انتهازية الحوثيين تخنق المشاريع الصغيرة وتدمر الاقتصاد اليمني

كبريات المجموعات التجارية تحاول التعايش مع ابتزاز الميليشيات

عنصر حوثي يغلق مقرا تابعا لشركة تجارية في العاصمة صنعاء بمبرر رفع الأسعار (إعلام حوثي)
عنصر حوثي يغلق مقرا تابعا لشركة تجارية في العاصمة صنعاء بمبرر رفع الأسعار (إعلام حوثي)
TT

انتهازية الحوثيين تخنق المشاريع الصغيرة وتدمر الاقتصاد اليمني

عنصر حوثي يغلق مقرا تابعا لشركة تجارية في العاصمة صنعاء بمبرر رفع الأسعار (إعلام حوثي)
عنصر حوثي يغلق مقرا تابعا لشركة تجارية في العاصمة صنعاء بمبرر رفع الأسعار (إعلام حوثي)

أجبرت ظروف الانقلاب الحوثي في اليمن، والإتاوات الباهظة التي تفرضها الميليشيات؛ الكثير من أصحاب الأموال والتجار على النزوح إلى المناطق المحررة، وضاعفت رغبات القيادات الحوثية في الاستثمار والإثراء السريع من تجريف الأنشطة الاقتصادية، والتسريع بإفلاس رجال الأعمال والمشاريع الصغيرة، في وقت تحاول فيه كبريات المجموعات التجارية التعايش مع الوضع الجديد وتجاوز مشاكله.

فعند عودته إلى العاصمة صنعاء؛ اتجه راشد جابر إلى معارفه من القيادات ورجال الأعمال الحوثيين لمساعدته في بدء استثمارات جديدة، وتعويض خسائر سابقة تعرض لها؛ إلا أنه تعرض للابتزاز من قبلهم كما فعلوا به سابقا، وطلبوا منه أن يعمل تحت مظلتهم، وأن يتقاسم معهم استثماراته، خصوصاً وأنه سيحظى بحمايتهم بحسب زعمهم.

كان راشد، وهو اسم مستعار، اضطر إلى العودة للعيش في منزله في العاصمة اليمنية صنعاء، بعد أن حاول خلال السنوات الماضية تصفية كامل أعماله فيها، والانتقال للاستثمار خارج البلاد؛ غير أنه لم يتمكن من نقل أرصدته المالية إلى الخارج بسبب القيود التي يفرضها الانقلابيون الحوثيون، ولجأ إلى طرق معقدة خسر فيها جزءاً كبيرا من أرصدته.

عقب استقرار راشد في إحدى دول الجوار والبدء في الاستثمار، واجهته العديد من المعوقات، كان أهمها عدم مقدرته نقل أرصدته البنكية بسبب القيود التي يفرضها الانقلابيون الحوثيون على البنوك، ما يجعل الطرق التي تمكن بها من نقل جزء من أرصدته غير مشروعة، في حين تشترط قوانين تلك الدولة أن تنقل أموال المستثمرين عبر التحويلات البنكية.

خلال مساعيه لتصفية أعماله واستثماراته في العاصمة صنعاء، تعرض راشد للابتزاز من القيادات ورجال الأعمال الحوثيين، واضطر لتسليمهم محلاته بأثمان بخسة مقابل أن يسمحوا له ويساعدوه في نقل أرصدته بسلاسة؛ إلا أن ما حدث هو العكس، ما ألحق به خسائر كبيرة، وكانت النتيجة تخليه عن استثمارته الداخلية وفشل استثماراته الخارجية.

سيطرة حوثية

يسيطر قادة ورجال أعمال حوثيون على العديد من المشاريع والقطاعات التجارية بهذه الطريقة التي تعرض لها رجل الأعمال راشد، فبمجرد أن يبدأ أصحاب الأموال، خصوصا المغتربين وأصحاب المدخرات، التفكير في استثمار أموالهم في مشاريع تدر عليهم الأرباح؛ تفاجأهم قيادات حوثية بعرض مقاسمتهم تلك الاستثمارات، مقابل الحماية والتسهيلات.

يوضح رجل الأعمال راشد لـ" الشرق الأوسط" أن تلك التسهيلات تشمل استخراج تراخيص مزاولة الأنشطة بدون كلفة مالية أو تعقيدات إجرائية، والإعفاء من الضرائب والجمارك ومختلف الرسوم المقررة، إلى جانب الإعفاء من الإتاوات والجبايات التي تفرضها الميليشيات الحوثية على جميع رجال الأعمال والتجار وأصحاب المحال ومختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية.

ولا يكون الرفض خياراً جيداً بالنسبة للمستثمرين الجدد؛ فبمجرد التفكير في الاستثمار والسعي للحصول على تراخيص مزاولة الأنشطة التجارية؛ يكون قد لفت الانتباه إليه، وأصبح مرصوداً من قبل النافذين الحوثيين، حيث يبدأ مسلسل ابتزازه منذ وصوله إلى مكاتب وزارة الصناعة والتجارة للحصول على التراخيص، ثم مكاتب الأشغال والبلدية والضرائب والزكاة، وغير ذلك، وجميعها مؤسسات تسيطر عليها وتديرها الميليشيات.

وحتى إن استجاب المستثمر لكل أنواع الابتزاز التي يتعرض لها، وحاول تجاوزها؛ فإنه لن ينجو من فرض إتاوات باهظة ومكلفة وبمختلف المسميات.

صداقات تأتي بالخسائر

يقول راشد إنه أحجم عن التفكير في الاستثمار مجدداً، فهو كان صاحب خبرة وتجربة سابقة مع الميليشيات الحوثية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، فقد فرضت عليه إتاوات كبيرة، ولم تفده محاولات بناء علاقات صداقة مع شخصيات حوثية نافذة لتجنب الابتزاز، بل إن تلك العلاقات تسببت له بمزيد من الخسائر.

ويوضح أكثر، أن الشخصيات النافذة التي سعى لبناء علاقات معها ليحصل من خلالها على إعفاءات من الإتاوات والجبايات التي لا تنتهي، كانت متطلبة بشكل كبير، واضطر لإرضائها بدفع مبالغ كبيرة وتقديم هدايا ثمينة، إلا أنها لم تفِ بوعودها في إعفائه من الإتاوات، ما جعل خسائره مضاعفة.

ولم تكتفِ تلك الشخصيات بالحصول على الأموال والهدايا، بل استغلت راشد في تقديم المشورات والخدمات اللوجستية لمساعدتها في استثماراتها التي أنشأتها من أموال حصلت عليها بالإثراء غير المشروع على حساب إيرادات مؤسسات الدولة، والاستيلاء على ممتلكات شخصيات سياسية واجتماعية نزحت إلى خارج مناطق سيطرة الميليشيات.

حملات إغلاق مستمرة

في السياق، تتواصل حملة الميليشيات الحوثية، لإغلاق كبريات الشركات والمحلات التجارية بمبرر مخالفة "القائمة السعرية"، وتعلن بشكل شبه يومي عن إغلاق عدد منها، وخلال الأسبوع الماضي أغلقت الميليشيات في صنعاء أحد مقرات مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، وهي إحدى أكبر المجموعات التجارية في البلاد.

وبررت الميليشيات عملية الإغلاق بسبب رفع سعر الزبادي عن الأسعار الرسمية التي أعلنتها الميليشيات عبر مكاتب وزارة الصناعة والتجارة التي تسيطر عليها. وتعرضت مجموعة شركات هائل سعيد أنعم لعشرات عمليات الإغلاق خلال الأشهر الماضية، على خلفية رفضها دفع إتاوات ضخمة تطلبها الميليشيات.

يفيد مصدر في وزارة الصناعة والتجارة التي تسيطر عليها الميليشيات في العاصمة صنعاء، أن كبريات الشركات والمجموعات التجارية استجابت لابتزاز الميليشيات الحوثية طوال السنوات الماضية، وتعاطت معها بشكل مرن من أجل الحفاظ على أنشطتها في مناطق سيطرة الميليشيات.

ويوضح أسباب ذلك التعامل بأن هذه المجموعات التجارية تعمل منذ عقود طويلة في هذه المناطق التي تشمل مساحة جغرافية واسعة وما يقارب ثلثي سكان البلاد، ما يعني أن إيقاف أنشطتها والانتقال إلى المناطق المحررة سيكلفها الكثير من الخسائر التي لن تستطيع تعويضها بسهولة، وفي مدى زمني قصير.

ويضيف المصدر أن الميليشيات تدرك صعوبة اتخاذ هذه المجموعات مثل هذا القرار، ولذلك تعمل على مضاعفة الجبايات التي تفرضها عليها، والتصعيد في ابتزازها.

 


مقالات ذات صلة

«الحوثيون»: لن نأخذ في الاعتبار أي تغيير في ملكية السفن الإسرائيلية

العالم العربي مشهد وزَّعه الحوثيون لاستهداف ناقلة في البحر الأحمر (أرشيفية - إ.ب.أ)

«الحوثيون»: لن نأخذ في الاعتبار أي تغيير في ملكية السفن الإسرائيلية

قالت جماعة الحوثي اليمنية، الأحد، إنها «لن تأخذ في الاعتبار أي تغيير في ملكية أو علم سفن العدو الإسرائيلي» وحذرت من التعامل مع هذه الشركات أو السفن.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
شؤون إقليمية الجيش الإسرائيلي قال إن المسيّرة سقطت في منطقة مفتوحة (أرشيفية - رويترز)

الحوثيون يتبنون هجوماً بالمسيرات على جنوب إسرائيل

أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن أنهم شنوا هجوماً بالمسيرات على جنوب إسرائيل، اليوم الثلاثاء، مؤكدين بذلك بياناً للجيش الإسرائيلي في وقت سابق.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي حرب غزة منحت الحوثيين مبرراً لهجماتها ضد السفن التجارية وإسرائيل (رويترز)

تقرير: روسيا قدمت «معلومات» للحوثيين استخدمت في مهاجمة سفن

قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن روسيا قدمت بيانات للحوثيين الذين يهاجمون السفن الغربية في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات بدون طيار في وقت سابق من هذا العام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره، في ظل وقوع حوادث مماثلة بوقت سابق في محافظات مختلفة.

وشغلت المصريين خلال الساعات الماضية واقعة شهدتها مدرسة بورسعيد الثانوية الميكانيكية بمحافظة بورسعيد في مصر، الأحد، بعدما تداول مدونون «اتهامات عن تعدي طالب على آخر بسلاح أبيض ما أصابه بطعنة نافذة في القلب، أدت إلى وفاته».

وكشف وزارة الداخلية المصرية، الاثنين، ملابسات الحادث، مشيرة، في بيان، إلى أن عملية الطعن جاءت على خلفية مشاجرة نشبت بين الطالبين في فناء المدرسة، و«أنه بالانتقال وسؤال شهود الواقعة أفادوا بقيام طالب بالتعدي على المجني عليه بسلاح أبيض (مطواة) كانت بحوزته، فأحدث إصابته، ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة».

وعقب تقنين الإجراءات، وفق البيان، تم «ضبط مرتكب الواقعة بمكان اختبائه بالقاهرة، كما تم ضبط السلاح المستخدم في ارتكاب الواقعة».

وجاء التعقيب سريعاً من وزارة التعليم، حيث أكد الوزير محمد عبد اللطيف، أن «الوزارة لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية أبنائها الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وسلامة سير العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية».

وشدد في بيان، الاثنين، على أنه «لن يتم القبول بتكرار مثل هذا الحادث، أو أي تجاوزات من قبل الطلاب أو المعلمين أو أي مسؤول، وأي تجاوز ستتعامل معه الوزارة بإجراءات صارمة وحازمة».

وكانت الوزارة، في أول رد فعل عقب الحادث، اتخذت إجراءات عاجلة ومشددة تضمنت إلغاء تكليف مديرة المدرسة، وتحويل جميع المسؤولين في المدرسة إلى الشؤون القانونية.

ويدرس نحو 25 مليون طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي في مصر، تضمهم 60 ألف مدرسة، بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم.

الواقعة أثارت تفاعلاً، وأعادت الحديث عن جرائم مشابهة، منها ما شهدته محافظة سوهاج (صعيد مصر)، قبل أيام، من إصابة طالب بالصف الأول الثانوي بجرح قطعي بالرقبة إثر تعدي زميله عليه بسلاح أبيض «كتر» إثر مشادة كلامية لوجود خلافات سابقة بينهما، بحسب وسائل إعلام محلية.

وزارة التعليم المصرية تسعى لحماية الطلاب وتطبيق أسس وقواعد التربية السليمة (الشرق الأوسط)

وخلال يوليو (تموز) الماضي، أقدم طالب بالثانوية العامة في محافظة بورسعيد أيضاً، على طعن زميله داخل إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، بدعوى عدم السماح له بالغش منه. وتكررت الواقعة للسبب نفسه خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما طعن طالب ثانوي بالإسكندرية زميله بآلة حادة عقب الخروج من لجنة الامتحان لعدم تمكينه من الغش، حيث استشاط غضباً لعدم مساعدته.

ومن قبلها في شهر مارس (آذار)، قُتل طالب على يد زميله بسلاح أبيض «كتر» أمام مدرسة ثانوية بمحافظة القليوبية، بسبب معاكسة فتاة.

الخبير التربوي المصري، الدكتور حسن شحاتة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يرجع مثل هذه الوقائع إلى «السلوك العدواني، الذي يكتسبه الطلاب من البيئة والمجتمع خارج المدرسة، من خلال مشاهدة التلفزيون وأفلام العنف، والألعاب العنيفة، وبالتالي ينقلونه إلى داخل المدرسة».

ولفت إلى أن «وقف هذا العنف مسؤولية مشتركة، فالأسرة عليها مهمة تجنيب الأبناء صور وأشكال السلوك العدواني، إلى جانب إفهام الطالب الخطأ من الصواب داخل المدرسة، والقوانين المنظمة للدراسة، والتشديد على الالتزام الأخلاقي داخل المؤسسة الدراسية، وكيف أنها مكان مقدس مثل دور العبادة».

ولا تمثل هذه الوقائع ظاهرة، وفق شحاتة، فهي «حوادث معدودة في ظل وجود 25 مليون طالب في مصر»، مبيناً أنه «مع ارتفاع كثافة الفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية مناسبة للتلاميذ، مما يؤدي إلى عدم تفريغ الشحنات الانفعالية لهم، وهنا يأتي دور المدرسة في إيجاد أنشطة في المدرسة رياضية وموسيقية وفنية، يمارسها الطلاب لتهذيبهم، مع وجود دور للمُعلم في تعليمهم السلوك السوي مع بعضهم البعض».

ويوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة المصرية اليابانية، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحوادث تعد «أعراضاً لتراجع النظام التعليمي»، وغياب «القيم التربوية».

ويلفت «صادق» إلى أن هذه الحوادث تعد امتداداً لإرث معروف بين الأسر تنصح به أطفالها، مثل عبارات: «لو حد ضربك في المدرسة اضربه» أو «خد حقك»، الذي معه «يقرر الطالب الاعتماد على نفسه في الحصول على حقه»، بينما الطبيعي، وفق صادق، عند تعرض الطالب لعنف أو تنمر «يشتكي للمعلم، ويرفع الأمر للإدارة لأخذ موقف ومعاقبة الطالب المعتدي؛ لكن مع غياب المعلم المؤهل وضعف إدارات المدارس، يغيب ذلك العقاب، وبالتالي نجد هذا العنف».