منعطف جديد من المواجهة بين تجار اليمن والانقلابيين الحوثيين

الجماعة أغلقت 83 مخبزاً وفرضت تسعيرة على المنتجات

مندوبو الحوثي يغلقون إحدى الشركات بصنعاء (إعلام حوثي)
مندوبو الحوثي يغلقون إحدى الشركات بصنعاء (إعلام حوثي)
TT

منعطف جديد من المواجهة بين تجار اليمن والانقلابيين الحوثيين

مندوبو الحوثي يغلقون إحدى الشركات بصنعاء (إعلام حوثي)
مندوبو الحوثي يغلقون إحدى الشركات بصنعاء (إعلام حوثي)

دخلت المواجهة في اليمن بين الحوثيين والتجار في مناطق سيطرة الانقلاب منعطفا جديدا، مع رفض اتحاد الغرف التجارية فرض تسعيرة للسلع واحتجاز البضائع وبيعها بالقوة، في وقت ردت فيه الجماعة بالتمسك بقرارها وإمهال القطاع التجاري أسبوعا لتسوية أوضاع منتسبيه.

وإذ هددت الجماعة الحوثية جميع التجار بالعقاب أعلنت أنها ضبطت 83 مخبزا بتهمة مخالفة الأوزان والأسعار التي فرضتها، وأحالت أكثر من 70 بلاغا ضد التجار والمحلات إلى النيابة الخاضعة لها.

المواجهة المتصاعدة بين الجانبين، خرجت هذه المرة إلى العلن بعد سنوات من اللقاءات المغلقة، وأشعل نيرانها، إغلاق الميليشيات الحوثية شركة «ناد فود» للمواد الغذائية والمملوكة لمجموعة شركة «هائل سعيد أنعم» كبرى المجموعات التجارية في اليمن، بتهمة عدم الالتزام بالتسعيرة التي فرضتها وزارة التجارة، واعتراضها طريق ناقلات الشركة وإفراغ حمولتها بالقوة والقيام ببيع منتجاتها من الألبان بالسعر المفروض.

مصادر تجارية في صنعاء ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن التجار يستوردون بضائعهم والمواد الخام بسعر الدولار في مناطق سيطرة الحكومة (الدولار يساوي حاليا 1300 ريال يمني)، وهذا السعر يساوي ضعف سعر الدولار الأميركي المفروض في مناطق سيطرة الحوثيين.

عناصر من الحوثيين يداهمون محلات بيع الملابس (إعلام حوثي)

إلى جانب ذلك يرغم التجار على دفع جبايات متعددة، وتحت مسميات مختلفة، ويتعرضون للابتزاز في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون في عدد من المحافظات وعلى خطوط التماس مع مناطق سيطرة الحكومة، وهذا يضاعف تكلفة الإنتاج وإيصال السلع، في حين أن الجماعة تريد فرض سعر يتوافق مع سعر الدولار في مناطق سيطرتها، رغم أنها لا توفر للتجار أي مبالغ من العملة الصعبة لفتح الاعتمادات البنكية.

* جبايات وتهديد

وبحسب هذه المصادر فإن الحوثيين يستغلون نصا في قانون التجارة الداخلية يعطي لمجلس الوزراء حق التدخل في تحديد أسعار السلع عند حدوث الكوارث أو في حالات الطوارئ، ويريدون فرض نمط الاقتصاد الموجه الذي انتهى العمل به منذ عقود، حيث حددوا سعرا للدولار يقارب 600 ريال يمني، ولكن البنوك في مناطقهم لا تستطيع فتح أي اعتماد بنكي إلا عبر البنوك في مناطق سيطرة الحكومة، حيث يتحكم العرض والطلب بسعر الدولار وأسعار السلع أيضا.

وتوقعت المصادر أن يؤدي إصرار الحوثيين على فرض هذه التوجهات إلى مغادرة الكثير من رؤوس الأموال تلك المناطق إلى الخارج أو مناطق سيطرة الحكومة.

وغداة بيان أصدره اتحاد الغرف التجارية وحذر فيه من هجرة الرأسمال الوطني بحثا عن الأمن الاقتصادي، ظهر وزير التجارة والصناعة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها محمد مطهر ، على قناة «المسيرة» الناطقة بلسان الجماعة وهدد التجار بإجراءات عقابية إذا لم يلتزموا بقرار تحديد أسعار السلع، وقال إنه أمهلهم أسبوعا لتصحيح أوضاعهم، مؤكدا أن القائمة السعرية التي أصدرها «نافذة وتم احتسابها بطرق عادلة وفقا للأسعار والمتغيرات العالمية وأسعار الصرف».

الوزير الحوثي محمد مطهر حذر التجار من أنه ومن بداية الأسبوع المقبل ستقوم لجان وزارته الميدانية بالنزول إلى كل الأسواق لضبط المخالفين، وشكر من قال إنهم يعدّون من التجار المبادرين للالتزام بالقائمة السعرية، ودعا من تبقى «للالتزام بالمهلة المحددة».

الوزير الحوثي يهدد التجار بعقوبات (إعلام حوثي)

وبرر القيادي الحوثي القرار بتحديد السقوف العليا لأسعار السلع الغذائية والأساسية بأنه «يستند إلى مهامه وصلاحياته والقوانين النافذة »، مع أن المادة 2 من قانون التجارة الداخلية في اليمن الصادر عام 2007 تنص في الفقرة السادسة على أن «تحدد الأسعار وفقاً لآلية السوق وحرية المنافسة».

وردا على تحذيرات التجار من الهجرة والنزوح إذا ما استمرت هذه الممارسات قال الوزير الحوثي إنه «لن يثنيه أي شيء». ولم يكتف بذلك بل ضم معه رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور، الذي برر قرار الحوثيين بأنه «نتاج للانخفاضات في الأسعار العالمية»، واستغرب بيان الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، متهما الاتحاد بعدم إرفاق أي بيانات بشأن قائمة التكاليف واحتسابها.

* مصادرة المنتجات

بالتوازي مع ذلك وجه الوزير الحوثي فروع وزارة التجارة والصناعة في مديريات العاصمة بنزول ميداني للأسواق لتعميم القائمة السعرية المحدثة، وحث جميع التجار على التقيد بالقائمة السعرية (المخفضة)، قائلا إن اللجان الميدانية من مأموري الضبط القضائي ستقوم بضبط أي مخالف. فيما أعلن المدير العام لمكتب الصناعة بالأمانة ماجد السادة تكثيف العمل الرقابي ومتابعة القائمة السعرية وأوزان رغيف الخبز في المخابز ومنافذ البيع، ومتابعة البلاغات تنفيذا لتوجيهات الوزير.

مكتب وزارة الصناعة والتجارة بالعاصمة صنعاء قال إنه مع تكثيف النزول الميداني للتفتيش على الأفران والمخابز ومنافذ البيع تم ضبط 83 مخبزا ومنفذا للبيع خلال يومين، وشدد على أن الرقابة تشمل المخابز والبقالات والمطاعم، وأنه سيتم إحالة من يكرر المخالفة إلى النيابة والقضاء لتُتخذ تجاههم إجراءات صارمة قد تصل إلى الإغلاق النهائي.

وفي مطلع مايو (أيار) أغلقت الجماعة الحوثية شركة «نادفود» للألبان وهي أكبر شركة لإنتاج الأغذية في اليمن وإحدى شركات مجموعة «هائل سعيد أنعم»، وقالت الجماعة إنها اتخذت هذا الإجراء بسبب رفض الشركة القائمة السعرية المفروضة، كما اعترضت ناقلات الشركة وقام عناصرها بإنزال البضائع وبيعها بالسعر الذي يريدون فرضه.

عناصر الانقلاب الحوثي يتيحون لأنفسهم المداهمات لأي موقع وفي أي وقت (إعلام حوثي)

كما يعاني التجار في مناطق سيطرة الحوثيين من فرض جبايات متعددة ومتنوعة، منها جبايات لدعم المجهود الحربي للحوثيين، والمناسبات الطائفية.

وخاض التجار قبل ذلك مواجهة طويلة مع الحوثيين بشأن الجبايات والابتزاز واستحداث منافذ جمركية، وآخر تلك المواجهات كانت حول قرار (قانون) منع الفوائد عن الودائع البنكية ومصادرة أكثر من عشرة مليارات دولار فوائد الدين الداخلي واحتياطي البنوك والشركات وهيئة المعاشات، ومع ذلك أصر الحوثيون على رؤيتهم وأصدروا ذلك القرار، ما جعل البنوك التجارية تقرر إلغاء كل الودائع البنكية وتحويلها إلى حسابات جارية.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).