الأخبار الزائفة سلاح فعّال يستخدمه طرفا القتال في السودان

من إشاعة مقتل حميدتي إلى اعتقال كرتي... التزييف يطمس الحقائق

الدخان يتصاعد وسط استمرار القتال في السودان (رويترز)
الدخان يتصاعد وسط استمرار القتال في السودان (رويترز)
TT

الأخبار الزائفة سلاح فعّال يستخدمه طرفا القتال في السودان

الدخان يتصاعد وسط استمرار القتال في السودان (رويترز)
الدخان يتصاعد وسط استمرار القتال في السودان (رويترز)

اشتدت ضراوة الحرب الإعلامية والنفسية بين المتصارعين في السودان بعد مرور 6 أسابيع على الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. واشتغلت أجهزة دعاية الطرفين بحماس شديد على صناعة وفبركة الأخبار والأحداث، فضخت سيلاً من الأخبار الزائفة والمموهة للتأثير على الرأي العام وعلى معنويات المقاتلين، وربما على مجرى المحادثات في مدينة جدة. وصار كل طرف يوظف أعداداً من صناع المحتوى والصحافيين لخلق واقع نفسي غير حقيقي يزعم فيه «أنه انتصر» على طريقة وزير الدعاية النازي، جوزيف غوبلز.

وانتشرت الأخبار الزائفة في جميع وسائط التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية والمواقع التي يديرها صحافيون وصناع محتوى، فحولت يقين المواطنين إلى حيرة، بما في ذلك أجهزة الإعلام والصحافة التي وجدت نفسها في بعض الأحيان متورطة في إذاعة ونشر أخبار زائفة، بل إن بعضها يفعل عن قصد.

تحقيق انتصارات

وتراوحت الأخبار الزائفة الكبيرة بين تحقيق انتصارات هذا الطرف على الآخر، مدعومة بفيديوهات في الغالب مفبركة، بلغت ذروتها بنشر صورة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، يبدو فيها «ميتاً ومحنطاً»، وسدت أنفه وأذناه بالقطن، إشارة لتجهيزه للدفن، بجانب إشاعات كثيرة أخرى تتحدث عن أنه أُصيب إصابة بالغة جعلته عاجزاً عن تأدية مهامه. غير أن الرجل ظهر في فيديو بجوار القصر الرئاسي على عربة رباعية مسلحة ويحمل بندقية قنص.

ولم تقتصر الإشاعات على قائد قوات الدعم السريع وحده، بل بلغت قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، إذ تم تداول إشاعات عن وضعه قيد الإقامة الجبرية، واستيلاء الإسلاميين في الجيش على السلطة، وإدارة الحرب باسمه، إلى أن ظهر البرهان في مقطع مصور أمام القيادة العامة. بل حتى بعد ظهوره، تناقلت مواقع أن الصورة ليست للرجل وإنما لشبيه له تم استخدامه لنفي خبر إقامته الجبرية.

ونقل «فريق جهينة»، وهي مجموعة متخصصة في التحقق من الأخبار والمعلومات والصور وتدقيقها، تقريراً عن الأخبار الزائفة والإشاعات والأكاذيب ليوم واحد هو الجمعة الماضي 19 مايو (أيار) الحالي، وتجاوز عددها 8 أخبار زائفة، وعلى قدر كبير من الأهمية والتأثير على الرأي العام السوداني.

علي كرتي

وتناقلت أيضاً وسائط التواصل الاجتماعي خبراً عن اعتقال الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» المتشدد، علي أحمد كرتي، من قبل قوات الدعم السريع، ولأنه خبر يتسق مع الخط الإعلامي مع ما أعلنه «الدعم السريع» بأنه يلاحق الرجل للقبض عليه باعتباره مشعل الحرب وقائدها الفعلي، لكن الرجل نفى على وسائط التواصل خبر اعتقاله، وتم التعامل مع النفي نفسه باعتباره مختلقاً. غير أن «فريق جهينة» جاء بالخبر اليقين، مؤكداً أن الخبر مجرد «إشاعة»، وأن الرجل لا يزال حراً طليقاً.

وغداة صدور المرسوم الرئاسي بإعفاء نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصبه، وتعيين رئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان» مالك عقار بديلاً عنه، أصدرت مواقع صحافية وإعلامية ووسائط تواصل خبراً فحواه أن الرجل اعتذر عن قبول المنصب، ونسبته إلى وكالة الصحافة الفرنسية. لكن مدير مكتب الوكالة الفرنسية في الخرطوم، أصدر في وقت لاحق إعلاناً رسمياً عن عقار يحمل توقيعه بصفته الجديدة، وأكد في الإعلان قبوله المنصب الجديد، وهو ما أكده أيضاً «فريق جهينة» قبيل إعلانه الرسمي بالقبول.

جبريل إبراهيم

كما تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي مرسوماً دستورياً مكتوباً بالطريقة نفسها التي يكتب بها إعلام مجلس السيادة الانتقالي بياناته، قضى بتعيين وزير المالية جبريل إبراهيم رئيساً للوزراء، وإعفائه من مهامه وزيراً للمالية وتعيين بديل له، ثم اتضح لاحقاً أنه خبر زائف قبل التحقق منه من قبل الفريق المختص.

ونقلت إشاعة أخرى خبراً مثيراً عن مقتل القيادي في تحالف «الحرية والتغيير» ورئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري» ياسر سعيد عرمان، في ظروف غامضة في العاصمة الإريترية أسمرا، واتضح لاحقاً أنه خبر مفبرك القصد منه إرباك المشهد السياسي، وإرسال رسائل محددة دأب إعلام الإسلاميين التلويح بها.

وفيما تداولت وسائط التواصل الاجتماعي رواية نسبتها إلى الوزير السابق والمتحدث باسم القوى الموقعة على «الاتفاق الإطاري» خالد عمر يوسف، أنه قال: «لا ننكر أننا كنا سبب هذه الحرب، ولكن لم نتخيل أنها ستصل لهذا الدمار»، واتضح مرة أخرى أنه خبر مفبرك كشفه «فريق جهينة».

ولم تسلم حتى الأمانة العام للأمم المتحدة من الأخبار المصنوعة والمفبركة، فقد نسبت عدة صفحات على موقع التواصل «فيسبوك» إلى مكتب الأمين العام أن مستشار قائد «قوات الدعم السريع» يوسف عزت، طلب من الأمم المتحدة توفير ضمانات لوضع السلاح مقابل الخروج الآمن لقادة قوات الدعم السريع، وهو ما أكد «فريق جهينة» أنه خبر مزيف.

دمج القوات

يذكر أن طرفي الصراع في السودان قد اختلفا حول عدة قضايا تتعلق بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، أهمها من يتولى هيئة القيادة الجديدة الموحدة. فبينما طالب حميدتي بأن يرأس الهيئة رئيس الدولة المدني المرتقب، طالب البرهان بأن يرأسها قائد الجيش. كما طالب حميدتي بالتخلص من الضباط الموالين للإسلاميين في الجيش بالتزامن مع دمج قواته فيه. ورغم الوساطات الأممية والإقليمية والمحلية لخفض التوتر بين القوتين العسكريتين، فقد تطور الصراع بشكل متسارع حتى وصل حد الصدام المسلح الذي وقع في 15 أبريل (نيسان) الماضي، والذي وصف فيه حميدتي صديقه القديم البرهان بأنه «مجرم وكاذب»، بينما وصف الجيش قوات الدعم السريع بأنها ميليشيا متمردة، بعد أن كان يصفها بأنها جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة، بل هي «وُلدت من رحم الجيش».


مقالات ذات صلة

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

حكومة موازية لـ«الدعم السريع» في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيلَ إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد 19 شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في العاصمة السودانية الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

صحيفة سودانية: «الدعم السريع» تشكل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم

أفادت صحيفة «سودان تريبيون»، اليوم (الجمعة)، بأن «قوات الدعم السريع» أعلنت تشكيل سلطة مدنية لإدارة ولاية الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي: «الأزمة الإنسانية في السودان تعد الأكبر في زمننا، والتدخلات الخارجية في الحرب الدائرة يجب أن تتوقف».

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا سودانيون فروا من العنف المتصاعد بولاية الجزيرة يستريحون في مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

«الخارجية الفرنسية» تحث طرفي الحرب في السودان على وقف القتال

حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، الذي زار مخيمات لاجئين سودانيين في تشاد، الخميس، طرفي النزاع بالسودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات.

«الشرق الأوسط» (أدري (تشاد))

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.