقف ضد ممارسات اللجنة الزراعية من نهب وجبايات غير قانونية وفرض قيود على تجارة المواشي.

وكشفت، أخيراً، مصادر تجارية في العاصمة صنعاء عن أن اللجنة الزراعية والجمارك احتجزت قبل أسابيع ما يقارب 500 رأس مستورد من الأبقار تابعة لتجار في العاصمة صنعاء بحجج مختلفة، كالتهرب من الجمارك أو تهريب المخدرات في بطون الأبقار.

المصادر وصفت هذا الاحتجاز بالابتزاز، وذلك لإجبار التجار على دفع المزيد من المبالغ مقابل الإفراج عن المواشي، حتى إن الانقلابيين يجلبون العمال في المسالخ التي يسيطرون عليها لذبح بعض رؤوس الماشية بزعم البحث عن المخدرات، ثم إلزام التجار بتسلمها بعد ذبحها، أو بيعها بأثمان بخسة.

ويفرض الانقلابيون ما يقارب 200 دولار رسوماً جمركية عن كل رأس بقر مستورد، ومثلها عن كل 20 رأس من الماعز والضأن.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.