انعقدت «اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة» في القاهرة، الأربعاء، لأول مرة منذ ثلاث سنوات في دورتها التاسعة، وأسفرت عن توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات اقتصادية وتنموية وثقافية مختلفة، وسط تعويل من جانب الدولتين لأن تسهم مخرجاتها في الارتقاء بالعلاقات، ودفع تنسيق المواقف السياسية بشأن ملفات المنطقة.
ووقع البلدان اتفاقيات تعاون مشتركة في مجالات مختلفة بينها: الإسكان، والتنمية العمرانية، وتطوير المدن، والنقل البحري، والبنية التحتية، وتحول الطاقة والطاقات الجديدة والمتجددة، ومجال التكوين والتدريب المهني، بجانب توقيع البرنامج التنفيذي للتعاون في مجال الثقافة، والتعاون المتبادل في مجال التكوين والتدريب المهني.
ترأس اللجنة كل من رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، والوزير الأول الجزائري سيفي غريب، وشارك فيها وزراء ومسؤولون ممثلون للدولتين.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن انعقاد الدورة الحالية للجنة العليا المشتركة «يأتي وسط تحديات وتغيرات إقليمية ودولية متسارعة تستوجب مزيداً من التشاور والتنسيق المتكامل بين البلدين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، وعلاقات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة».
وأكد خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء اجتماع اللجنة ثقته في أن تسهم مخرجات اجتماعات «اللجنة العليا» و«منتدى الأعمال» في الارتقاء بمسار ومسيرة التعاون المشترك بين البلدين.
وعلى المستوى السياسي أشار مدبولي إلى توافق الرؤية المصرية - الجزائرية حول كثير من ملفات المنطقة «وعلى رأسها القضية الفلسطينية ودعم إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتطابق الرؤى حول ضرورة تفعيل الخطة التي اعتمدها مجلس الأمن مؤخراً، وبدء المرحلة الثانية من التعافي المبكر وإعادة الإعمار لقطاع غزة».
التنسيق المشترك
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف إن مصر والجزائر توليان أهمية كبيرة للتنسيق المشترك فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وضرورة إنهاء الحرب في قطاع غزة، مضيفاً أن التعاون بين البلدين يأتي «انطلاقاً من مواقف ثابتة تقوم على دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفض الممارسات كافة التي تُفاقم المعاناة الإنسانية أو تقوض فرص التهدئة».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التنسيق يكتسب أهمية إضافية في ضوء عضوية الجزائر الحالية في مجلس الأمن، «بما يتيح تعزيز التنسيق العربي في المحافل الدولية»، مضيفاً: «يجري التنسيق بين البلدين، ومع الشركاء العرب والدوليين، بشكل مستمر وعلى أعلى المستويات، دعماً لتنفيذ خطة السلام والالتزام الكامل بقرارات الشرعية الدولية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق».
وشدّد على أن مصر والجزائر تدعمان، وبالتنسيق مع تونس، الجهود الهادفة إلى دفع المسار السياسي في ليبيا عبر آليتهم الثلاثية المشتركة، «بما يضمن الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسيادتها وسلامة أراضيها، ورفض أي تدخلات خارجية أو محاولات لفرض الأمر الواقع».
واستطرد: «ويؤكد البلدان أهمية توحيد المؤسسات الليبية، ودعم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب فرصة ممكنة».
وعدّ الوزير الأول الجزائري سيفي غريب أن تعميق العلاقات بين الجزائر ومصر «ليس مجرد تسيير عادي للعلاقات بين البلدين، لكنه استجابة استراتيجية للتحديات الكبيرة التي تعرفها منطقتنا»، مشيراً إلى أن «تعزيز التنسيق والتشاور بين بلدينا إزاء مختلف القضايا الراهنة، يُعد أولوية للمساهمة في استعادة السلم والأمن في منطقة تعرف موجة اضطرابات غير مسبوقة تتطلب إحياء التضامن العربي وتوحيد الصفوف».

وكانت مصر والجزائر قد طالبتا بضرورة وقف الممارسات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وذلك خلال استقبال الرئيس المصري الوزير الأول الجزائري، وفق بيان للرئاسة المصرية الثلاثاء.
التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رؤوف سعد، إن العلاقات بين مصر والجزائر تشهد «تطوراً لافتاً مؤخراً بعد حالة من الهدوء، وهو أمر يتعلق بتطورات الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه كلا البلدين، وهو ما يدعم التعاون في مجالات اقتصادية أبرزها الطاقة وتكنولوجيا المعلومات وتبادل الاستثمارات، ما يضيف زخماً إلى علاقات البلدين، وينعكس ذلك على التنسيق بشأن ملفات سياسية مختلفة».
وسلّط رئيس الوزراء المصري الضوء على الحاجة الماسّة لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي يبلغ حالياً نحو مليار دولار، لافتاً إلى «توجيهات القيادة السياسية في البلدين بضرورة العمل على زيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى نحو 5 مليارات دولار خلال السنوات القليلة المقبلة».
وفيما يتعلق بأحداث غزة، قال السفير سعد لـ«الشرق الأوسط» إن مصر والجزائر تسعيان الآن إلى القيام بمراجعة تفصيلية لما أسفرت عنه حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وانعكاس ذلك على جملة من المتغيرات التي شهدتها المنطقة.
وأضاف: «لدى البلدين مصلحة في إنجاح مؤتمر إعادة الإعمار، وهو لا يهدف لتشييد المباني المهدمة فقط، لكنه يشكّل خطوة استباقية لدحض مساعي إسرائيل الانقلاب على وقف إطلاق النار وتحقيق أجندة توسعية متطرفة».
وتأتي زيارة الوزير الأول الجزائري للقاهرة بعد أن استضافت بلاده هذا الشهر «آلية دول الجوار الثلاثية»، حيث دعا وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس «الأطراف الليبية كافة للانخراط الفعلي في مسار التسوية السياسية».




